بازدید 3027

تحليل إعلامي: لماذا يفشل الأمريكيون في اختراق بيئة المقاومة؟

كان لقمان سليم في حياته إحدى محاولات الولايات المتحدة لاختراق بيئة الحزب الشعبية، لإيجاد بيئة معارضة من الداخل تعمل على قضم القاعدة الشعبية للحزب. فشل سليم في حياته، وبغض النظر عن القاتل، أراد مشغلوه استثمار مماته، ففشلوا أيضًا، بل أضافوا إلى شعبية حزب الله المزيد من التحشيد والزخم. والسؤال لماذا يفشل الأمريكيون دائمًا باختراق البيئة؟ وكيف تعمل الدعاية البيضاء الداخلية على مواجهة الدعاية السوداء الخارجية؟
کد خبر: ۱۰۳۵۵۶۱
تاریخ انتشار: ۰۱ اسفند ۱۳۹۹ - ۱۶:۴۲ 19 February 2021

بعد حرب تموز من العام 2006 ، وبناء على تحليل مضمون الصحافة العالمية ومقابلات مع ديبلوماسيين وصحافيين ، نشرت جامعة هارفرد دراسة إعلامية تجيب فيها عن السؤال التالي : " كيف يمكن لفئة منغلقة كحزب الله ، السيطرة التامة على الرسائل اليومية للصحافة والدعاية " . تنتهي الدراسة إلى أن حرب تموز " قدمت نموذجا جديدا للصراع في الشرق الأوسط بين " إسرائيل " ذات المجتمع المنفتح ، وفئة ميليشياوية سرية وعقائدية " . وفي هذا الإطار يقول الخبير العسكري الأميركي ستيف فوندارکو : " جاء اتحاد السياسة الثورية وتكنولوجيا الاتصال الحديث ليضع تعريفا جديدا لطبيعة الحرب غير المتكافئة كما شهدنا في حرب لبنان عام 2006 " . الواقع أن عدم التكافؤ واللاتناسبية قد حلت في المرتبة الأولى من أدوات الدعاية للمقاومة ، إذ وجه المراسلون العرب والغربيون انتقادات متكررة للعدو الإسرائيلي على ردة الفعل غير المتناسبة مع هجوم حزب الله ، الأمر الذي أظهر مظلومیته وحقه بالدفاع عن نفسه ، فاكتسب حزب الله قوة إلى قدرته العسكرية وهي قوة الحق .

فشل الاعلام الأميركي والإعلام العربي التابع له في التأثير بمجريات الحرب عبر التأطير الإعلامي لصالح " اسرائيل " ؛ الذي يظهر حزب الله بصورة المعتدي والارهابي . في حين استطاع حزب الله دحض ادعاءات العدو وأكاذيبه لرفع معنويات الجبهة الداخلية ، وتبيان حقيقة الأمر للرأي العام العالمي . وعلاوة على ذلك ، نجح في خلق حالة من الرعب لدى المستوطنين ، بأنهم في متناول نيران المقاومة . مستخدما ما يطلق عليه الدعاية " البيضاء " ، أي الدعاية المعروفة المصدر وذات الوقائع الواضحة والمعلومات الصحيحة بحسب التعريف الاصطلاحي . وهي الاستراتيجية الدعائية نفسها التي اعتمدها الراحل جمال عبد الناصر في حرب السويس عام 1956 ، إذ اعترفت صحيفة الديلي ميل حينها بأن " مصر كسبت المعارك التي خاضتها بفضل رئيسها من جهة ، وبفضل حجتها القوية من جهة ثانية . وكان الفضل الأكبر في هذا النجاح الجهازها الإعلامي الذي كان يؤدي لبلاده خدمة جليلة " .

انتهت حرب تموز وبدأت الولايات المتحدة بتمويل مشاريع شیطنة حزب الله الإعلامية والدعائية ، ومن حينها " عند كل حادث يحصل في لبنان صغيرا كان أو كبيرا ، تنبري جوقة إعلامية وسياسية معروفة التوجيه الاتهامات والسباب والادعاءات إلى حزب الله وإلى المقاومة في لبنان . وتستخدم لذلك شبكات التواصل الاجتماعي ، وكل وسائل الإعلام المحلية والكثير من وسائل الإعلام العربية المتواطنة في هذا الأمر "

يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ، ويضيف : " أثبتت هذه الحملة انه اذا كان المقصود هو المس بوعي جمهور المقاومة ، بهذه البيئة ، هذا بحمد الله وجل اعطى نتائج عكسية ، وأثبتت الأيام الماضية أن هذا الجمهور من خلال ما عبر عنه في وسائل الاعلام وفي الشارع وفي شبكات التواصل الاجتماعي انه يزداد تمسكا بالمقاومة وشعورا مظلومیتها واستعدادا للدفاع عنها والحضور الى جانبها " .

مرة أخرى فشلت إحدى الجولات الدعائية لشيطنة حزب الله داخل بيئته ، والتي جاءت بعد اتهام الحزب بمقتل الناشط المعارض لحزب الله لقمان سليم . بل أعطت نتائج عكسية ، وهي تجديد الولاء والتفاف الجمهور حول المقاومة التي شعر مظلومیتها فانتفض للدفاع عنها .

الواقع أن لقمان سليم في حياته كان إحدى محاولات الولايات المتحدة لاختراق بيئة الحزب الشعبية ، لإيجاد بيئة معارضة من الداخل تعمل على قضم القاعدة الشعبية للحزب . فشل سليم في حياته ، وبغض النظر عن القاتل ، أراد مشغلوه استثمار مماته ، ففشلوا أيضا ، بل أضافوا إلى شعبية حزب الله المزيد من التحشيد والزخم ، والسؤال لماذا يفشل الأمريكيون دائما باختراق البيئة ؟ وكيف تعمل الدعاية البيضاء الداخلية على مواجهة الدعاية السوداء الخارجية ؟

اولاً :وقبل أي تحليل سنعمد إلى تطبيق نموذج لاسويل في الرسائل الإعلامية لتفنيد الدعايتين : من يقول ماذا لمن وباية وسيلة " ، سنجيب عنها في الجدول التالي :

تحليل إعلامي: لماذا يفشل الأمريكيون في اختراق بيئة المقاومة؟

لدى تحليل هذا الجدول يتضح لدينا أن :

• المرسل والمرسل إليه في بيئة المقاومة هم واحد وعليه فإن " أهل مكة أدرى بشعابها " وأي رسالة خارجية كاذبة سيتم اكتشافها مباشرة ، بل إن أي رسالة سيتم بثها ، ولا تلتقي مع المزاج الشعبي سيتم وضعها تلقائيا في خانة نظرية المؤامرة . وهي نظرية وإن كانت شعبوية إلا أنها تحضن المجتمعات من الاختراق.

• في سيكولوجيا الجماهير ، يفضل الناس المعطيات الواضحة ويعتنقون الأفكار التي عايشوها ، أما الأخبار الملتبسة والتي تحتمل التأويل ، فإن الناس يتجنبونها لصعوبة وضعها في الخانات التي اعتادوا عليها .

• الواقع أن مجتمع المقاومة هو مجتمع مثقف ومطلع ولا تنطلي عليه الحجج غير المنطقية . وهو حال المجتمع اللبناني بأغلب أطيافه بشكل عام .

• تخرج الرسائل التي يتم بثها من قبل الدعاية السوداء إما من الفضاء الإعلامي المتلفز وإما في الفضاء الإلكتروني ، ولا تتعدى العالم الافتراضي البيئة المقاومة ، بينما تخرج رسائل الدعاية البيضاء من العالم الواقعي الذي أثبتته إنجازات المقاومة وأفعالها إلى العالم الواقعي نفسُه .

• جمهور المقاومة أصبح حاضرا على مواقع التواصل بكل أطيافه ، من فاعلين سياسيين إلى عسکریین ( يحضرون بصفتهم من البيئة ) إلى ناشطين وحتى المبلغين . وهؤلاء عندما يتلقون الرسائل الكاذبة والمضللة عن بيئتهم سيعمدون إلى دعاية مضادة بشكل تلقائي ، لشعورهم بأنهم مستهدفين شخصيا .

• الانفتاح على مواقع التواصل أخرج التجارب من الدائرة الضيقة للناس داخل البيئة إلى الدائرة الأوسع . فالملاحظ أنه ثمة تجمعات افتراضية تحصل على مواقع التواصل للبيئات ، حيث يقوم الناس من نفس البيئة بمتابعة نفس الناشطين ويكون بينهم عددا كبيرا من الأصدقاء المشتركين .

 

ثانياً : جاذبية حزب الله

الواقع أن صناعة الأفكار تتأثر بالفعل ، بل الفعل هو الذي يقود إلى ترسيخ الأفكار ، والمقاومة قد صنعت الأفكار في عقول الناس ورسختها من خلال أفعالها . بدء من عناقيد الغضب عام 1996 عندما صمدت وفرضت شروطها ، مرورا بتحرير الجنوب عام 2000 وصولا إلى انتصار تموز عام 2006 ، وليس انتهاء بالانتصار على التكفيريين على الجبهة السورية عام 2017 ، كل هذه الانتصارات بالإضافة إلى تحول حزب الله إلى فاعل إقليمي في المنطقة قد تحولت إلى أفكار في عقول الناس ، وهذا هو العام الحقيقي . لقد تحولت الفكرة إلى عقيدة بقوة الفعل . والقوة تجذب الناس إما بالإعجاب وإما بالخوف ، كما أن لدى القوة والقدرة ، جاذبية ساحرة تشل كل ملكات الجمهور النقدية ، يمكن القول إن أغلبية القاعدة الشعبية لحزب الله والتي كانت قد عانت في الماضي من الاستضعاف في بيئتها والظلم والإهمال من السلطات السياسية المتعاقبة ، وأخيرا وجدت لنفسها قوة وازنة لن تتخلى عنها وستفعل أي شيء كي تزيدها قوة .

ثالثاً : جاذبية القائد

" ما إن يتجمع جمهور من البشر ، حتى يضعوا أنفسهم بشكل غريزي تحت سلطة زعيم ما " ، يقول غوستاف لوبون . في كتابه سیکولوجيا الجماهير ، أسهب لو بون في الحديث عن القادة السطحيين والمجانين في التاريخ ، وكيف يدغدغون الغرائز الوضيعة للجماهير ، وبالتالي فإن النفوذ الذي يمارسونه على الناس يظل دائما مؤقتا وعابرا . أما المقتنعون الكبار بمبادئهم والذين استطاعوا التوصل إلى تحريك روح الجماهير وحماستها من أمثال بطرس الناسك وقادة الثورة الفرنسية وغيرهم فهم لم يسحروا الجماهير ويبهروها إلا بعد أن كانوا هم قد شجروا بعقيدة ما أو إيمان ما . وعندئذ استطاعوا أن يثيروا في النفوس تلك القوة الهائلة التي تدعى الإيمان . ثم ذكر لو بون أن هؤلاء نادرون جدا إلى حد أنه يمكن تعدادهم على مدار التاريخ ، وهو الحال مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله .

الواقع أن السيد نصر الله استطاع أن يزود جماهيره وحتى أعداءه بالإيمان بقوته ، قوة الحق التي يمتلكها أولا وقوته العسكرية ثانيا ، وإذا ما تزود الجمهور بالإيمان ، تضاعفت قوته عشرات المرات ، وفيما يخص الأعداء ، فإنها ستكون حربا نفسية ، تضعف قوتهم عشرات المرات .

إلى ذلك ، عندما يتحدث علماء الاجتماع عن الجماهير ، فإنهم يؤكدون أن الجماهير بشكل عام لا يقنعون بالحجج والبراهين ، يحتاج المحرك فقط أن يملي عليهم ما يجب فعله ، فالقائد يحتاج فقط إلى الإرادة الدائمة في الإملاء حتى يسيطر على الجمهور ، وكلما كان التأكيد قاطعا وخاليا من كل برهان كلما فرض نفسه بهيبة أكبر .

فكيف سيكون الحال ولدى جماهير حزب الله قائد يملك الإرادة الدائمة على تثقيف جمهوره ، وإعطائهم الحجج طوال الوقت . وهو الأمر الذي جعل من قاعدة حزب الله قاعدة منيعة من الانجرار إلى متاهات التنوع البيئي والمجتمعي والثقافي حولها .

أما إذا كان الأمر متعلقا بالحفاظ على مبدأ التضحية وعقيدة الشهادة لدى الجماهير ، فماذا سيكون القول وقد قدم ولده شهيدا ومستعد للتضحية بنفسه ، وهو الأمر الذي تعود عليه جمهور حزب الله من قادتهم في محور المقاومة .

رابعاً: صحافة المواطن والانفتاح على مواقع التواصل

يستفيد حزب الله من التطور المستمر لوسائل الاتصال وتكنولوجيا التواصل ، التي لم تعد محصورة بقمر صناعي هنا أو شبكة إنترنت هناك ، على الرغم من كل القيود التي يفرضها فيسبوك وغيره من المواقع ، وعلى الرغم من أنه غير حاضر رسميا على هذه المنصات . إلا أن الاستخدام الشعبي لها جعله حاضرا بقوة هناك ، ويمكن القول إنه قد شكل جيشا إلكترونيا بشكل تلقائي وغير مدبر ، للدفاع عن نفسه لدى كل حملة إعلامية ، والملاحظ أن جمهور المقاومة على مواقع التواصل ، منيع إلى درجة أنه يمتلك الحس الفكاهي في أسلوبه في الدعاية المضادة ، وهو لا يفتد ويحاجج فقط ، بل يلجأ إلى التهكم وتسليط الضوء على ضآلة طروحات الرسائل المعادية بأسلوب فكاهي غالبا ما يكون بعيدا عن الانفعال ، وهذا أسلوب من يشعر بالقوة النفسية ، وقوة طروحاته .

ثمة متغيرات ظاهرية في انفتاح جمهور حزب الله على المرونة النفسية والتحول نحو التفكير الليبرالي الذي يعزز الفردانية وحريات التعبير وغيرها من الحريات بفعل التغيرات الاتصالية التي فرضتها التقنية ، ربما يراهن المعنيون من الأمريكيين على هذه التغيرات للوصول إلى تغير اجتماعي داخل بيئة حزب الله قادر على إضعاف سلطة العقائد من خلال بث أفكار جديدة قوية لناحية التوجهات الفردية . مراهنين على إغراء الأفكار الليبرالية وجاذبيتها والتي أسست لما يطلقون عليه في دعاياتهم وأفلامهم " الحلم الأمريكي " الذي يغرون به شعوبهم والقائم على فكرة واحدة ، " الحق والحقيقة هو ما أجد فيه مصلحتي الشخصية " ، في حين يؤمن جمهور المقاومة بأن " أصل وجوده وبقائه هو في مصلحة الجماعة العامة " ، وهو مبدأ قائم على التضحية ، والتضحية في جوهرها هي قيمة إنسانية ملك قوة لا تقهر .

المصدر :مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

 

تور تابستان ۱۴۰۳
آموزشگاه آرایشگری مردانه
تبلیغات تابناک
اشتراک گذاری
برچسب منتخب
# اسرائیل # حمله ایران به اسرائیل # کنکور # حماس # تعطیلی پنجشنبه ها