۴۸۹مشاهدات
رمز الخبر: ۶۲۱۸۱
تأريخ النشر: 21 January 2022

انطلق، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تحركات شعبية ضخمة في لبنان غلب عليها وصف "الانتفاضة" ابتداء ثم تراوحت أوصافها بين "الثورة، الانتفاضة، الحراك، والاحتجاج الشعبي" بحسب الفئات والشرائح والجماعات والجمعيات والتيارات والاحزاب والنقابات، مؤيدة كانت لها أو معارضة، والتي بات يطلق عليها مصطلح "حراك 17 تشرين الأول" لاحقاً.

 لقد شمل هذا الحراك معظم المناطق اللبنانية، وعلى الرغم من أنها جاءت اعتراضا على فرض ضرائب جديدة تطال الشرائح الفقيرة من الشعب اللبناني، والتي أُعتُبرَ فيها زيادة التعرفة على دقيقة المخابرة في الهاتف الخليوي "ستة سنتات" (القشة التي قصمت ظهر البعير) ، إلا أنها استمرت رغم تراجع السلطة عن إجراءاتها هذه , وإعلانها العمل على وضع خطة إصلاحية في غضون الأيام القليلة القادمة حينها .

ان الحراك اللبناني الذي انطلق في ذلك الوقت، أتى بالمجمل وبطريقة ما في سياق "الثورات العربية" التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011 والتي سعت لتغيير الأنظمة، وحيث أن طبيعة النظام اللبناني تقوم على المحاصصة الطائفية، كانت من بين شعاراته المطالبة بنظام لا يقوم على هذه المحاصصة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فهو لم يأتِ على صورته دفعة واحدة وفي لحظة واحدة، بل كان نتيجة فعل تراكمي سبقته تحركات بالتوازي مع الأزمات التي كانت تضرب الاقتصاد اللبناني وتهز نظامه السياسي، ومن الواضح أنها تركت أثرًا في طبيعة تكوينه, أبرزها تلك التي بدأت مع أحداث ما أطلق عليه "الربيع العربي" عام 2011، حيث تظاهر ناشطون لبنانيون في بيروت مطالبين بإسقاط النظام الطائفي، ومنذ ذاك الحين توالت احتجاجات مختلفة بعضها حقوقي مثل مطالب النساء اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين بالجنسية أو برفع سنِّ حضانة المرأة لأطفالها أو محاربة العنف ضد المرأة وما إلى ذلك ,ثم أتت أيضًا الاحتجاجات الواسعة ضد أزمة النفايات (عام 2015) التي تراكمت في عدة مناطق لبنانية وتحولت إلى أزمة طائفية في بعض وجوهها، فضلًا عن احتجاجات اتخذت فئوية متعددة لنقابات العمال والمعلمين والأساتذة الجامعيين وسواها اتخذت طابع معيشي اقتصادي، خاصة عام 2017 الذي أقرت فيه الحكومة زيادة على الرواتب رغم العجز المالي، وتوالت إلى ما قبيل الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أوائل عام 2019 حينها مع إعلان السياسات المالية التي وضعتها المصارف، حتى وصلت لمتقاعدي الجيش اللبناني (بعد إجراءات تقشف تطول مخصصاتهم المالية ) الذين نزلوا الشارع بدورهم في ظاهرة جديدة لم يعرفها لبنان من قبل، كل تلك المسببات والتراكمات وغيرها ,أدت الى انطلاق الاحتجاجات في 17 أكتوبر/تشرين الثاني 2019 .

 

من هنا ومن خلال ما تقدم تَفرُض أسئلة نفسها، لتُكَوِن مفاتيح معرفية سياسية اجتماعية، عن القوى التي تقف خلف هذا الحراك وماهيتها، وهي:

مما يتألف هذا الحراك، وماهي الشرائح المكونة له، ومن الجهات الممولة له، وماهي أهدافه وخلفياته السياسية والاجتماعية معلنةً كانت أم مقنعةً، وما التحولات المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن يُحدِثُها في الوعي الجمعي للمجتمع اللبناني؟

بالقراءات السابقة والبحث الاستكشافي من خلال مقاربة الأبعاد التاريخية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يمكن الاعتبار بأن الحراك ضم في بداياته جمهور من المواطنين ذوي المطالب المعيشية والاقتصادية البحتة، بالإضافة الى تنوع وأضداد اجتمعت في هذا الحراك من أحزاب يسارية (الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي)، وأحزاب اشتراكية ( الحزب التقدمي الاشتراكي ), وأحزاب يمينية ( حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية وغيرها ... ) ,وتيارات سياسية ( التيار العوني وتيار المستقبل ) ,وهيئات نقابية وجامعية على رأسها الجامعة الأمريكية ,وقوى مؤيدة لمنطق ونهج المقاومة في لبنان مثل حركة أمل وحزب الله " التي ما لبثت أن تركت التظاهر سريعاً" بعدما تبين لها القوى الباطنية والغرف السوداء( بحسب إعلانها ), تدير هذا الحراك لأهداف مخفية غير معلنة.

لقد كان رأس الحربة والواجهة الرئيسية لهذا الحراك المنظمات والجمعيات غير الحكومية للمجتمع المدني ال NGOs, كل تلك القراءات الاستكشافية تقودنا الى السؤال الإشكالي التالي:

ماهي الخلفيات السياسية والاجتماعية لمنظمات المجتمع المدني NGOs المتوخاة من خلال الحراك الشعبي في لبنان بتاريخ 17 تشرين الاول 2019؟

انطلاقا من هذه الإشكالية, وبهدف تحديد موضوع الدراسة وذلك لتشعباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكثيرة ,سنقوم في هذه الورقة البحثية بمعالجة عنوان مسألة البحث "حراك 17 تشرين الأول 2019 وخلفياته السياسية" من خلال تناول العنصر الأساس والمحرك الاجتماعي الفاعل والنشط ,الذي تمثل في هيئات وجمعيات المجتمع المدني NGOs وأهدافها وطرق تمويلها وارتباطاتها الخارجية, لما لها من أهمية في تحول وحرف الاتجاهات الفكرية في المجتمع وتغيير الوعي الجمعي فيه مباشرةً كان ,أم بأسلوب غير مباشر, من خلال عناوين براقة تستمد جاذبيتها من مصطلحات ومفاهيم حقوقية – اجتماعية- سياسية - اقتصادية تمس فطرة الفرد والجماعة , مثل ( الحرية , السيادة  المساواة, محاربة الفساد, العدالة الاجتماعية والسياسية وغيرها ... ) , وذلك بإتباع المنهج الوصفي التحليلي والذي هو عبارة عن البحوث التي تعتمد على التقاطعات والتناقضات من خلال التفكيك والاستنتاج , انطلاقا من العناوين التالية :

* التعرف على منظمات المجتمع المدني NGOs مصطلحاً ومفهوماً.

* التاريخ الفعلي لأنشطة منظمات المجتمع المدني NGOs في لبنان.

* التمويل والتبعية والأهداف المتوخاة من منظمات NGOs في لبنان.

أولاً - الـ NGOs بين المفهوم والمصطلح والشبهات

تجتاح عالم اليوم لا سيما في دول العالم الثالث ظاهرة ما يعرف بمنظمات وجمعيات المجتمع المدني غير الحكومية “NGOs"، والتي تنشأ عادة إبان حصول أزمات وكوراث في بلد ما، ما يساعد على طفرة هذه المنظمات والجمعيات مسمى المساعدات الإنسانية، ويرافق ذلك تدخلات وولاءات سياسية واقتصادية واجتماعية تبرز في عملها.

حتى الان ثمة اجتهادات ومحاولات عدة لتعريف هذا المفهوم واستخداماته كمصطلح وما ينبثق عنه من جمعيات، إذ يتراوح هذا الاختلاف حتى بالتسميات بين منظمات المجتمع المدني، أو المنظمات غير الحكومية، أو المجتمع المدني وما إلى هنالك، وكيفية تمييزها عن الدولة ومؤسساتها، علماً ان هذه المنظمات والجمعيات يجب أن تكون تحت حكم القانون وسلطة الدولة، لذلك فإن الالتباس والخلط حصل بين المجتمع المدني كمفهوم عام وشامل وأساسي في كل دولة وبين هذه الجمعيات التي قد تولد من رحم هذا المجتمع ومن ثم تستغله كغطاء لعملها، لذلك لا يزال هذا المصطلح مفهوماً بحاجة الى التعريف الدقيق وإبعاده عن الشبهات.

* في تعريف المصطلح

يستخدم المجتمع المدني كمفهوم يميز ما بين الدولة من ناحية وبين التجمعات الخاصة من ناحية أخرى، فمنذ حقبات تاريخية طويلة وهذا المصطلح يأخذ نقاشاً حاداً ورواجاً في التعريفات السياسية والاجتماعية التي بدأت تأخذ سياقاتها خاصةً داخل أروقة الأمم المتحدة، إبان الحرب الباردة، ومع ذلك لا يزال في كل دولة يكتنف هذ المصطلح الكثير من الغموض نتيجة الخلط الذي يحصل عادة بين المجتمع المدني بشكل عام والجمعيات التي تنبثق عنه.

يعرّف الكاتب والباحث الفرنسي دومينيك كولا  Dominique COLAS المجتمع المدني في كتابه Civil Society and Fanaticism: Conjoined Histories بأنه "بطاقة تعريف لجميع أنماط الجمعيات"، في وقت يصف فيه غوتييه بيرت Gautier Pirotte هذا المفهوم "الدائم التكوين" بأنه "ظرف فارغ يُملأ بمعانٍ معينة تبعاً للجهات التي تستخدمه وسياقات استخدامه الاجتماعية والثقافية". , وهذا من أخطر التعريفات حوله، يقول "غوتييه پيرُت" إن "مفهوم المجتمع المدني في سياسات وممارسات التنمية ظرف فارغ يُملأ بمعانٍ معينة تبعاً للجهات التي تستخدمه وسياقات استخدامه الاجتماعية والثقافية"، ما يثير المخاطر حول التعامل معه .

من جهتها، اختارت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تعريف المجتمع المدني بأنه منظمات غير حكومية يمكنها (أو لديها القدرة على) الدفاع عن الإصلاحات الديمقراطية، كما أن هذه الوكالة وضعت عام 1991 قائمة بما يمكن إدراجه تحت مفهوم المجتمع المدني من الأحزاب السياسية من المنظمات المهنية الوطنية إلى معاهد البحوث مرورًا بالروابط والتجمعات.

أما البنك الدولي فتبنّى من جهته تعريفاً للمجتمع المدني حيث يشير "إلى مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية".

وخلص البنك الدولي الى أن مصطلح منظمات المجتمع المدني يشمل مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري.

أما المفكّر الشيوعي الإيطالي "أنطونيو غرامشي"(1891- 1937)، فقد رأى أنّ "المجتمع المدني" مجموعة من التنظيمات الخاصة، والتي ترتبط بوظيفة الهيمنة وبصفتها جزءً من البنية الفوقيّة عن طريق الثقافة والإيديولوجيا والسيطرة والإكراه، فلم يعد هذا المجتمع فضاءً للتنافس الاقتصادي أي للصراع الطبقي، بل هو فضاءً للتنافس الأيديولوجي".

* جمعيات في إطار قانوني

هذه الجمعيات غير الحكومية هي تنظيمات للأفراد، وليست من إشخاص القانون الدولي، وإنما تخضع للقوانين الداخلية للدول، وهي تنشأ في ظل القانون الداخلي لدولة ما، ويحكمها ذلك القانون في سلوكها وتصرّفاتها فيضفي عليها الشخصية القانونية الداخلية. ونظراً لازدياد دور الهيئات غير الحكومية في العالم، في برامج الطوارئ والاغاثة والإنماء، أقرّت معظم الدول الصناعية تشجيع الهيئات غير الحكومية وتطويرها، وسنت قوانين تعتبر دفع التبرعات والمساعدات للهيئات غير الحكومية بمثابة وأهمية تسديد الضرائب للدولة.

في ضوء هذا الدور، نظّمت الدول الغربية وشركاتها المتعدّدة الجنسيات "منتدى المنظمات غير الحكومية" في فيينا عام 1993 الذي أصدر إعلان فيينا و"خطة العمل".  وأقرّت الأمم المتحدة تشريع دور الهيئات غير الحكومية، واعترفت بها كشريك فعال إلى جانب الحكومات ومنظمات الأمم المتحدة. كما أن السوق الأوروبية المشتركة أنشأت إطارًا تنسيقيًا CEEONG مع الهيئات الأهلية.

وفي هذا الإطار أقرّ "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" في الأمم المتحدة عام 1996 قانوناً يتيح توظيف أعضاء المنظّمات بصفة "مستشارين" مقابل عقد عمل و"بيع خدمة". وعلى ضوء هذا "التطوّر"، استقطبت مؤسسات وهيئات أخرى "التعاقد" مع المنظمات "غير الحكومية" مقابل ميزانية "أداء خدمة" تتضمّن تكاليف العمل وثمن "الخبرة التقنية" , كما أن هناك تعاونًا بين هذه المنظمات وصندوق النقد والبنك الدوليين ما يثير أسئلة كبرى عن ولاءاتها وتمويلها.

ثانياً - المنظمات غير الحكومية في لبنان NGOs

تكثّف ظهور المنظمات غير الحكومية في لبنان مع تفجّر ما سمي بـ"ثورة الأرز" العام ٢٠٠٥ , بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومما ضاعف في ظهور تلك المنظمات القرار الأمريكي القاضي بتمويل مشروع "إضعاف جاذبية حزب الله" ,الذي خرج للعلن عام ٢٠١٠ مع شهادة السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان، (والذي اعترف حينها بدفع مبلغ نصف مليار دولار لإضعاف "حزب الله " ), وفي العام ٢٠١١ خرجت انتفاضات وثورات ما سمي بـ"الربيع العربي" في المنطقة، وتفجرت على إثرها الأزمة السورية، وطال لبنان من هذا الحدث الكثير من الشرارات والتداعيات, فبدأت الحركات "الملوّنة" عن طريق التظاهرات والاعتصامات في وسط بيروت، لأهداف "المعلن عنها" هو إسقاط النظام الطائفي في لبنان, ثم تفجر الحراك مجددًا، في العام ٢٠١٥، نتيجة أزمة النفايات التي تراكمت في عدة مناطق لبنانية وتحولت إلى أزمة طائفية, واتخذت طابع معيشي اقتصادي، عام 2017 مما دفع الحكومة الى إقرار زيادة على الرواتب رغم العجز المالي. ومع بداية العام ٢٠١٩، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات النقابية والعمالية بسبب تدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية، وتطور الأمر الى مظاهرات شعبية كبيرة مع شعارات مكافحة الفساد ورُفعت المطالب الاقتصادية المحقة، وشيئًا فشيئًا دخلت مجموعات من الحراك المدني على الخط مطالبة بالمشاركة في الحكومة وتحقيق النظام المدني.

ثالثاً – طرق التمويل والتبعية والأهداف المتوخاة من منظمات NGOs في لبنان

تلتقي جميع المنظمات غير حكومية تحت مسمى مساعدة العالم الثالث، حيث تساهم كل منظمة حسب وسائلها ومجالات تخصصاتها. وغالبًا ما تبدأ الأعمال في الأزمات (انفجار عنيف، إعصار، هزة أرضية) وتتواصل على المدى الطويل.

تغيَّر شكل المساعدات التقليدي الذي كان محصورًا في إمدادات القطاع الزراعي وميدان التنشئة والتربية والصحة، واتسع ليشمل ميدان العمل الحرفي وتحويل السلع الصناعية الصغيرة إلى تجارية، وميدان البيئة وتنظيم المدن والعمل المصرفي، وتمويل بعض المشاريع. جميع مؤسسات الدول الغربية والأمم المتحدة، تستعين بالمنظّمات "غير الحكومية" في دول الجنوب بصفتها "شخصية معنوية" قادرة على "بيع الخدمة" مقابل "التكاليف والأتعاب" التي تدرجها المنظّمة في نشاطها.

فمنظمة التنمية الدولية الأميركية توظّف "مهنيين" من أعضاء المنظمات. ومعهد الديموقراطية الاميركية يوظّف شخصيات معنوية و"خبراء"، والمنظمة الاقتصادية الأوروبية تشتري "الحرفة" وتتعامل كما تتعامل هيئات الأمم المتحدة في برامج "الألفية" والتنمية المستدامة وحقوق الانسان وحماية البيئة.

هذا الدعم للمنظّمات غير الحكوميّة، بذريعة تعزيز المجتمع المدني، لم يكن مجرّد دعم ماليّ لمشاريع التنمية التي تعدّ المنظّمات غير الحكوميّة منفذة لها؛ بل اعتمدت سياسة تحديث تسمّى "التمكين"، تجسدت في الدورات التدريبيّة التي دعا إليها "الشركاء" الغربيون قادة المنظّمات غير الحكوميّة المحليّة، وكان من شأنها تعزيز العلاقة الزبائنيّة التي ترسّخ تبعية هذه الجمعيات للممولين الغربيين.

ومن المعروف أن الطرف الأكثر استخداما واستفادة من هذه الجماعات هي الولايات المتحدة الأميركية. وقد وجدت الإدارات الأميركية المتعاقبة في المساعدات الخارجية سبيلاً لتحقيق أهدافها التوسعية في العالم، وقدرت بشكل دقيق أن شراء الحلفاء يكون من خلال مساعدتهم على الخروج من الكوارث التي حلت بهم بعد الحربين العالميتين، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية.

وتحت عناوين وعبارات رنانة تعمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID" على تغيير موازين القوى في مختلف الدول. تعمل المنظمة المنتشرة في عدد كبير من الدول وخاصةً النامية منها، تحت غطاء "الإغاثة في حالة الكوارث، الإغاثة في حالات الفقر، التعاون التقني في قضايا عالمية، مصالح الولايات المتحدة الثنائية، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، البيئة"، من أجل تغيير الحكومات التي تناهض السياسة الأميركية أو تختلف معها.

تتنوع المساعدات التي تقدمها "USAID" المالية والتقنية والمشورة والتدريب والمنح الدراسية والبناء وتوفير السلع المتعاقد عليها أو المشتراة بواسطة USAID والتي تقدمها كعينات للمستفيدين، وتستكمل المساعدات التقنية المقدمة لجامعات الدول النامية بمنح دراسية في الجامعات الأمريكية بما فيها تأسيس شراكة مع الجامعات الأمريكية وذلك لتعزيز التدريب المهني في الخارج. وهنا تكمن الخطورة حيث يتم تخريج جيل من الشباب يعمل لمصلحة واشنطن لتغيير سياسات الدول التي تتلقى المساعدة.

أما المساعدة المالية فتتضمن توفير النقد لمنظمات الدول النامية لدعم ميزانياتها، كما توفر وكالة USAID المساعدة المالية للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية التي تقدم بدورها الدعم التقني للدول النامية .

انزلقت العديد من المنظمات غير الحكومية في لبنان -بالمشاركة في الحراك- الى ممارسات علنية فضحت أهدافها الأساسية البعيدة عن مكافحة الفساد والقريبة من الأجندة السياسية الأمريكية، كما ساعدت هذه الممارسات ذاتها في إحباط أهدافها والتي يمكن التطرق الى أهمها كالتالي:

* الاستثمار والتمويل: إن التعمق في البحث عن جهات "الاستثمار والتمويل"، وربطها بعنصر الفعالية في العملية السياسية، كانت تكشف دائمًا عن سيطرة وتحكم للمنظّمات والشخصيات المرتبطة بالدول والسفارات، بحكم التمويل الكبير لهذه المنظمات أولاً، ولتوفّرها عند التخطيط والإدارة ثانيًا، وبالنظر الى تشابك برامجها مع مراكز أبحاث ومؤسسات عريقة ذات خبرة مثل (الجامعة الأميركية في بيروت، السفارة الاميركيّة، منظمة فريدم هاوس، صندوق وقف الديمقراطية NID، وكالة التنمية الأميركية USAID وغيرها ...

* التصريحات الأمريكية: إن تحليل وربط العلاقة بين الإدارة الامريكية والحراك المدني ودور المنظمات غير الحكومية فيه، لا يكتمل إلا برصد التصريحات والرهانات الأمريكية عليه والتي انتظرت اللحظة المناسبة للتوظيف السياسي والتي أفصح عنها مايك بومبيو وزير الخارجية آنذاك خلال حراك ٢٠١٩، ومساعدة ديفيد هيل وديفيد شينكر والسفير السابق جيفري فلتمان، وعدد من الباحثين في مراكز الدراسات الأمريكية، وأكدت ما كان يُحكى عن دعم وتمويل لهذا الحراك، ومحاولة خطفه لأجندات سياسية.

* التحريض والاستفزاز الإعلامي المكشوف: ما بذلته الماكينات الإعلامية المحلية والعالمية المسخّرة للحراك ليلًا ونهارًا، من جهد كبير لتحوير أهداف الحراك نحو بيئة محددة، وحرف المطالب من مطلبية اقتصادية معيشية الى سياسية في اتجاه واحد مع ما مُورس من استفزاز عبر قطع طرقات رئيسية وحساسة.

* العلاقة الزبائنية: تجدر الإشارة الى أن الدعم المقدّم للمنظمات غير الحكومية باسم تعزيز المجتمع المدني لا يتخذ شكل التدفقات المالية فحسب، بل يُعتمد فيه سياسة تحديث تسمى "التمكين"، التي تتّخذ شكل إستراتيجية مبرمجة وانتقائية زبائنية لهؤلاء الوسطاء الجدد في مجال التنمية المحلية. وتتجسد هذه السياسة في تعدد الحلقات الدراسية، والدورات التدريبية التي يدعو اليها "الشركاء" الغربيون قادة المنظّمات غير الحكومية المحلية. والملفت أن من شأن نظام التدريب والإعداد هذا أن يعزز العلاقة الزبائنية التي ترسّخ تبعية هذه الجمعيات للممولين الغربيين.

* منظمات المجتمع المدني مساعدات بأهداف سياسية وانعدامٌ للشفافية: لقد لعبت منظمات "المجتمع المدني" دورًا كبيرًا في تحريض الشارع لا سيّما بعد تحركات 17 تشرين، وأخذت هذه المنظمات دور الدولة في عدّة نواحٍ.

هذه المنظمات تلقت بدلًا عن الدولة الهبات والمساعدات الخارجية بأرقام كبيرة تحديدًا بعد انفجار مرفأ بيروت، فأين ذهبت هذه الأموال وكيف وُظفت؟

يكشف الصحافي غسان سعود في حديث لموقع "العهد" الإخباري عن جمعيتين تعتبران "الأكثر تموّلًا" وبالأخص من قبل الإمارات، وهما: جمعية "دفى" للنائبة السابقة بولا يعقوبيان، وجمعية   Chidiac Foundation   للوزيرة السابقة مي شدياق، وهما جمعيتان عملتا في توزيع المساعدات عقب انفجار مرفأ بيروت. لكن ما يثير الاهتمام أن المؤسستين المذكورتين لا تملكان كشف حساب على موقعيهما الإلكترونيين، ولا تعلنان كما الكثير من منظمات المجتمع المدني عن حجم التمويل والمساعدات التي تلقتها ولا عن كيفية توزيعها أو التصرف بها، وهو ما يشرّع أبواب الشكوك بمصير الأموال التي كان من المفترض ان تصل الى اللبنانيين.

بحسب غسان سعود فإن من يعمل للرأي العام ومن يطالب الدولة بالشفافية يجب أن يكون شفافًا هو أيضًا، مشيرًا الى تساؤلات مشروعة تطرح على سبيل: "من أين جاء التمويل؟ وأين ذهبت المساعدات؟ ووفق أية آلية توزعت؟". يلفت سعود إلى أن كل شخص يطرح هذه الأسئلة "يُقابل بالهجوم ويُتّهم بأنه من أزلام السلطة ويريد أن يهاجم الجمعيّات التي تعمل لمساعدة الشعب".

بعض جمعيات المجتمع المدني بحسب الصحافي غسان سعود ليست سوى أحزاب سياسية، فمثلًا "النائبة السابقة بولا يعقوبيان لا تستطيع أن تقول إنها رئيسة جمعية، والوزيرة السابقة مي شدياق كذلك الأمر، بولا ومي هما مرشحتان للانتخابات النيابية في الأشرفية، وبالتالي فإن أعمالهما ليست إنسانية بل سياسية بحت".

* المنظمات غير الحكومية.. تبغي الربح

المنظمات غير الحكومية يتم تسجيلها لدى الدولة على أنها منظمات لا تبغي الربح بأي شكل كان، فهل تراعي هذه المنظمات الحد الأدنى من الشفافية في عملها؟ يجيب سعود "هذه الجمعيات لا تقدّم موازنة لتثبت أنها ليست رابحة، وعندما تبتغي الربح السياسي عندها لا تصح تسميتها "جمعية" وبالتالي خسرت مفهومها خصوصًا عندما تعمل على أُسس انتخابية".

لكسب المزيد من أموال المساعدات الخارجية، روّجت جمعيات المجتمع المدني لمقولة إن الدولة غير مؤتمنة على المساعدات وإن النظام يقوم على الزبائنية ويستغل حاجات الناس. يؤكد سعود أنّ "تلك الجمعيات تعمل بنفس الطريقة، فمنذ انفجار مرفأ بيروت وخصوصًا بمنطقة "الجميزة" عملت الجمعيات على توزيع "الإعاقات" وفقًا لأسلوب الزبائنية"، مشددًا على أن "اليوم لا يوجد شيء يسمّى "مجتمعًا مدنيًا"، ولا جمعيات لا تبتغي الربح، مثال على ذلك الوزيرة السابقة مي شدياق التي لا تقدّم أي مساعدة لمواطن لا ينتخب في الأشرفية وغير منتسب للقوات اللبنانية، فهي فقط تساعد ناخبيها أو من ينتسب لخطها السياسي".

إن جزء كبير من الشعب اللبناني تمسّك بهذه الجمعيات بعد تقصير الدولة واعتبر أنها خشبة الخلاص الوحيدة، لكن الخيبة كانت كبيرة. يشرح سعود أنّ "البعض بات ينقم على تلك الجمعيات لأنها كشفت زيف شعاراتها، وبات الناس يعلمون أن هذه الجمعيات تتلقى تمويلًا هائلًا ولكن بالمقابل هي لا تساعد بالمستوى المطلوب العائلات المتضررة من انفجار مرفأ بيروت، واكتفت بتغيير بعض "الألومينيوم" وتوزيع حصص غذائية لمرة أو مرتين".

يتابع سعود "المجتمع الدولي لا يريد أن يتعامل مع الدولة اللبنانية بل المجتمعات المدنية فقط، وأنّ تلك الجمعيات هي من ستساعدهم.

* "المجتمع المدني" لم ينشط في عكار بعد انفجار التليل

على عكس ما شهده اللبنانيون إثر انفجار مرفأ بيروت، لم تنشط جمعيات المجتمع المدني في عكار بعد انفجار التليل، ولم يكن الاهتمام ذاته الذي كان في بيروت، حيث الأرض خصبة للاتهامات السياسية لحزب الله والاستثمار بالدماء.

وفي هذا الإطار يقول سعود إنّ "الأولوية لدى هذه المنظمات والجمعيات هي سياسية وانتخابية، هي لا تستطيع الاستثمار بانفجار التليل كما استثمرت في بيروت، ولا تستطيع إتهام حزب الله، علمًا أنها حاولت إتهام التيار الوطني الحر لكن معركتها كانت خاسرة".

 

 

الخلاصات والنتائج

الـ NGOs: جمعيات إنسانية أم عملاء للخارج؟

ثلاث خطابات للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله توج فيها حلقة الكشف عن "أثرياء لبنان الجدد" ومسلسل إخضاع الوطن لوصاية عملاء يتقنون فنون التقنع الإنساني: المجتمع المدني - فرع لبنان.

ولإلقاء الضوء على الفرع اللبناني لهذه المنظمات، نعود إلى 26 شباط من هذا العام حينما احتفلت السفيرة الأمريكية دوروثي شيا ممثلة حكومة بلادها من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية  (USAID)، وبالشراكة مع برنامج بناء التحالفات للتقدم والتنمية والاستثمار المحلي - بناء القدرات  (BALADI CAP) ، باختتام 8 سنوات من تعزيز المجتمع المدني والبلديات لـ "تلبية احتياجات الشعب اللبناني".

تفاخرت السفيرة الأمريكية السيدة دورثي شيا بـ"منجزات" عوكر، فتحدثت عن سعي عمره عقود لبناء قدرات المجتمع المدني في لبنان بحيث يكون "أفضل تجهيزًا ليقدم مساهمة فعالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبنان".

وبحسب "الإنجاز" الذي قدمته شيا في بلدنا لعمل تلك المنظمات، فإن حكومتها عززت من خلال مشروع   "BALADI  CAP" الذي تبلغ قيمته 18,1 مليون دولار قدرات 52 منظمة من المجتمع المدني و11 منظمة ذات طابع ديني و121 من البلديات واتحادات البلديات.

كما أنشأ "BALADI CAP" ثلاث شبكات من منظمات المجتمع المدني للمناصرة والدعوة لمعالجة القضايا المتعلقة بالبيئة، وحقوق الإنسان، والمساءلة والحكم الرشيد.

إن الشبكة  ل "BALADI CAP" كما غيرها من الجمعيات تمددت، فهي بحسب شيا نجحت في إيصال توصيات ومشاريع منظمات المجتمع المدني إلى اللجان البرلمانية وصناع السياسات والقرارات، فضلاً عن تعزيز العلاقات التعاونية مع الوزارات الحكومية الرئيسية.

لكن هل ينتهي الأمر هنا؟ بالطبع لا. وللبحث خارج "المساعدة الظاهرية الأميركية" لتلك المنظمات وأداورها، لا بد من الرجوع الى آلان وينستين، مؤسس الصندوق الوطني للديموقراطية، NED، الذي يدعم الحركات الثورية الديموقراطية حول العالم والذي يكشف أنه أوكلت إلى جمعيات المجتمع المدني مهام كانت تقوم بها وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) منذ عام 1966. أي أن التدخل الأمريكي في لبنان عبر المجتمع المدني ومنظماته بمجموعاته وأنواعه المختلفة كان منذ 55 عامًا ولا زال حتى اليوم.

ما يؤكد هذا الاتجاه هو ما كشفه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى وسلف شيا في لبنان جيفري فيلتمان في شهادته أمام وزارة الخارجية الأمريكية في حزيران من العام 2010 حين أماط اللثام عن أكثر من 500 مليون دولار أنفقتها حكومة بلاده في لبنان منذ عام 2006 لإيجاد بدائل للتطرف، وتقليل جاذبية حزب الله لشباب لبنان، وتمكين الناس من خلال "احترام أكبر لحقوقهم وزيادة القدرة على الوصول إلى الفرص" من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي). إذا خذلنا ملايين اللبنانيين الذين يتوقون إلى دولة تمثل تطلعات جميع اللبنانيين، فإننا سنخلق الظروف التي يمكن لحزب الله من خلالها، ملء الفراغ، أن يزداد قوة..." كما قال فيلتمان حرفيا.

كما خرجت وقتها الى العلن لقاءات إلكترونية متعددة أجراها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، ديفيد شنكر، مع ممثلي مجموعات مختلفة من الحراك، والتي كشفت وقتها أن العديد من مكوّنات الحراك هم مجموعة من الناشئين المرشحين للانتخابات ويريدون الوصول الى السلطة، للسيطرة على الأغلبية البرلمانية، وإعادة إنتاج سلطة بديلة متناغمة مع الأهداف والشروط الأميركية التي حصل التفاوض عليها خلال هذه اللقاءات مع شينكر، والتي كشفت أيضًا أن المشكلة لدى الأميركيّ هي في كيفية تحقيق شروطه، لا في مكافحة الفساد.

فلم تقف هذه التحركات عند التحرك الأمريكي فقط , فقد كشفت مصادر موثوقة لمعلومات مسربة من وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية البريطانية تبين مهام تدخل السفارة البريطانية في بيروت وشركات متعاقدة معها ( محلية وبريطانية ) للمشروع  "YF 1919 / 20  يهدف الى تصنيع رأي عام وتأتجيج عمل سياسي للتغيير عبر إحداث فوضى وإنهيار شامل وبالتالي قلب النظام تحت عنوان مكافحة الفساد وتعزيز الأليات الديموقراطية للاصلاح والمساءلة والحوار على مدى 22 شهرا يبدأ في تموز 2019 وينتهي في 31/3/2021  من خلال :
- التعاقد مع شركات مثل ساتشي أند ساتشي والتي كان لها امتياز صنع شعارات ثورة الأرز و A.R.K  البريطانية المختصة بالعمل البروباغندي, بالإضافة الى شركتي إكوريس و تورش- لايت وبعض جمعيات   NGOsوشخصيات ,من أجل العمل على برنامج إسمه التواصل الإستراتيجي اللبناني لإعداد الساحة اللبنانية وبلورة رأي عام والإستقطاب الشبابي من الجنسين للعمل على إمكانية القيادة للتغيير الإيجابي "حسب وصفهم "  والدفع بإتجاه سياسات تصب في المصلحة البريطانية- الأمريكية .
- العمل على دخول البريطاني الى مؤسسات الدولة تحت عنوان : الإصلاحات السياسية والحوكمة وأولويات المشاريع ومناصرة وجود نساء قياديات في لبنان وغيرها من المشاريع المسماة اصلاحية وتطورية .
- العمل على مشروع " التنمية والاستقرار " من خلال الدعم المالي للسلطات المحلية والادارات العامة والخاصة وبعض فئات معينة من الشعب اللبناني و للعائلات التي يصنفوها الأشد فقراً

- العمل على مشروع تحفيزي يسمى "تفكير وشعور وطني طازج لتحدي الخيارات" يشبه العمليات التغييرية التي قادتها أمريكا في دول أميركا اللاتينية .
- العمل على مشروع "المتلقين الشبابي" والموجه نحو الجامعات والمجموعات الشبابية والحركات الإجتماعية وحركات الأونلاين وأعضاء في مجلس النواب وأحزابا سياسية وبلديات والذي يهدف الى إستقطابهم من خلال البرامج السيكولوجية الإجتماعية .
- تفعيل دراسة المجتمعات اللبنانية من خلال تأسيس ما يسمى "جماعات التركيز" لمعرفة كل تفاصيل الأراء وأنماط وخرائط التفكير وخلفياتها القيمية والمعتقدية وربطها بمواضيع محددة وتفصيلية وقد قامت شركة "فوكس غروب" بمثل تلك الحلقات في النبطية وسعد نايل والجديدة وعين علق وعكار وطرابلس والضاحية .
القيام باستطلاعات رأي مفبركة للتأثير على الرأي العام في توجيه وجهاته بحسب أهدافهم  ( مثل الإستطلاعات التي ينشرها ربيع الهبر) .

يهتم هذا القسم في السفارة أيضا بمشاريع التطوير والتعاون القائمة بين الشركاء من ... التي تتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة المتحدة في المنطقة والعالم أجمع.

فقد برزت أسماء أساسية في الحراك وعناصر من منظمات المجتمع المدني مرتبطة بصورة مباشرة وعلنية بالإدارة الأمريكية تدريبًا وتمويلًا ( عماد بزي منسق " طلعت ريحتكم", وواصف الحركة, وميشيل معوض رئيس جمعية بلدي بلدتي بلديتي وغيرهم ...), ومنها من ذهب بعيدًا وعلنًا في إعلانه الاستعداد للتواصل مع العدو الإسرائيلي. وبعضهم وصل بهم الأمر الى تنظيم حملات دعائية ضد المقاومة، ودعم الصحافيين المطبّعين مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين.

لكن ما يزيد الأمر سوءً هو عدم خضوع هذه الجمعيات لأي من أشكال الرقابة فلو أخذنا أنموذج المؤسسات الدولية العابرة للحدود كأوكسفام وأطباء بلا حدود والصليب الأحمر والخط الأخضر التي تضم مئات آلاف الموظفين الدائمين، عدا المتعاقدين (في فرنسا وحدها حوالي 71 ألف موظف ومتعاقد)، لوجدنا أنها تخضع لفحص شفافية البرامج وعقود العمل فضلا عن رقابة الميزانيات والضريبة المالية على مداخيل الموظفين والمتعاقدين.

أما في لبنان فلا تخضع جمعيات المجتمع المدني إلى الرقابة المالية ولا إلى شفافية الميزانية والبرامج والضرائب والمداخيل، وهي بذلك جزءً لا يتجزأ من فساد الطبقة السياسية التي تخفي وظيفتها ومداخيلها في الخلط المشبوه بين العمل الخاص والعمل العام، فضلاً عن الترويج لنفسها بأنها "جمعيات مدنية" تطوّعية. فهل يكون مقابل هذه "الخدمات المجانية" التي يدعون تقديمها نظام سياسي من جيش العملاء التابع للممول الرئيسي (الإدارة الأمريكية وممثلتها في عوكر ) ؟

وبالمحصلة يمكن إطلاق توصيف ينطبق على غالبية منظمات المجتمع المدني أنها ليست مجرد منظمات غير حكومية، بل هي شركات تجارية تحصل على عقود لزعزعة الاستقرار في البلدان التي تتواجد فيها من الدول النامية وتنفذ توجيهات وسياسات مموليها من المنظمات والهيئات والمؤسسات الأممية والأمريكية أو الجهات والمنظمات الدولية والعالمية التي تهيمن عليها أمريكا .

الكاتب:يحيى دايخ

رایکم