شبكة تابناك الاخبارية: أثارت التطورات الأخيرة في قطاع غزة من جديد احتمالات تصعيد المواجهات بين قوى المقاومة وإسرائيل. وتحدث كثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية عن بدء العد التنازلي لمواجهة جديدة تعمد فيها إسرائيل إلى استعادة الردع المفقود.
وبديهي أن هذا هو حال كل الحروب الإسرائيلية على قوى المقاومة سواء في لبنان أو قطاع غزة. إذ تنطلق إسرائيل من إقرار بأن الوضع الدائم هو حروب تتخللها هدنات تطول أو تقصر بحسب ما يتحقق من ردع في الحرب السابقة.
وبحسب الرؤية الإسرائيلية فإن قدرة الردع الإسرائيلية في تناقص حتى في قطاع غزة. فإذا كانت حرب "الرصاص المسكوب" قد حققت لإسرائيل "ردعا" لمدة أربعة أعوام فإن الحديث يدور عن أقل من عامين لحرب "عمود السحاب".
وبديهي أن هذا يشعر إسرائيل بالقلق الكبير لأن معنى ذلك هو اقتصار الردع على سنوات قليلة وربما أشهر قليلة مع مرور الوقت. وهذا يعني تغييرا جوهريا في واقع التعامل مع قضية الردع ومعنى العمليات الحربية الواسعة.
وتاريخيا انطلق منطق الردع الإسرائيلي من البحث عن الجهة التي ينبغي ردعها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وغالبا ما ارتاحت لأي جهة معادية تضبط الحدود ما دامت لا تجد منطقيا قوة صديقة تضبط هذه الحدود.
ولذلك، وعلى الأقل لدى كل الحكومات الإسرائيلية التي لم يكن لديها تطلع لتحقيق السلام مع قوى أو دول عربية، لم يكن يهم من يقف على الجانب الآخر من الحدود، فالأهم هو من يضبطها. ولهذا السبب عندما أسقطت حماس سلطة فتح في غزة، لم تشعر إسرائيل بأن السماء وقعت على الأرض بل ربما تنفست الصعداء لأن قوة منظمة أقدر على ضبط الحدود من قوة مهلهلة.
وربما لهذا السبب، ولاعتبارات إقليمية، تشعر إسرائيل بأن أي ضعف لسلطة حماس في غزة قد يحمل في طياته مخاطر جدية وجديدة. ويعود ذلك أساسا لواقع أنه لا تنشأ في قطاع غزة قوة بديلة لحماس قادرة على ضبط الأمور وإنما لأن العكس هو الصحيح. فالبديل البادي لحماس في قطاع غزة، على الأقل في نظر إسرائيل، ليس حركة فتح أو أي من الفصائل الفلسطينية الأخرى وإنما: منظمات الجهاد العالمي. وهناك منذ الآن من يتخوفون من أن الضغط أكثر على حماس قد يجعل إسرائيل في مواجهة مباشرة لاحقا مع قوى أشد تطرفا.
والحقيقة أن هذا الشعور ليس مقتصرا على قطاع غزة. إذ تسود أوساط المعلقين العسكريين الإسرائيليين قناعات بأن الجهاديين من مدرسة القاعدة باتوا على السياج الحدودي تقريبا في كل المواضع. فإضافة إلى قطاع غزة هناك العمليات التي يشنها في أوقات متفرقة جهاديون في سيناء خصوصا ضد إيلات وهو ما تكرر صاروخيا في الأعوام القليلة الماضية.
كما يلحظ المعلقون تنامي التنظيمات الجهادية في سوريا عموما، خلال الحرب الأهلية، وعلى مقربة من هضبة الجولان خصوصا. وتستشعر إسرائيل قلقا متزايدا من احتمال انتشار منظمات قاعدية في الأردن فضلا عن ما يجري في الساحة اللبنانية وأحيانا على مقربة من الحدود معها.
وينبع القلق الإسرائيلي من هذه المنظمات أساسا لتطرفها ولكن أيضا لطبيعتها. فهي منظمات صغيرة لا تتطلع إلى تحقيق انتشار واسع لأن ذلك يعرضها لملاحقات وضربات. ولا يعني كون هذه التنظيمات صغيرة أنها عصية على الانكشاف ولكن بالنسبة لدولة مثل إسرائيل تستسهل الوقوف على نيات وخطط مؤسسات وجهات كبيرة ترى من الصعب عليها ملاحقة تنظيمات عنقودية تنشأ كالفطر وتنفذ عمليات مفاجئة من دون إشعار مسبق.
وحتى وقت قريب كانت تنظيمات الجهاد العالمي القريبة من القاعدة تعتبر في إسرائيل إزعاجا لا أكثر بسبب تعدد وجهات القتال لديها وتنوع أعدائها وكثرتهم. ولكن وحسب المعلق العسكري لصحيفة "إسرائيل اليوم"، يؤاف ليمور فإن شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ضمت في تقديرها السنوي لعام 2014 منظمات الجهاد العالمي إلى المخاطر المركزية الخمسة التي تواجهها إسرائيل.
وأشار إلى أن هذا التقدير ينبع من حجم هذه التنظيمات، كمية نشطائها، توفر الأسلحة لديها وأيضا من الحافز لديها. وينتظر أن تحتل هذه المنظمات قريبا جزء أساسي من الاهتمام الاستخباري الإسرائيلي في الأعوام القريبة خصوصا بسبب ما يجري في سوريا، لبنان، سيناء وغزة.
وفي نظر إسرائيل لا يكمن الخطر في أساليب هذه المنظمات وإنما أيضا في الفكرة والهدف حيث انها تسعى لإقامة الخلافة الإسلامية من جديد بما يعني الحرب الشاملة والمستمرة ضد كل ما هو غربي. وربما تجد إسرائيل العزاء في تطرف هذه المنظمات والتي تركز أيضا على محاربة الشيعة والمعتدلين من السنة ربما قبل أن تحارب اليهود والنصارى. وقد شكلت إسرائيل حتى زمن قريب هدفا هامشيا لدى هذه الجماعات لكن ثمة من يلاحظ تغييرا ما في هذا التوجه.
وهناك في إسرائيل من يعتقد أن هذه الحركات تتعزز بمقدار ما يفشل الربيع العربي في تحقيق الأهداف المعلنة للشعوب. فاهتزاز الأنظمة العربية وفر فرصة كما أن التراجع الأميركي في العراق وأفغانستان أسهم في تعميق هذا الميل. وهكذا وجد شباب متطرفون لأنفسهم مراتع في دول مثل مصر وسوريا وحتى تركيا ودول المغرب العربي.
وباتت بعض هذه التنظيمات تسيطر على مناطق شاسعة وحتى على موارد نفطية. ولهذا فإن إسرائيل لا ترى في هذه التنظيمات فقط شارة تحذير من مستقبل قادم بقدر ما ترى واقعا جديدا يتبلور أمام ناظريها. وربما هذا ما حدا ببعض مسؤوليها للحديث علنا عن احتمال الخروج عن دائرة "الحياد" والتدخل مباشرة في ما يجري في المحيط.
النهاية