۴۵۳مشاهدات
رمز الخبر: ۵۲۵۴۵
تأريخ النشر: 05 June 2021

تطرح العديد من الأسئلة اليوم بعد انتهاء معركة سيف القدس ، تتطلب نظرة استشرافية حول اثار هذه المعركة وتداعياتها على مسار التطبيع العربي ، وحول سياسة الدول المطبعة لمواجهة هذه الاثار . إضافة إلى تأثر مسار التطبيع السعودي ما افرزته هذه الحرب من تداعيات ومستقبله . كما تثار تساؤلات أيضا حول جدوى التطبيع بعد المعركة بالنسبة للكيان الصهيوني وفي أي مجالات .

تشير الإعلامية بثينة عليق فيما يتعلق بأثار معركة سيف القدس على مسار التطبيع ، إلى أنه ليس ثمة شك أن هذه المعركة تركت أثارا كبيرة جدا ، فمن حيث التوقيت ، أتت هذه المعركة في وقت بدا فيه مسار التطبيع يسير بخطوات تصاعدية وثابتة ومتطورة . وكما هو معروف فان هدفي التطبيع هو اثبات مقولة أنه لا جدوى للعمل المقاوم وتكريس لفكرة أن التطبيع يولد أرباحا للأطراف المطبعة في المنطقة . كما انه يريح مختلف المعنيين بالصراع مع العدو الإسرائيلي ، وبأن هناك جدوى من هذا المسار .

جاءت معركة " سيف القدس " لتؤكد على أن الفلسطينيين تحديدا وهم الجهة المعنية بالدرجة الأولى بالصراع مع الإسرائيلي ، ليسوا في وارد الذهاب في مسار التطبيع . كما تؤكد أيضا أن هذه المسألة ليست نقطة خلافية بين الفلسطينيين مع اختلاف أطيافهم السياسية او مناطقهم سواء كانوا في داخل أراضي 48 او غزة او الضفة او الشتات ، والذين اوصلوا رسالة مفادها أنه لا يمكن أن نراهن على التطبيع . وبدا وكأنهم أسقطوا ما يسمى بخيار التسوية بالضربة القاضية .

بهذا المعنى ، من المؤكد أن معركة سيف القدس وجهت ضربة قوية جدا لمسار التطبيع .

اما بالنسبة لسياسة دول التطبيع لمواجهة الاثار ، فمن الممكن الحديث الان عن الأساليب والسياسات التي ستعتمد من قبل هؤلاء ، ولكن الواضح أنهم لن يستسلموا ، فالتطبيع هو استثمار من قبل هذه الدول وهو مسألة مرتبطة اساسا بوجود هذه الدول ، فكما هو معلوم فان الأنظمة التي حكمت المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية أنظمة نشأت كنتيجة لموازين القوى التي خلفتها نتائج الحرب العالمية الثانية ، ويمكن القول بان كل دول المنطقة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية والتي تدور في الفلك الأمريكي لها وجود متشابك . فوجودها اشبه بشبكة مترابطة فيما بينها واي خلل يصيب أحد هذه الدول سيترك الأثر المباشر على الدول الأخرى . يعني ذلك أن ضعف إسرائيل هو تلقائيا ضعف سيلحق الدول الأخرى ، كما أن أي خلل سيصيب هذه الدول سینعکس حتما على الكيان الصهيوني . وبالتالي فان مسألة التطبيع ليست مسألة تكتيكية انما استراتيجية ووجودية . وما حصل مؤخرا هو أن التطبيع أخرج إلى العلن مع أن العلاقات كانت قائمة منذ الحرب العالمية الثانية ، وكنوع من الاستشراف لما يحدث من محاولات لتثبيت هذا المسار ، يمكن الإشارة إلى كتاب صدر منذ سنوات للكاتب الفلسطيني بلال حسن بعنوان " ثقافة الاستسلام " ، يشير فيه إلى ستة كتاب عرب عملوا جميعا من اجل تثبیت فكرة أن المقاومة هي خيار فاشل في المنطقة وأن التسوية والتطبيع هو المسار الذي يجب أن تسير عليه شعوب ودول المنطقة . كما أشار الكتاب إلى الأموال الطائلة التي دفعت من اجل الترويج لمثل هذه الأفكار في الصحف

وفي الاعلام العربي منذ الستينات وتحديدا استخدمت هذه الأفكار والأموال لمحاربة الرئيس المصري جمال عبد الناصر وبقيت مستمرة حتى الاحتلال الأمريكي للعراق وصولا إلى اليوم ، وطبعا لا يزال هذا المسار مستمرا .

طبعا هذا دليل على أن مسالة التطبيع ليست مسألة جديدة وأن مسالة الترويج لمقولة أنه لا جدوى لفعل المقاومة ليست مسالة جديدة أيضا ، بل أن لها أهمية كبيرة لدى الأنظمة العربية التي عمدت مؤخرا الى اعلان التطبيع مع العدو وبالتالي من المتوقع أن يكون هناك استشراس من قبل هذه الدول من اجل الدفاع عن خياراتهم التطبيعية . ونعتقد أن ما قام به السفير الإماراتي في كيان العدو مؤخرا - بعد معركة سيف القدس- من زيارة للحاخام اليهودي في الكيان والتي نشرت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع منها ، ليست مسألة عابرة ، فنشر الفيديو في هذا التوقيت وحصول الزيارة أيضا في هذا التوقيت ليست مسألة ثانوية ولا هي وليدة الصدفة ، بل هي خطوة فيها الكثير من الوقاحة والتحدي للمشهد الفلسطيني الذي بدا متماسكا ومتمسكا بخيار المقاومة ، وكان الامارات التي هي حاليا رمز للدول المطبعة تريد أن ترسل رسالة واضحة بأنهم لن يتراجعوا عن هذا المسار بسهولة . وبالتالي ، نحن نحتاج لمزيد من الوقت لنعرف ماذا سيفعلون ؟ ولكن نتوقع أن يتم تفعيل مسار التطبيع بشكل كبير وعلى مختلف المستويات .

اما بالنسبة للمملكة العربية السعودية ، لا يمكن فصل موضوع التطبيع عن مختلف الأزمات التي تواجهها وبالدرجة الأولى الأزمة في اليمن ، هذه الورطة الكبيرة التي تتأكد يوما بعد يوم ويبدو واضحا أن الأولوية اليوم بالنسبة للسعودية هي أن تجد حلا للخروج من هذه الورطة . على المستوى الداخلي ، وتحديدا وضع محمد بن سلمان الذي كان يراهن على الحرب في اليمن من اجل ان يثبت ملکه فقد كان يتوقع أن يكون هناك انتصار سريع في اليمن ، لاستثماره داخليا وتخفيف الازمات . أيضا في موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ومحاولاته إرضاء الأمريكيين في هذه المرحلة .

إن الحسابات التي يتخذها محمد بن سلمان في حال أعلن التطبيع ، او لجأ إلى اعلان خطوات تظهر علاقاته مع الإسرائيليين إلى العلن . خاصة بعد أن نجحت معركة سيف القدس في فرض نفسها على المشهد العربي وبروز تعاطف كبير من الشعب العربي بمختلف الدول بما في ذلك في داخل المملكة لن تكون سهلة . فسيكون لزاما عليه ان يأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة ونعتقد انه لن يقدم على أي خطوة يرى انها ستزيد مشاكله في الداخل السعودي أو يمكن أن تضاف إلى أزمته في اليمن فتخلق المزيد من التعقيدات . طبعا هو يريد إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية ولكن إدارة بايدن ليست كإدارة ترامب في هذا المجال . وما كان يصلح مع ترامب ، قد لا يصلح مع بایدن . وبالتالي ، نعتقد أن محمد بن سلمان سيتمهل إذا كان لديه خطط للخروج بموضوع التطبيع الى العلن ، وفي أي خطوة مع العدو الصهيوني .

اما فيما يخص جدوى التطبيع بالنسبة للعدو الصهيوني ، فتعتقد أن التطبيع بالنسبة للعدو ليس مسألة عابرة . فاذا اخذنا بالاعتبار ما كتبه " شمعون بيريز " في بداية تسعينات القرن الماضي والنظرية التي أطلقها في كتابه الشهير " الشرق الأوسط الكبير " ، عندما أشار إلى ما أسماه مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على العقل

الإسرائيلي واليد العاملة المصرية والمال الخليجي ... هذه الأفكار التي أطلقها ، تختصر فعليا ما يفكر فيه العدو الإسرائيلي بشكل جوهري وعميق . " فشمعون بيريز " ، يعتبر من ملوك إسرائيل ونشره لهذا الكتاب في بداية التسعينات عندما طرحت مسالة التطبيع ومسار التسوية في مؤتمر مدريد ، كان يعبر عن تفكير الدولة العميقة في كيان العدو . طبعا إذا اضفنا لهذا الموضوع ، أن إسرائيل تبحث عن دور ووظيفة لها في المنطقة مكملة لوظيفتها الامريكية .

اليوم ، يبدو أن الوظيفة الامريكية للكيان الصهيوني- عندما كان يشار الى انها قاعدة أمريكية متقدمة في المنطقة قد تراجعت بدرجات ، مع مجيء الاساطيل الأمريكية ، ووجود عدد كبير من القواعد العسكرية الامريكية في دول المنطقة ، لان الأصيل أصبح موجود في المنطقة ، ولم يعد للوكيل هذه الأهمية الكبرى .

كما يبدو ان النظرة إلى إسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، بدأت تشهد تغييرا ، والموضوع هناء غير مرتبط فقط بما تم الحديث عنه مؤخرا واثناء " معركة سيف القدس " من تغيير في نظرة الراي العام الأمريكي والاعلام ، لكن هذا الأمر ظهر في 2008 في الولايات المتحدة الامريكية فيما يسمى ب Jewish Street وهو عبارة عن تجمع يهودي داخل أمريكا ينافس منظمة AIPAC التي تعتبر اللوبي الصهيوني التقليدي وقيل حينها أن هذا التجمع يعبر عن توجه يهودي- امریکی جدید ، وأن الشباب اليهودي في الولايات المتحدة لديهم نظرة مختلفة لإسرائيل ، تختلف عن نظرة أباءهم ، فهم لا يحملون نفس الذهنية التي ينظر من خلالها اليهود عادة في الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل . وقد اشارت العديد من المقالات والدراسات الأمريكية إلى أن دافع الضرائب الأمريكي بدأ يطرح أسئلة جدية حول الجدوى من الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل ، منذ ذلك الوقت ، بدأ الحديث عن تغيرات في الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل ، ثم أتت معركة سيف القدس لتؤكد هذا المسار وهذا الاتجاه .

اشار الكاتب الأمريكي ستيفن وول- وهو المؤلف الكتاب " اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية " والذي حاز على شهرة كبيرة في السنوات الماضية . في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز إلى أن التوقيت بعد معركة سيف القدس أصبح مناسبا لإعادة النظر في علاقة الولايات المتحدة الامريكية بالكيان الصهيوني ودعمها له .

أيضا على مستوى أداء الاعلام الأمريكي الذي بدا مختلفا ، ومثال على ذلك الصفحة الرئيسية لاحد اعداد جريدة نيويورك تايمز التي نشرت قائمة لصور الأطفال الشهداء في غزة في المعركة الأخيرة .

هذه المؤشرات كلها ليست حاسمة ، اذ لا يمكن الجزم بان النظرة تغيرت في أمريكا ، ولكن هذه مسالة تستحق المتابعة بشكل دقيق . ونعتقد بأنه كلما تغيرت موازين القوى في الصراع مع العدو ولمصلحة محور المقاومة ، كلما أثبت محور المقاومة نفسه عسكريا وسياسيا .

هذا المسار " غير الصديق " لإسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية سيزداد وسيستمر ، ولكن أيضا هذا يعني أن العدو الإسرائيلي سيواصل جهوده وسيكثفها على طريق التطبيع مع الدول العربية المختلفة وفي مختلف المجالات .

نعتقد أن خيار التطبيع لن يتراجع عنه الإسرائيلي وهو أكيد سيستمر وسيعتبر الإسرائيليون انه خیار مجدي لهم . لابد من التأكيد انه كلما سجل محور المقاومة نقاط تقدم ، من المؤكد ستستشرس إسرائيل أكثر في هذا المسار وستحاول أن تجد جدوى . لكن عمليا وفي الواقع ، نعتقد أن الجدوی ستكون غير عالية وسيفقد هذا التطبيع زخمه وقدرته على التأثير مع أننا نؤكد مخرة أخرى ، أن العدو لم يتراجع عنه بسهولة .

 

رایکم