السلام هو أحد أقدم طموحات الجنس البشري، ولأنه كان دائمًا يتعرض للتهديد، كان البشر دوماً، من الناحية النظرية والعملية، يسعون إلى إقامته والحفاظ عليه ورفع مستواه. مع ذلك، وعلى الرغم من الرغبة في السلام، فقد أمضى المجتمع الإنساني 205 سنوات فقط في السلام، خلال 3500 عام من تاريخه المسجل.
رغم ذلك، وبينما تتألم الذاكرة التاريخية البشرية من الجروح التي خلفتها الحروب وسفك الدماء، كانت هناك دائمًا جهود للحد من استخدام القوة العسکرية في علاقات الدول المختلفة التي تسعى إلى تحقيق سلام دائم، والذي هو أحد التطلعات الإنسانية.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان من خلال التقييد القانوني للجهات الفاعلة التي تجد نفسها محقةً في انتهاك حقوق الآخرين، في السعي لتحقيق مصالحها. ومنذ فشل الأخلاق في ضمان السلام الدولي، ظهر القانون الدولي على أمل تحقيق هذا الهدف.
عجز الأمم المتحدة عن منع الحرب العالمية الثانية أدى إلى إنشاء نظام جديد للأمن الدولي، وقد نص ميثاق الأمم المتحدة في بيانه الأول على هدفه الأساسي، وهو "حماية الأجيال القادمة من كارثة الحرب".
من الواضح أن التصرف الأمريكي في اغتيال اللواء الحاج قاسم سليماني يُعد إجراءً مخالفًا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، بالإضافة إلى انتهاكه لحظر استخدام القوة، وهو يشكل أيضًا جريمةً دوليةً.
بالإشارة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، يمكن القول إن المادة 6 من هذه الاتفاقية تشدد على حظر سلب الحياة. لذلك، فإن الاغتيال المتعمد الذي حدث في استشهاد اللواء الحاج قاسم سليماني ورفاقه، هو انتهاك صارخ لهذه المادة.
بالطبع، لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل في ارتكاب اغتيالات هادفة خاصةً في أفغانستان، والکيان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة ولبنان، لكننا واجهنا مرارًا وتكرارًا صمت الأوساط القانونية الدولية لسوء الحظ. ومن الأمثلة على ذلك اغتيال عماد مغنية والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، بطائرات بدون طيار.
لدراسة الجريمة المرتكبة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نحن بحاجة إلى دراسة العنصر المادي والروحي لهذا العمل.
وفقًا لتعريف العدوان الوارد في القرار 3314 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974، والمعتمد اليوم أيضًا في محكمة العدل الدولية والقانون العرفي، فإن العدوان هو: "إستخدام القوة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي بأي شكل من الأشكال، والذي يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة".
بالطبع، لا يشير هذا التعريف إلى كلمة التهديد، ولكن بما أن القرار ليس ملزماً لمجلس الأمن باعتباره السلطة المختصة الوحيدة للكشف عن العدوان ولديه الجانب التوجيهي فقط، يمكن للمجلس أن يستند إلی الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، ويعتبر التهديد نوعاً من العدوان أيضاً.
وبما أن الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة تعبر عن قاعدة ملزمة، فإنها تنطبق على جميع الدول؛ سواء الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو الدول غير الأعضاء؛ لذلك، فلا يمكن للحكومة المعتدية الخروج من شمول هذه المادة، من خلال الاستناد إلى عدم انضمام الدولة الضحية إلى عضوية الأمم المتحدة، مع التعريف المقدَّم.
من الواضح، وفقًا للمادتين 4 و 5 من مشروع المسؤولية الدولية للدول لعام 2001، فإن سلوك عناصر الحكومة يتمتع بصلاحيات حكومية وفقًا للقانون الدولي لذلك البلد، وهذا السلوك يعزى إلى الحكومة وسيؤدي إلى مسؤولية دولية؛ لذلك، فإن إجراء دونالد ترامب سوف يجلب المسؤولية الدولية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى مسؤوليته الجنائية الفردية.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن مبدئي "احترام السيادة الوطنية" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول" يدخلان ضمن مجال النقاش في الإجراء الأمريكي أيضاً.
بعد الغزو العسكري في عام 2003 للإطاحة بحزب البعث العراقي وصدام حسين، دخلت القوات الأمريكية الأراضي العراقية ولم يُسمح لها قط بالقيام بعمل عسكري ضد السيادة العراقية والأمن القومي العراقي، حتى يتمكنوا من القيام بعمل عسكري بشكل تعسفي، لذلك، فإن الإجراء الأمريكي الأخير في مهاجمة سيارة اللواء سليماني ورفاقه، ينتهك أولاً مبدأ احترام السيادة العراقية، وبالتالي مبدأ عدم التدخل.
لذلك، ينتهك هذا العمل الأمريكي الوحشي الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق لعام 2008، والتي تنص الفقرة 2 من المادة 8 منها على أن أي عملية عسكرية أمريكية في العراق يجب أن تتم عبر لجنة تنسيق العمليات العسكرية، وتقررها هذه اللجنة. ووفقًا للفقرة 3 من المادة 3 من هذه الاتفاقية، يجب أن يكون وجود الأميركيين في العراق وفقًا للقوانين والعادات والتقاليد والقانون الدولي.
كما تنص الفقرة 3 من المادة 27 للاتفاقية، على أنه لا ينبغي استخدام أراضي العراق لمهاجمة الدول الأخرى. وتحليق الطائرات بدون طيار لاغتيال المواطنين العراقيين(أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورفاقه)، هو عمل عدواني ينتهك سيادة العراق واستقلاله وأحکام هذه الاتفاقية.
إعتبر بعض المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم مايك بومبيو، هذه الخطوة بأنها تأتي في سياق الدفاع الاستباقي، والذي يجب أن يقال إن هذا النوع من الدفاع لا مکان له في القانون الدولي. وعملاً بالفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، وکذلك القرار 3314، يحظر أي استخدام للقوة، والاستثناءات الوحيدة هي الدفاع المشروع والأمن الجماعي الدولي.
لذلك، فإن أي هجوم تحت عناوين مختلفة، مثل الهجوم الوقائي أو الدفاع الاستباقي ضد أي هجوم وشيك، يفتقر بشكل أساسي إلى المصداقية القانونية، وقد أعلنت الأمم المتحدة مرارًا أنه غير قانوني وغير شرعي، مثل الهجوم الإسرائيلي على المفاعلات النووية العراقية في عام 1981 تحت عنوان الهجوم الوقائي.
اليوم هنالك إجماع على أن الهجوم الوقائي هو في حد ذاته شكل من أشكال العدوان، وليس له مكان في القانون الدولي. وهذا مبدأ مقبول في القانون الدولي، بأن الدفاع الوقائي أو الهجوم الوقائي إجراء غير قانوني.
بإمکان جمهورية إيران الإسلامية إحالة هذه القضية إلى السلطات الدولية، ولا سيما الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان. كذلك، إذا طالبت الحكومة العراقية القوات الأمريكية بالانسحاب من بلدها ورفضت الولايات المتحدة ذلك، فإن استمرار هذه القوات البقاء في العراق يعد من أعمال العدوان. وفي هذه الحالة، للحكومة العراقية الحق في الدفاع عن النفس، کما يمكنها أن تطلب المساعدة من جمهورية إيران الإسلامية، بالاستناد إلی حق الدفاع عن النفس الوارد في المادة 51 من الأمم المتحدة.
وبالنسبة إلی إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية، تجدر الإشارة إلى أنه لسوء الحظ، ليس أي من الطرفين عضواً في النظام الأساسي للمحكمة. وفي هذه الحالة فإن الطريقة الوحيدة هي مطالبة مجلس الأمن بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، والذي يبدو أن هذا غير وارد بسبب موقع الولايات المتحدة في مجلس الأمن وحق النقض الذي تملکه في مجلس الأمن، الأمر الذي يظهر للأسف عدم كفاءة القانون الدولي.
کما استُخدمت في هذا العمل الإرهابي وسائل غير قانونية أيضًا، لأن العملية الإرهابية تمت بواسطة طائرة مسيرة، ووفقًا لاتفاقية "شيكاغو"، يحظر تحليق طائرات بدون طيار في أراضي الدول الأخرى دون ترخيص.
کذلك، اعتبر مراسل الأمم المتحدة في عام 2013، أن استخدام الطائرات بدون طيار للاغتيال المخطط له، هو قتل تعسفي. أيضاً في القانون الدولي الإنساني، تفتقر الاغتيالات المخطط لها إلى الشرعية القانونية، وهي محظورة في زمن السلم من باب أولى، وبما أنه لا توجد حالة صراع بين إيران والولايات المتحدة ولم تعلن الحرب رسميًا، فإن اغتيال اللواء سليماني ورفاقه يعد انتهاكًا تامًا لحقوق الحرب والقانون الإنساني الدولي.
المصدر: الوقت