۵۶۴مشاهدات

حين يعود لبنان لبدعة "النأي بالنفس" هربًا من "المواجهة"!

اختلف اللبنانيون في مقاربة هذا التحالف. بينهم من وجد فيه "طاقية النجاة" التي ستنقذ المنطقة بأسرها من الخطر "الداعشي" المتربّص بها، وبينهم في المقابل من انطلق من قاعدة "عدم الثقة" بـ"نوايا" هذا التحالف الحقيقية ليرفضه شكلاً ومضمونًا.
رمز الخبر: ۲۱۵۲۵
تأريخ النشر: 28 September 2014

شبكة تابناك الإخبارية : هي سياسة "النأي بالنفس" تعود إلى الواجهة، ولو بشكلٍ غير مُعلَن، على خلفية الموقف من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والذي انطلق عمليًا في سوريا..

من جديد، اختلف اللبنانيون في مقاربة هذا التحالف. بينهم من وجد فيه "طاقية النجاة" التي ستنقذ المنطقة بأسرها من الخطر "الداعشي" المتربّص بها، وبينهم في المقابل من انطلق من قاعدة "عدم الثقة" بـ"نوايا" هذا التحالف الحقيقية ليرفضه شكلاً ومضمونًا.

وبين الاثنين، لا تزال السلطة الرسمية "حائرة" و"متردّدة"، فهي التي وضعت "الإجماع" شرطًا لكلّ قراراتها، البسيطة منها والاستراتيجية، تبدو متجهة بحزم نحو "النأي بالنفس" من جديد!

علامات استفهام مشروعة..

تُطرَح الكثير من الأسئلة المشروعة حول خلفيات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في الأوساط الداخلية، سواء منها المحسوبة على خط الثامن أو الرابع عشر من آذار، ليبدو أنّ الفريقين متفقان على "التحفظ" على هذا التحالف، ولو اختلفت "الدوافع".

فإذا كانت قوى الرابع عشر من آذار مؤيّدة في المبدأ للحراك الدولي لمواجهة خطر "داعش"، فإنّ عددًا من الشخصيات الدائرة في فلكها لا تجد حَرَجًا في الحديث عن "ازدواجية فاقعة" يمثلها المجتمع الدولي على هذا الصعيد. يستغرب هؤلاء هذا "الاستنفار المفاجئ" لمواجهة إرهاب "داعش" من قبل من تغاضوا عن أشكال أخرى من الإرهاب. يشرحون وجهة نظرهم بالقول أنّ ما يسمّونه "إرهاب النظام السوري"، على سبيل المثال، لا يقلّ خطرًا عن إرهاب داعش، إذا لم يكن هو من خلقه أصلاً، ومع ذلك فإنّ الجرائم التي ارتُكِبت، على فظاعتها، لم تحرّك هذا المجتمع الدولي طيلة سنوات تُرِك فيها الشعب السوري يواجه ويناضل وحيدًا.

في المقابل، فإنّ التحفظات تبدو "معاكسة تمامًا" في أوساط فريق الثامن من آذار، التي لا تتردّد في القول أنّ من يقود هذا التحالف هو في الأصل من خلق هذا "الإرهاب"، ملمحة إلى أنها فقدت السيطرة عليه. وإذا كان موقف هذه القوى واضحًا وجليًا من هذا التحالف، فإنّ تتويجه أتى على لسان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي جاهر برفض هذا التحالف، وهو ما تعتبره الأوساط موقفًا مبدئيًا ينسجم مع عدم ثقة هذا الفريق بالمجتمع الدولي وبخلفياته بالمُطلَق، فضلاً عن ظروف ولادة هذا التحالف واستثناء دول محورية في المنطقة والعالم على غرار إيران وروسيا كافية للتدليل على عدم جديته في مكانٍ ما.

لا مصلحة للبنان؟

وبعيدًا عن موقفي الثامن والرابع عشر من آذار، اللذين يحتملان التسييس، يؤكد الخبراء والمطلعون أنّ لا مصلحة للبنان عمليًا بالانخراط في هذا التحالف. وينطلق أحد هؤلاء الخبراء في شرح وجهة نظره من رفض فريق سياسي معيّن، في إشارة لفريق الرابع عشر من آذار، مجرّد التنسيق والتعاون مع سوريا، على الرغم من الضرورة الملحة لمثل هذا التعاون في ضوء الأوضاع المعقدة التي تشهدها الحدود اللبنانية السورية، في وقت بات القاصي والداني يعلم أنّ الدول الغربية الكبرى باتت تنسّق مع النظام السوري الذي لطالما دعت لإسقاطه ولو بشكل غير مُعلَن، بدليل ما سُرّب عن إبلاغ واشنطن لدمشق بأمر الضربات على سوريا قبل حدوثها، ولو أتى ذلك عبر وسيطٍ عراقي.

بالإضافة إلى ذلك، يرى الخبير نفسه أنّ الانخراط في مثل هذا التحالف وتحوّل لبنان بالتالي لقاعدة للقوات الغربية لشنّ الضربات والهجمات على المواقع السورية سيكون له تداعيات وخيمة على الداخل اللبناني، بل إنه سيجرّ الويلات إليه وعندها لن ينفع الندم، علمًا أنّ هذه التداعيات ستُترجَم على الصعيد الأمني، وفي أكثر من منطقة لبنانية. وهو يعرب عن خشيته أصلاً من تفاقم الأوضاع مع بدء العدّ العكسي لقدوم فصل الشتاء، حيث يتوقع اندلاع معركة جديدة في عرسال التي سيسعى الإرهابيون للعودة إليها، أو في أيّ منطقة بقاعية أخرى قد تشكّل ملاذًا لهم بغضّ النظر عن هويتها وطبيعتها الطائفية والسياسية.

وتتلاقى مصادر سياسية متابعة مع الخبير العسكري بالحديث عن عدم وجود مصلحة للبنان بأن يصبح محسوبًا على معسكرٍ محدّد في هذه المرحلة، أياً كانت مبرّرات ذلك، وذلك باعتبار أنّ الدخول في "لعبة الأمم" يضرّ أكثر ممّا يفيد، بل إنّ "الرهان" على دعمٍ محصور ومحدّد قد يخلط كلّ الأوراق الداخلية، وبالتالي فإنّ الأفضل للبنان الحفاظ على "خط الرجعة" على هذا الصعيد.

إلى النأي بالنفس دُر...

هكذا إذًا، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية، لا يبدو أنّ هناك مصلحة فعلية للبنان بالانخراط في مثل هذا التحالف، الذي تحيط به علامات الاستفهام من كلّ حدبٍ وصوب..

من هنا، يدعو أشدّ منتقدي "بدعة" النأي بالنفس سابقاً إلى تطبيقها قولاً وفعلاً اليوم، بوصفها السبيل الأمثل للمواجهة. لا ينكرون أنّ هذه السياسة أثبتت عدم جدواها في أكثر من مكان في السابق، بل إنّ لبنان بدا كمن لا موقف له في قضايا جوهرية وأساسية تتعلّق بأمنه الشخصي وبجواره، وصحيحٌ أنّ اعتمادها لم ينفع في تحييد لبنان بل ساهم في توريطه ربما بشكلٍ أو بآخر، إلا أنّ المعادلة تصبح مختلفة هنا.

ولأنّ الوقت ليس ملائمًا للدخول كطرفٍ في "صراع المحاور"، مع ما يحمله ذلك من مخاطر تحويل لبنان من جديد لـ"ساحة بريد" يتنافس اللاعبون الإقليميون على تصفية حساباتهم عليها، يبقى "الرهان" على "حكمة" السلطة السياسية، لأنّ التسويف والمماطلة لن يجديا بعد اليوم!

رایکم