
في ظل التطورات المتسارعة في لبنان والضغوط الخارجية لإعادة النظر في البنية الأمنية للبلاد، وخاصةً فيما يتعلق بنزع سلاح حزب الله، أصبح الجو السياسي الداخلي متوترًا للغاية. في غضون ذلك، تشير المواقف الواضحة والقاسية لبعض قادة المقاومة إلى عزمهم على مواجهة "المؤامرة الدولية" ضد محور المقاومة.
نشر عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم الإقليمية، مقالًا حول هذا الموضوع، منتقدًا دور الحكومة اللبنانية في قبول الخطط الأمريكية وتداعياتها المحتملة على الاستقرار الداخلي للبلاد وسيادتها الوطنية حيث كتب: إن تأكيد الحاج محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية، على أن نزع سلاح حزب الله، باعتباره استسلامًا لإملاءات إسرائيل وأمريكا، هو انتحار وخيانة للسيادة الوطنية وهبة مجانية للنظام المحتل، يعني أن المقاومة في لبنان قررت مواجهة مؤامرة نزع سلاحها بأي ثمن.
وبرأيه، فإن الثنائي اللبناني، الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، بقبولهما الوثيقة الأمريكية التي حملها المبعوث الأمريكي توم باراك، والالتزام بنزع سلاح حزب الله بحلول نهاية العام، لم يتسرعا فحسب، بل كانا متواطئين في هذه المؤامرة، واختارا أن يكونا أداة لتنفيذها بإشعال نار الحرب الأهلية: خداع وقف إطلاق النار ومشروع تدمير المقاومة.
وتابع عطوان أنه إذا كان المبعوث الأمريكي عاموس هوشتاين قد تمكن من خداع اللبنانيين وفرض وقف إطلاق نار مشكوك فيه استند إلى هجمات صاروخية على الضاحية الجنوبية ورافقه خطة اغتيال وتفجيرات، فإن خليفته باراك لن ينجح بالتأكيد في مشروعه المتمثل في تدمير المقاومة بالكامل وقلع أظافرها وسحب أسنانها وجر لبنان في النهاية إلى أحضان التطبيع الفاسدة.
من أين يأتي التهديد الحقيقي لأمن لبنان؟
من يهدد أمن لبنان ليس الشاب الذي يقيم مظاهرات سلمية على دراجة نارية في الضاحية الجنوبية ويهتف بشعارات المقاومة والكرامة، بل من يريد تحويل لبنان إلى ريفييرا إسرائيلية؛ دولة بلا سيادة وبلا كرامة، بعد إغراقه في بحر من دماء الأبرياء.
نزع السلاح؛ نزع سلاح الهوية والسيادة
ووفقًا لهذه المذكرة، فإن نزع السلاح يعني نزع السيادة والهوية الوطنية العربية والإسلامية؛ كما حدث في العراق وليبيا، بشعارات كالديمقراطية، ومحاربة الاستبداد، وتعزيز حقوق الإنسان، وتحقيق الرخاء الاقتصادي، والسلام الداخلي، فإن القيادة السياسية والعسكرية الشابة لحزب الله، بأعلى درجات الوعي، قاومت الوقوع في هذا الفخ الإسرائيلي بغطاء أمريكي، وأدت أداءً رائعًا.
المقاومة على أهبة الاستعداد للمواجهة
وبحسب عطوان، فقد استعادت المقاومة اللبنانية قوتها، ونظمت صفوفها، وهي الآن في أعلى درجات الجاهزية العسكرية والروحية لمواجهة العدو الأمريكي الإسرائيلي وجميع مرتزقته، سواءً داخل لبنان أو في محيطه العربي. ولولا ذلك، لما أمكن لهذه المقاومة الواعية والمشرفة لمؤامرة نزع السلاح وتبعاتها أن تتحقق.
الفرق بين الحرب الأهلية الأولى والثانية؛ تغيّر الهدف والطبيعة
كتب رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم: "نعلم جيدًا أن الفرق بين الحرب الأهلية اللبنانية الأولى، التي استمرت 15 عامًا، والوضع الراهن هو أن أمريكا وكيان الاحتلال الإسرائيلي وقفا آنذاك مباشرةً مع من أرادوا نزع سلاح المقاومة؛ لكن تلك الحرب كانت ضد سلاح غير لبناني، ألا وهو الفلسطينيون. أما الآن، فقد تغيّر الوضع؛ فالهدف هو السلاح الوطني اللبناني ومحور المقاومة والكرامة".
فشل أدوات أمريكا وإسرائيل في لبنان
لن تنتصر أدوات أمريكا وإسرائيل في لبنان في أي حرب مستقبلية، بل ستدفع ثمنًا باهظًا؛ وسيعاني معها داعموهم في واشنطن وتل أبيب.
لن يشارك ضباط الجيش اللبناني الشرفاء، وهم الأغلبية، في حرب التآمر لنزع سلاح المقاومة، بل سيقفون في خنادق المقاومة ويقاتلون بكل شرف ورجولة.
خروج الوزراء الشيعة وسقوط شرعية الحكومة وانهيار اتفاق الطائف
ذكّر عطوان بأن خروج وزراء حركتي حزب الله وأمل من اجتماع "ضرر" للحكومة اللبنانية، الذي كان موضوع نزع سلاح المقاومة على رأس جدول أعماله، حرم الحكومة من الشرعية تمامًا، ولم تعد تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني. كما حرم هذا الانسحاب من شرعية "اتفاق الطائف"؛ الاتفاق الذي كان يرمز إلى السلم الداخلي والتعايش اللبناني، وأنقذ لبنان وحافظ على وحدته الوطنية؛ الاتفاق الذي أقرّ بشرعية سلاح حزب الله، واستثنى منه نزع السلاح، وركّز بفخر على بقائه رمزًا للمقاومة في وجه التهديد الإسرائيلي.
إن إطلاق الرصاصة الأولى في أي مواجهة بين المقاومة والمتآمرين على سلاحها يعني التدمير الكامل لبقية بنود اتفاق الطائف، بما في ذلك التركيبة الطائفية الحالية والتوزيع "غير العادل" للمناصب العليا، وخاصة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء.
إخفاقات أمريكا وإسرائيل؛ الدروس المستفادة من العالم العربي
وتابع الكاتب والمحلل الشهير: أمريكا ليست بمنأى عن الهزيمة، وكذلك إسرائيل. فشلت أمريكا في العراق وأفغانستان، ومؤخرًا في اليمن، حيث حطم رجالها القوة العسكرية الأمريكية بضرب حاملات طائراتها ومدمراتها. كما فشلت إسرائيل مرتين في لبنان: الأولى عام 2000 والثانية في حرب الكرامة عام 2006. وجاءت الهزيمة الثالثة في غزة، على أيدي مقاتلي كتائب الأقصى وسرايا القدس. ومن يفشل في نزع سلاح المقاومة في غزة في الحرب التي دخلت شهرها الثالث والعشرين سيفشل بالتأكيد في نزع سلاح حزب الله. أما الهزيمة الرابعة فقد حدثت في حرب الـ 12 يومًا مع إيران، حيث استهدفت صواريخ خيبر وفتح وسجيل مدنًا رئيسية مثل تل أبيب وحيفا وعسقلان وصفد وأشدود وميناء أم الرشراش (إيلات)، مما أجبر إسرائيل على التوسل لوقف إطلاق النار.
دعوة للعودة إلى المعادلة الذهبية
ثم دعا الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء إلى التراجع فورًا عن قرار نزع سلاح المقاومة، لإنقاذ لبنان والعودة إلى المعادلة الذهبية: "جيش، وطن، مقاومة"، التي حافظت على سيادة لبنان وسلامه الداخلي. عليهم ألا يقعوا مجددًا في فخ أمريكا وإسرائيل المدمر، بل أن يتعلموا من التجارب المريرة في ليبيا والعراق، وأخيرًا سوريا.
انتصارات المقاومة ومستقبلٌ مفعم بالأحداث لإسرائيل
واختتم الكاتب قائلاً: "على الرغم من استمرار حروبهما ضد فلسطين والعراق ولبنان وإيران، فقد فشلت إسرائيل والولايات المتحدة في جميع حروبهما الأخيرة. من المفيد استحضار انتصار المقاومة العظيم في ذلك الأحد العظيم، اليوم الذي استهدفت فيه صواريخ حزب الله الدقيقة قلب تل أبيب، وغرفة عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي، ومقر أكبر قاعدة تجسس في العالم، الوحدة 8200. لا تزال هذه الصواريخ المباركة موجودة - أكثر من 7500 صاروخ - وقد استأنفت قيادة عسكرية شابة إنتاجها. وقد اتخذت هذه القيادة جميع التدابير اللازمة لجعل كل يوم يومًا حافلًا بالأحداث لکیان الاحتلال.. وما زال ما خفی أعظم.