۶۰مشاهدات
تقرير؛

ما خطة نتنياهو العسكرية لاحتلال غزة وكيف ستواجهه المقاومة؟

في فجر الجمعة، الثامن من أغسطس/آب الجاري، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية-، أن المجلس الوزاري المصغر وافق على مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل.
رمز الخبر: ۷۱۷۵۱
تأريخ النشر: 10 August 2025

بعد 22 شهرا من حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة المحاصر، بما انطوت عليه من قصف وحشي وعشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين، فضلا عن هندسة التجويع التي تبلغ اليوم مديات قاسية ووحشي، يبدو أن نهم إسرائيل للدماء لم يُرو بعد.

ففي فجر الجمعة، الثامن من أغسطس/آب الجاري، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية-، أن المجلس الوزاري المصغر وافق على مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل.

وتشمل الخطة إجبار ما يصل إلى مليون فلسطيني على النزوح جنوبا، وهو ما يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية للقطاع.

ووفقا لما أعلنه المسؤولون في دولة الاحتلال خلال الأيام الماضية، تهدف الخطة الجديدة إلى تفكيك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالكامل ووقف نفوذها العسكري والإداري في القطاع، واستعادة الأسرى المحتجزين، وإنشاء منطقة عازلة داخل قطاع غزة وإحكام السيطرة الأمنية، وأخيرا إنشاء إدارة محلية مدنية جديدة في القطاع ليست خاضعة لسيطرة حماس أو السلطة الفلسطينية.

تتضمن الخطة إرسال قوات برية إلى المناطق القليلة من القطاع التي لم تُدمّر بالكامل، والتي تُشكّل حوالي 25% من قطاع غزة.

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن خطة الغزو واسعة النطاق تنطوي على مشاركة ما لا يقل عن أربع إلى خمس فرق من جيش الاحتلال تمثل مزيجًا من الألوية الدائمة وقوات الاحتياط المعبأة، بما في ذلك وحدات مشاة النخبة ووحدات مدرعة، وقد استدعت إسرائيل عشرات الآلاف من جنود الاحتياط لدعم العمليات الموسعة، مما زاد من عدد القوات قيد الخدمة في القيادة الجنوبية للجيش.

وتشمل قائمة الألوية المنتظر مشاركتها في هذه العملية لواء غولاني ولواء غفعاتي وكلاهما من سلاح المشاة، إضافة إلى لواء المظليين المدرب على القتال في المناطق الحضرية، وألوية المدرعات المجهزة بدبابات ميركافا (مثل اللواء المدرع 401 الذي شارك في القتال داخل غزة سابقا) ووحدات الهندسة القتالية المتخصصة في اختراق التحصينات ومكافحة الأنفاق.

ويشير عدد الألوية المشاركة أن العملية ستتضمن مشاركة قرابة 50 ألف جندي في العمليات التي ستستمر لعدة أشهر في أدنى التقديرات.

إلى جانب ذلك، سوف تقدم عشرات الطائرات المقاتلة (بما في ذلك طائرات إف-16 وإف-35) وطائرات الهليكوبتر الهجومية (أباتشي إيه إتش-64) دعما جويا قريبا، مستهدفة ما يقول الاحتلال إنه مستودعات أسلحة ومداخل أنفاق ومواقع صواريخ مضادة للدبابات (رغم أن أكثر ضحايا القصف الإسرائيلي منذ بداية الحرب من المدنيين والنساء والأطفال).

ومن المنتظر أن ينشر جيش الاحتلال كذلك العديد من المسيرات، من طائرات مراقبة إلى طائرات رباعية المراوح تكتيكية صغيرة لأغراض استطلاع المباني وإسقاط الذخائر.

ويُوفّر أسطول المسيرات هذا مراقبة استخباراتية استطلاعية مستمرة كما يمكنه توجيه ضربات سريعة في المناطق الحضرية الكثيفة التي يصعب استخدام الطائرات التقليدية فيها.

وخلف قوات القتال الأمامية، سوف تتمركز بطاريات المدفعية (مدافع هاوتزر عيار 155 مليمترا وصواريخ موجهة) لتوفير القوة النارية عند الحاجة؛ وأنظمة الدفاع الجوي (بطاريات القبة الحديدية ومقلاع داود) لاعتراض أي صواريخ تنطلق أثناء القتال، إضافة إلى وحدات لوجيستية لنقل الوقود والذخيرة والمياه والإمدادات إلى غزة، ووحدات طبية (مستشفيات ميدانية وفرق إخلاء) لعلاج الجرحى الوافدين من خطوط القتال.

4 مراحل

ووفق ما نشرته عدد من الصحف الإسرائيلية، فإن الخطة الإسرائيلية ستكون حملة متعددة المراحل تستمر لمدة 4-5 أشهر على الأقل، مع التركيز أولا على شمال ووسط غزة، قبل أن تتوسع إلى المناطق المتبقية.

في المرحلة الأولى، ستركز إسرائيل على إجلاء الفلسطينيين من مدينة غزة التي سيتلقى سكانها المقدر عددهم بمليون شخص تقريبا إشعارات إخلاء لصالح جيش الاحتلال. وبالتزامن مع ذلك، تزعم الخطة أن جيش الاحتلال سوف ينشئ مناطق "إنسانية" آمنة في وسط وجنوب غزة، تشمل 16 موقعا لتقديم المساعدات.

ورغم تعهدات جيش الاحتلال في المرحلة الأولى فإن الواقع يشير إلى أن هذه التعهدات ليست إلا إعادة هيكلة لحملة التجويع، إذ سيتم التحكم بالكامل فيما يدخل إلى الفلسطينيين من ماء وطعام ودواء، بصورة تشبه معسكرات الاعتقال، تمهيدا للمرحلة الثانية، والأكثر دموية، من المخطط الإسرائيلي.

إذ ستشهد المرحلة الثانية بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل هجوما بريا كبيرا على مدينة غزة، المركز الحضري المكتظ في الشمال وفي الوقت نفسه على مخيمات اللاجئين المجاورة في وسط غزة. وستسعى الألوية الإسرائيلية للتوغل في المدينة من اتجاهات متعددة.

وبالتزامن مع التوغل العسكري، سوف تُستخدم أساليب التطويق والحصار، إذ تخطط قوات الاحتلال لتطويق مدينة غزة، وعزلها عن باقي القطاع، وفرض حصار عليها يستمر لشهور. وفي داخل المدينة، ستقوم الوحدات الإسرائيلية بعمليات بحث وتمشيط شامل على مدار أسابيع من القتال.

ويلي ذلك المرحلة الثالثة، والتي تتضمن التوسع إلى وسط وجنوب غزة، بمجرد إحكام السيطرة على مدينة غزة. وفي هذه المرحلة، سوف يكون الهدف الرئيسي هو مخيمات اللاجئين المكتظة مثل النصيرات والبريج وغيرها، في وسط القطاع، إضافة المناطق الحضرية المحيطة بطريق صلاح الدين (الشريان الرئيسي الواصل بين الشمال والجنوب).

بنهاية هذه المرحلة، يُخطط جيش الاحتلال لفرض السيطرة التامة على شمال ووسط غزة، ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه عند هذه النقطة، سيتم تقسيم القطاع بأكمله إلى مناطق منفصلة عن بعضها البعض، كل منها مطوق بالكامل، ما يمهد الطريق إلى المرحلة الرابعة التي تتضمن محاولة تأمين المناطق التي تمت السيطرة عليها، مع إبقاء قوات ومعدات مراقبة كافية منتشرة في جميع أنحاء غزة للحفاظ على الوجود الأمني.

باختصار، مع نهاية المرحلة الرابعة، تهدف إسرائيل إلى تحقيق أهدافها المعلنة للحرب: وهي نزع سلاح حماس، وإعادة جميع الأسرى وتجريد قطاع غزة بأكمله من السلاح، وفرض السيطرة الأمنية على القطاع، وإقامة "إدارة مدنية بديلة لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية".

أما المفاجأة "المتوقعة" فهي أن هذه هي الأهداف نفسها التي حددتها إسرائيل لنفسها منذ البداية، وفشلت في تحقيق إي إنجاز، بخلاف قتل عشرات الآلاف من المدنيين وإحكام الحصار والمجاعة على سكان القطاع بأكمله، لكن يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت إعادة تدوير فشلها بصيغة أخرى كي تكسب مزيدا من الوقت.

صحيح أن جيش الاحتلال تمكن على مدار أكثر من 22 شهرا من الحرب من تدمير جزء من قدرات المقاومة العسكرية، إلا أنه فشل في استعادة أسراه (باستثناء من حصل عليهم بموجب الصفقة التي انقلب عليها مطلع العام الحالي). هذا ولا تزال فصائل المقاومة قادرة على توجيه ضربات فعالة إلى جسد الاحتلال وإن تغيرت تكتيكاتها وتباطأت وتيرتها مقارنة ببداية الحرب، إذ تركز المقاومة حاليا على نصب الكمائن الذكية بهدف إيقاف الجنود والآليات التابعة لجيش الاحتلال، واستهدافها وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر.

تكتيكات القتال

من المتوقع أن يكون القتال في مدن غزة ومخيمات اللاجئين المكتظة حربا حضرية عنيفة ودموية، يعتمد الاحتلال خلالها على نهج "التطهير، الصمود، البناء"، وهو ذات الأسلوب الذي اتبعته الولايات المتحدة في حروبها في أفغانستان والعراق.

ويبدأ الأمر مع مرحلة "التطهير"، وخلالها تجري القوات -بشكل منهجي- مسحا شاملا لكل منطقة عمليات، بما في ذلك استكمال المحاولات (التي فشلت سابقا) للسيطرة على كل الطرق والتخلص من الأنفاق. ويرتبط مصطلح "التطهير" في الأدبيات العسكرية بسمعة سيئة، لأنه  يقترن غالبا مع عمليات القتل الواسعة والطرد الجماعي للسكان بحجة وجود عناصر "إرهابية" بينهم.

ويُنتظر أن يشمل "التطهير" المخطط له في غزة قصفا جويا واسع النطاق، واجتياحا بريا، لينتهي تهجير أكثر من مليون مدني من الشمال.

بعد السيطرة على الأرض، تأتي المرحلة التالية "الصمود" وتعني التمركز فيها والدفاع عنها ضد الهجمات المضادة، ويشمل ذلك بناء نقاط تمركز، وتنظيم الدوريات، والسيطرة الأمنية الكاملة، ويتطلب هذا نشر عدد كبير من المشاة لتأمين الشوارع وأسطح المنازل والأزقة، بالإضافة إلى معدات مراقبة لرصد أي نشاط مقاوم مضاد.

وكما هو واضح، تتطلب هذه المرحلة تكاليف ضخمة من القوات، والذخائر، والبنية التحتية العسكرية، وتتزايد هذه التكلفة كلما زاد زمان الاحتلال أو الفترة التي تبقى فيها إسرائيل سيطرتها على الأرض. أما اصطلاح البناء فيعني إعادة الإعمار وتأسيس حكم مدني جديد وضمان استقرار سلطة الاحتلال الجديدة لمدة طويلة.

خلال تلك المواجهة، سوف يستخدم جيش الاحتلال مركباته المدرعة وأدواته الهندسية للقتال في المناطق الحضرية، وستقود دبابات القتال الرئيسية (ميركافا 4) وناقلات الجند المدرعة الثقيلة (نمر) التقدم، لتجوب الطرق الرئيسية، موفرة غطاء متحركا للمشاة، مع العشرات من الجرافات المدرعة لإعادة تشكيل ساحة المعركة الحضرية بدفع السيارات والأنقاض وحتى المباني بأكملها جانبا.

رد فعل المقاومة

كيف ستواجه المقاومة كل هذا؟ كما هو الحالي في حروب التحرر أيضا، فإن الأرض والتضاريس هي صديقة المقاوم الأول، بها يحتمي ويختبئ وعبرها ينصب الكمائن ويهاجم ويباغت.

وخلال الأشهر الفائتة للحرب، زرع مقاتلو المقاومة ألغاما كثيفة في الطرق التي تمر بها قوات جيش الاحتلال، ودمروا المركبات المدرعة الإسرائيلية بصواريخ مضادة للدبابات، ومن المرجح الآن أن يكون هناك مستوى مماثل من الدفاع التكتيكي خلال هذا الفصل المرتقب من المواجهة.

وتمتلك كتائب القسام العديد من الأسلحة الموجهة التي يمكنها تدمير الدبابات إذا أصابت نقاط ضعف، ويتم استخدام هذه الأسلحة من أسطح المنازل أو الطوابق العليا ضد المدرعات الإسرائيلية، ومن المتوقع أيضا أن تستخدم كتائب القسام جنبا إلى جنب مع فصائل المقاومة الأخرى فرق القناصة لإبطاء تقدم المشاة، أو المركبات المفخخة ضد الأرتال المتقدمة، بالإضافة إلى إطلاق قذائف الهاون والصواريخ لضرب مواقع التجمع لقوات جيش الاحتلال.

ومن المرجح كذلك أن تُركز إستراتيجية فصائل المقاومة في ساحة المعركة على الكمائن، والتي تتضمن السماح لقوات جيش الاحتلال بدخول منطقة ما ثم الهجوم من جوانب متعددة أو من أنفاق في الخلف، ومن التكتيكات المخيفة للإسرائيليين بشكل خاص التسلل عبر الأنفاق، حيث يمكن لمقاتلي المقاومة الظهور فجأة من فتحات أنفاق مخفية خلف الخطوط الإسرائيلية لمهاجمة قوافل الإمدادات أو الوحدات المعزولة.

وتتميز المقاومة بقدرتها العالية على القتال في البيئة الحضرية، مما يعقد العمليات الإسرائيلية ويبطئ تقدمها، وهي تخوض حاليا ما يشبه "حرب عصابات" تشبه ما واجهته أميركا في الفلوجة أو الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وفي هذا النوع من الحروب؛ كل منزل، وكل شارع، قد يكون فخا، والأنفاق قد تمتد إلى خلف خطوط الجيش الإسرائيلي، وهذا يعني أن القتال ليس في الجهة الأمامية فقط، ولكن عند أي نقطة على محيط وجود القوات والمعدات.

وفي الحروب المشابهة السابقة، كانت النتيجة معارك طويلة، ومكلفة، وبلا نصر حاسم، لأن المقاومة ليست كيانا هرميا يمكن تقويضه عبر استهداف قادته أو بعض وحداته، بل هي منظومة شبكية تختلف طريقة عملها عن الجيوش التقليدية، ومع الضغط تتحول إلى مجموعات صغيرة منفردة يمكنها تنفيذ عمليات لا مركزية، مثل هجمات الكر والفر والكمائن المعقدة متعددة الأهداف واستخدام العبوات الناسفة التي يسهل نسبيا تصنيعها محليا.

وفي النهاية؛ جنود المقاومة يعرفون ظاهر الأرض وباطنها، كما أن لديهم هدف آخر من هذه المعارك، وهذا الهدف لا يتمثل بالنصر الحاسم كما تريد إسرائيل، بل بجعل الغزو مكلفا ومؤلما ومستنزفا، بما قد يتسبب في مقتل المئات من جنود الاحتلال كما يتوقع عدد من المحللين الإسرائيليين نظرا لحجم القتال المتوقع.

رایکم
آخرالاخبار