
قالت الوسائل الاعلام الإیرانیة: "تم الاتفاق على مبدأ المحادثات، لكن المناقشات جارية حول موعد ومكان المحادثات، ولم يتم تحديد البلد الذي ستُعقد فيه المحادثات القادمة".
كما قال وزير الخارجية الايراني، السيد عباس عراقجي، في تصريح له يوم الاحد: "نهجنا في التفاوض مع الأوروبيين أقوى وأكثر حزمًا من السابق"، مؤكدا: "من الضروري أن يكون الأوروبيون على دراية بمواقف إيران.. لدينا اوراق قوية في الاجتماع مع الأوروبيين".
هذا وبعد اتفاق وقف إطلاق النار وتوقف العدوان الإسرائيلي على إيران، ارسلت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب رسائل متعددة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر الوسطاء لاستئناف المفاوضات النووية.
هذه المرة، لم تكتف الولايات المتحدة الى موضوع الملف النووي، وقد أكدت بصراحة على ضرورة معالجة مسألة مدى الصواريخ الايرانية والنفوذ الاقليمي، بالإضافة إلى مسألة التخصيب الصفري.
في المفاوضات السابقة، وقبل عدوان الكيان الإسرائيلي على إيران، استخدم الجانب الامريكي التهديد بالهجوم العسكري كوسيلة ضغط على الفريق المفاوض الإيراني، وجرت محاولات لإجباره على قبول المطالب، بما في ذلك قبول التخصيب الصفري وتفكيك المنشآت النووية داخل البلاد.
لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصفت هذا الموقف الأمريكي بأنه غير مشروع وقاسٍ، وأكدت أنها، استنادًا إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تعتبر امتلاك الطاقة النووية وإمكانية تخصيب اليورانيوم حقًا لكل دولة، غير مستعدة بأي حال من الأحوال للرضوخ لهذا المطلب الأمريكي.
وكما رأينا، لم يتم التوصل إلى اتفاق، وبتنفيذ تهديدهما، سعيا الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى تدمير برامج إيران النووية والصاروخية والعسكرية تدميرًا كاملًا في نهاية مهلة محددة. ورغم أن الولايات المتحدة ودونالد ترامب يدّعيان أن جميع المنشآت النووية الإيرانية قد دُمرت ولا يمكن استعادتها، إلا أن التقارير الاستخباراتية أكدت أن البرنامج النووي الإيراني لم يُدمر، وأن قدرات إيران النووية لا تزال كبيرة.
بعد الحرب، اكتسب الجانبان الإسرائيلي-الأمريكي والإيراني فهمًا جديدًا لبعضهما البعض، وقيسا إلى حد كبير قدراتهما العسكرية والميدانية. والآن، بعد الحرب، تسعى الولايات المتحدة مجددًا إلى جلب إيران إلى طاولة المفاوضات، بهدف إعادة اختبار الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق تستسلم ايران من خلاله، على حد تعبيرهم.
هذه المرة، بدلًا من التهديد العلني بالعمل العسكري، استخدمت الولايات المتحدة الجانب الأوروبي كأداة ضغط، ومن خلال التهديد بتفعيل آلية الزناد من قبل التروئيكا الاوروبية وإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة بهدف شلّ إيران، تسعى الولايات المتحدة إلى تسليم الجمهورية الإسلامية وإجبارها على قبول التخصيب الصفري، بالإضافة إلى تقليص مدى صواريخها، والالتزام بعدم محاولة إحياء المحور.
تريد الولايات المتحدة من إيران تسليم جميع أدوات قوتها، بحيث لن يكون هناك تهديد بزيادة مستوى التخصيب إلى 90% لصنع القنبلة، ولا صواريخ تصل إلى إسرائيل لاستهدافها، ولا قوى مقاومة تُواصل حروب الوكالة.
تريد أمريكا تمهيد الطريق الوعر أمام الكيان الصهيوني، أولًا ليتمكن من استهداف إيران نقطةً بنقطة متى شاء دون تلقي أي رد، وثانيًا، ليتمكن من تنفيذ المشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات وممر داود بسهولة. لا سيما وأن التطورات في سوريا في الأيام الأخيرة تُثبت بوضوح الأهداف التي يسعى إليها الكيان الإسرائيلي.
لا تسعى أمريكا إلى التوصل إلى الاتفاق ورفع العقوبات عن إيران وتحقيق الرخاء والرفاهية لشعبها من خلال التفاوض معها؛ بل تريد استسلام إيران، لتتمكن إسرائيل من المضي قدمًا في مشروعها الصهيوني بحرية وأمان تام، والذي تعطل بعد تشكيل محور المقاومة، وكذلك وأد اى تحرك ضد مصالحها من خلال السيطرة على الأجواء الإيرانية.
كما تسعى واشنطن إلى تحويل منطقة الخليج الفارسي إلى مركز اقتصادي عالمي، وتحقيق أرباح اقتصادية وافرة من خلال شركاتها التكنولوجية. لذلك، فإن وجود إيران، بقدراتها النووية والصاروخية وأيديولوجيتها المقاومة، يُمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف.
بهذه التفاصيل، لماذا على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تدخل في مفاوضات مع طرف معروف أهدافه؟ هل إيران، التي رفضت توقيع اتفاق مع ترامب وقبول التخصيب الصفري قبل الحرب، الآن وقد نجحت إلى حد كبير في الحفاظ على قدراتها العسكرية والنووية بعد الحرب، وأدركت بوضوح التهديد الحقيقي الذي تشكله إسرائيل والولايات المتحدة، وتعلم أن فقدان أدوات قوتها يعني تحويل سماء البلاد إلى حظیرة المقاتلات الاسرائيلية والأمريكيية، فهل ستكون مستعدة للتنازل عن برنامجها النووي، الذي كان دائمًا أداة ضغط في المفاوضات، وصواريخها الباليستية، التي تكون أداة للدفاع عن البلاد وقوات المقاومة التي شكلت خط المواجهة الأمامي، تتنازل عنها لصالح الولايات المتحدة؟! أبدًا.. من لم يوافق قبل الحرب ولم يستسلم وسط الحرب، فلن يستسلم بعدها وعلى طاولة التفاوض أيضًا.