۳۶۹مشاهدات
رمز الخبر: ۶۹۵۰۵
تأريخ النشر: 26 May 2024

قضية فلسطين بدأت بمأساة انسانية عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرىً وبلدات ومدن فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقا، نعم هنا بدأت القضية وللقصة بقية.

اخذ الصهاينة بالاستيلاء على ارض فلسطين عنوة وكانوا یفتحون النار على الشعب الفلسطيني بلا تمييز، ویتعرضون للنساء بالاغتصاب المتلو بالذبح، فضلا عن بقر بطون الحوامل منهن، وسرقة حُليهن جميعا بعد التمثيل بجثثهن، ظلم تلاه ظلم اخر وهو التهجير القسري والذي یعد الظلم الأطول أمدا في العالم.

لم تنته قصة الظلم هنا، فالصهاينة من جهة مازالوا مستمرين في جرائمهم عبر تنفيذ خريطة إبادة الشعب الفلسطيني العابرة للزمن، ومن جهة اخرى حاكوا سردية ان الفلسطينيين هم من باعوا ارضهم واشتروها اليهود منهم بالحلال ليصدقها الكثيرون مما جعل المر امر والظلم اظلم على الشعب الفلسطيني.

أرض بلا شعب لشعب بلا أرض

بدأت الدعاية الصهيونية في القرن التاسع عشر مرتكزة على فكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، اي مُعتبرةً أنه لا يوجد شعب في فلسطين، وأن من حق اليهود الذي لا يملكون أرضا أن تكون هذه الأرض لهم.

ففي عام 1885 ظهر لأول مرة مصطلح الحركة الصهيونية على يد الكاتب النمساوي ناتان بيرنباوم، وهدفها الاستيطان في فلسطين وبعد ذلك نشر الصحفي الصهيوني ثيودور هيرتزل كتابه الدولة اليهودية باللغة الألمانية.

العروس جميلة جداً ولكنها متزوجة فعلاً

شعر "هرتزل" أن يهود أوروبا لا يزالون متعلقين بالهجرة نحو أمريكا مما جعل الطبيب "ماكس نوردو" الساعد الأيمن لهيرتزل يرسل حاخامين اثنين من كبار رجال الدين اليهود إلى فلسطين، ليرفعا تقريرا  إلى المؤتمر الصهيوني عن الإمكانية العملية للهجرة إلى فلسطين، وبعد أن رجعا عام 1896 حملا جوابا من سطر واحد جاء فيه : "العروس جميلة جداً ومستوفية لجميع الشروط، ولكنها متزوجة فعلاً.

فهم "نوردو" أن المقصود هنا ان فلسطين ليس كما ذكر هيرتزل أرضا بلا شعب فهي ارض عامرة بالحيوية والنشاط، وأن فيها شعبا كادحا متجذرا في أرضه يسكنها منذُ آلاف السنين.

هل باع الفلسطينيون أرضهم للصهاينة ؟

ومن ثم وبعد مجيء الصهاينة الى فلسطين وارتكابهم الجرائم الفظيعة بحق اهلها، ارتكزت الدعاية او السردية اليهودية الصهيونية على أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أرضهم لليهود، وأن اليهود إنما اشتروها "بالحلال" من أموالهم، فلا ينبغي للفلسطينيين أن يطالبوا بعد ذلك بها!

فقد جار علينا الزمن الى حد أن نحيا في زمن ضرورة مناقشة المسلّمات وإعادة التأكيد على البديهيات وصرف الوقت في إثبات ما هو مثبت ومقطوع به أصلا. ومن ذلك اتهام الفلسطيني بلا خجل، بأنه باع أرضه الى الحركة الصهيونية، وصار يطالب المشتري بحقه فيما باعه وقبض ثمنه.

ومن سخرية الزمن ان هناك من يؤمن ويصدق هذه السردية التي تجد لها رواجا وقبولا، وأيضا فإنه من العار أن يكون الإيمان بها عربيا واسلامیا أقوى من الإيمان بها صهيونيا؛ فالیهود لم يزعموا أن الأرض التي يغتصبونها قد اشتروها بالمال، حيث أن حجتهم في الاحتلال والاستيطان بوحشية السلاح تتستر وراء ادعاء بحق ديني في تملكها بالدرجة الأولى.

وبالمقابل فإننا لا ننكر انه قد يوجد من الفلسطينيين من باع أرضه أو بيته لمستوطنين يهود، فقد يسقط المواطن بأي بلد يرزخ تحت الاحتلال فريسة للخيانة الوطنية ويصبح عميلا و جاسوسا على شعبه لصالح المحتل، وربما ثمة من يبيع ما يملكه بدوافع مختلفة.

 لكن السؤال هنا يطرح نفسه، كم نسبة هؤلاء الذين باعوا ارضهم؟ وإذا قلنا للحركة الصهيونية خذي ما تم شراؤه، واتركي ما تم احتلاله بالقوة فكم سيبقى لها؟ حقيقة لا شيء يذكر. هذا ناهيك عن عمليات الاحتيال في عمليات البيع بحيث يظن البائع أنه باع لابن شعبه وإذ بهذا وسيط للعدو، وهذا ما يسمّى بالتسريب.

ولندخل بعمق الموضوع اكثر، فهل ان مئات الألوف (حوالي 700 ألف فلسطيني) الذين أخرجوا بالقوة وبالمجازر البشعة من مدنهم وقراهم في الساحل والجليل والنقب قد باعوا أرضهم؟ كيف ونحن نتحدث عن أكثر من 530 قرية تعرضت إلى ما يعرف بالتطهير العرقي. فهل ما تركه هؤلاء وراءهم من أرض وزروع وبيوت ومضارب قد قبضوا ثمنه سلفا!؟

إبادة فلسطين ثقافيا وتاريخيا

ليس هذا فقط، بل ليعلم القاصي والداني أن الصهاينة احتلوا قرى فلسطينية، هدموها وغيروا معالمها وقاموا بتحوير الأسماء العربية للمقامات والقرى المهجرة ومنح أسماء عبرية مطابقة أو مشابهة للمستوطنات اليهودية المقامة على انقاضها في محاولة لنَسب هذه الاماكن للأصول العبريّة.

الخسارة والسبب الحقيقي

إن الخسارة الحقيقية لأرض فلسطين لم تكن بسبب بيع الفلسطينيين لأرضهم وإنما بسبب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وإنشاء الكيان الصهيوني إثر ذلك  على 77% من أرض فلسطين، وقيامه مباشرة وبقوة السلاح بطرد أبناء فلسطين، والاستيلاء على أراضيهم. ثم باحتلال باقي أرض فلسطين إثر حرب 1967 مع الجيوش العربية، وقيامه بمصادرة الأراضي تحت مختلف الذرائع.

 وقد ظلت نظرة أبناء فلسطين حتى الآن إلى من يبيع أرضه أو يتوسط بالبيع نظرة احتقار وازدراء، وظل حكم الإعدام يلاحق كل من تُسوِّل له نفسه بيع الأرض، وقام رجال الثورة الفلسطينية بتصفية الكثير من هؤلاء على الرغم من حماية قوات الاحتلال الصهيوني لهم.

وعملية طوفان الاقصى واحداث غزة في هذه الايام هي خير دليل على نقض ادعاءات هذه السردية الصهيونية و توضح بسطوع الشمس من هم اصحاب الارض الحقيقيون المتمسكون بها رغم كل الجرائم الصهيونية الفظيعة التي ترتكب بحقهم. والنكبة هنا اننا وصلنا الى هذا الزمن وما زال الجهل وقلة الثقافة تعمي الكثير منا على الرغم من ان الرأي العام العالمي بدأ يصحو ويدرك زيف الصهاينة وسردياتهم.

رایکم
آخرالاخبار