۱۱۱۳مشاهدات
رمز الخبر: ۶۵۶۹۹
تأريخ النشر: 07 April 2022

تُنسب عملية " “الراية المزيفة" أو "False Flag" إلى نظريّة المؤامرة، وتعد واحدة من أبرز التكتيكات العسكريّة التي تستخدمها الدول الكبرى، لتبرير شنّ حرب على دولة أخرى، ثم احتلالها. هذه العمليّة تقوم على افتعال هجوم من قبل حكومة أو منظّمة ما ضد جهة أخرى تتحمّل مسؤوليّة الهجوم وتُعاقب عليه. يحدث ذلك لتبرير أي عمل معادي تجاه الجهة المستهدفة بذريعة الرّد والردع، لتقويض خصوم سياسيين وعسكريين.     

قديماً، أُطلق مصطلح " “الراية المزيفة" أو "العلم الزائف"، على أعلام سفن القراصنة التي تحمل ألوان الدول الأخرى لخداع السفن التجاريّة، وجعلها تعتقد أنّها تتعامل مع سفينة صديقة وفق بحث أجرته شبكة History Channel بعنوان "The truth about false flags from nazi Germany to the Vietnam war". وفي حين أن القراصنة عادةً ما يكشفون عن أعلامهم الحقيقيّة قبل الهجوم مباشرةً، فإن " “الراية المزيفة" سيستمر أحياناً في الظهور خلال الهجوم. مع مرور الوقت، أُطلق مصطلح " “الراية المزيفة" على أيّة عمليّة سريّة سعت إلى نقل المسؤوليّة إلى طرف آخر غير ذاك الذي نفذّها. ومن أهداف عمليّة "العَلم الزائف" أيضاً، خلق قضيّة معينة تشغل عقول الجماهير وتجلب تعاطفها ودعمها.

رغم أن نظريّة المؤامرة ليست محبّبة لدى الكثير من الناس، لكن ثمّة العديد من العمليات السريّة الموثّقة على مرّ التاريخ أثارت التساؤلات عن الفاعل والغايات الحقيقيّة، بالنظر للإجراءات المترتّبة على هذه العمليّات بعد انتهائها. بمعنى أوضح، يحفل التاريخ بحوادث جرت بصورة غامضة، ترتّب عليها فيما بعد نتائج بدت معدّة سابقاً لناحية دقّة الأهداف، وحجم الرّد، وتوقيته.  

في ليلة 31 آب/ أغسطس عام 1939 اقتحم عدد من النازيين الذين كانوا يرتدون زيّ الجنود البولنديين "برج راديو جلايفيتس" Gleiwitz على الحدود بين ألمانيا وبولندا. حينها بثّ الجنود رسالة قصيرة معادية لألمانيا باللغة البولنديّة قبل مغادرتهم، ثم تركوا خلفهم جثّة مزارع ألماني مؤيّد لبولندا، والعديد من سجناء "محتشد اعتقال داخاو" )معتقل أسسه النازيون عام 1933 للسجناء السياسين(. قُتل المزارع والسجناء الذين يرتدون الزيّ الألماني، ليكن هذا الهجوم جزءاً من سلسلة العمليّات السريّة على طول الحدود البولنديّة التي سيستخدمها النازيون لتبرير هجوم ألمانيا على بولندا في اليوم التالي.

حريق "الرايخستاغ" (Reichstag fire) يعد من أشهر حوادث " “الراية المزيفة"، وقع ليلة 27 شباط/ فبراير 1933، ثم قُبض على مؤيّد وحيد للشيوعيّة يُدعى "مارينوس فان دي لوب"، ووُجّهت إليه تهمة إشعال النار في مبنى البرلمان الألماني. هذه الحادثة سوف تعطي "أدولف هتلر"، زعيم ألمانيا النازيّة، و"جوزيف غوبلز"، وزير الدعاية السياسيّة، العذر الذي يحتاجونه لتطهير ألمانيا من المعارضة، وخاصّة الشيوعيين. واللافت آنذاك هي سلطات الطوارئ الكاسحة التي انتزعها "هتلر" والحزب النازي لأنفسهم بعد الحريق، الأمر الذي جعل الكثير من الناس يعتقدون أن "الرايخستاغ" لم يحترق على يد شيوعي وحيد يحتجّ على معاملة ألمانيا للطبقات العاملة كما ادّعى "فان دي لوب" نفسه أثناء وجوده في الحجز، ولكن من قبل النازيين أنفسهم.

لم يكن النازيون وحدهم المتّهمين بتنفيذ عمليّات "علم كاذبة" قبل الغزوات خلال الثلاثينيّات، فبعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب العالميّة الثانية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، شنّ السوفييت هجوماً على "ماينيلا"، القرية السوفياتيّة. في أعقاب ذلك، ادّعى الإتحاد السوفياتي أن القذائف أُطلقت من مواقع مدفعيّة على الحدود القريبة. استُخدمت هذه الحيلة لتبرير غزو الأراضي الفنلنديّة وبدء الحرب التي عُرفت بـ"حرب الشتاء". مات الكثيرون مع انخفاض درجات الحرارة إلى 43 درجة مئوية تحت الصفر، وعندما تم الاتفاق على السلام في النهاية، استولى السوفييت على 11٪ من أراضي فنلندا.

بعد الحرب العالميّة الثانية، هندست الولايات المتحدة وبريطانيا انقلاباً على محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني، عام 1953 عبر عمليّة "علم زائف"، عُرفت باسم مشروع TP Ajax. نشبت آنذاك احتجاجات شعبيّة ضد الحكومة أشبه بانتفاضة، تبعها سلسلة تفجيرات استهدفت مساجد وشخصيّات بارزة، اتُهم بها الشيوعيين المؤيدين للحكومة. بالتوازي، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات ضد مصدق، بتحريض من وكالة المخابرات المركزيّة، حتى طُرد من منصبه من قبل شاه إيران ووُضع رهن الإقامة الجبريّة. كان الهدف من العمليّات التي نُفذّت في إيران، تقويض حكومة مصدق عمداً. ارتكب مصدق خطأ تأميم شركات النفط الإيرانيّة، وهو ما أثار غضب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. عقب ذلك، رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بأي تورّط في الإطاحة بمصدق حتى عام 2013.

أما العالم العربي فكان له النصيب الأكبر من عمليات "العلم الزائف"، كونه يقع تحت الإستعمار الأمريكي والغربي، وهو ما يجعله عرضة بصورة مستمرة للاستهداف والغزو. في عام 1954 أرادت عناصر داخل حكومة الكيان المؤقت لفت الانتباه الكافي إلى منطقة قناة السويس المصريّة، حتى تبقى القوّات البريطانيّة هناك محتفظة بوجود أوروبي داعم للكيان المؤقّت، وبالتالي السّيطرة على المنطقة والقناة واستخدامها في التجارة. استُخدمت عمليّة " “الراية المزيفة" لتحقيق هذا الهدف. حينها كان عملاء المخابرات العسكرية الإسرائيلية يقومون بزرع قنابل في مصر بهدف تدمير مبان مملوكة لمصريين وبريطانيين وأمريكيين. بعد ذلك سيتم إلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وكذلك الشيوعيين. في حين لم يُقتل أي مدني، تم الكشف عن العديد من النشطاء في العملية واضطر وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الاستقالة نتيجةً لذلك.

حادثة "خليج تونكين" في عام 1964، تعد أيضاً عمليّة "علم كاذب"، أسفرت عن مواجهة بين فيتنام الشماليّة والولايات المتّحدة. في التفاصيل، جرى تنفيذ هجوم فيتنام الشمالية على USS Maddix، وهي مدمرة وحيدة في المنطقة، وكذلك شُنّ هجوم آخر على نفس السفينة بعد يومين. يعتقد الكثيرون الآن أن واحداً على الأقل من هذه الحوادث تم تدبيره، إن لم يكن كلاهما. وشمل ذلك تزوير هجوم على أفراد أمريكيين، فضلاً عن تزوير بيانات الرادار لإظهار قوارب فيتنام الشمالية التي لم تكن موجودة. في عام 2004، تقدّم وزير دفاع الولايات المتّحدة السابق واعترف بأن واحداً على الأقل من الهجمات كان مزيّفاً من أجل إعطاء أمريكا عذراً لدخول الصراع الفيتنامي. نتيجة هذه الكذبة، قُتل في الصراع ما يقرب من 60 ألف جندي أمريكي، وما يصل إلى مليون فيتنامي على جانبي الحدود.

في العصر الحديث، يعتقد الكثيرون أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، هي أشهر عمليّة "علم كاذب". واللافت أنه في أعقاب هذه الهجمات وجدت الحكومة الأمريكيّة الذريعة لغزو العراق وأفغانستان، تحت لواء "محاربة الإرهاب"، وهي حرب تهدف في أصلها إلى مدّ خط أنابيب غاز عبر أفغانستان والاستيلاء على الثروة النفطيّة للعراق، خاصة في ظل تشكيك “9/11) “Truthers حركة تشكك بالرواية الرسميّة لهجمات 11 سبتمبر (سقوط البرجين نتيجة قصف الطائرات والنيران وحدها. رواية تلتقي بأخرى على أرض العراق أيضاً أطلقتها السلطات الأمريكية لتبرير احتلال العراق عام 2003، وهي امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، التي ستظهر فيما بعد أنها حيلة استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا لغزو العراق.

لا تزال أسرار الكثير من العمليّات العسكريّة في العالم طي الكتمان، وبصورة خاصّة تلك التي استهدفت أنظمة وشعوب دول آسيا وأفريقيا، إذ تشكّل القارّتين مساحة غنيّة بالثروات الطبيعيّة من نفط وغاز ومياه ومعادن، تنهبها الدول الغربيّة وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة لتعزيز إمكاناتها الاقتصاديّة، فضلاً عن السّيطرة على أسواق تلك الدول تحت شعارات "العولمة" و"الاقتصاد الحُر". 

زينب فرحات ـ مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير

رایکم
آخرالاخبار