۳۵۹مشاهدات

عنصرية الغرب: استنهاض عرقي لتجييش الرأي العام الأوروبي

رمز الخبر: ۶۳۸۹۹
تأريخ النشر: 06 March 2022

بدا الإعلام الغربي عنصريّاً بشكل لافت خلال تغطية أحداث الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ففي موازاة الحرب العسكريّة، تحتدمُ أخرى إعلاميّة قوامها العرق، إذ أجمعت المؤسسات الإعلاميّة الأمريكيّة والأوروبيّة على تفوّق العرق الغربي على نظيره الشرقي. بطبيعة الحال، صورة الشرقي غير المتحضّر كما رسّختها الدعاية الغربيّة في وعي الرأي العام الغربي، ليست جديدة، إنما المستجد هو استحضارها في تغطية الحرب الأوكرانيّة لتفضيل اللاجئين الغربيين على الشرقيين، علماً أن كلاهما لديهما حقوق إنسانية تكفلها القوانين والمواثيق الدوليّة التي وضعها الغرب، خصوصاً في ظروف صعبة وحسّاسة على غرار الحروب. ينسحب ذلك أيضاً على أخلاقيات وضوابط العمل الصحفي التي تحظر التحريض والعنصريّة وتنصّ على احترام الكرامة الإنسانيّة.
مراسلة NBC الأميركيّة كيلي كوبيلا، أخرجت ‏عنصرّيتها على الهواء، وعلّقت على أوضاع اللاجئين الأوكرانيين قائلةً: «بصراحة تامّة، هؤلاء ليسوا ‏لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة. هؤلاء مسيحيون. إنهم بيض. إنهم مشابهون جداً ‏للأشخاص الذين يعيشون في بولندا». أما مراسل BBC الذي ظهر على الهواء متأثّراً بأوضاع الأوكرانيين، فقال: «أعتذر.. لكن ما يحدث يثير المشاعر، لأني أشاهد أشخاص أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر.. أطفالاً يُقتلون بصواريخ بوتين كل يوم».
وعلى قناة «الجزيرة» الناطقة بالإنكليزيّة، قال المذيع خلال التغطية المباشرة للحرب في أوكرانيا في أثناء الحديث عن لجوء ‏الأوكرانيين إلى دول أوروبيّة مجاورة: «هؤلاء ناس حضاريون ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من الشرق الأوسط أو ‏شمال أفريقيا». ثم التحق به مراسل شبكة News ‏CBS‏ الأميركيّة شارلي داجاتا الذي قال إن:«أوكرانيا ليست مكاناً مثل العراق أو أفغانستان، الذي شهد ‏صراعاً مستعراً لعقود.. أوكرانيا متحضّرة نسبيّاً، وأوروبيّة نسبيّاً».
بدورها صحيفة The Telegraph البريطانيّة نشرت مقال ورد فيه: «إنهم مثلنا. هذا ما يجعل الأمر صادماً للغاية. أوكرانيا بلد أوروبي. إنهم يشاهدون Netflix ولديهم حسابات على Instagram، ويصوتون في انتخابات حرة، ويقرؤون الصحف غير الخاضعة للرقابة. لم تعد الحرب شيئًا خاصاً بالسكان الفقراء والبعيدين بل يمكن أن تطال أي شخص».
أحد الضيوف على قناة ‏BMF‏ الفرنسيّة صرّح بالقول: ‏‏«إننا في القرن الحادي والعشرين وهناك بلد تنهال عليه الصواريخ كما لو كان العراق أو أفغانستان، هل ‏تتخيّلون؟». أما عن إمكانيّة استقبال اللاجئين الأوكران، أجاب رئيس الوزراء البلغاري: «هؤلاء ليسوا لاجئين. اعتدنا التعامل معهم، هؤلاء أوروبيون، كذلك نحن، إنهم أذكياء، متعلمون، البعض منهم خبراء معلوماتية، ذوو مؤهلات عالية، ليسوا ذوو ماض غامض أو إرهابيين».
التغطية المخلّة بالأخلاقيّات الضابطة للعمل الصحفي والموجّهة للمشاهد الغربي، استنهضت النزعات العنصريّة، والفاشية، ‏والنازية. خطاب يماثل لغة التنظيمات التكفيريّة التي تتغذّى على الحشد العنصري. مع العلم أن الحروب والصراعات التي تشهدها شعوب قارتي آسيا وأفريقيا جاءت نتاج سياسات حكومات الغرب الاستعماريّة. فضلاً عن ذلك، لا شك في أن التحضّر والتقدّم العلمي في الدول الغربيّة قام على حساب تدمير حضارات أخرى. ولعل الشاهد الأبرز هنا، أن التنظيمات الإرهابيّة التي عاثت فساداً في أرضنا خلال السنوات العشر الأخيرة بالتحديد، هي أداوت حروب الولايات المتّحدة باعتراف الأمريكيين. ولم تزل مصانع الأسلحة الأوروبيّة والأمريكيّة تورّد السلاح والذخيرة لتسعير الحروب في بلادنا محقّقةً بذلك أرباحاً ماليّة ضخمة.
عمليّاً، قد تكون إثارة استعطاف الغربي حيال اللاجئ الأوكراني، الغربي مثله، آليّة مستحدثة لاستيعاب اللاجئين في الدول الأوروبيّة، خاصّة وأن الأمم المتحدة ومنظمات اللاجئين يقدّرون أن عدد اللاجئين الأوكرانيين يمكن أن يبلغ بين أربعة ملايين وسبعة ملايين لاجئ سيفرّون خلال الحرب الحالية، وإن كان بالطبع هذا الغرض لا يبرّر الزخم العنصري. علاوةً على ذلك، قضيّة اللجوء الأوكراني إلى الدول الأوروبية، ليست الهدف الوحيد من التغطية العنصرية، فالأمر أشبه باستراتيجيّة منظّمة لها أبعاد أعمق.
ليست المرّة الأولى التي تُخاض فيها حرباً إعلاميّةً عنصريّةً توازياً مع اندلاع حرب عسكريّة، فقد دأبت المؤسّسات الإعلاميّة في الغرب والمنصّات التابعة لها في بلادنا على تعزيز الإنقسامات الداخليّة للشعوب توازياً مع اندلاع الحروب. الحرب الأهليّة في لبنان عام 1975 قامت على الطائفيّة التي حشدت اللبنانيين خلف متاريس الدين والطائفة. وفي عام 1980 عند اندلاع الحرب بين العراق والجمهورية الإسلامية في إيران، اجتهد الإعلام الغربي في تسعير الانقسام القومي، أي القوميّة الفارسيّة بوجه العربيّة، بما أن الشعبين ينتميان إلى ذات الطائفة الدينيّة. في الحرب السوريّة، خاض الشعب للمرّة الأولى تجربة الاقتتال الطائفي، إذ أخذت التنظيمات الإرهابيّة من الطائفة ذريعةً للقتل والذبح، على غرار ما فعلته الجماعات الإرهابيّة في مصر والجزائر سابقاً.
إذاً، الخطاب الإعلامي خلال تغطية أحداث الحرب بين روسيا وأوكرانيا، القائم على تفوّق العرق الأبيض، وأفضليّة الغربي على الشرقي، ليس عابراً أو يعبّر عن عنصريّة «بعض الغرب»، مع العلم أن هذا الخطاب يعدّ سقوطاً مدوّياً للدول والشعوب الغربيّة التي حملت لواء الدفاع عن القيم الإنسانية، ثم تغافلت عن القوانين والمبادئ الدولية التي لطالما حاضرت بها في الدول الآسيوية والأفريقية. الواضح أن الخطاب مكثّف وموجّه نحو توظيف الانقسام العرقي في الحرب الحالية، أي في استنهاض العرقيّة والقوميّة لتجييش الرأي العام الأوروبي، وهو الأمر الذي يبدو أنه يؤسّس لحشد عسكري في مراحل لاحقة، يعزّز استعار الحرب لصالح أوكرانيا الأوروبيّة.
في موازاة الحشد العنصري، دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الأجانب إلى التوجّه نحو السفارات الأوكرانيّة في جميع أنحاء العالم والانضمام إلى «لواء دولي» من المتطوّعين للمساعدة في محاربة القوات الروسية. زيلينسكي وفي بيان أعلن أنه «يجري تشكيل وحدة منفصلة من الأجانب، يطلق عليها اللواء الدولي، للدفاع عن أراضي أوكرانيا» مستخدماً السرديّة ذاتها «هذا ليس مجرّد غزو روسي لأوكرانيا، إنه بداية حرب ضد أوروبا». بالتالي، أصبحت معالم الحرب واضحة، هي بالفعل كما عبّر عنها الرئيس الأوكراني، ليست بين روسيا وأوكرانيا فقط، إنما «ضد أوروبا»، أي بين الشرق والغرب.

زينب فرحات ـ مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير

رایکم