۲۷۶مشاهدات
تسونامي كورونا الذي يجتاح حالياً مناطق عديدة في الهند، وضع المؤسسات الصحية في البلاد على شفير هاوية، إذ إن المشافي لم يعد باستطاعتها استقبال المزيد من المصابين بالفيروس، كما أن تلك المشافي باتت عاجزة عن تقديم الرعاية الصحية للمصابين الذين تمّ استقبالهم سابقاً.
رمز الخبر: ۵۱۴۵۹
تأريخ النشر: 07 May 2021

وکالة تبناك الإخبارية_ تعد أوتار براديش إحدى الولايات الهندية الأشد تضرراً بالوباء، وهي الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، إذ يقطنها أكثر من 220 مليون شخص، وتجري نحو 184 ألف فحص لكل مليون شخص، هذا فيما تشهد الولاية هذا الأسبوع إغلاقاً كاملاً لمدة خمسة أيام.

وقد كشفت بيانات وزارة الصحة الهندية، اليوم الأربعاء، أن العدد اليومي للوفيات خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية ارتفع ليسجل رقما قياسيا بلغ 3780 وفاة.

ومع تسجيل هذا العدد من الوفيات خلال يوم واحد فقط، ارتفع العدد الإجمالي للوفيات جراء الوباء إلى 226,188 حالة وفاة.

ويأتي هذا الارتفاع القياسي بوفيات كورونا في الهند، بعد يوم من تجاوز العدد الإجمالي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد حاجز 20 مليونا لتصبح ثاني دولة تصل لهذا الرقم من الإصابات بعد الولايات المتحدة.

وأضافت بيانات الوزارة أنه تم تسجيل 382,315 حالة إصابة جديدة اليوم الأربعاء.

كيف دخلت البلاد في موجة ثانية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؟ وكيف باتت الهند التي تعرف بـ"صيدلية العالم" تواجه نقصا في اللقاحات والأدوية؟

في الثامن من مارس/آذار الماضي، قال وزير الصحة الهندي هارش فاردان إن الهند في "نهاية لعبة جائحة فيروس كورونا". واليوم الأربعاء قالت منظمة الصحة العالمية إن الهند سجلت 46% من الإصابات العالمية الجديدة بفيروس كورونا على مستوى العالم الأسبوع الماضي، إلى جانب ربع الوفيات، فما الذي حدث خلال شهرين؟

أدى ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في الهند، والتي تشمل السلالة الهندية شديدة العدوى، إلى امتلاء أسرّة المستشفيات عن آخرها، ونفاد الأكسجين، وزيادة تدفق الجثث على المشارح والمحارق، وتوفي كثيرون في سيارات الإسعاف ومواقف السيارات وهم ينتظرون سريرا شاغرا في مستشفى أو أسطوانة أكسجين.

وقالت المنظمة -في تقريرها الأسبوعي عن الأوبئة- إن 5.7 ملايين إصابة سُجلت على مستوى العالم الأسبوع الماضي، وأكثر من 93 ألف وفاة، وسجلت الهند وحدها 2.6 مليون إصابة جديدة، بزيادة بنسبة 20% عن الأسبوع السابق، و23 ألفا و231 وفاة.

وتستند البيانات إلى الإحصاءات الرسمية؛ مما يعني أن نسبة الهند قد تكون أعلى بكثير، إذ يعتقد العديد من الخبراء أن عددا كبيرا من الإصابات والوفيات لا يُسجل، وسط الضغوط الكبيرة على النظام الصحي.

ومع أنه من المبكر الجزم بسبب معين قطعي للموجة الحالية من كورونا في الهند، فإن هناك عوامل قد تكون لعبت دورا في ذلك.

رغم تصريح وزير الصحة الهندي عن "نهاية لعبة جائحة فيروس كورونا"، كانت هناك تحذيرات تعارض هذا التفاؤل؛ ففي 27 فبراير/شباط الماضي نقلت بي بي سي (BBC) عن خبراء إنهم يخشون "تسونامي كوفيد-19" وشيكا.

وفي أوائل مارس/آذار، قامت مجموعة من الخبراء والعلماء شكلتها الحكومة بتحذير المسؤولين من نوعٍ أكثر عدوى من فيروس كورونا، الذي ينتشر في البلاد، وذلك وفقا لبي بي سي.

وجاء إعلان وزير الصحة الهندي عن "نهاية لعبة كورونا" بعد انخفاض العدد الوطني للحالات اليومية في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط إلى أقل من 20 ألفا من الذروة التي بلغت حوالي 90 ألفا في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

وفتحت جميع أماكن التجمعات العامة، وسرعان ما لم يلتزم الناس بإجراءات الوقاية من كورونا. وبينما طلب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من الناس ارتداء الأقنعة واتباع التباعد الاجتماعي في رسائله العامة، فقد خاطب حشودا كبيرة لا ترتدي الأقنعة خلال حملته الانتخابية في 5 ولايات، كما شوهد عدد من وزرائه يخاطبون التجمعات العامة الكبيرة من دون ارتداء أقنعة، أيضا سُمح لمهرجان كومبه ميلا -وهو مهرجان هندوسي يجتذب الملايين- بالمضي قدما.

وقال الخبير في السياسة العامة والأنظمة الصحية الدكتور شاندراكانت لاهاريا "كان هناك انفصال تام بين ما مارسوه وما بشروا به". في حين يقول عالم الفيروسات الدكتور شهيد جميل "لم تتوقع الحكومة وصول الموجة الثانية وبدأت الاحتفال مبكرا جدا".

من الأسباب المحتملة للارتفاع الحالي في عدد الإصابات في الهند سلالة متحورة يطلق عليها "بي.1.617" (B.617.1) تم رصدها أول مرة في البلاد، ولكن الأمر ليس واضحا ولا توجد معطيات كافية للحكم.

ولم تعلن منظمة الصحة العالمية أن السلالة الهندية "مثيرة للقلق" كما فعلت إزاء سلالات متحورة أخرى تم رصدها أول مرة في بريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، لكن المنظمة قالت في 27 أبريل/نيسان الماضي إن تتبع تسلسل جينوم سلالة "بي.1.617" يشير إلى معدل نمو أعلى من السلالات الأخرى في الهند.

وفي 29 من الشهر نفسه، حذر معهد روبرت كوخ الألماني من التسرع في إصدار استنتاجات تتعلق بمدى انتشار سلالة كورونا المتحورة "بي.1.617" في الهند.

وقال رئيس المعهد لوتار فيلر، وهو عالم أحياء دقيقة، بالعاصمة برلين "لا يمكننا في الوقت الحالي أن نثبت بشكل نهائي إذا كان الفيروس ينتشر بشكل أسرع أم لا"، لافتا إلى أن سلالات كورونا الأخرى لها تأثير في الهند أيضا، ولكن هناك بيانات محدودة فحسب.

وأوضح أن هناك فحوصا معملية أولية بشأن عن هذه السلالة، "ولكنها ليست الفحوص التي تقلقنا بشكل كبير"، وقال إنه بشكل إجمالي ليس من السهل إدراك ما يحدث في الهند، وأشار أيضا إلى أنه تم تخفيف إجراءات الوقاية هناك.

كشف الوباء عن نقص التمويل ومشاكل في نظام الرعاية الصحية العامة في الهند. وبلغ الإنفاق على الرعاية الصحية في الهند -بما في ذلك القطاعان العام والخاص- حوالي 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الست الماضية، وهي أقل نسبة في دول بريكس الخمس. أنفقت البرازيل أكثر من 9.2%، تليها جنوب أفريقيا بنسبة 8.1%، وروسيا بـ5.3%، والصين بـ5% في 2018.

وتنفق الدول المتقدمة نسبة أعلى بكثير من ناتجها المحلي الإجمالي على الصحة. ففي عام 2018 -على سبيل المثال- بلغ الإنفاق في الولايات المتحدة 16.9%، وألمانيا 11.2%. حتى الدول الأصغر -مثل سريلانكا تنفق 3.76%، وتايلند 3.79%- تنفق أكثر من الهند، التي بها أقل من 10 أطباء لكل 10 آلاف شخص، وفي بعض الولايات يكون الرقم أقل من 5.

أرادت الهند في البداية تلقيح 300 مليون شخص بحلول يوليو/تموز القادم، "لكن يبدو أن الحكومة لم تقم بما يكفي من التخطيط لتأمين إمدادات اللقاح لتشغيل البرنامج"، كما يقول الدكتور لاهاريا.

حتى الآن، تم تطعيم حوالي 26 مليون شخص فقط بشكل كامل من أصل 1.4 مليار نسمة، وتلقى حوالي 124 مليونا جرعة واحدة. الهند لديها ملايين الجرعات الإضافية تحت الطلب، لكنها لا تزال أقل بكثير مما تحتاجه بالفعل.

من المفارقات أن الهند تعرف باسم "صيدلية العالم" وتواجه الآن نقصا في اللقاحات والأدوية، وألغت الحكومة الصادرات، متراجعة عن الالتزامات الدولية، وجندت شركات لإنتاج اللقاحات، كما قدمت دعما ائتمانيا قدره 609 ملايين دولار لمعهد سيروم في الهند (Serum Institute of India)، الذي ينتج لقاح أسترازينيكا-أكسفورد (Oxford-AstraZeneca)، الذي يتم تصنيعه في الهند باسم كوفيشيلد (Covishield) لزيادة الإنتاج، لكن هذا التمويل كان يجب أن يأتي في وقت أبكر -كما يقول الدكتور لاهاريا- لإنقاذ الأرواح.

ويضيف "سيستغرق الأمر شهورا قبل أن يكون لدينا ما يكفي من اللقاحات لتسريع البرنامج. في غضون ذلك، سيظل الملايين معرضين لخطر الإصابة بكوفيد-19".

شهدت الهند انتشار كم كبير من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة في منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يثير شكوكا وقلقا ويعرقل مكافحة الجائحة. ويقول مراقبون ونشطاء إن السلطات لم تقدم على اتخاذ الخطوات الكافية لوقف هذا السيل من المعلومات المضللة. وما يزيد الأمر تعقيدا أن هناك شخصيات عامة ومسؤولين كبارا أيضا يتحملون مسؤولية انتشار مثل هذه المعلومات، وذلك وفقا لتقرير في دويتشه فيله.

ففي منتصف أبريل/نيسان الماضي، حين بدأت حالات كورونا الارتفاع بشكل كبير، نصح في. كي. بول (وهو مسؤول بارز في الفريق الحكومي المعني بالاستجابة لجائحة كورونا) المواطنين باستشارة من يمارسون الطب البديل في حالة إذا كانوا يعانون من أعراض خفيفة أو عدم وجود أعراض ظاهرة للمرض.

كذلك أوصى المواطنين بتناول مكمل غذائي يطلق عليه "تشايوان براش" (Chyawanprash)، وشراب من أعشاب وتوابل يطلق عليه "كادها" (Kadha) من أجل تقوية الجهاز المناعي.

وأثارت تصريحات في. كي. بول انتقادات من الأطباء، الذين قالوا إن مثل هذه النصائح قد تشجع المواطنين على تجربة علاجات لم يتم اختبارها بعد، مما يؤخر سعيهم إلى طلب مساعدة طبية حقيقية.

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال المدير الوطني السابق للجمعية الطبية الهندية راجان شارما إن "هذا الأمر يثير الدهشة ويعد مضللا بشكل كبير؛ إذ إنه سيشجع الناس على البقاء في منازلهم وتناول بعض المركبات، وعندما يصلون إلى المستشفى بعد تفاقم حالتهم، سيكون قد فات الأوان لإنقاذهم".

ويشاركه في هذا الرأي المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الإنترنت أبار جوبتا، ويقول في -مقابلة مع دويتشه فيله- "عندما تؤيد السلطات العامة مثل هذه الدعوات، فإنه من الواضح أن هناك حالة من عدم احترام للعلم". ويتساءل: "كيف سيكون تأثير هذا الأمر على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؟"

علاوة على ذلك، انتشرت إشاعات تقول إن استنشاق البخار أو تناول الثوم والقرفة وجذور عرق السوس قد يكون إجراء وقائيا ضد فيروس كورونا أو للشفاء منه، وانتشرت فكرة أخرى شديدة الخطورة على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن الهنود يتمتعون بمناعة أعلى ضد فيروس كورونا. وتستند هذه الفكرة إلى تفسير سطحي وخاطئ لدراسة وحيدة بشأن جينات وراثية قد أجريت على مجموعات عرقية مختلفة.

وانتشر هذا الادعاء بلغات محلية بأشكال عدة كمنشورات وصور ومقاطع مصورة، كما يقول براتيك واجر، محلل الأبحاث في مؤسسة تاكشيلا. وأضاف في مقابلة مع دويتشه فيله أن "الكثير من هذه المقاطع المصورة والمنشورات تمت إعادة تدويرها لأنها تختفي بسهولة من الفضاء الإلكتروني. وحتى بعد دحض هذا السيل الكبير من المعلومات المضللة فلا يزال هناك أشخاص ليسوا متأكدين مما يجب الوثوق فيه (من معلومات)".

رایکم