۳۵۸مشاهدات
رمز الخبر: ۵۰۸۹۶
تأريخ النشر: 21 April 2021

تابناک _ تكشف المتابعات المستمرة للمشهد التونسي خلال الشهور الماضية ، عن حالة متعمقة من المشاحنات المتبادلة والاحتكاك المستمر بين الرئاسات الثلاث في تونس ، ممثلة في رئاسة الجمهورية التي يقودها الرئيس " قيس سعيد " ، والذي يمكن اعتباره في معسكر منفرد ، بينما يتحالف كل من " هشام المشيشي " رئيس الحكومة ، وهو کادر مستقل وغير حزبي و " راشد الغنوشي " رئيس مجلس نواب الشعب ، وفي ظل اشتعال حرب التصريحات بين ممثلي الرئاسات الثلاث ، يتعقد الوضع السياسي والاجتماعي بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وبسبب التدخل الخارجي الذي يبدو انه يعمل على تعميق الأزمة بين مختلف الفرقاء السياسيين .

1- ازمة حكم وصراع على الأولويات

رغم أن الأزمة تدور تحت غطاء دستوري وخاض بأدوات دستورية ، إلا أن عمقها السياسي هو المحدد إطارا ومسارا وأفقا . فعلى مستوى الإطار ، تدور هذه الأزمة في ظل جدل سياسي حول ما يستی با " حكومة الرئيس " و " حكومة البريطان " . وهو جدل يحركه ، في الأغلب ، اختلاف في الموقف أو الموقع من نظام الحكم الذي أرساه دستور 2014 ، وتتجلى بعض وجوهه في الصراع على الصلاحيات المرتبطة بكل موقف أو موقع . وعلى مستوى المسار ، لا يمكن أن نغفل ما ترکه سقوط حكومة الفخفاخ السابقة من أثر نفسي وسياسي في بناء الموقف من حكومة المشيشي الاحقا . فالذين أسقطوا حكومة الفخفاخ بالأمس بتهم الفساد وتضارب المصالح هم الذين يساندون حكومة المشيشي اليوم ، والذين نزهوا الفخفاخ وتمسكوا بحكومته إلى حين سقوطها هم الذين يعارضون حكومة المشيشي ویدعون لإسقاطها . هذان الموقفان المتعارضان يجدان تعبيرهما السياسي في حزامين متقابلين فيما يعرف بحزام الحكومة ( الأغلبية البرلمانية ) وحزام الرئيس المعارضة ) . أما الرئيس فله مواقف يفسرها البعض بانه غير راضي عن المنظومة السياسية برمتها وانه يرغب في تغييرها من باب تعديل الهيكلية السياسية التي يبدو انها فشلت الى حد الان في خلق توازن وحلول للازمات في البلاد . تبد الأطراف السياسية المتناحرة في وضع صعب ، لكنها تتمتع بعوامل قوة مختلفة كل حسب قدرتها على التأثير ، والاصطفاف ، والانتشار ، إضافة على القدرة على الإمساك بسلطة القرار التشريعي والسياسي .

_ الخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة :

تصاعدت الشائعات أثناء فترة تشكيل حكومة " المشيشي " حول الخلاف بينه وبين الرئيس " قيس سعيد " وارتفعت بناء عليه احتمالية حدوث توترات بين الرئاسة والحكومة . حيث أكد البعض في ذلك الوقت ، أنه على الرغم من أن الرئيس " قيس سعيد " هو من أتي بالمشيشي . إلا أنه قد تخلى عن دعمه له منذ ذلك الحين ، وهنا أكد بعض المسؤولين من الأحزاب أن " سعيد " طلب منهم التصويت ضد حكومة " المشيشي " ، والاستمرار بدلا من ذلك في حكومة تصريف الأعمال . ومن جانب آخر تكون تكتل ضد الرئيس " قيس ستيد " ، بين حزب قلب تونس وهو ثاني اقوى حزب في البرلمان وحركة النهضة الإسلامية ( الكتلة الأولى في البرلمان ) ، في مواجهة الرئيس " سعيد "،الأمر الذي حدث ، بعد أن قام المشيشي بإقالة وزراء من الحكومة محسوبين على الرئيس السعيد . ومع بداية عام 2021 ، تعقدت الأزمة بوتيرة أكبر مع إقالة " المشيشي " لوزير الداخلية " توفيق شرف الدين " المقرب من رئيس الجمهورية " قيس سعيد " ، وإسناد حقيبة الداخلية لنفسه في سابقة بتاريخ الحكومات المتعاقبة بتونس .

يأتي التصعيد الأكبر ، الذي تسبب في خروج الأزمة إلى العلن بشكل كبير ، مع إعلان " المشيشي " تعديلا وزاريا في حکومته ، وذلك في 16 يناير 2021 وبطلب من أحزاب الحزام السياسي ، وهي الأحزاب الداعمة لحكومته . وهو ما اعتبره رئيس الجمهورية " قيس سعيد " في اجتماع مجلس الأمن القومي في 25 يناير 2021 ، بمثابة عدم احترام للدستور ، والذي يقتضي عقد المداولات بين الرئاسة والحكومة . إلا أن الأمر تم تجاهله من قبل البرلمان الذي صادق بالأغلبية على هذا التعديل في 27 يناير 2021 ، بالرغم من تحفظ الرئيس الذي تحدث عن شبهات بالفساد وتضارب مصالح تحوم حول بعض المعينين الجدد ، حيث جاء حصولهم على ثقة البرلمان وفقا للنظام الداخلي للبرلمان وليس وفقا لمقتضيات الدستور ، وفي المقابل ، صمم الرئيس " سعيد " حتى الوقت الحالي على موقفه رافا توجيه الدعوة الرسمية للوزراء الأداء اليمين في قصر قرطاج ، وعدم صدور المرسوم الرئاسي لتعيينهم في مناصبهم .

_ الخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان :

تتزايد التعقيدات السياسية ، حيث بدأ كل طرف من الأطراف السياسية يضغط بطريقته باستخدام الشارع الفرض توجهاته والسيطرة على سلطة القرار السياسي . قام " الغنوشي " رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الاسلامية بمواجهة الاتهامات ضد حركته بالتسبب في أزمة بين الرئاسات الثلاث في تونس ، من خلال تحريك الشارع كمجال يثبت فيه شرعيته . وفي المقابل ، خرجت في المواجهة تظاهرات أخرى تندد " بعبث المنظومة القائمة " خلال السنوات العشر الأخيرة ، وبتنظيم من قبل حزب " العمال " اليساري و " اتحاد القوى الشبابية " . عمقت هذه التحركات في الشارع ، الازمة السياسية أكثر وبدا المشهد في حالة استقطاب سیاسي حاد ، وسع الهوة أكثر بين أطراف الصراع التي اختار كل منهما الاستقواء بالشارع ، يتصاعد الصراع السياسي بين القصر الجمهوري من جهة وبين رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان من جهة أخرى ، وبين تصريحات من هنا ومن هناك يبدو انه لا افق لحل قريب اللازمة ، خصوصا في ظل ظروف أمنية متوترة على الحدود وأزمة صحية متفاقمة بسبب ارتفاع عدد المصابين بوباء کورونا .

في أحدث تصعيد للأزمة السياسية ، أعلن الرئيس " قيس سعيد " مؤخرا اشتراطه استقالة رئيس الحكومة " المشيشي " للموافقة على انطلاق الحوار الوطني . وهو الأمر الذي قوبل برفض شدید عمق من الأزمة ، حيث خرج رئيس مجلس نواب الشعب " راشد الغنوشي " ليعلن أنه ضد أي طلب من شأنه أن يحدث فراغا في البلاد ، باعتبار أن البلاد تحتاج إلى تماسك السلطة وليس إلى فكها . أما الرد الأكثر قوة فقد جاء من " المشيشي " ذاته الذي خرج ليعلن رفضه طلب الرئيس باستقالته ، مؤكدا تمسكه بالبقاء في السلطة . مؤكدا أن ربط رئيس الجمهورية انطلاق الحوار الوطني بتقديم " المشيشي " استقالته هو كلام لا معنى له ، وأن استقالته غير مطروحة ، حيث إن تونس بحاجة إلى الاستقرار وإلى حكومة تستجيب لتطلعات الشعب ، مضيفا أنه لن يتخلى عن مسؤوليته تجاه البلاد ومؤسساتها الديمقراطية واستحقاقات الشعب .

2- دور القوى الإقليمية والدولية في تأجيج الازمة :

تسعى بعض الأطراف السياسية إلى تدويل الازمة في تونس في محاولة لاختراق حالة الفراغ السياسي والصراع القائم التمرير اجندات ومشاريع تقصي بعض الأطراف السياسية من المشهد وتسعى لتفكيك بنية المؤسسات السياسية والحزبية . استقواء بعض الأطراف السياسية بعض القوى الخارجية والذي كشفت عنه بعض الأوساط السياسية والإعلامية يؤكد خطورة المرحلة وحساسية الوضع الشامل . بات معروفا من هي القوى الإقليمية المتداخلة في الشأن التونسي وما هي امتداداتها ، فحركة النهضة الإسلامية وهي الكتلة البرلمانية الأولى في البلاد لا تخفي ارتباطها الوثيق بقطر وتركيا وانفتاحها بشكل سلس على السفارة الأمريكية ، معتبرة هذا الانفتاح من السلوكيات الدبلوماسية التي تخدم المصلحة الوطنية العليا وليس المصالح الضيقة للحزب ، علما وان اطرافا كثيرة اخرى تتهم حركة النهضة بالعمل على تقوية علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية لخدمة مصالحها الحزبية ولضمان استمراريتها في السلطة وليس من اجل المصلحة العليا للبلاد كما يدعي النهضويون .

يبدو ان التحركات الدبلوماسية للرئاسة التونسية في الآونة الأخيرة باتجاه العديد من الدول من عقد اجتماع مع مجموعة من سفراء الدول الأوروبية بحثا عن حلول او مقترحات اللازمة الاقتصادية ، وصولا إلى الزيارة الرسمية التي أداها الرئيس التونسي الى مصر والرسائل السياسية المختلفة التي حملتها هذه الزيارة والتي يبدو أن بعض الأطراف السياسية الداخلية لم تتقبلها بصدر رحب ووصلت الى درجة اتهام الرئيس بالتحريض غير المباشر على حركة النهضة الإسلامية وعلى الشرعية البرلمانية التي يبدو بحسب هؤلاء أن الرئيس يبحث عن سبل للانقلاب عليها . ومن ثم ، يمكن فهم تحرك النهضة في الشارع والحشد الداخلي ، كرسالة موجهة للخارج وللأطراف الإقليمية والدولية بأن أي حل سياسي في تونس لا يجب أن يمر إلا من خلال النهضة ، إلى جانب حركة النهضة وعلاقتها الخارجية المؤثرة في المشهد السياسي ، يبرز دور لبعض القوى الإقليمية الأخرى مثل السعودية وبشكل أساسي الأمارات التي دخلت على خط الازمة السياسية منذ سنوات ، أي منذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014 ووصول الرئيس السابق الباجي قايد السبسي الى قصر قرطاج وقد كان واضحا حينها ، كمية الدعم الاماراتي التي حصل عليها اثناء حملته الانتخابية وحملة حزبه مقابل اسقاط اللوائح الانتخابية لحركة النهضة الإسلامية ومرشحها منصف المرزوقي حينها . لكن ما حصل أن الرئيس السيسي رفض الدخول في صدام مع حركة النهضة وعمد إلى التحالف معها سياسيا طيلة فترة توليه الرئاسة ، وعلى الرغم من الخلافات السياسية بينه وبين الحركة في فترات كثيرة الا ان هذا الخلاف لم يصل إلى مستوى الصدام السياسي الذي تحاول عبير موسى وتيارها الدستوري لعبه في هذه المرحلة ، حيث يبدو الاختراق الاماراتي لهذا الحزب واضحا ، ولم تخفي زعيمة التيار الدعم الاماراتي لتيارها . يبدو أن حزب الحر الدستوري الذي تترأسه عبير موسی من التيارات الأكثر حظا في هذا الشأن في الوقت الحالي ، حيث بات يشكل عائقا امام النشاط البريطاني للكتل البرلمانية الوازنة وعلى رأسها حركة النهضة .

لا شك أن للتدخل الفرنسي دور كبير أيضا في عرقلة الكثير من المشاورات ، فقد ظهر تحرك فرنسي قاده سفراء فرنسا في تونس وعلى مراحل مختلفة منذ سقوط نظام بن علي في 2011 ، وقد كشف هذا الامر عن تورط الدبلوماسية الفرنسية في العديد من الملفات الشائكة ليس اخرها تحريض بعض الأطراف السياسية ذات التوجه العلماني / الحداثي ) للتصويب على تيار الفكر الإسلامي الذي تقوده النهضة واتهامه بالتشدد والتعصب خاصة في مسالة الثقافة والفنون وارتداء الحجاب ، إضافة إلى المحاولات المستمرة لمحاصرة رئيس الجمهورية والتصويب على مواقفه خاصة تلك المتعلقة بمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني والمطالبة بتجريمه في نص قانوني واضح . بلا شك ، تبدو فرنسا الأكثر توفرا في تونس نظرا للارتباط التاريخي ولسطوتها الاستعمارية التقليدية على تونس ، لكن تبقى الولايات المتحدة الامريكية المحرك الأساسي والأكثر فاعلية اليوم وان كان تحركا غير معلن بشكل كبير لكنه قائم ومرتبط بالعديد من الملفات الاستراتيجية كملف مكافحة الإرهاب ، التي لها علاقة بالمصالح الامريكية في شمال أفريقيا ، وتبقى تونس ساحة عبور سالكة ومفتوحة بالنسبة للولايات المتحدة ، قادرة على تسهيل أي تحرك امريكي في مختلف الساحات المغاربية وتحت أي ظرف ، التأثير الأمريكي كبير جدا ولكنه مرتبط بأولويات أمريكية سابقة منذ إدارة ترامب وحالية مع بایدن وتوجهاته الدبلوماسية للملمة الازمات في شمال افريقيا بداية بالملف الليبي وصولا إلى الأزمة السياسية في تونس والتي يبدو أن الولايات المتحدة تعمل جاهدة على حث الأطراف السياسية المتصارعة على الحفاظ على توازن معين وان كان سلبيا ولكنه يفرض على مختلف الأطراف سياسة تقبل الاخر وان لا يعمل أي طرف على اقصاء الطرف الاخر وباي طريقة كانت . آنها البرغماتية الأمريكية التي تعمل على الاستفادة من كل التناقضات ، سواء كان محاصرة رئيس الجمهورية والتضييق عليه ومعروف عدم الرضى الأمريكي على قيس سعيد بسبب تصريحاته منذ حملته الانتخابية المناهضة للتطبيع مع إسرانيل والداعمة لخط المقاومة في المنطقة ، او سياستها الانفتاحية المستمرة مع حركة النهضة الإسلامية ، او بعض التيارات التقدمية الأخرى التي يبدو أنها بدأت تقترب من الفلك الأمريكي مؤخرا علها تستفيد من بعض المزايا

في الفترة الأخيرة ، صدرت بعض التصريحات من بعض الحزبيين طالبت بضرورة تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة ردا على دعوات متكررة من رئيس الجمهورية " قيس سعيد " لتعديل الشرعية . بالمقابل يشير بعض المعارضين الرئيس الجمهورية والمنتقدين لسياسته إلى أن الدستور التونسي يطرح إمكانية عزل رئيس الجمهورية في حالة وحيدة عبر لائحة لوم تتقدم بها الأغلبية في البرلمان ، ويوافق عليها الثلثان على الأقل إذا ما حدث " خرق جسيم " للدستور من جانبه . ولكن هذه الخطوة تواجه تعقيدات دستورية ، كونها لا تحظى بإجماع في البرلمان ، كما أنها تحتاج إلى محكمة دستورية غير متوفرة حاليا ، وإلى ثلثي أعضائها من أجل البت في لائحة اللوم . كما أن " الغنوشي " " أكد في تصريحات أخرى أن الذهاب لانتخابات مبكرة ليس الحل الأمثل نتيجة للأزمة الاقتصادية .

بين رغبة بعض الأطراف السياسية وعل راسها حركة النهضة وحزب ائتلاف الكرامة المناهضة لسياسة رئيس الجمهورية والتي تعمل على تمرير مشروع المحكمة الدستورية دون ختم رئيس الجمهورية وموافقته التي يخولها له الدستور ، للذهاب بعيدا نحو قرار دستوري بعزل الرئيس واتهامه بعدم القدرة على تسيير شؤون البلاد ، وبين الضغوط السياسية المرتبطة بأزمة اقتصادية حادة وأزمة صحية واجتماعية معقدة ، والتي تستی من خلالها بعض الأطراف السياسية المناهضة للسلطة الحاكمة الحالية ، للاتجاه نحو المطالبة بإسقاط نتائج الانتخابات وحل البرلمان ووضع حركة النهضة وكوادرها وعلى راسهم راشد الغنوشي في قفص الاتهام السياسي وربما اكثر ، يبدو المشهد السياسي معقدا وغامضا لكنه قد يحمل مفاجئات كثيرة وخطيرة ، من المأكد انها لن تكون سهلة الحل وان مواجهتها تتطلب سياسة حكيمة وتجاوز للخلافات السياسية الضيقة للوقوف على حلول عملية واضحة للازمات الراهنة ومواجهتها .

رایکم