۴۹۹مشاهدات
رمز الخبر: ۴۹۹۱۸
تأريخ النشر: 26 March 2021

يستعر الصراع في شرق المتوسط مع دخول عناصر قوى مستجدة لم تكن بمثابة القوى المقررة في المنطقة في العهد السابق . انعكس التغيير في موازين القوى والنفوذ على المشهد العام ، في مشهد أصبحت الطاقة ، تشكل محرکه الأساسي والمعيار الثابت للتقارب وللنزاع بين مختلف الفاعلين الإقليميين .

كان لافتا أن تبدأ سنة 2021 بتقارب تركي مصري بعد عقد من الصراع والأزمات والاختلاف الاستراتيجي في مقاربة الملفات الأساسية في المنطقة .

تحول الصراع على ثروات النفط والغاز في شرق البحر المتوسط إلى ام الصراعات - ليس الصراع المائي والنفطي بين البنان و " إسرائيل " أولها - لنصل إلى الصراع المنفجر حديثا بين تركيا من جهة ، وكل من اليونان وقبرص من جهة اخرى . وهذا ما يفسر تمدد تركيا أردوغان إلى الشواطئ الليبية ودخولها الصراع من بابه الواسع . لذا كان دخول تركيا على خط المواجهة في الإقليم من البوابة الليبية سبب مباشر في تأجيج الصراع ، قبل إنشاء ما يسمى " منتدى غاز المتوسط " بالقاهرة ، والذي استثنى تركيا ويضم كل من مصر ، " اسرائيل " ، اليونان ، قبرص ، إيطاليا ، الأردن وفلسطين

تعتبر تركيا الدولة المحورية في شبكة الغاز الاقليمية ، ممرة الزامية لأغلب خطوط الامداد من روسيا ومصر ولبنان و " اسرائيل " وصولا الى اوروبا . لكنها في الوقت عينه تفتقد الاحتياطات النفطية وهي بحاجة إلى زيادة وارداتها السنوية نظرا لتطورها الصناعي الكبير وازدياد عدد السكان المطرد

بدأت تركيا بمغازلة مصر مؤخرة في سبيل ایجاد نقاط التقاء تضمن مصالح الاولى في البقاء ممرا استراتيجية للغاز انطلاقا من مصر ، التي وقعت خلال شهر شباط / فبراير الماضي على اتفاقية مع " اسرائيل " لمد خط أنابيب لربط حقل " لوثيان " للغاز الطبيعي بمحطات الإسالة لضمان تصدير الغاز إلى أوروبا .

كما حاولت ترکیا تهدید قرص خلال عمليات التنقيب عن الغاز مما أثار استنكار مصر حينها التي تسعى لحماية الاتفاق الحدودي المصري - القبرصي . حاولت ترکیا كذلك فرض معادلة جديدة بترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا ، والذي أدى إلى استنكار يوناني كون الحدود التركية تمر بمحاذاة ( أو داخل المياة الاقليمية اليونانية .

من جانب آخر وفي نفس السياق يتموضع لبنان البلد المشبع بالأزمات الداخلية في قلب صراع الغاز في شرق المتوسط . لبنان الذي كان قد وقع سابقة اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص تمنع بموجبها اي من الطرفين الاتفاق مع طرف ثالث دون الرجوع إلى الطرف الثاني في الاتفاق . لكن قبرص عقدت اتفاقية مع الجانب الاسرائيلي تمنح بموجبه الاخيرة مساحات كبيرة ومهمة واعدة نفطية في أقصى المياه الجنوبية اللبنانية . الأمر الذي حاولت الولايات المتحدة اللعب عليه وفرض ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و " اسرائيل " وفق خط هوف الذي يعطي للأخيرة جزء من البلوك رقم 9 الذي يطفو على كميات ضخمة جدا من الغاز ، وهو الامر الذي لم يتم لغاية الآن .

تعمل الولايات المتحدة على الضغط على لبنان بشتى السبل بهدف ايصاله إلى نقطة اللاعودة للقبول بخطة واشنطن والمشكلة الأساسية هنا هي منع الشركات الموكلة بالتنقيب في المياه الإقليمية من متابعة عملها ( توتال الفرنسية - نوفاتك الروسية - إيني الايطالية ) وعرقلة عبور الغاز الاسرائيلي عبر الانبوب الذي يمر على الشاطئ اللبناني .

ولعل الدخول الروسي على خط الازمة اللبنانية من بوابة حزب الله ( زيارة وفد قيادي من حزب الله إلى موسكو في شهر آذار ( مارس ) يندرج في نفس السياق لضمان حصة روسيا من التنقيب . علما ان السوريا دور اساسي بدأ بالظهور والتبلور منذ دخولها الحرب في سوريا بشكل مباشر وعملها من خلال مؤتمر استانه وغيره مع اللاعبين الأساسيين على الساحة السورية لانضاج حل سياسي للازمة .

لروسيا خطي غاز اساسيين ، يمر الاول ( نورد ستريم 2 ) عبر بحر البلطيق وصولا إلى المانيا وعدد من الدول الاوروبية ويضخ ما يقدر ب 55 مليار متر مکعب . أما الخط الثاني ( ترك ستريم ) فهو الذي يمتد عبر تركيا ليصل إلى اليونان وبلغاريا ومقدونيا ، حيث تعتبر تركيا ايضأ حاجة بالنسبة لروسيا لضمان تصدير الغاز الى اوروبا .

كما أن روسيا اليوم متواجدة في المياه الدافئة ، وبفعل الصراع في سوريا تسيطر روسيا على قواعد عسكرية في الساحل السوري الذي يحتوي على أكثر من 700 مليار متر مكعب من الغاز وفق التقديرات ، ولكن تبدو سوریا خارج المعادلة حتى الآن ، وذلك بسبب عدم قدرة الدولة والنظام على اعادة بسط السيطرة على كامل الجغرافيا السورية ، وافتقادها المصادر الطاقة والمياه وحتى الأراضي الزراعية والتي تندرج تحت عنوان الأمن القومي . يبدو أن زمام المبادرة بيد روسيا من هذه الناحية ، ما يعيد لها شيئا من دورها الإقليمي ، ويشير بشكل واضح على خلفيات الدور التركي وتحركاته في التطورات الاخيرة في المنطقة .

وعليه ، فإن الميدان الملتهب في المنطقة لا يمكن فصله عن صراع الغاز والرسائل المتبادلة بين اللاعبين الأساسيين . وذلك للأهمية الاستراتيجة لمنطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا في لعبة السيطرة والادارة . فتبدل خارطة النفوذ والقوی وظهور الثروات النفطية وغيرها مکنان منطقة شرق المتوسط من استجلاب المزيد من الصراعات وصراعات النفوذ الاقتصادي.

بالمحصلة فإن منطقة شرق المتوسط وما تشكله من صراعات متشابكة ومصالح مشتركة ، تتمثل في أطراف المعادلة بشكل مباشر وهم مصر وقبرص و " إسرائيل " واليونان ، ثم الاطراف الاقليمية والدولية التي تتمظهر بالدور التركي والروسي . هذه الصراعات لا تختصر فقط على الحروب على مصادر الطاقة بل لها جذورها التاريخية والعرقية وهو صراع طويل في المنطقة . اضافة الى الصراع العربي - الاسرائيلي الذي يدخل في قلب هذا المشهد ، حيث تسعى " اسرائيل " للاستفادة من تطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية للاستفادة من ربط المنطقة وتشبیکها اقتصادية لتكون " اسرائيل " قلب المنطقة وسوقها النفطي الجديد . اما عن مستقبل الصراع بين دول شرق المتوسط ، فإن الاشتباك 

الاقليمي والدولي القائم حاليا يعطي مؤشرات حول ما ستؤول اليه الأمور في المستقبل القريب . فلعبة الامم بنسختها الحالية تشهد مخاضة جديدة ترسم معالمه اليوم في الميادين المشتعلة .

لبنانيا ، ليس من السهل مقاربة مشروع تشكيل الحكومة بمعزل عن توازن القوى والنفوذ ودور حزب الله الاساسي في اللعبة الداخلية ، كونه مكون داخلي صاحب نفوذ اقليمي قادر على كبح المطامع الدولي في موارد الطاقة اللبنانية . وهذا ما يمكن أن يفسر بشكل اوضح مستقبلا في حال تم الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية والبدء بعملية التنقيب عن الغاز في المياه الاقليمية للبنان والحديث عن الدور الروسي المستجد في لبنان .

من جهة أخرى سعت فرنسا على سبيل المثال للدخول الى الساحة اللبنانية الداخلية من خلال حادثة تفجير المرفأ في الرابع من آب 2020 مستفيدة من الانكفاءة الاميركية الجزئية في لبنان والمنطقة ، وطبعا بضوء أخضر اميركي حاولت أن تلعب دور الوسيط وفي توليف الحل السياسي بما يضمن مصالح واشنطن بصيغة اقل عدائية تكون مقبولة من قبل المكونات السياسية جميعها . طبعا لم تنجح فرنسا الغاية الآن بلعب هذا الدور بشكل فعال وذلك لعدة أسباب كان أبرزها الدور السعودي السلبي الرافض لحل يعطي خصومها في لبنان حيز من المشهد السياسي وبالتالي القرار والمبادرة . في حين أن السعودية على سبيل المثال تفضل العمل مع فرنسا كشريك على الساحة اللبنانية لا تسمح لتركيا الراغبة بالتوسع والنفوذ في سوريا ولبنان ، وذلك على خلفية الصراع التاريخي بين الوهابية السياسية وحركة الإخوان بتزعم العام الاسلامي . كما انها ، ومن خلال تحديدها لخطوطها الحمراء في لبنان ، لن تسمح السعودية بإعطاء حزب الله والتيار الوطني الحر مساحة وازنة بالحكم قد تؤثر على مصالحها ونفوذها السياسي .

تجد " اسرائيل " هذا الواقع فرصة هامة لتغذية الانقسام السياسي في لبنان ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار لتمرير اهدافها بأقل ضرر ممكن على الداخل الاسرائيلي . وذلك في سياق اضعاف حزب الله داخلية ومحاولة تأليب البيئة الحاضنة - لم تنجح لغاية الآن - لتشكيل رأي عام جامع على ضرورة التخلص من سلاح المقاومة من أجل الحصول على مساعدات او برامج تنموية تعيد الحياة إلى ما تبقى من واقع اقتصادي ومالي في لبنان .

بالمحصلة باتت الولايات المتحدة مقتنعة بان عملية الاستفراد بالقرار والسيطرة تقلصت ، فهي تبحث عن شركاء دوليين قادرين على لعب الدور الاميركي - وان جزئیا ۔ بلسان ولباس مختلف ، وهذا ما يفسره الدور الفرنسي القديم الجديد في لبنان . تسعى الولايات المتحدة للتنسيق غير المعلن مع الروس والأتراك كمحاولة لصوغ حل سياسي يضمن مصالح اللاعبين الأساسيين في سوريا . ويحافظ على الجغرافيا السورية كمطلب للدولة السورية ، اضافة إلى ذلك تظهر

رغبة كل من تركيا وإيران وروسيا في عدم التقسيم نظرة للخطر الديموغرافي الذي قد يتهدد المنطقة بفعل وجود نوايا انفصالية في الدولة المذكورة .

كل الدول التي تتحرك في هذا الظرف اتجاه المسألة اللبنانية ، تضع نصب عينها الفرص الاقتصادية الكامنة في هذا البلد ، سواء في بحره أو بره ، والهدف من كل الضغوط هو السيطرة على هذه الموارد ، وتحسين كل من ( فرنسا ، روسيا ، تركيا ، الولايات المتحدة لمكتسباتهم منها . يجري ذلك على حساب الأمن الاجتماعي والاقتصادي للبنان ، وقد يتهدد الأمن الغذائي في حال استمرت اللامبالاة والإهمال من جهة ، والتحريض على استكمال الحصار المالي والبنكي . لكن من الناحية العملية ، وبحسب التفاعلات الدولية الجارية ، وتعدد اللاعبين في المنطقة وفي المناطق المجاورة لها ، فإن ثمة سياق استراتيجي واضح ، يلعب لصالح مزيد من التعددية ، وتراجع بطيء وتدريجي للهيمنة الأمريكية وقدرتها على التأثير في قرارات الدول الأخرى ذات المدى الدولي أو الإقليمي ، ما يعكس الأمل المستقبلي المتوسط المدي ، والذي قد يجعل ه قريبة للمدى التحول في الداخل الأمريكي أو في صراعات الشرق الأقصى .

رایکم