عقب أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، أعلن بوش الابن ووزيرة خارجيته عن أّنّ "العراق لديه اتصالات على مستوى عالٍ مع شبكة القاعدة" وأن "العراق درّب كوادر القاعدة." كان ذلك المبرّر الرئيسي للحرب على العراق، مع العلم أن كّلّ التقارير الاستخبارية، ومن كان على معرفة وصلة بصدام حس، كان يعرف أّنّ عناصر الجعات المتطرفة لم يكونوا يومًا أصدقاء لصدام حس. كل ما في الأمر أنه حان الوقت للتخلص من صدام حس، والسيطرة على النفط العراقي.
واليوم، وبعد 20 عامًا على أحداث 11 سبتمبر، وأكثر من 40 عامًا على الحصار الاقتصادي، وحوالي 4 سنوات من العقوبات أحادية الجان ب في إطار ما سمي بسياسة "الضغط الأقصى"، يبدو أن الولايات المتحدة لم تنتهِ من الاستثر السياسي والإعلامي في تنظيم القاعدة بعد، تمامًا ك لم تنتهِ من الاستثر بأحداث 11 سبتمبر، إذ بدأت حملة تضليل جديدة افتتحها وزير الخارجية الأمكي السابق مايك بومبيو، قبل أسبوع واحد من مغادرة مكتبه في البيت الأبيض، قائًلاً بأن إيران باتت "مقرًا جديدًا لتنظيم القاعدة."
ثمة ط موحّد بات سائدًا وواضحًا في كل حملات واشنطن التضليلية للرأي العام، وهو تأط علاقة الدولة المستهدفة بالإرهاب، وربطها به في سياق تاريخي، حتى لو كان هذا السياق مزوّرًا. ومن ثمّ توظيف مسار سياسي مع ّ، وبعدها العمل على تحليل انعكاسات سياسية لهذا المسار، وأخاً التوصّل إلى نتائج ستبدو مقنعة . وفي حالة هذه الحملة الأخة، تحاول الولايات المتحدة من خلال أدواتها المؤثرة، ومنه ا وسائل الإعلام ومراكز التفك والبحث، التوصل إلى نتيجة معينّة، أن القاعدة وإيران قد تغلبتا على الصراع الأيديولوجي لتوليد فوائد استراتيجية أكثر عمًقًا. وفي حال لم يتم إثبات هذه العلاقة الاستراتيجية، كن المجادلة بنوع آخر من العلاقات، وهي العلاقة التكتيكية. وسواء كانت استراتيجية أو تكتيكية فإن ذلك لا يهم، المهم ه و رب ط إيران بالقاعدة.
من الملاحظ في مجموعة من المقالات والتقارير المنشورة في وسائل الإعلام المختلفة، الخليجية منها والغربية، أن هذه الحملة قائمة بناءً على مجموعة من المعطيات التي تم نشرها بالتزامن مع تصريح بومبيو. تناولها الجميع على أنها حقائق مبنية على مجموعة من التقييت الاستخباراتية الأمريكية، التي يتم إضفاء الأهمية عليها بعبارة أنها "متاحة للجمهور". ووثائق القاعدة التي رُفعت عنها السرية والتي -بحسب ادعاءاتهم – كشُف عنها بعد مقتل بن لادن، ولمزيد من الإيهام بالمصداقية تمّ الحديث عن بيانات وتوضيحات من قبل قيادة القاعدة نفسها، وفي إحدى المقالات وقعتُ على عبارة "التاريخ القائم على المقابلات"، على أن هذه العبارة ينبغي أن توهم القارئ أن ثمةّ مقابلات تاريخية جرت مع قادة القاعدة، هي بمثابة توثيق تاريخي لعلاقات إيران مع القاعدة.
إلى ذلك، كن القول إن الإعلام العربي – الخليجي الذي يفترض أن يكون صاحب التأث الأكبر بسبب وجوده في المنطقة التي تقع فيها إيران، قد تفننّ في صناعة الأكاذيب التاريخية عقب تصريح بومبيو، مع إضفاء الكث من الإثارة على القصص للمزيد من التأث في المتلقي .
وفي إطار البحث عن الوثائق التي تمّ الكشف عنها وتحدّث عنها بومبيو، لم نقع على وثيقة واحدة، فقط سرديات إعلامية قائمة على أّنّ تنظيم القاعدة يدين بالفضل في وجوده وانتشاره الواسع في عدد كب من دول العالم إلى إيران، وقد ذكر أحد المواقع الخليجية أنه ثمة وثيقة لـ بن لادن قال فيها إن "إيران هي شريان القاعدة وأنه لا ينبغي محاربتها". ولإضفاء الوقائع العملية، وكمعلومة استخباراتية نُزعت عنها السرية، تحدّث بومبيو عن مقتل الرجل من أسه الرجل الثا في تنظيم القاعدة أبو محمد المصري، على الأراضي الإيرانية، وتحديدًا في طهران، في آب أغسطس من العام 2019، على يد عملاء إسرائيلي في إيران. وبدأ الحديث عن إيران التي تقدّم ملاذًًا آمناً لقادة القاعدة منذ التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة لعائلة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي. كل ذلك نفته إيران جملةً وتفصيًلاً، وشككت فيه مجتمعات الاستخبارات الأوروبية وحتى الكونغرس. إًلاً أن هذه السردية بقيت قائمة ويتم تكرارها وإضافة المزيد من السيناريوهات عليها. ك أن بومبيو برّر الوجود الأمريكي في المنطقة بقوله:" وجود المصري داخل إيران يش إلى سبب وجودنا هنا اليوم... القاعدة لديها مركز جديد: إنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونواب زعيم التنظيم، أن الظواهري، موجودون هناك حالياحالياً"، ثم أعلن عن فرض عقوبات على "اثن من قادة القاعدة المتمركزين في إيران. "
"أكاذيب بومبيو" هي العبارة التي وصف بها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف هذه الادعاءات، وقال إنها
"ضرب من الخيال،" وكتب ظريف في تغريدة على تويتر "مع (نزع السرية) الذي هو من وحي الخيال بش أن إيران، والمزاعم المتعلقة بالقاعدة، ينهي بومبيو بشكل مث للشفقة مشواره الكارثي بمزيد من الأكاذيب المروجة للحروب." وتابع "لا أحد ينخدع (بما يقوله بومبيو)، كل إرهابيي 11 سبتمبر/أيلول 2001، أتوا من الوجهات المفضلة (لبومبيو) في الشرق الأوسط. لا أحد من إيران" .
هكذا تحاول الولايات المتحدة ربط إيران بالإرهاب، وتحديدًا بأحداث 11 سبتمبر، بنفس التقنيات التي استخدمتها لتبرير غزو العراق، وكن ملاحظة نفس النمط الإعلامي في مسألة صناعة وحش الزرقاوي ، لقد تمّ العمل ضمن نف س الآليات. على أّنّ أي من التقارير الاستخبارية التي تم الحديث عنها حينها، كان ثمة تقارير أخرى مضادة لها، وعلى وثائق لم يكن لها وجود، وبالطبع الكث من التزوير والتضليل للحصول على سياقات متّسقة لإيهام المجتمع الدولي، والرأي العام المستهدف. وهي ستفعل أي شيء، سواء كانت سيناريوهات مجربة أو مبتكرة لإخضاع إيران.