۱۸۳۵مشاهدات
يحتدم التوتر الليلي في عدة أحياء ومدن تونسية احتجاجًا على إجراءات تقشف أعلنت عنها الحكومة التونسية مع بداية هذا العام، وتسببت هذه الأحداث في مقتل مواطن تونسي وإصابة العشرات؛ نتيجة الصدام مع قوات الشرطة والجيش في مواجهات عنيفة وقعت في مدن عدة قبل أن تنتقل إلى العاصمة (تونس).
رمز الخبر: ۳۷۴۳۴
تأريخ النشر: 14 January 2018

شبکة تابناک الاخبارية: قبيل أيام من موعد إحياء ذكرى «ثورة الياسمين»، وبينما كانت وسائل الإعلام تستعد لإعادة بث مشهد حرق الشاب التونسي، محمد بوعزيزي، ومشهد تأثر المسن التونسي الباكي وهو يقول «لقد هرمنا.. لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة»، اشتعلت أحداث تشبه أحداث الثورة في أرجاء تونس؛ لتسيطر على المشهد.

وتستمر الاحتجاجات حتى الآن؛ ليظهر مدى ضجر قطاع كبير من التونسيين من تدهور البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا، في وقت تصر فيه الحكومة التونسية على استخدام طريق للخلاص من الديون على حساب قوت المواطن التونسي، فيما تحاول الأحزاب المعارضة استثمار الأزمة بالدعوة إلى إسقاط الموازنة، بما يعني إسقاط الحكومة.

ما الذي يحدث في تونس؟

يحتدم التوتر الليلي في عدة أحياء ومدن تونسية احتجاجًا على إجراءات تقشف أعلنت عنها الحكومة التونسية مع بداية هذا العام، وتسببت هذه الأحداث في مقتل مواطن تونسي وإصابة العشرات؛ نتيجة الصدام مع قوات الشرطة والجيش في مواجهات عنيفة وقعت في مدن عدة قبل أن تنتقل إلى العاصمة (تونس).

ويعد أخطر ما رافق هذه الاحتجاجات هو عمليات نهب المتاجر، وتخريب المؤسسات، والتي دفعت الجيش للانتشار بالقرب من البنوك والبنايات الحكومية لحمايتها، حيث تصر الحكومة التونسية على أن تلك الأعمال يقوم بها «مخربون» لإضعاف الدولة، على حد وصف رئيس الوزراء (يوسف الشاهد)، وهو موقف توافق معه رئيس «حركة النهضة» التونسية (راشد الغنوشي) الذي اعتبر أن: «كل داع للخروج للاحتجاج في الشارع مساهم في عمليات التخريب والفوضى التي شهدتها البلاد في عدة مناطق»، وذلك خلال تصريح لإذاعة «شمس (إف إم إن)».

وقد اتهمت الحكومة التونسية بشكل واضح «الجبهة الشعبية» بالوقوف وراء تغذية أعمال شغب القائمة الآن، واستنكرت أن يأتي ذلك عقب تصديق الجبهة على فصول من قانون المالية الذي أجج الاحتجاجات الأخيرة، فقد صرح الناطق الرسمي باسم حركة النهضة «عماد الخميري» لـ«عربي21 »: «أن خطاب الجبهة الشعبية قام على التوظيف السياسي للاحتقان الشعبي ضد قانون المالية، واتهمها بممارسة الخطاب المزدوج من خلال تصويت نوابها في البرلمان على الفصل 39 المتعلق بالزيادة في الضريبة على القيمة المضافة – والتي كانت أحد عوامل الزيادة في أسعار أغلب المنتجات الاستهلاكية – ثم الاحتجاج والدعوة لإسقاط هذا القانون الذي صوتوا عليه»، فيما اعتبرت الجبهة هذا الاتهام محاولة للتغطية على فشل الحكومة التونسية، وفشل الائتلاف الحاكم في التغطية على الفساد. 

وينص قانون المالية للعام 2018 الذي فجر غضب التونسيين على زيادة أسعار بعض المواد، وأهمها الوقود، وكذلك أسعار مواد مثل الشاي والقهوة والأدوية، ورفعت الضرائب على الاتصالات الهاتفية والتأمين، ويأتي ذلك مع اعتزام الحكومة اقتطاع 1% من رواتب كل الموظفين كمساهمات للصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزًا؛ وهو ما يعني زيادة الضغوط على المقدرة الشرائية للتونسيين، يقول أحد المواطنيين: «نحن نموت هنا، لا أمل لنا.. ليس هناك إلا الوعود الزائفة.. هنا تجد فقط المقاهي تعج بالشبان العاطلين». 

شهر يناير وأزمة شريكي الحكم في تونس

«سبع سنوات عجاف، حكومات ومنظومات حكم متعاقبة فاشلة… أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة اليوم، زادها قانون المالية 2018 حدّة وقسوة على البلاد والعباد، أزمة سياسية ومحاولات إنعاش لمنظومة الحكم الراهنة وسط أمل ضعيف بإنقاذها، عودة إلى الشارع في شهر يناير (كانون الثاني) شهر الاحتجاجات»، هكذا يلخص الكاتب التونسي مراد علالة سنوات تونس بعد ثورة العام 2011 من وجهة نظره. 

يبدو أن الشهر الميلادي الأول سيقترن كثيرًا في ذاكرة التونسيين باعتباره شهر للثورات، ففي يناير – أو «جانفي» كما يسيمه التونسيون – وقعت فيه أزمة بين اتحاد الشغل والحكومة عام 1978، واندلعت ثورة الخبز عام 1984، ثم ثورة الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي عام 2011، التي نجمت عن وفاة محمد بوعزيزي، بائع الشارع الذي أشعل النار في مظاهرة احتجاج على البطالة؛ إذ يأتي الاحتفال بالذكرى السابعة للنجاح الديمقراطي الوحيد بين دول الربيع العربي في الرابع عشر من الشهر الجاري. 

وقد تعاقبت على حكم تونس منذ رحيل بن علي تسع حكومات فشلت فشلًا ذريعًا في معالجة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها التونسيون، فهذا البلد الذي انبثق منه الربيع العربي يعاني من وضع سياسي واقتصادي هش، خلق هذه الاحتجاجات بذات الدوافع الأولى للثورة التونسية من غلاء الأسعار وتفشي البطالة والفساد الحكومي؛ إذ لم يزل التونسيون يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية، ويطالبون بوقف معاناة عدد من المناطق من التهميش ومن ارتفاع نسب البطالة بين الشباب، حيث تصل هذه النسب إلى 30% في سيدي بوزيد وإلى 26% في القصرين. 

ويظهر الواقع السياسي التونسي حالة من الصراع بين «حركة النهضة» ذات التوجه الإسلامي وحزب «نداء تونس»، قطبي الحكم المؤتلفين في تونس، والذي وصل لحد تصريح المكلف بالشؤون السياسية في نداء تونس (برهان بسيس) نهاية التوافق مع حركة النهضة، وتحولها من حليف إلى «خصم»؛ إذ تزيد المؤشرات بقرب فك الارتباط بين شريكي الحكم، بعد سنوات من التحالف الحاكم فيما بينهما، حيث أعلن «نداء تونس» القطع رسميًا لمرحلة التوافق مع النهضة، وإعلانها كمنافس رئيس خلال الانتخابات البلدية القادمة في مايو (أيار) 2018، وهي خطوة تأتي من قبل «نداء تونس» لاستعادة أنصارها العلمانيين مع اقتراب موعد أول الانتخابات، وبغية «الدفاع عن مشروعه الوطني العصري المدني في منافسة رئيسة للمشروع الذي تمثله حركة النهضة». 

المستهلك التونسي خسر 25% منذ 2011.. تونس مثقلة بالديون

اعتبر قانون المالية لعام 2018 بمثابة ميزانية تقشفية تهدف إلى حل مشكلة التضخم (وصل معدل التضخم إلى أكثر من 6%) التي تعاني منها تونس، وهو ما يزيد من الضرائب والأسعار الوقود، فمتوسط ​​دخل أسرة تونسية يعمل أحد الوالدين فيها يعادل 150 دولار شهريًا، وزيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة 200-300% على العديد من المنتجات مضاعفة لنفقات هذه الأسرة، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور في تونس حوالي 160 دولار في الشهر، وتحتاج أسرة صغيرة ما لا يقل عن 240 دولارًا في الشهر للحصول على مستلزماتها الضرورية، في بلد تبلغ فيه نسبة البطالة نحو 12%، الأمر الذي يعني المزيد من الضغوط على ميزانيات الأسر المعيشية، ويزيد ارتفاع الأجور، الذي يبلغ أكثر من 6% بمتوسط ​​معدل سنوي منذ عام 2011، ويأتي ذلك مع انخفاض قيمة الدينار التونسي على نحو سلس وزاحف ليس له سبب احتمالات للاعتدال بالنظر إلى المعدل الذي تتدهور فيه القدرة التنافسية التونسية. 

المستهلك التونسي خسر منذ عام 2011 قرابة 25% من قدرته الشرائية بسبب الزيادات المستمرة في الأسعار، ولذلك يتوقع أن ترتفع نسبة التضخم خلال الربع الأول من العام إلى 8%؛ مما سيكون له تأثير مباشر على الادخار، الذي تقلص حجمه من 22 % من الناتج الإجمالي الخام عام 2011؛ حتى بلغ مستوى 11% العام الماضي.

وتعاني تونس من مشكلة ارتفاع الدين العام بمقدار 40 مليار دينار (حوالي 13.4 مليار يورو)، حيث تواجه تونس خطر يتمثل في إدراجها بقائمة البلدان المثقلة بالديون، وهو أزمة لن تحل بموافقة صندوق النقد الدولي، في عام 2016 على تمديد قرض قيمته 2.9 مليار دولار لمدة أربع سنوات، حيث تسبب فساد الكثير من الشخصيات السياسية في عهد بن علي وبعده، ففي نظر العديد من المراقبين في هذه المشكلة، وهو ما يعرض تونس لخطر الإفراط في المديونية، حيث بلغ رصيد الدين الخارجي للبلد في منتصف العام من السنة ما يعادل 75.8 مليار دينار، وهو ما يعادل 80% من إجمالي قيمة الثروة المنتجة في سنة واحدة، ولذلك لم تتردد تلك الحكومة بإرجاع قرارات ميزانية 2018 أو حزمة إصلاحات، التي وُصفت بالمؤلمة، بسبب القروض الدولية التي تطلبت خفض العجز في الموازنة. 

وفي محاولة لقراءة مستقبل الأحداث في تونس، يبدو أنه يتعين على الحكومة التونسية التراجع عن تنفيذ بعض بنود قانون المالية واتخاذ اجراءات بديلة تعمل على تحسين الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، حيث يعتقد المراقبون أنه حتى وإن تقلص زخم الأحداث في بعض الفترات، فإنها ستبقى مستمرة بأشكال أخرى بسبب تواصل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فالنظام السياسي الأكثر شمولًا في محاولة معالجة المشكلة هو السبيل الوحيد لتجنب استمرار دورات الاضطرابات، خاصة أن من التونسيين من لا يحاولون إسقاط النظام القائم بقدر ما أن هدفهم تحسين أوضاعهم. 

الإعلام الإماراتي والسعودي.. الرقص طربًا على أحداث تونس

فيما كان التونسيون ينشغلون بما آلت إليهم أوضاعهم، وبالبحث عن الطريقة الأنسب لتحقيق أهداف ثورتهم، تفاجأوا بعدة جهات تنال من تجربتهم الديمقراطية، منتهزه الأحداث الأخيرة لتتحرك ضمن معزوفة معروفة بمعادتها لثورات الربيع العربي.

ولذلك خرجت العديد من الصحف والقنوات العربية خاصّة التابعة للسعودية والإمارات لتشويه التجربة التونسية بإظهارها نموذجًا للفشل والفوضى؛ في محاولة لترهيب الشعوب من أي محاولة للانتفاضة على الوضع السياسي في بلادهم.

وللاستدلال على ذلك يمكننا رصد بعض ما تناولته تلك الوسائل، ففي إطار تضخيم صورة أحداث الفوضى التي تجتاح بعض المدن التونسية، نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» مقطع فيديو قديمًا لمواجهات وقعت في منطقة «الكامور» بمحافظة تطاوين في منتصف العام 2017، وقدمته على أنه صور من مواجهات تحدث هذه الأيام بتونس، ويعود الفيديو ليوم فضّ اعتصام الكامور السلمي المطالب بإعطاء ولاية تطاوين نصيبها من مداخيل النفط، وهي أحداث أسفرت عن مقتل متظاهر دهسًا، وجرح آخرين.

فيما سارعت الإعلامية اللبنانية – بقناة «العربية» التي تبثّ من الإمارات – نجوى قاسم بالسخرية من الثورة التونسية؛ فكتبت على حسابها بموقع «تويتر»: «الاحتجاجات تتسع في تونس، نفس الخبر في نفس الموعد الذي وعدنا بالياسمين قبل سبع سنوات.. سبع عجاف عجاف عجاف حتى لم نعد نريد وعدًا، ونخشى كل موعد».

ولاقت تغريدة «القاسم» استنكارًا كبيرًا من قطاع عريض من التونسيين؛ فرد عليها التونسي كيلاني الجربي بالقول: «عجاف، لكننا كسبنا كرامتنا وحريتنا، سيأتي اليوم الذي ننهض باقتصادنا، خاصة مع الشباب الحالم هنا، أما انتم فستظلون مرتزقة لصهاينة العرب من آل زايد… إلخ، فرنسا ظلت ثورتها قرنًا من الزمن لكي نرى فرنسا الحالية».

وعلى جانب آخر، قامت قناة «سكاي نيوز عربية» التي تشرف عليها وزارة الخارجية الإماراتية ببث مباشر لاحتجاجات من منطقة «سيدي عمر بوحجلة» النائية.

كذلك لم يفوت الإعلامي المصري عمرو أديب فرصة النيل من الثورة التونسية؛ بهدف تشويه تجربة تونس في الانتقال السياسي؛ إذ استغل الأحداث في تونس للتدليل على عدم فاعلية الديمقراطية والثورة. يقول الكاتب التونسي، عادل بن عبد الله: إن المحور الإماراتي السعودي يعمل على استثمار الصراعات الأيديولوجية بين الإسلاميين والعلمانيين، لذلك يحاول الآن «منع قيام كتلة تاريخية أو تحالف سياسي حقيقي بين الإسلاميين والعلمانيين، لتحقيق مقومات السيادة والتخلص من إذلال التبعية الاقتصادية والثقافية».

ويضيف في مقاله «ماذا تريد الإمارات والسعودية لتونس(2)» : «استباق أي تحرك احتجاجي في السعودية والإمارات، وتقديم صورة كارثية للتحولات الجارية في المنطقة، وهو ما يُقلل من فرص (تصدير) الثورة التونسية (باعتبار الثورة مجموعة قيم ومفاهيم)، ويضعف من قوة جذبها للفئات المهمشة والمقموعة في ممالك النفط المعادية للربيع العربي».

رایکم