۴۶۱مشاهدات
عندما أعلنت الحكومة البريطانية في 6 ديسمبر/كانون الأول 2014 عن إنشاء قاعدة بحرية دائمة في ميناء سلمان في البحرين، تمّت الإشارة على نطاق واسع إلى أنّ هذه الخطوة سطرت عودة بريطانيا إلى "شرق السويس" في زمن الاستعمار (الذي انتهى بشكل رسمي بحلول العام 1971).
رمز الخبر: ۲۵۲۸۱
تأريخ النشر: 07 January 2015
شبكة تابناك الإخبارية : بالفعل، كان للبحرية الملكية حضورًا في الخليج في السنوات الأخيرة، بما في ذلك بعض المنشآت التي تحوي على كاسحات الألغام في البحرين. ولكنّ الغاية من القاعدة الجديدة هي القدرة على احتواء حاملات الطائرات البريطانية الجديدة من فئة "كوين اليزابيث" والسفن الحربية الداعمة لها، ممّا يجعل عملية التطوير أكثر رمزية. ستتوّلى بريطانيا تكاليف تشغيل القاعدة الجديدة، بيد أنّ البحرين ستكون مسؤولة عن تكاليف البناء نفسه.
وقد ألقى مقال آخر في هذه السّلسلة الضوء على البعد السياسي لقرار بناء القاعدة:

"هناك جدال قوي يدور الآن حول أن الحكومة التي تسيطر عليها الطائفة السنية تدفع معظم تكاليف القاعدة الجديدة كجائزة منها لبريطانيا على خلفية غض نظرها عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، خاصة ًبعد اندلاع الاحتجاجات فيها في أوائل أشهر "الربيع العربي". ولطالما انتقدت منظمة بحرين ووتش، وغيرها من المجموعات المعنية بحقوق الإنسان، الحكومة في المنامة، ولكن لم يكن لها إلّا تأثير بسيط على سياسة الحكومة البريطانية" (راجع "بول روجرز: بريطانيا في البحرين بعيون مغلقة جيدا!" 11 ديسمبر/كانون الأول 2014).

وقد يكون الحال كذلك بالفعل؛ ففي نهاية المطاف، لطالما كان عدم نقد بريطانيا للأسرة الملكية الحاكمة في البحرين من أبرز سمات موقفها في الشرق الأوسط. وفي أعقاب التغيّرات الجذرية التي حدثت في تونس ومصر في مطلع العام 2011، تمّ وضع حد، بالقوة، لاحتجاجٍ دام شهرًا واحدًا أطلقته الأغلبية الشيعية في البلاد ضد حكم الأسرة الملكية السنّية الاستبدادي، وقد ذهب ضحيّته 89 شخصًا على الأقل. ومنذ ذلك الحين تمّ اعتقال المئات ومحاكمتهم.

ولا تزال حملة القمع مستمرة مع استمرار الاحتجاجات المعارضة لها. في الأيام الأخيرة، تمّ اعتقال أمين عام جمعية الوفاق المعارِضة والمحظورة من قبل الدولة، الشيخ علي سلمان. ومن ثمّ استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ورصاص الشوزن لتفريق الحشود المحتجّة على ذلك (راجع "احتجاجات في البحرين بعد اعتقال قائد المعارضة" وكالة الأنباء الفرنسية، 29 ديسمبر/كانون الأوّل 2014).

وفي هذا السياق، يبدو أنّ لفرصة بريطانيا لكسب قاعدة في المنطقة التي ستتوّلى تكاليفها البحرين، أبعادًا متعلّقة بحقوق الإنسان وأبعادًا سياسية ودبلوماسية واضحة. ومن الممكن أيضًا، رغم ذلك، رؤية المزيد من عناصر المرتزقة يعملون، في ظل موقف لندن من الأسرة البحرينية الحاكمة الذي لا يخفى على أحد.

رقصة دبلوماسية

إنّ الغاية وراء هذا التبادل التجاري هي خطّة على المدى الطويل لاستبدال بعض طائرات سلاح الجو الملكي البحريني الآخذ فى الهرم، لا سيّما طائرات تايغر المقاتلة من طراز نورثروب F-5E وF-5F. لطالما عملت بريطانيا على بيع طائرات تايفون الحربية التابعة لشركة بي أي إي سيستمز لدولة البحرين. ولكن أبدت بعض القطاعات في البحرين رغبة أكبر في شراء طائرات "داسو رافال" المُقاتِلة الفرنسية أو بدائل مطوّرة للطائرات الأمريكية الثلاث التالية: F/A18E/F و F-15E و F-16.
في منتصف العام 2013، تابع رئيس الحكومة البريطاني ديفيد كاميرون احتمال إبرام صفقة بيع من خلال زيارة له إلى المنطقة، أعقبتها زيارة لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إلى لندن. نقلت صحيفة الديلي تليغراف آنذاك أنّ:

"الصفقة المقترحة مع المملكة الخليجية التي هزّتها الاحتجاجات عام 2011 يتوقع أن تبلغ قيمتها مليار جنيه استرليني وهي جزء من جهود موحّدة بين دول الخليج لتعزيز العلاقات العسكرية مع بريطانيا... وكانت هذه الصفقة السياسية بامتياز أحد البنود الرّئيسية في أجندة الاجتماع بين رئيس الوزراء ديفيد كاميرون والملك حمد بن عيسى آل خليفة في داونينغ ستريت في وقت سابق من هذا الأسبوع" (راجع مقال بن فارمر بعنوان "بريطانيا ستبيع البحرين طائرات تايفون الحربية، رغم سجل حقوق الإنسان"، الديلي تليغراف 9 أغسطس/آب 2013).

لم تسفر هذه الجهود عن أي شيء، ولكن ثمّة إشارات قوّية على أنّ صفقة بناء القاعدة الجديدة ستكون النقطة الحاسمة. ومن أسباب ذلك اندفاع البحرين بشكل خاص لكسب المزيد من التدخّل البريطاني لضمان أمن المملكة. وفي الأصل تملك الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة أكبر بكثير لأسطولها البحري الخام، وهي ستجاور المنشآة البريطانية الجديدة المخطّط لها؛ ولكنّ الأسرة الحاكمة في البحرين-مع إدراكها للاضطرابات في المملكة وفي المنطقة، ومنها، على أقل تقدير، احتجاجات الأغلبية الشيعية المتواصلة، والوضع الحرج بينها وبين إيران الشيعية التي تقع على مقربةٍ منها في الجهة المقابلة من الخليج-تسعى إلى كسب أكثر من حامٍ واحد.

إذ صرّحت صحيفة ديفنس نيوز أنّ احتمال إبرام صفقة بيع طائرات تايفون أصبح واردًا بشكل أكبر. وأوردت قول دوغ باري، وهو خبير في الطائرات العسكرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنّ "الجو العام الذي خلقه هذا الاتفاق لإنشاء القاعدة البحرية لا يفيد إلّا العلاقات الدفاعية بين الطرفين. فهذه العلاقة الاستراتيجية الوطيدة بين الحكومتين تعطي فرصة عظيمة للتعاون الدفاعي، بما في ذلك احتمال إبرام صفقات لبيع معدات دفاعية". (راجع مقال أندرو تشاتر " صفقة القاعدة البريطانية في البحرين قد تؤدي إلى صفقات لبيع مقاتلات تايفون"، ديفنس نيوز، 15 ديسمبر/كانون الأول 2014).

وفضلًا عن ذلك، فإنّ آفاق هذا الاتّفاق تتخطّى احتمال إبرام صفقة بيع مقاتلات تايفون. وقد أوردت صحيفة ديفنس نيوز كلام أحد المسئولين التنفذيين في المملكة المتّحدة:

" قد توفّر العلاقة المحتملة الكثير من الفرص لنشوء شراكة غير محصورة ببيع طائرات تايفون أو صادرات الأسلحة الدفاعية. فهناك احتمال لوجود ارتباط أوسع بكثير، وقد حصلت الكثير من المناقشات بين القوّات المسلّحة في كلا البلدين بهذا الخصوص."

ظهور فرص تجارية كهذه يقلّل من احتمال قيام الحكومة البريطانية بتوجيه أي انتقادات للسلطات البحرينية حتّى مع استمرار حملة القمع ضد الأغلبية الشيعية.

غير أنّ هذا لا يعني أنّ كل الأمور مؤاتية لكسب المملكة المتّحدة أموالًا طائلة. فالحكومة البحرينية تحقّق 85% من عائداتها من بيع النفط والغاز. لذا، يشكّل انخفاض أسعار موارد الطاقة في الأشهر الأخيرة عاملًا جديدًا كلّيًّا قد يُؤثّر على استيرادها للمعدّات العسكرية. وحتّى أنّه بعد كل الجهود البريطانية، وتجنّبها باستمرار لعملية انتقادها للحكومة البحرينية علنًا، قد لا يسفر هذا المسعى بأكمله عن أي نتيجة.
رایکم