شبكة تابناك الإخبارية : من
الطبيعي أن لا ترحّب روسيا بتحالفٍ يقوده الأميركيون و يستثنيها من رسم جيوسياسة الشرق
الاوسط في عزّ الأزمة بين واشنطن وموسكو حول ملفاتٍ بالجملة وفي الصدارة أوكرانيا.
ومن المنطقي أن تنتقد إيران التحالف الذي يجمع خصومها للتدخل في مساحاتٍ تشكل امتدادًا
لمصالحها. لكن لماذا لا تهلل دمشق لضربات التحالف؟ إذا كانت مواقع الجيش السوري والمراكز
الحكومية محيّدة عن أيّ استهداف مقابل ضرب
تنظيم "داعش" و "جبهة النصرة" فلا مجال للسلطات السورية
إلا الإشادة بالتحالف.
الضربات تساهم بإضعاف المسلحين.
تدرك دمشق أنّ لا قدرة للتحالف على شلّ "داعش" من الجو. تجارب اليمن والجزائر
والصومال وأفغانستان والعراق حاضرة. هل إستطاع الأميركيون إنهاء التطرّف هناك؟ بالطبع
لا.
لكن سوريا عمليًا تستفيد من
العمليات. ستنشغل "جبهة النصرة" و"داعش" بالضربات. لم تعد الطائرات
السورية وحدها في المعركة ضد المسلحين. سيخفف التحالف عن الجيش السوري ضرب أهدافٍ مشتركة.
عملياً أصبحا في جبهةٍ واحدةٍ ضد المسلحين المتطرفين. هنا لا يبدو أمر التنسيق ضروريًا.
الغاية تبرّر الوسيلة.
تدرك دمشق أنّ جيشها في حال
ضعف الدواعش و"النصرة" هو القوة الأبرز على الأرض. لن يستطيع مسلحو
"الجيش الحر" ملء شغور "داعش" و "النصرة". وهل بان أيّ
تقدّم لهذا الجيش في دير الزور أو نحو الرقة أو ريف حلب؟ أكثر من مئتي غارة أميركية
ضد "داعش" في تلك المناطق ألا تفرض منطقياً مواكبة باقي فصائل المسلحين
"المعتدلين" ميدانياً؟ لا وجود فعلياً لهم. هذا ما تراهن عليه دمشق: إضعاف
التنظيم والجبهة والتفرغ لاحقاً لمجموعات هزيلة.
تصنيفات المسلحين موزعة ما
بين المناطق الساخنة. لا قدرة مثلاً لـ"جيش الإسلام" على التمدد نحو الشمال
والشرق. حضوره يقتصر على ريف العاصمة. الجيش السوري موجود حتى الآن في ديرالزور ومناطق
شمالية شرقية. هذا ما تنبهت له تل أبيب وحذرت واشنطن من إستفادة محور سوريا - العراق
- إيران من القضاء على الدواعش.
رحبت دمشق بأي جهد دولي ضد
التطرف. تعتبر هنا أنّ المشاركة الواسعة هي تسليم بما تحدثت عنه سوريا منذ السنة الاولى
للأزمة. يفيد السوريين أيضاً إنزلاقُ العرب إلى المواجهة مع التطرف. تسعد دمشق عملياً
لمشاركة السعوديين والاماراتيين والأردنيين في هجماتٍ ضد المسلحين. المعادلة تتغيّر
في هذه الحال. هذا ما بدا في توعّد "داعش" الدول المشاركة بالتحالف بشن هجمات
دعا لتنفيذها التنظيم في كل دول العالم.
مجرد تحييد الأميركيين للجيش
السوري عن الإستهدافات هو اعتراف بشرعية النظام. ألم يكن مهدّدًا بالضرب في السنة الماضية
تحت عنوان "الأسلحة الكيميائية"؟ ألم يكن السفير بشار الجعفري منبوذا من
قبل الغرب والعرب في الأمم المتحدة وجرت سيناريوهات لتقديم مقعد سوريا الى المعارضين؟
كيف تبدل المشهد؟ صارت الرسائل تصل عبر الجعفري وطائرات الجيش السوري تكمل ضرب مواقع
لم يطلها التحالف في شمال وشرق سوريا. فكيف يغيب التنسيق مع دمشق وطائرات التحالف تمر
بجانب الطائرات السورية في نفس الأجواء والأوقات؟
من مصلحة سوريا أن تقبل الآن
بالضربات الدولية، خصوصًا أنّ التدرّج يتم في فرض الإجراءات لوقف تمويل وتسليح وتنقل
الدواعش كما في بيان مجلس الأمن الدولي. كلها عناصر مفيدة لدمشق.
رغم ذلك الأسئلة تبقى معلقة:
لماذا لا تجبر الدول تركيا على الإلتزام بالتحالف؟ هل سيحد قرار مجلس الامن الدولي
من تهريب النفط السوري عبر تركيا؟ إذا كان التحالف يقصر في استهداف الدواعش قرب الحدود
التركية ويتفرج على تقدمهم نحو بلدة عين العرب (كوباني) لتهجير الكرد، فكيف سينجح في
ضرب التطرف وتغيير المعادلات؟!
مجرد إرسال موسكو لأضخم سفينة
حربية الى ميناء طرطوس يعني المواكبة الروسية وعدم التفرج على رسم الأميركيين لحدود
مصالحهم. هنا دمشق تستفيد أيضاً من وجود حليف يؤمن توازن القوى.
التنسيق قائم بين موسكو و
دمشق. صارت روسيا أكثر تمسكًا بسوريا. حجم الأزمة مع الأميركيين يفرض على موسكو ذلك.
لن يترك الروس الساحات الشرق أوسطية للولايات المتحدة الأميركية. واشنطن بالمقابل لن
تخسر. على الأقل تشغّل الآن مصانع الأسلحة وتفرض نفسها شريكا أساسيًا في قواعد اللعبة.
و تستحصل على أموال عربية تحتاجها في ضرائبها الاقتصادية الغربية.