۳۹۷مشاهدات
ساهر عريبي – إعلامي – لندن
رمز الخبر: ۲۳۵۷۴
تأريخ النشر: 26 November 2014
شبكة تابناك الإخبارية : وضعت حرب الإنتخابات النيابية في البحرين أوزارها يوم أمس السبت (22 نوفمبر) وسط إدعاء كل من السلطات والمعارضة بتحقيق نصر فيها. فقوى المعارضة البحرانية التي قاطعت الإنتخابات؛ أعلنت أن قرابة ال 70٪ من الناخبين لم يدلوا بأصواتهم في صناديق الإقتراع في أول انتخابات نيابية وبلدية تجرى في البلاد منذ اندلاع الحراك الشعبي فيها في فبراير ٢٠١١.
وأما السلطات، فادّعت بأن 51,5٪ ممن يحق لهم التصويت شاركوا في الإنتخابات. إلا أنه، وبالرغم من عدم إمكانية التحقق من صدق إدعاءات الطرفين، إلا أن التقارير والصور المسربة لمراكز الإقتراع في أغلبية المراكز الإنتخابية، وخاصة تلك التي تقطنها أغلبية شيعية؛ تُظهر أنها لم تشهد إقبالا ملموسا على صناديق الإقتراع.
فالقوى السياسية التي تمثل الشيعة الذين يشكلون أغلبية سكان البلاد(70٪ من السكان) أعلنت مقاطعتها للأنتخابات، ونظّمت بعض فصائلها، بدلا من ذلك، تصويتا بديلا، وبالتزامن مع إجراء الإنتخابات، ويتمحور حول استطلاع رأي البحرانيين في تقرير مصيرهم، وبإشراف من قبل هيئة الأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى، فإن الأرقام التي أعلنتها السلطات تثير شيئا من الريبة، إذ تكشف عن رغبة السلطات في تسويق إدعاءاتها بأنها تحظى بتأييد أغلبية بسيطة من الشعب، تكفي لإضفاء شرعية عليها. ومن جانبها، فقد أعلنت القوى المنظمة للاستفتاء الشعبي نتائج الاستفتاء الذي أظهر تصويت غالبية البحرانيين لصالح تقرير المصير.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: ماذا بعد الإنتخابات؟ وما خيارات السلطة والمعارضة للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد والتي توشك أن تدخل عامها الخامس على التوالي؟
لا تبدو السلطات في عجلة من أمرها لإنهاء الأزمة، فهي تمسك بخيوط اللعبة في البلاد عبر هيمنتها على كافة مفاصل الدولة، واتباعها لسياسة القبضة الأمنية في قمع الحراك الشعبي المُطالِب بالديمقراطية.
وكذلك، لا تبدو السلطات آبهة بالمجتمع الدولي. فهي تحظى بدعم من لدن الدول الكبرى، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. فبريطانيا تربطها علاقات تاريخية وثيقة بعائلة آل خليفة، الحاكمة، ولديها مصالح اقتصادية وعسكرية معها. وأما الولايات المتحدة الامريكية؛ فتتخذ من البحرين مقرا لأسطولها الخامس.
وهو ما يفسر عدم اكتراث السلطات لنداءات المنظمات الحقوقية الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والتي تدعوها لإحترام حقوق الإنسان، ووقف الإنتهاكات والتضييق على الحريات الأساسية التي أقرتها المواثيق والعهود الدولية، وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأممي لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، لا تزال السلطات ترفض الإفراج عن أكثر من ثلاثة آلاف معتقل سياسي، فضلا عن قادة ورموز الثورة المعروفين بمجموعة البحرين 13، كما أنها مستمرّة في سياسة سحب الجنسية من المواطنين، وفي إصدار الأحكام ضد الناشطين. والسلطات تستمد القوة والدعم من العربية السعودية التي أرسلت قوات عسكرية في مارس من العام2011 لقمع الحراك الشعبي في البلاد، وللدفاع عن نظام حكم عائلة آل الخليفة، الآيل للسقوط حينها.
ولذا، فإن خيارات السلطة بعد فشلها في إرغام المعارضة على المشاركة في الإنتخابات؛ تبدو أنها تتحرك في اتجاهين، وفقا لسياسة العصا والجزرة. فهي من ناحية ستستمر في إجراءاتها القمعية، وفي تشديد قبضتها الأمنية، ومن ناحية أخرى فإنها ستفتح قنوات للحوار مع الجمعيات السياسية المعارضة. كذلك، فإنها ستضع جدولا زمنيا لا يتجاز العام، للخروج من الأزمة وإقناع المعارضة بالمشاركة في العملية السياسية مقابل تقديم بعض التنازلات التي يتوقف حجمها على التطورات الإقليمية، حيث تظهر البحرين اليوم بوصفها ساحة من ساحات الصراع والمنافسة بين المحورين السعودي والإيراني. إلا أنه وبالرغم من أنها ليست ورقة قوية بمستوى الورقة العراقية أو السورية أو اللبنانية أو اليمنية، إلا أن انتصار أي من المحورين فيها سيشكل ضربة معنوية للمحور الآخر.
ومن جانب آخر، فإن الحل في البحرين هو رهْن أيضا بجملة من القضايا الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. فإن أي توافق حول هذا الملف بين إيران ومجموعة ٥+١ سيفتح الباب على مصراعيه أمام توافقات في ساحات الصراع المختلفة في المنطقة. ولاشك بأن مثل هذه التوافقات لا تصب في مصلحة المحور السعودي، وهو ما يُفسِّر القلق السعودي من إبرام أي اتفاقية بهذا الشأن بين إيران ومجموعة الدول الكبرى.
وهذه الحقيقة تعيها فصائل المعارضة البحرانية، والتي تنقسم بين فصائل تدعو لإسقاط النظام، وتمثلها القوى الثورية، وأبرزها ائتلاف شباب ثورة الرابع عشر من فبراير وحركة أحرار البحرين، وحركة (حق)، وتيار الوفاء الإسلامي، وجمعية العمل الإسلامي، وحركة (خلاص).
هذه القوى لا تعول على التطورات الإقليمية أو الدولية لإحداث تغيير في البلاد، وتعتقد بأنه لا خيار لها سوى إسقاط نظام الحكم في البحرين، الذي تعتقد بأنه عصي على الإصلاح بعد أن تفرّد بإدارة البلاد ومواردها طوال أكثر من قرنين من الزمان. وهي ترى بأن إسقاط النظام أيسر بكثير من إصلاحه، بل إنها ترى الإصلاح مستحيلا.
وهي تنطلق من حقيقة أن الإصلاح يتوقف على إرادة العائلة الحاكمة التي تمتلك الموارد اللازمة لتحقيقه، غير أنها لم تبد أي رغبة في تحقيق إصلاح بسيط، ولو على صعيد تعديل الدوائر الإنتخابية مثلا، والتي تعطي الموالين ثقلا انتخابيا أكبر من ثقل المعارضين. بل إنها عمدت إلى تعديل الدوائر الإنتخابية بما يعزز قوة الموالين. ولذلك، يبدو الإصلاح مستحيلا مع غياب إرادة العائلة في تحقيقه.
في مقابل ذلك، يبدو إسقاط النظام ممكنا بنظر تلك القوى الثورية، وذلك بسبب وجود إرادة لدى الداعين له، إلا أن وقوعه يتوقف على موازين القوى التي تميل لصالح النظام، غير أن هذا لا يبدو مانعا لتلك القوى من الإستمرار بمشروعها الإسقاطي الذي يبدو غير واقعي، فهي ترى بأن عليها العمل لتحقيق هدفها، مهما عظمت التضحيات وطال الزمن. وهي ترى أن سقوط النظام ربما يتحقق خارج نطاق الحسابات الآنية، وتضرب مثلا لذلك بسقوط نظام صدام حسين في العراق، وغيره من الأنظمة العربية، والذي فاجأ الجميع. وعليه، فإن هذه القوى ستستمر في مشروعها الثوري خلال المرحلة المقبلة.
وأما الجمعيات السياسية المعارضة، والتي تراهن على إصلاح النظام، وتدعو لنظام ملكي دستوري، فلا يبدو أنها نفضت يدها من النظام، بالرغم من التصريح الذي أدلى به بعد الانتخابات الشيخ علي سلمان، رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، كبرى جمعيات المعارضة في البلاد، والذي قال فيه بأن "جميع الخيارات مفتوحة للأسف”، وهو ما فسّره مراقبون بتخلي الوفاق عن نهجها "السلمي” الذي اتبعته طوال السنوات الماضية.
إلا أنه لا تلوح بوادر في الأفق تشير إلى تخلي الوفاق عن نهجها السياسي، بل إنها ستستمر في طرْق أبواب النظام من أجل الوصول إلى توافق وطني. وبعد أن اصبحت اللعبة اليوم مكشوفة؛ فإن كلا من الوفاق والنظام يعيان بأن أي توافق هو رهْن بالتطورات الإقليمية والدولية. ولم يعد التوافق خيارا بحرانيا خالصا، بل يخضع للتجاذبات الإقليمية والدولية سواء على صعيد المعارضة أو النظام.
ولذلك، فإن مساحة تحرك كلا الطرفين، أي الجمعيات المعارضة والنظام، تبدو محدودة، وستظل الأزمة البحرانية تراوح في مكانها بانتظار جلاء الغبرة في ساحات الصراع الإقليمية الأخرى. وفي حال الوصول الى حلول وسط تحظى بمباركة إقليمية ودولية؛ فمن الممكن أن يصدر حاكم البلاد، حمد الخليفة، مرسوما بحل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات نيابية جديدة تشارك فيها الجمعيات السياسية المعارضة، وبغير ذلك.. فإن هذا المجلس الذي ستنبثق عنه الإنتخابات؛ سيظل هامشيا مثل سابقه، لا لون له ولا طعم ولا رائحة.
رایکم