۱۱۴۸مشاهدات
رمز الخبر: ۱۹۶۲۲
تأريخ النشر: 09 June 2014
شبكة تابناك الاخبارية: هذا المقال للكاتب المصري الكبير الأستاذ فهمي هويدي و يتحدث فيه عن موقف أمريكا من ثورة 30 يونيو و اعتبارها ما حدث انقلابا عسكريا و عن تهنئة أمريكا للسيسي بعد انتخابه رئيسا لمصر.

الإعلام المصري صور ما حدث في 30 يونيو بأن أمريكا تقف مع الإخوان و صور ما يحدث الآن بأن أمريكا باعت الإخوان و بايعت السيسي.

الا أن الكاتب لايؤيد كلا النظرتين بل يرى أن أمريكا انتقدت موقف عزل الرئيس محمد مرسي كونه رئيسا منتخبا و الآن أيدت السيسي كونه رئيسا منتخبا . اذن أمريكا تتعامل بالقانون بينما الإعلام المصري اذا تماشى الموقف القانوني معه أيده و اذا خالفه شجبه و الآن اليكم نص المقال.  

كتب-أوباما باع الإخوان بعد انتخاب السيسي رئيسا لمصر. هذه هي الرسالة التي يتلقاها القارئ من العنوان الذي نشرته صحيفة «الشروق» على صدر صفحتها الأولى يوم 5/6، وكان كالتالي: أوباما يطوي صفحة الإخوان ويمد يده للسيسي.

وقد استقى المحرر العنوان من البيان الذي أصدره البيت الأبيض في اليوم السابق، وذكر أن واشنطن تتطلع للعمل مع السيسي لتعزيز الشراكة الإستراتيجية والمصالح العديدة بين البلدين.      

إعلان البيت الأبيض يعكس موقفا مغايرا لما عبرت عنه وسائل الإعلام المصرية طوال الأشهر العشرة الماضية، من الترويج لفكرة انحياز الإدارة الأمريكية للإخوان، بل والتلميح بين الحين والآخر إلى اشتراك المخابرات المركزية الأمريكية في التواطؤ مع دول أخرى لزعزعة الاستقرار في مصر وإعادة الدكتور مرسي إلى السلطة، وقد ذهب البعض إلى أبعد في تلك التلميحات إلى الحد الذي دعا أحدهم إلى القول بأن المخابرات الأمريكية ليست بعيدة عن محاولة اغتيال السيسي، بل قيل إن شقيق أوباما على علاقة بالتنظيم الدولي للإخوان.

بيان البيت الأبيض الأخير يشكك في صحة المعلومات التي جرى تسويقها طوال الأشهر العشرة الماضية بشأن حقيقة موقف واشنطن. وأغلب الظن أن تلك الخلفية كانت حاضرة لدى محرر «الشروق» الذي ذكر في تقديمه لبيان البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي طوى صفحة موقفه من جماعة الإخوان بصورة «مؤقتة»، بما يعني أنه قابل للعودة إلى «أصله» في وقت لاحق.

وهو ما اعتبرته نوعا من التبسيط الذي يشكل إحدى سمات الأداء الإعلامي المصري باختلاف منابره، وهو الذي لا يحتمل الخلاف ولا يقبل به، ويبدي استعدادا متسرعا لتحويل الخلاف إلى خصومة، وتطوير الخصومة بحيث تتحول في الخطاب الإعلامي إلى مكايدة ومؤامرة، الأمر الذي يفتعل معركة وهمية من لا شيء.

ليست لدي ثقة في السياسة الأمريكية التي تحكمها عوامل داخلية معقدة. وما أفهمه أن الإدارة الأمريكية كان لديها تقييم مخالف لما حدث يوم 3 يوليو، حيث اعتبرت ما جرى انقلابا على سلطة منتخبة.

وبمقتضى القوانين الأمريكية فإن ذلك يفرض قيودا على السلطة تحول دون تعاونها مع الوضع المستجد، ومن ثم فإن موقفها آنذاك كان التزاما بالقانون بأكثر منه انحيازا للإخوان.

ثم حين انتخب المشير السيسي رئيسا، فإنها اعتبرت أنه جاء بالانتخاب، الأمر الذي رفع عنها الحرج وجعلها تتحلل من الالتزام القانوني، الأمر الذي فتح الباب لإعادة التعاون بين البلدين إلى وضعه الطبيعي. هذه القراءة تسوغ لنا أن نقول إن الموقف الأمريكي لم يطرأ عليه تحول أو تغيير، فهو لم يطو صفحة ولم يبدأ صفحة جديدة، ولكنه ظل ملتزما بالقانون في الحالتين، ولكننا نحن الذين استقبحناه حين اختلف معنا ثم امتدحناه حين أيدنا.     

لدينا أساطير عدة من ذلك القبيل صنفت المخالفين في خانة الأعداء، وما يصدر في مصر عن الإعلام البريطاني نموذج آخر. ومازلت أحتفظ بقصاصة لإحدى الصحف المصرية التي صدرت في أول أبريل الماضي، حين بثت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بعض الأخبار المحجوبة في مصر، المتعلقة بضحايا المظاهرات.

فما كان من الصحيفة المذكورة إلا أن نشرت تعليقا قالت فيه إن ذلك من أصداء عداء الإذاعة البريطانية التاريخي لمصر منذ حرب السويس عام 56، واعتبرت أنها «ضحت بكل القيم والأعراف والتقاليد والأخلاق المهنية واستعادت ذلك العداء المكنون، وكشفت عن وجهها القبيح بالانحياز إلى الإخوان»... إلخ.      

من المفارقات التي ترد في هذا السياق أن إعلامنا روج حينا من الدهر لأسطورة الدعم الخليجي للجماعات الإسلامية والسلفيين في مصر، ولعلنا نذكر كيف أن صحفنا أبرزت أكثر من مرة صورة العلم السعودي الذي رفعه أحدهم في واحدة من المظاهرات. واحتل الخبر ومعه الصورة مكانة على الصفحات الأولى، محملا بالإيحاءات التي توصل الرسالة. ولكن التجربة أثبتت أن السعودية بالذات ومعها الإمارات تقفان على طول الخط في الموقف المعاكس لتلك الجماعات، الداعي إلى إقصائها وشطبها من الحياة السياسية وليس مساندتها أو تمكينها.

ليس ذلك فحسب، وإنما ما نشاهده الآن يدل على أن الدولتين تساندان، بقوة، المعسكر الذي يقف فيه أغلب رموز العلمانيين والليبراليين واليساريين وما يسمى بالقوى المدنية.     

لا تقف الأساطير عند ذلك الحد، لأن لغة الخطاب في الداخل مسكونة بالعديد من المفارقات الأخرى، إذ حين صوتت الأغلبية لصالح النظام السابق فإن ذلك كان يفسر أنه استسلام للإغراء والرشاوى وعبوات الزيت والسكر التي اشترت الأصوات، وحين تقاعس كثيرون عن التصويت في اليوم الأول للانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن الشعب المصري وصف بالجهل والتخلف ونكران الجميل، أما حين استجاب لنداء التفويض وخرج البعض يرددون الأناشيد ويعبرون عن انفعالهم بالرقص، وتم كل ذلك دون توزيع قناني الزيت أو عبوات السكر، فإنه صار شعبا عظيما وأصيلا قادرا على صنع المعجزات وإبهار العالم وصناعة التاريخ.     

إنها ليست فقط مشكلة إعلام يطوع الأخبار لتصبح في خدمة السياسة، لأن المشكلة الحقيقية تتمثل في أزمة الديمقراطية التي غيبت ثقافة الاختلاف وأهدرت الرأي الآخر حتى ناصبته العداء. لكن هناك وجها آخر للمشكلة يثيره السؤال التالي: إذا كانت المصادفة قد كشفت لنا عن حقيقة بعض الأساطير السياسية الرائجة، فكيف يتسنى للمجتمع أن يقوم بعملية الفرز بين ما هو أسطورة متخيلة أو موهومة وبين ما هو حقيقة صافية لم تخضع للابتسار أو التزوير؟

النهاية
رایکم