
شبکة تابناک الأخبارية: كثرت الدعوات الإسرائيلية، في الفترة الأخيرة، وتحديدا على لسان وزير الحرب ايهود باراك ومعه الاستخبارات العسكرية، "امان"، إلى تطبيق النموذج اليمني في الساحة السورية، الأمر الذي يدفع إلى التوقف حول المعاني التي ينطوي عليها، والخلفيات التي تقف وراءه.
تبلور شعار النموذج اليمني في أعقاب تخلي الرئيس اليمني على عبد الله صالح، عن منصبه الرئاسي من ضمن صفقة اميركية ـ سعودية يتم من خلالها المحافظة على مؤسسات النظام السياسية والأمنية والعسكرية.. رغم أن خيار تنحي رئيس الجمهورية تم تطبيقه في الساحتين المصرية والتونسية..
وعليه، بات تطبيق النموذج اليمني في الساحة السورية، كما يلح على ذلك المسؤولون الإسرائيليون، يعني فيما يعنيه الدعوة إلى تنحي الرئيس بشار الأسد، مع الإبقاء على مؤسسات النظام على أن يتم إحداث تغييرات داخلها في مرحلة لاحقة، وفق معايير وبالاتجاه الذي يتطلبه الانتماء إلى المعسكر الغربي القائم في المنطقة، لجهة أولويات الصراع وتحديد بوصلة العداء، والتحالفات الإستراتيجية..
لاشك أن هذا السيناريو، تنحي الرئيس الأسد، كان حاضراً منذ اللحظات الأولى لكنه بات أكثر إلحاحا، بعدما فشلت كل محاولات إسقاط النظام، سواء عبر الضغط الاقتصادي.. أو محاولات دفع الجيش إلى الانقلاب على ولائه.. أو محاولات توسيع دائرة التحريض الشعبي..
كما ان خيار التدخل العسكري المباشر الخارجي، كما حصل في ليبيا، امر دونه الكثير من العقبات الدولية والاقليمية فضلا عن السورية (في ظل تماسك الجيش والتفاف قطاعات شعبية واسعة حول النظام)..
في ضوء ذلك، لم يعد أمام المعسكر الغربي، إلا التسليم بالأمر الواقع أو الدفع باتجاه الحرب الأهلية وتفتيت سوريا ومنعها من الاستقرار..
لكن الدوافع الإستراتيجية التي تعززت بفعل التطورات الإقليمية الأخيرة، الانسحاب الأميركي من العراق مع نظام حليف لإيران، وسقوط نظام حسني مبارك.. جعلت إسقاط نظام الأسد أولوية قصوى بالنسبة لـ"إسرائيل"، وعليه بات من المستبعد أن تسلّم القوى المعادية بفشلها، الأمر الذي وضع الجميع (المعسكر الغربي ومن ضمنه إسرائيل) حكماً أمام خيار مواصلة محاولات تدمير المؤسسات والنظام العام في سوريا. رغم أن هذا الخيار الأخير محفوف بالعديد من السلبيات والمخاطر المتفاوتة الدرجة، لجهة انه قد ينعكس سلبا على الوضع الأمني الإقليمي، لاحقا، ومن ضمنها "إسرائيل"..
إلى ذلك، بما أن الهدف الحقيقي لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة، وأتباعها في المنطقة، هو سلخ سوريا عن تحالفاتها الإقليمية والإستراتيجية، وضمها إلى المعسكر الغربي وليس فقط إشغالها واستنزافها.. وفي ضوء المخاوف من تنامي التيارات الإرهابية التي قد يصبح من الصعوبة ضبطها وتوجيه حركتها كما يتم الآن، إلى جانب المخاوف من أن تؤدي الضغوط المبذولة لإسقاط الرئيس الأسد، إلى نتائج غير محسوبة لجهة ما بعد الأسد.. أو ما سيرافقها من تداعيات..
كل ذلك، دفع الأطراف الغربية عامة وإسرائيل خاصة.. إلى البحث عن سبيل يحقق الفوائد الاستراتيجية من إسقاط الأسد ويحول أو يحتوي ـ في الوقت نفسه ـ ما يمكن أن يترتب على انهيار مؤسسات النظام.. وبالطبع الطريقة الوحيدة لذلك، تتمثل بإجبار الرئيس الأسد على التنحي والإبقاء على مؤسسات النظام العسكرية والاستخبارية.. وهو ما يعُبَّر عنه بالنموذج اليمني..
لكن المشكلة بالنسبة للمعسكر الغربي والإسرائيلي، أنه بعد فشل كل محاولات الضغط على الرئيس الأسد، حتى الآن، باتت سوريا تتجه نحو أن تكون "دولة فاشلة"، بمعنى أن يبقى النظام حاكما فيها، لكنه في الوقت نفسه لا يبسط سلطته وسيطرته على كافة أراضي الدولة.. مع ما يعني ذلك من إمكانية تحوّل سوريا إلى بؤرة توتر إقليمية دائمة في المنطقة، والى قاعدة انطلاق للكثير من الحركات "الجهادية السلفية" المتطرفة.. وهو تخوف عبَّر عنه بعض القادة العسكريين الإسرائيليين..
في الختام تبقى كلمة لا بد منها حول ما نشرته صحيفة معاريف عن أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وأجهزة أمنية أخرى، عادت وتبنت تقدير وموقف مركز الدراسات السياسية في وزارة الخارجية، الذي يعتبر أحد أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، بأن الرئيس السوري قد يبقى في الحكم لسنوات وأن سقوطه لن يكون سريعاً.. للقول بأن ما جرى من تعدد التقديرات وتقلباتها السريعة ـ فيما يتعلق بمستقبل النظام السوري ـ يؤكد، فيما يؤكد، أن هذا الفشل لم يكن استثنائيا في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية.. رغم أن القضية تتعلق بساحة أساسية هي موضع متابعة دائما من قبلها، وهي الساحة السورية. وخاصة أن باراك لم يكن الوحيد بين القيادة الإسرائيلية (بحسب معاريف) التي تبنت تقدير سقوط الأسد خلال أسابيع، بل إن تقديرات أجراها مجلس الأمن القومي التابع لمكتب رئيس الوزراء أفادت أيضاً بأن غياب الأسد عن الحلبة هو مسألة أيام أو أسابيع، وأن ذلك أتى على خلفية نجاح الثورتين في تونس ومصر بالإطاحة بالرئيسين السابقين بن علي، وحسني مبارك.