۵۴۶مشاهدات

هنری کیسنجر : التدخل العسکری فی سوریا یهدّد النظام العالمی

هل ستکون المبررات الجدیدة کافیة لحل المعضلات التی برزت فی التدخلین السابقین، والتی نتج عنها انقسام أمیرکا على نفسها بین مؤید ومعارض للتدخلات العسکریة فی العراق وأفغانستان ؟ ثم یسأل "من الذی سیحل محل السلطة القدیمة بعد الإطاحة بها ؟ وما الذی نعرفه عن السلطة الجدیدة ؟
رمز الخبر: ۸۴۲۱
تأريخ النشر: 06 June 2012
شبکة تابناک الأخبارية: حذر وزیر الخارجیة الأمریکی الأسبق هنری کیسنجر من خطورة التدخل العسکری فی سوریا لأنه یخلّ بالنظام العالمی ، قائلاً إن للولایات المتحدة مصلحة ستراتیجیة للتدخل فی دولة ساعدت إیران بشکل ستراتیجی فی منطقة بلاد الشام والبحر الأبیض المتوسط ، و دعمت "حماس" ، الحرکة التی لا تعترف بدولة «إسرائیل» ، و "حزب الله" .

و أوضح کیسنجر، فی مقاله المنشور فی صحیفة "واشنطن بوست" الأمریکیة ، أن المفهوم الحدیث للنظام العالمی یعود إلى "معاهدة وستفالیا" فی العام ١٦٤٨، التی أنهت ثلاثة عقود من الحرب. فی تلک الحقبة من الصراع، کان الأعداء یرسلون جیوشهم عبر الحدود لفرض المفاهیم الدینیة المختلفة عنوة، وفی تلک النسخة من مشروع "تغییر النظام"، قُتل أکثر من ثلث سکان أوروبا الوسطى. لتفادی مذابح مماثلة، حسب کیسنجر، أرست معاهدة السلام مفهوم الدولة الحدیثة المستقلة ذات السیادة، وهو مفهوم یقوم على عنصرین هما السیادة على أرض الوطن وغیاب أی دور خارجی فی شؤون البلاد الداخلیة .

و فیما أشار کیسنجر إلى أن نظام "وستفالیا" قد انتشر بواسطة الدبلوماسیة الأوروبیة حول العالم، أکد أن أسس وقیم المعاهدة لم تطبق أبدا بشکل کامل فی منطقة الشرق الأوسط. وحدها الدول الثلاث الکبرى: ترکیا ومصر وإیران لدیها تاریخ، بینما تم التلاعب بحدود الکثیر من الدول العربیة فی المعاهدات التی فرضتها القوى الأوروبیة المنتصرة فی الحرب العالمیة الأولى، ولم تعط تلک القوى الاهتمام الکافی للتنوع العرقی والمذهبی عندما رسمت حدود دول المشرق العربی . وقد تعرضت تلک الحدود، الجدیدة نسبیا، بالنتیجة إلى تحدیات متعددة أغلبها عسکری الطابع .

و رأى کیسنجر أن الدبلوماسیة التی أفرزتها ثورات الربیع العربی أزاحت مبادئ "وستفالیا"، حیث أن القضیة بین السلطة والمعارضین باتت قضیة حیاة أو موت، وعندما تفشل المفاوضات بین الطرفین ویکونان فی المستوى ذاته من القوة والقدرة على الصمود، تتم الاستعانة بالتدخل الخارجی لکسر الجمود . و هنا ، یشیر کیسنجر إلى أن هذا النوع من التدخل یمیّز نفسه عن السیاسة الخارجیة التقلیدیة، إذ یبرّر حصوله بأنه إزالة الظروف التی تعتبر انتهاکا للمبادئ العالمیة لکیفیة إدارة الحکم . و لکن کیسنجر یتساءل "إن تمّ تبنی هذا الشکل من التدخل کرکیزة من رکائز السیاسة الخارجیة، فإن ذلک یطرح الأسئلة على نطاق أوسع حول الستراتیجیة الأمریکیة .

هل تعتبر أمریکا نفسها ملزمة بدعم أی انتفاضة شعبیة ضد أی نظام غیر دیموقراطی، حتى لو کان ذلک النظام حجر أساس فی استقرار النظام العالمی بشکل عام؟" . ثم یسأل کیسنجر عما إذا کانت "السعودیة حلیفا لأمریکا حتى تقوم فیها انتفاضة فیکون أمر آخر؟ هل نحن مستعدون لإعطاء کامل الحق للدول الأخرى فی التدخل فی أی مکان نیابة عن أخ فی الدین أو الدم؟" . فی المقابل ، لم تختف الضرورات الستراتیجیة التقلیدیة للتدخل، وعلیه إن تغییر النظام یولد ضرورة حتمیة لبناء الدولة، وفی حال تعذر ذلک یصبح النظام العالمی بأکمله مهدداً . علاوة على ذلک، إن الفراغ فی السلطة یفجر الفوضى ویقتل سیادة القانون، کما حدث فی الیمن والصومال وشمالی مالی ولیبیا، وربما سوریا فی الأیام المقبلة .

و یکمن السبب فی أن انهیار الدولة یمکن أن یحولها إلى مرتع للإرهاب وقناة لتهریب الأسلحة للقتال ضد الدول المجاورة . و فی ما یتعلّق بالدعوات المتزایدة للتدخل الإنسانی والستراتیجی فی الأزمة السوریة، یشرح کیسنجر قائلاً إن للولایات المتحدة مصلحة ستراتیجیة للتدخل فی دولة ساعدت إیران بشکل إستراتیجی فی منطقة بلاد الشام والبحر الأبیض المتوسط ، و دعمت "حماس"، الحرکة التی لا تعترف بدولة «إسرائیل» ، و"حزب الله" الذی یقف حجر عثرة فی وجه وحدة لبنان.

ولکن من جهة أخرى، هل کل مصلحة ستراتیجیة تصلح لأن تکون سببا کافیا للذهاب إلى الحرب ، عندما لا یبقى أی فرصة للدبلوماسیة ؟ و یسوق الکاتب مزیداً من الشکوک حول احتمالات وفرص التدخل الأمریکی فی سوریا، ملمحاً إلى أن بلاده سحبت قواتها من العراق المجاور لسوریا، وبصدد سحبها من أفغانستان أیضا، فکیف سیتم تبریر تدخل آخر یحمل التحدیات ذاتها التی برزت فی البلدین المذکورین ؟

هل ستکون المبررات الجدیدة کافیة لحل المعضلات التی برزت فی التدخلین السابقین، والتی نتج عنها انقسام أمیرکا على نفسها بین مؤید ومعارض للتدخلات العسکریة فی العراق وأفغانستان ؟ ثم یسأل "من الذی سیحل محل السلطة القدیمة بعد الإطاحة بها ؟ وما الذی نعرفه عن السلطة الجدیدة ؟

وهل سیکون الوضع الجدید کفیلا بإنهاء الأزمة الإنسانیة التی تدخلنا عسکریا من أجل إنهائها ؟ أم أننا نرید تکرار تجربة طالبان الأفغانیة التی سلحتها أمریکا لمحاربة الاتحاد السوفیاتی الغازی، وشکلت بعدها تحدیا أمنیا لها ؟ و یتناول کیسنجر الفارق بین التدخل الإنسانی والتدخل الستراتیجی، حیث یشترط النظام العالمی وجود إجماع لإقرار التدخل الإنسانی، وهو الأمر الذی یصعب إنجازه .

و یخلص إلى تحدید شرطین أساسیین للتدخل أیا کان نوعه: الأول هو الإجماع على شکل الحکم بعد الإطاحة بالنظام، فإن کان الهدف تعیین حاکم معین فإن الأمر یهدد بأخذ البلاد إلى حرب أهلیة، أما الشرط الثانی فلا بدّ أن یکون الهدف السیاسی واضحا ویمکن تحقیقه خلال فترة زمنیة محددة . و یختم قائلاً "أنا أشک فی أن هذین الشرطین یتحققان فی الموضوع السوری . لا یمکننا أن ننجرّ من وسیلة إلى أخرى فی ظلّ الصراع الطائفی المتزاید، وفی ردّ فعلنا على کارثة إنسانیة تحصل، یجب أن نحرص کی لا نکون السبب فی حصول کارثة أخرى" .
رایکم