
شبکة تابناک الأخبارية: کتب إدوارد هالي في کريستيان ساينس مونيتور، بينما تتصاعد التوترات بشأن إيران المتحدية وبرنامجها النووي، يحتدم الجدل في واشنطن حول جدوى توجيه ضربات عسکرية استباقية إليها. وکانت "إسرائيل" قد حذرت المسئولين الأمريکيين الذين لديهم مخاوف بشأن خوض حرب ضد إيران بما مفاده: لتنتحوا جانبًا ودعونا نحن نفعل ذلک.
في الوقت نفسه، واصلت الولايات المتحدة مساعيها من أجل فرض عقوبات دبلوماسية وسياسية قاسية ضد طهران، فيما أصرت على أن "جميع الخيارات" للتصدي لوجود إيران مسلحة نوويًّا لازالت مطروحة على الطاولة.
ويقدم لنا هنا البروفيسور "إدوارد هالي" - أستاذ الدراسات الإستراتيجية الدولية بکلية "کليرمونت ماکينا" الأمريکية - ثلاثة أسباب لضرورة تجنب مهاجمة منشآت إيران النووية:
1- التداعيات الاقتصادية ستکون ضخمة
إن التداعيات الاقتصادية السلبية - بالنسبة لکلٍ من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي - ضخمة وجسيمة، فتوجيه الهجمات ضد إيران والرد الانتقامي الإيراني عليها من شأنه على الأرجح أن يتسبب في ارتفاع مهول في أسعار النفط وانهيار ثقة المستثمرين، ومثل هذه النتائج قد تقضي على التطلعات الدولية لمساعي التعافي الحالية من الأزمة الاقتصادية العالمية الکبرى، فلا تزال معدلات البطالة في الولايات المتحدة مرتفعة والإنتاج الصناعي يصارع فيما تتواصل معاناة سوق العقارات.
وإذا کان التعافي هشًّا في الولايات المتحدة فإنه بالأحرى في خطر أکبر في أوروبا، فلا تزال أزمة اليورو بلا حل، کما لم يتم القيام بما فيه الکفاية للتغلب على المشکلات التي أعقبت انهيار الثقة في الأسواق المالية، ولا تزال مئات المليارات من الديون المعدومة غير مدفوعة، وعلى الرغم من قبول الحکومة اليونانية للشروط القاسية الأخيرة للبقاء في عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن الرفض شبه الدولي لتدابير التقشف من جانب الشعب اليوناني تکاد لا تضمن الالتزام بالاتفاقيات.
2- الهجوم من شأنه أن يستقطب الشعب الإيراني للالتفاف حول النظام
إن القيام بهجوم من شأنه أن يدفن المعارضة الإيرانية في رکام الحماس الوطني الإيراني، فالهجمات لن تؤخر فقط تطوير السلاح النووي في إيران ولکنها کذلک ستوحد الشعب الإيراني حول نظام تزداد کراهيته يومًا بعد يوم، وقد صورت طهران معارضة النظام على أنها أمرًا مساويًا للتخلي عن إيران لصالح الغزاة الأجانب.
وينبغي على کلٍّ من الولايات المتحدة و"إسرائيل" وحلفائهما السعي من أجل تحفيز شعور مغاير في أوساط الشعب الإيراني؛ وذلک من خلال تدابير من شأنها تفرقة الشعب عن النظام، وهو ما تعد به العزلة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والتي بدأت أخيرًا في التأثير.
وتضررت بشدة علاقات إيران الاقتصادية مع العالم الخارجي بفعل العقوبات التي تتزعمها الولايات المتحدة؛ بما في ذلک عدد من القطاعات الرئيسة مثل الخدمات المصرفية والتجارة والطاقة والتأمين والسلع، وعرقلت عمليات الحظر الأمريکية - الأوروبية المشترکة تمويل إيران للصادرات والواردات ذات الحجم الکبير، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار صادرات النفط الإيرانية، فقد انهارت بحدة قيمة العملة الإيرانية الريال.
وتشهد الأسعار ارتفاعًا، کما أن حتى أکثر السلع الأساسية تختفي من المتاجر؛ وهو ما يرجع في جزء منه إلى مشکلات الاستيراد وفي جزء آخر إلى لجوء المواطنين وأصحاب الأعمال الإيرانيين إلى التخزين کوسيلة لتفادي آثار التضخم وانخفاض قيمة الريال، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاضطرابات.
ولا يمکن للإيرانيين سواء في داخل الحکومة أو خارجها تجنب التساؤل بشأن ما إذا کانت العزلة والعقوبة المفروضة على إيران کنتيجة لسياسات النظام فيما يتعلق بالشأن النووي تستحق الثمن المتصاعد الذي يتعين عليهم احتماله أم لا.
3- الرادع النووي يجعل الضربة الاستباقية غير ضرورية
إن الرادع النووي يجعل من غير الضروري شن هجوم بهدف منع إيران من إشعال حرب نووية، والدلائل على هذا کثيرة إلا أنها نادرًا ما يعترف بها بينما تتصاعد الأزمة بشأن الأسلحة الإيرانية.
فأثناء الحرب الباردة، بينما کانت الولايات المتحدة تواجه معارضة من جانب کلٍّ من روسيا والصين - وکلاهما أنظمة مسلحة نوويًّا امتلکتا عشرات الآلاف من الصواريخ النووية - وکانتا تمامًا کمثل النظام الحالي في طهران تعتزمان سحق الديموقراطية والحرية الاقتصادية، إلا أن ما قيدهما آنذاک کما سوف يقيد إيران النووية في الوقت الراهن هو الرادع النووي الهائل لدى الولايات المتحدة.
وأضف إلى آلاف الرؤوس النووية الأمريکية مئات الرؤوس الأخرى التي في حوزة "إسرائيل" المجاورة لإيران، حيث إن أي هجوم نووي قد تتعرض له القوات "الإسرائيلية" أو الأمريکية في أي منطقة بالعالم من شأنه أن يحکم على إيران بدمار کارثي لا يقبل الإصلاح، وبالطبع قد يجادل البعض في أن ما يجعل النظام الإيراني أکثر خطورة من روسيا والصين في حقبة الحرب الباردة هو تطرفها الديني المعروف؛ والذي يعظم من العمليات الاستشهادية.
ويخلط هذا النهج من التفکير بين تضحية المؤمنين والسذج وبين الوسائل الحذرة التي يلجأ إليها حکام إيران لتجنب المخاطر التي تهدد بقاءهم وبقاء النظام.
ومن ثم فعمليات الدمار لا تصب في صالحهم، کما أن تجنب حدوثها ليس عملية حسابية معقدة، ولا تعني البديهية واليقين في القدرة على الدمار أن وجود قدرات نووية إيرانية لن يکون غير ذي أهمية، ولکن يعني أنه لن يکون في المقدور استخدامها.
إن أفضل الحجج التي يسوقها أولئک الذين يحثون على وجوب ردع إيران عن امتلاک سلاح نووي بأي ثمن ليست هي إمکانية أن يشعل المرشد الإيراني الأعلى "علي خامنئي" والرئيس "محمود أحمدي نجاد" فتيل حرب نووية؛ بل هي أنه في أعقاب امتلاک إيران للأسلحة النووية قد يقع زعماء إيران من السياسيين والعسکريين في حسابات خاطئة بشأن المدى الذي يمکنهم فيه ممارسة الضغط على خصومهم اعتمادًا على قدراتهم الجديدة، إلا أن ذلک ليس حجة بدرجة کبيرة لتبرير ضربة استباقية بقدر ما هو دليل على الحاجة إلى حوار إستراتيجي وضبط نفس على مستوى کافة الأطراف.
أما في هذه المرحلة فإنه من غير الواضح ما إذا کان من الممکن منع تنفيذ هجوم "إسرائيلي" على المنشآت النووية الإيرانية أم لا، وإذا کان هذا ممکنًا، فإنه لن يتحقق إلا إذا قام زعماء وشعوب المنطقة والولايات المتحدة بتقييم هادئ وعقلاني ليس فقط للتکلفة الاقتصادية والدبلوماسية والإنسانية الضخمة المترتبة على مثل ذلک الهجوم بل کذلک لنقاط لقوة التي ستترتب على رفضه.
* الکاتب والمحلل السياسي البروفيسور "إدوارد هالي"، أستاذ الدراسات الإستراتيجية الدولية بکلية "کليرمونت ماکينا" الأمريکية.