۵۱مشاهدات
تقرير؛

بعد عامين من طوفان الأقصى؛ ما هي الإنجازات؟ تحليل من خبراء إقليميين

قدّم خبراء في الشؤون الإقليمية وجهات نظرهم حول عملية "طوفان الأقصى" حيث يجمعهم راي واحد وهو:لقد أحدث طوفان الأقصى موجة من الوعي والتضامن العالميين.
رمز الخبر: ۷۱۹۷۲
تأريخ النشر: 08 October 2025

بعد عامين من طوفان الأقصى؛ ما هي الإنجازات؟ تحليل من خبراء إقليميين

 لقد رسم الكيان الصهيوني لنفسه صورة التفوق العسكري والاستخباراتي والسيطرة المطلقة على مدى عقود. حطمت عملية طوفان الأقصى هذه الصورة في صباح واحد فقط. حطمت قوة العدو بشكل لا رجعة فيه، وأذلّت الكيان الصهيوني أمام العالم. كشفت هذه العملية ما كان مخفيًا؛ تدمير المستشفيات والمدارس والمساجد؛ مجازر الأطفال والنساء، ونفاق من يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان. كل هذه الجرائم انكشفت للعالم. لقد وجّهت قدرة المقاومة على التسلل إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والاستيلاء على القواعد العسكرية، وأسر القوات الإسرائيلية، ضربةً نفسيةً واستراتيجيةً للمحتلين لم يشهدوا مثلها منذ عام ١٩٤٨. وفي الذكرى الثانية لعملية طوفان الأقصى، تحدث سلام عادل وكيان الأسدي، المحللين السياسيين العراقيين، ومحمد مشيك، الخبير اللبناني في القانون الدولي، وزينب أصغريان، الخبيرة البارزة في شؤون الشرق الأوسط في إيران:

طوفان الأقصى: ميلاد جديد للسلطة والوعي السياسي

قال سلام عادل: "لم تكن عملية "طوفان الأقصى" مجرد حدث عسكري، بل كانت لحظة تمزق في المنظومة الإعلامية والهيمنة السياسية التي عززتها تل أبيب منذ عقود. ما حدث في السابع من أكتوبر أعاد فلسطين إلى مركز الضمير الإنساني، وكشف زيف صورة الضحية التي روج لها المحتلون. منذ تلك اللحظة، بدأت جبهة من الرأي العام العالمي بالظهور، رافضة لجرائم المحتلين، ومعارضة لسياسات التمييز والإبادة الجماعية.

وأضاف: "كشفت ردود الفعل الغربية على مجزرة غزة عن الفجوة العميقة بين الخطاب الغربي حول حقوق الإنسان وسلوكه الفعلي في دعم الاحتلال. كما سرّعت من تناقض وانهيار النظام الأحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة".

ووفقًا لسلام عادل، يتجه العالم نحو نظام متعدد المعايير والقيم، تقوده شعوب الجنوب العالمي، التي ترفض المعايير المزدوجة الغربية، و... إعادة تعريف العدالة من منظور إنساني شامل، لا بمعايير القوة والمال والسلاح.

وأضاف المحلل السياسي العراقي: أصبح محور المقاومة أكثر تنسيقًا وتماسكًا بعد طوفان الأقصى، لأن فكرة "وحدة الميادين" تحولت من شعار سياسي إلى واقع عملي موحد، مما وضع الكيان الصهيوني في حالة تآكل مستمر. المقاومة اليوم تُدير الصراع بعقلانية، واستراتيجية طويلة المدى، وحققت ردعًا متبادلًا غير متكافئ يحد من قدرة الكيان الصهيوني على بدء أو فرض زمن الحرب والسلم. لم تعد المقاومة مجرد بندقية، بل منظومة وعي وإدارة وتوازن تُحقق معادلة الألم بالألم والردع بالعدوان.

وأكد عادل: بعد 7 أكتوبر، فقدت إسرائيل تفوقها النفسي أمام تفوقها العسكري؛ وانهارت صورة الجيش الذي لا يُقهر، وأثبتت منظومات الدفاع التي كانت تل أبيب تتباهى بها محدوديتها أمام إبداع المقاومة. لقد أسرت معادلة الردع الجديدة للمقاومة المحتلين خوفًا ورعبًا، إذ لم يعد "الوقت" في صالحهم، ونجحت المقاومة في جرّ المعركة إلى عمق إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا ونفسيًا.

صرح الكاتب العراقي: الآن، وبعد طوفان الأقصى، يعيش المجتمع الإسرائيلي أعمق انقساماته منذ تأسيس الدولة، وتتزايد موجة الغضب والاتهامات المتبادلة بين النخبة والجيش والحكومة. دخلت حكومة نتنياهو مرحلة تراجع سياسي، وهي في أزمة شرعية داخلية وعزلة خارجية خانقة، تحكم بمنطق البقاء لا بمنطق البرنامج. إسرائيل اليوم أشبه بجسد يتأرجح تحت ضغط داخلي وخارجي متزايد التآكل، وقد فقد ثقة شعبه قبل أن يفقد قدرته على الردع.

واختتم سلام عادل حديثه قائلاً: طوفان الأقصى ليست حربًا عابرة، بل بداية للمقاومة وعهد جديد من الوعي الإنساني والسياسي في العالم. لقد أظهرت هذه الحرب أن الشعوب قادرة على كسر الهيمنة، وأصبحت فلسطين مرة أخرى معياراً للعدالة ومحركاً للتحول نحو عالم أكثر توازناً وعدالة.

طوفان الأقصى قد أشعل الاراضي المحتلة

قال كيان الأسدي: حوّل طوفان الأقصى الساحة الفلسطينية من قضية محلية إلى قضية عالمية. من خلالها، استعاد الشعب الفلسطيني مكانته الطبيعية في ضمير الإنسانية، وأكد أن حق تقرير المصير حق حصري وفريد للفلسطينيين، لا يُمنح ولا يُنتزع منهم بإملاءات دولية أو اتفاقيات مشبوهة. ولذلك، شهدنا مسيرات شعبية في شوارع عواصم العالم، تُعلي صوت الحرية والعدالة لفلسطين في وجه آلة القمع الصهيونية.

وأضاف: لم يكن طوفان الأقصى مجرد حدث ميداني فلسطيني، بل كانت زلزالًا سياسيًا واستراتيجيًا غيّر موازين الصراع في المنطقة، وكشف زيف الرواية الإسرائيلية، التي طالما جسدت زيف رواية الضحية، وفي الوقت نفسه ارتكبت أبشع صور القتل والتهجير والتدمير. كشفت هذه العملية هشاشة الصورة التي كانت تل أبيب تحاول إبرازها للعالم، وكشفت عن وجود قائم على الكذب والخداع وتشويه الوعي.

ووفقًا لكيان الأسدي، فمنذ طوفان الأقصى، تتزايد يومًا بعد يوم موجة الرفض الدولي لأفعال المحتلين، ليس فقط بين عامة الناس، بل أيضًا في الأوساط الرسمية والأكاديمية والإعلامية في الغرب. وُجّهت انتقادات غير مسبوقة للكيان الصهيوني، ووجدت النخب السياسية في أوروبا وأمريكا نفسها أمام ضغوط شعبية متزايدة لإعادة النظر في دعمها المطلق لـ"إسرائيل" وسياساتها العدوانية.

وتابع المحلل السياسي العراقي: لقد شكّل طوفان الأقصى نقطة تحول تاريخية، لأنها أعادت توحيد الموقف الميداني لقوى المقاومة في المنطقة، وفي الوقت نفسه، أحدثت تغييرًا أخلاقيًا وعالميًا في الوعي أعاد القضية الفلسطينية إلى مركزيتها في الضمير الإنساني، وجعلتها مجددًا محور صراع بين قوى الاستكبار والاستعمار من جهة، وقوى الحرية والعدالة من جهة أخرى.

وأضاف الأسدي: إن ردود الفعل العالمية، وخاصة الغربية، على جرائم الكيان الصهيوني في غزة كشفت عن أزمة أخلاقية وسياسية عميقة في بنية النظام العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية. فعندما يتواطأ الغرب، الذي لطالما صوّر نفسه "حاميًا للقيم الإنسانية"، مع النظام العالمي بارتكاب الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة، فإنه يفقد فعليًا الشرعية الأخلاقية والسياسية التي استند إليها في هيمنته لعقود، قائلاً: "إن أول انعكاس لذلك هو تآكل مصداقية النظام الغربي في أعين الشعوب. فالمجتمعات التي آمنت يومًا بشعارات "حقوق الإنسان" و"الحرية" تشهد الآن سحق هذه القيم في حالة فلسطين. وقد أدى ذلك إلى انهيار السرد الأخلاقي الغربي وظهور خطاب عالمي جديد يربط الاستعمار القديم بالممارسات المعاصرة لـ"إسرائيل". أما الانعكاس الثاني، كما قال، فهو تسارع انهيار النظام الأحادي القطب الذي تقوده واشنطن. وقد كشفت مواقف الغرب المنحازة عن عمق الفجوة بين دول الجنوب العالمي، التي تتبنى مواقف تضامن مع غزة، والمعسكر الغربي الذي يبرر الجرائم بحجة "الدفاع عن النفس". يتعزز هذا التفاوت بظهور قوى كالصين وروسيا وإيران، التي تُقدّم نفسها كبدائل أكثر توازناً وعدالة في العلاقات الدولية.

وأضاف كيان الأسدي: "الانعكاس الثالث هو أن جرائم الحرب في غزة ساهمت في تشكيل وعي عالمي جديد يرفض الاستبداد الغربي في تعريف الخير والشر، ويدعو إلى إعادة صياغة قواعد النظام الدولي القائم على العدل لا القوة. وقد ظهرت بوادر هذا التغيير في الأمم المتحدة، والمحاكم الدولية، وحركات المقاطعة، وحتى في الرأي العام الغربي نفسه، حيث بدأت الأجيال الشابة في أوروبا والولايات المتحدة ترفض سياسات حكوماتها تجاه إسرائيل".

وأضاف المحلل السياسي: "أصبحت غزة مرآةً واضحةً لتراجع الغرب وظهور عالم جديد متعدد الأقطاب؛ عالم لا يحكمه السلاح والمال فحسب، بل أيضاً الوعي والعدالة والمكانة الأخلاقية. ما نشهده اليوم ليس مجرد تضامن إنساني مع فلسطين، بل إرهاصات نظام عالمي جديد ينبثق على أنقاض الهيمنة والتواطؤ الغربيين". قال: "كان لعملية طوفان الأقصى أثرٌ بالغ في تعزيز تماسك محور المقاومة وإعادة رسم خارطة القوة في المنطقة". لم تكن هذه العملية مجرد مواجهة بين فصيل فلسطيني والمحتلين الصهاينة، بل كانت تجسيدًا عمليًا لوحدة الميدان والمصير بين أطراف محور المقاومة، من فلسطين إلى لبنان، ومن العراق إلى اليمن وإيران. أظهرت هذه العملية أن محور المقاومة لم يعد جبهةً مجزأة، بل منظومة استراتيجية متماسكة تتشارك المعلومات وتنسق المواقف وتتكامل أدوارها الميدانية والسياسية والإعلامية. وكان تفاعل جبهات جنوب لبنان والعراق واليمن مع هذا الحدث دليلًا على أن المحور يتمتع بقدرة استثنائية على إدارة الصراع كجبهة واحدة، ذات ساحات متعددة وأهداف موحدة. وأضاف الأسدي: "ساعدت طوفان الأقصى على رفع مستوى الثقة والردع داخل محور المقاومة، وأظهرت أن المقاومة الفلسطينية قادرة على إحداث صدمة استراتيجية في أعماق هذا الكيان". إن الدعم اللوجستي والسياسي الذي قدمته قوى محور المقاومة جعل إسرائيل تدرك أن أي مواجهة واسعة النطاق لن تقتصر على غزة، بل ستتحول إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات. عزز هذا الفهم مفهوم توازن الرعب بين النظام الصهيوني ومحور المقاومة.

بحسب كيان الأسدي، لم توحد انتفاضة الأقصى الساحة فحسب، بل وحدت الوعي والمصير، وأعادت رسم الحدود بين من يقفون في جبهة الحق والمقاومة ومن يصطفون في جبهة الاستسلام والتطبيع. بعد هذه العملية، دخل محور المقاومة مرحلة نضج استراتيجي، حيث أصبحت الفكرة واقعًا، والشعار فعلًا، وأصبحت المقاومة محورًا موحدًا بالإرادة والسلاح والرؤية.

واختتم حديثه قائلاً: لقد كسرت عملية حماس في 7 أكتوبر الصورة النمطية الدفاعية للمقاومة، وأوجدت مفهومًا جديدًا لدى الفصائل الفلسطينية وقوى المقاومة الأخرى؛ لم نعد مضطرين للوقوف وحيدين في موقف دفاعي، بل أصبحنا قادرين على أخذ زمام المبادرة، وخلق المفاجآت، وإلحاق خسائر فادحة بالعدو، تفوق بكثير ما سُجل في موقف دفاعي. هذا التغيير في العقيدة أزال الخوف التاريخي من منظومات القتال لدى الطرف المقابل، وأثبت عمليًا أن إرادة الفعل قادرة على تغيير المسار.

وأضاف: لقد عرّضت طوفان الأقصى جميع الأراضي المحتلة في مرمى النيران؛ فلم تعد هناك "منطقة آمنة" أو مدينة محصنة منيعة. ما حدث في تل أبيب أكد هشاشة أساطيل الدفاع والطبقات الأمنية التي كان الإسرائيليون يفتخرون بها، أساطيل انهارت أمام سيل الصواريخ والطائرات المسيرة والقدرات التكتيكية الجديدة. وهكذا، تحطمت أسطورة الحصانة الجغرافية، وأصبحت خريطة إسرائيل الأمنية مسرحًا مفتوحًا لمفاجآت لا تنتهي.

وعلى الصعيد النفسي والأخلاقي، ذكّر الطوفان الصهاينة بهوس الموت وعقدة الثمانينيات، وهو شعور بالتهديد الوجودي غيّر حالة القلق في المجتمع الإسرائيلي والجيش. هذا الوضع دفع العدو إلى الرد بعنف وديماغوجية لإخماد الخطر بالنار والحديد. إلا أن القتل والتهجير ليسا حلاً للأزمة؛ بل هما محاولة يائسة لفرض الأمر الواقع بالترهيب. وأضاف الأسدي: "لقد باءت جميع محاولات العدو لفرض "معادلة الحماية الأبدية" بالفشل. المقاومة لا تزال قائمة، ومعادلاتها الراسخة، من عصر الطفرة النفطية إلى ظهور الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ الدقيقة، ستظل تتحدى أمن إسرائيل ومشروعها التوسعي.

عملية طوفان الأقصى شوهت صورة "الجيش الذي لا يقهر".

وقال محمد مشيك: "رغم الإبادة الجماعية والمآسي التي طالت المدنيين في غزة، ورغم مواقف بعض الحكومات الرسمية التي ذهبت إلى حد إصدار قوانين... مع أن قانونًا جرّم انتقاد إسرائيل أو دعم المقاومة الفلسطينية، إلا أن انتفاضة الأقصى مهدت الطريق لتشكيل جبهة عالمية ضد سياسات تل أبيب الاحتلالية. إلا أن الشعوب الحرة لم تكتفِ بذلك، بل تحركت بضميرها الحي، وخرجت إلى الشوارع في مظاهرات ملايينية غير مسبوقة في عدد من عواصم العالم، معبرة عن رفضها للعدوان الإسرائيلي ودعمها للحقوق الفلسطينية. على سبيل المثال، شهدنا مئات الآلاف في لندن، في واحدة من أكبر المظاهرات في تاريخ العاصمة البريطانية. كما امتلأت شوارع نيويورك وباريس وبرلين ومدريد بحشود غفيرة تلوح بالأعلام الفلسطينية، وتهتف بشعارات الحرية والعدالة، وتتحدى القيود والقوانين الجائرة.

صرح خبير القانون الدولي قائلاً: أحدثت عملية طوفان الأقصى زلزالاً سياسياً وعسكرياً امتد إلى ما وراء قطاع غزة، وشكلت نقطة تحول رئيسية في بنية محور المقاومة في المنطقة. أظهرت هذه العملية أن المقاومة الفلسطينية، رغم الحصار والتضييق، تمتلك القدرة على التخطيط والتنفيذ على مستوى عملياتي بالغ التعقيد. هذا الأمر أعاد قوة هذا المحور وأهدافه، وعزز تماسكه في مواجهة تهديدات إسرائيل والغرب. قادت هذه العملية هذا المحور إلى حالة غير مسبوقة من التنسيق، بحيث برزت جبهات دعم من جنوب لبنان (حزب الله) إلى العراق واليمن وسوريا في إطار "وحدة الساحات"، التي لم تكن مجرد شعار إعلامي، بل أصبحت واقعاً ملموساً على الأرض، كشف عن إرهاق المؤسسة العسكرية الصهيونية وحيرة حساباتها في فتح جبهات متعددة ضد إسرائيل وتكثيف الهجمات في عمقها، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها عناصر هذا المحور. تشير تصريحات قادتها العديدة إلى جهلهم بالعملية، مما قد يُفسر حجم التضحيات التي قُدّمت. كما غيّرت العملية الوعي العام للشعوب العربية والإسلامية تجاه مفهوم المقاومة، وأحرجت الأنظمة التي كانت تُطبّع علاقاتها مع المحتلين، وعززت الخطاب السياسي للمقاومة الذي كان مُحاصرًا في بعض الدول.

وأضاف: "في الجنوب العالمي، كانت المواقف الشعبية أكثر جرأة، حيث اجتاحت المظاهرات الحاشدة دول أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا وماليزيا، داعيةً إلى مقاطعة إسرائيل ووقف المجازر. هذه الحركة الشعبية العالمية، وإن لم تنعكس بعد بشكل مباشر في مواقف جميع الحكومات، فقد خلقت جبهة ضمير عالمية بدأت تُشكك في الرواية الإسرائيلية الرسمية وتمثيل القضية الفلسطينية على أسسها الأخلاقية والإنسانية العادلة". وأكد خبير القانون الدولي اللبناني قائلاً: "لا يمكن الحديث عن تغيير جذري وحقيقي في النظام العالمي كنتيجة مباشرة لردود الفعل العالمية على جرائم المحتلين الصهاينة في غزة. ومع ذلك، فمن المؤكد أن ردود الفعل هذه قد خلقت فجوة واضحة في الخطاب الغربي التقليدي، الذي كان متحيزًا لإسرائيل، وفتحت الباب أمام مواقف سياسية غير مسبوقة قد تساعد في دعم القضية الفلسطينية في المستقبل".

لقد رأينا كيف اتخذت بعض الدول الغربية، في أعقاب المجازر المتكررة في غزة، خطوات رمزية ولكنها مهمة، تميزت باعترافها الرسمي بدولة فلسطين، مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج. اتُخذت هذه الخطوات ردًا على ما وصفته هذه الدول بـ"انتهاكات صارخة للقانون الدولي وجرائم ضد الإنسانية"، مما يشير إلى تغير في المناخ السياسي لبعض الحكومات الغربية التي كانت حتى وقت قريب تتبنى موقفًا أكثر حيادية أو دعمًا غير مشروط لإسرائيل. ووفقًا لميشيك، بدأت المحكمة الجنائية الدولية النظر في إمكانية إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين، وهو إجراء كان محظورًا سياسيًا قبل سنوات. إلا أن الضغط الشعبي والقاعدي الناجم عن مآسي غزة دفع المؤسسات الدولية إلى اتخاذ إجراءات، وإن كانت حذرة.

إذا استمرت هذه الدول في التمسك بمواقفها ورفضها للعدوان الإسرائيلي، فقد يُسهم ذلك في إعادة التوازن إلى الخطاب الدولي بشأن فلسطين ودعم الجهود السياسية والقانونية لتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال. في الواقع، يمكن القول إن هذه المواقف الغربية، على الرغم من محدوديتها، قد زعزعت الإجماع الغربي على دعم إسرائيل وأوجدت شروخًا قد تتسع لصالح القضية الفلسطينية مستقبلًا، خاصة إذا صاحبها دعم شعبي مستدام وضغط دولي متزايد.

وتابع ميشيك: "ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن العملية التي نُفذت في غزة أعطت إسرائيل مبررًا لاستهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية، مما أسفر عن خسائر بشرية ومادية فادحة. ولعل هذه العملية لو بدأت من الضفة الغربية، لكانت قد أحرجت إسرائيل داخليًا وكشفت عن ضعفها الأمني في قلب ما تعتبره "أراضيها". علاوة على ذلك، من الصعب استخدام القوة المفرطة في بيئة مدنية مكتظة بالسكان في الضفة الغربية دون تكبد تكاليف سياسية باهظة. على الرغم من أن إسرائيل لا تخشى حاليًا الانتقام. وأضاف: "لقد غيرت طوفان الأقصى بشكل جذري معادلة الردع بين المقاومة والكيان الصهيوني.

ولأول مرة منذ عقود، تمكنت قوات المقاومة من اختراق خطوط الدفاع الإسرائيلية ودخول المستوطنات وإجراء عمليات برية مباشرة. وقد كشف هذا عن هشاشة أمن إسرائيل، التي طالما تفاخر "بتفوقها المطلق". لم يعد الردع يُقاس فقط بامتلاك الصواريخ أو القدرة على الرد؛ إنها تقوم على الردع النفسي والأخلاقي والسياسي، وقد نجحت المقاومة فيه إلى حد كبير. بعد طوفان الأقصى، أصبحت إسرائيل أكثر حذرًا وأقل ثقة في قدرتها على الحل أو الردع من جانب واحد. بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة الاستنزاف على عدة جبهات (غزة ولبنان واليمن) وضعت جيشها في موقف دفاعي بدلاً من أخذ زمام المبادرة. واختتم ميشيك تصريحاته قائلاً: لقد أضعفت عملية طوفان الأقصى صورة "الجيش الذي لا يقهر" وأثرت على الجبهة الداخلية لإسرائيل، سواء من حيث الهجرة العكسية أو تصاعد التوترات السياسية الداخلية أو انهيار الثقة في القيادة السياسية والعسكرية.

دوليًا، أظهرت العملية أن الولايات المتحدة، على الرغم من ادعاءاتها بدعم نظام دولي قائم على القيم، منحازة تمامًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا تجاه إسرائيل، وأضعفت خطابها الأخلاقي أمام شعوب العالم. في المقابل، فشلت الدول التي تسعى إلى عالم متعدد الأقطاب، كالصين وروسيا، في اغتنام الفرصة وترسيخ مصداقيتها كقوى بديلة للهيمنة الأمريكية. واكتفت بتصريحات دبلوماسية ركيكة دون اتخاذ خطوات ملموسة تتناسب مع حجم الجريمة والحادثة. وهذا يثير تساؤلات جدية حول قدرتها واستعدادها لتحمل مسؤوليات القيادة العالمية البديلة. وهذا ما يفسر حجم الضغط الذي تتعرض له المقاومة الفلسطينية، ضغطٌ يدفعها لدفع ثمنٍ باهظ حتى لا يفكر أي طرف آخر في إحياء المقاومة وتحرير الأرض.

رایکم