۴۷مشاهدات
تقرير؛

تزايد الضغط الدولي على تل أبيب بعد موجة جديدة من الاعترافات بفلسطين

لم يُكثّف قرار الدول الأوروبية الاعتراف بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة الضغط الدبلوماسي على تل أبيب فحسب، بل يُشير أيضًا إلى تحوّل في التوازن السياسي في الغرب؛ وهو تحوّل قد يُجبر النظام الإسرائيلي على إعادة النظر في سياساته أو حتى يدفعه إلى ردود فعل أكثر عنفًا.
رمز الخبر: ۷۱۹۲۲
تأريخ النشر: 24 September 2025

تزايد الضغط الدولي على تل أبيب بعد موجة جديدة من الاعترافات بفلسطين

 أعادت التطورات الأخيرة في الأمم المتحدة، وموجة الاعترافات الجديدة بالدولة الفلسطينية من قِبَل الدول الأوروبية، القضية الفلسطينية إلى صدارة جدول أعمال الدبلوماسية العالمية.

في جلسة الجمعية العامة الأخيرة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميًا أن بلاده ستعترف بفلسطين، واصفًا هذا القرار بأنه خطوة ضرورية للحفاظ على أمل حل الدولتين ومنع تلاشيه.

واعتبر أن شروط إعادة فتح السفارة الفرنسية تتمثل في وقف إطلاق النار، وإجراء إصلاحات داخلية، وإطلاق سراح السجناء. وبعد فرنسا، انضمت عدة دول أوروبية أخرى، منها لوكسمبورغ ومالطا وبلجيكا وموناكو، إلى أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة الذين سبق أن اعترفوا بفلسطين.

هذا التوجه، الذي أعلنت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا سابقًا انضمامها إليه، يُمثل دلالة واضحة على تغير في نهج أوروبا تجاه تل أبيب، وتزايد الضغوط الدولية على السياسات الإسرائيلية.

لا يمكن اعتبار هذه التطورات مجرد عمل رمزي. فموجة الاعتراف الجديدة بفلسطين تعكس تغيرات اجتماعية وسياسية عميقة في أوروبا؛ تغيرات تأثرت بالرأي العام، وأجبرت الحكومات على إعادة النظر في سياساتها.

أثارت حرب غزة والصور المروعة للضحايا المدنيين احتجاجات واسعة النطاق في العواصم الأوروبية، مما وضع ضغوطًا غير مسبوقة على قادتها لاتخاذ موقف أكثر استباقية.

توصل العديد من السياسيين الأوروبيين الآن إلى استنتاج مفاده أن استمرار الدعم الأحادي الجانب للنظام الإسرائيلي ينطوي على تكاليف سياسية باهظة، وأن تغيير النهج سيعزز شرعيتهم المحلية.

من منظور قانوني، يمكن أن تُسهم هذه العملية أيضًا في تعزيز مكانة الفلسطينيين على الساحة الدولية. مع تزايد اعتراف الدول بفلسطين، تزداد شرعيتها القانونية والسياسية في المؤسسات الدولية، وتتعزز إمكانية اتخاذ إجراءات قانونية ضد النظام الإسرائيلي في المحاكم الدولية.

تزيد هذه العملية من الضغط على تل أبيب للرد على التهم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتوسيع المستوطنات الصهيونية، والعمليات العسكرية ضد المدنيين. ونتيجة لذلك، يجد النظام الإسرائيلي نفسه في موقف لا يواجه فيه إدانة سياسية فحسب، بل أيضًا تهديدات قانونية واقتصادية.

إلا أن هذه العملية تواجه عقبات جسيمة، فالعضوية الفلسطينية الكاملة في الأمم المتحدة تتطلب موافقة مجلس الأمن، وتواصل الولايات المتحدة عرقلة ذلك باستخدام حق النقض (الفيتو). كما اشترطت بعض الدول الأوروبية دعمها بشروط مثل وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات جادة، ومن المرجح أن تتم عملية الاعتراف على مراحل وتدريجيًا.

في غضون ذلك، يعتبر النظام الإسرائيلي هذه التطورات تهديدًا لأمنه القومي، وقد صرّح رئيس الوزراء نتنياهو صراحةً بأن الاعترافات المتتالية بفلسطين تُشكل تهديدًا استراتيجيًا.

بل قد يستخدم هذه العملية مبررًا لتوسيع المستوطنات أو حتى لعملية عسكرية واسعة النطاق في غزة. وهكذا، فإن ما يعتبره الفلسطينيون إنجازًا دبلوماسيًا قد يصبح ذريعة لتصعيد ردود الفعل غير المسبوقة للنظام الإسرائيلي، ويدفع الأزمة إلى مرحلة جديدة.

وفي هذا الصدد، أضافت تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك، في مقابلة مع سكاي نيوز، بُعدًا آخر لهذه الأزمة. إذ أكد أن "السلام وهم"، رافضًا أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق سياسي حقيقي. وقد لاقت هذه الكلمات صدى واسعًا في الأجواء الدبلوماسية، وتُعد، وفقًا للمحللين، مؤشرًا على تشاؤم واشنطن العميق تجاه حل هذا الصراع.

ووصف نبيل أتيم، مدير برنامج الدراسات الإقليمية في مركز دراسات الشرق الأوسط، هذه التصريحات بأنها تطور خطير، وحذّر من أن هذه الأزمة، من المنظور الأمريكي، لم تعد مجرد نزاع حدودي يمكن حله بتبادل الأراضي، بل أصبحت مسرحًا لصراع على السيادة والهيمنة.

وأكد أن هذا الرأي يجعل أي أمل في أي مفاوضات أو مبادرة دبلوماسية شبه مستحيل، بل قد يكون مقدمة لدخول المنطقة مرحلة جديدة من تغيير موازين القوى؛ مرحلة تُفسح فيها الحلول السياسية المجال للسيناريوهات الأمنية والعسكرية.

ورغم هذه الاعتبارات، لا يمكن تجاهل الأهمية السياسية والنفسية للموجة الجديدة من الاعتراف بفلسطين. ففي ظل توقف مفاوضات السلام منذ عام ٢٠١٤، لفتت هذه القرارات انتباه المجتمع الدولي مجددًا إلى القضية الفلسطينية، وأظهرت أن هذه الأزمة لا يمكن تجاهلها إلى الأبد.

تُرسل هذه التطورات رسالة واضحة إلى تل أبيب مفادها أن السياسات الحالية لم تعد بلا ثمن، وأن الضغط الدولي قد يؤدي إلى قيود سياسية واقتصادية خطيرة. كما أن الفجوة التي نشأت بين أوروبا والنظام الإسرائيلي، وحتى بين أوروبا والولايات المتحدة، قد تُمهد الطريق لسياسات أوروبية أكثر استقلالية تجاه المنطقة.

أخيرًا، لا ينبغي النظر إلى اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين على أنه مجرد عمل رمزي، بل كجزء من تحول في التوازن السياسي العالمي. إذا رافق هذه العملية ضغط دبلوماسي مستمر ودعم شعبي، فقد تُجبر النظام الإسرائيلي تدريجيًا على إعادة النظر في سياساته وتمهد الطريق للعودة إلى مفاوضات جادة.

وإلا، ثمة خطر من أن تُفاقم هذه التطورات الأزمة وتدفع المنطقة إلى مرحلة أكثر توترًا بدلًا من أن تُمهّد الطريق للسلام. ويعتمد مستقبل هذه العملية على مدى قدرة المجتمع الدولي على ترجمة هذا الزخم إلى سياسات مُلزمة وإجراءات عملية، وعلى استعداد الأطراف الرئيسية لتجاوز منطق القوة المُجردة والتوجه نحو حلول عادلة.

أخيرًا، لا ينبغي النظر إلى اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين على أنه مجرد عمل رمزي، بل كجزء من تحول في التوازن السياسي العالمي. إذا رافق هذه العملية ضغط دبلوماسي مستمر ودعم شعبي، فقد تُجبر النظام الإسرائيلي تدريجيًا على إعادة النظر في سياساته وتمهد الطريق للعودة إلى مفاوضات جادة وإلا، ثمة خطر من أن تُفاقم هذه التطورات الأزمة وتدفع المنطقة إلى مرحلة أكثر توترًا بدلًا من أن تُمهّد الطريق للسلام. ويعتمد مستقبل هذه العملية على مدى قدرة المجتمع الدولي على ترجمة هذا الزخم إلى سياسات مُلزمة وإجراءات عملية، وعلى استعداد الأطراف الرئيسية لتجاوز منطق القوة المُجردة والتوجه نحو حلول عادلة.

رایکم