۴۹مشاهدات

الرئیس بزشکیان للتلفزيون الصيني: إذا لم يتحد أنصار التعددية القطبية فإن الأحاديين سيتغلبون عليهم

أشاد رئیس الجمهورية "مسعود بزشکیان"، في حوار تفصيلي مع تلفزيون الصين المركزي (CCTV)، اشاد بفكرة الرئيس الصيني حول الحوكمة العالمية لتعزيز التعددية القطبية، قائلاً : إذا لم تتحد الدول الداعمة لنهج التعددية، فسوف يتغلب عليها انصار الأحادية القطبية.
رمز الخبر: ۷۱۹۱۰
تأريخ النشر: 22 September 2025

الرئیس بزشکیان للتلفزيون الصيني: إذا لم يتحد أنصار التعددية القطبية فإن الأحاديين سيتغلبون عليهم

أشاد رئیس الجمهورية "مسعود بزشکیان"، في حوار تفصيلي مع تلفزيون الصين المركزي (CCTV)، اشاد بفكرة الرئيس الصيني حول الحوكمة العالمية لتعزيز التعددية القطبية، قائلاً : إذا لم تتحد الدول الداعمة لنهج التعددية، فسوف يتغلب عليها انصار الأحادية القطبية.

وفيما يلي نص الحوار:

السيد الرئيس پزشکیان، السلام عليكم؛ نشكركم على قبول دعوتنا للحوار الخاص، هذه أول زيارة لكم إلى الصين منذ انتخابكم رئيسًا لإيران في يوليو من العام الماضي. ماذا تأملون أن تحققوا من إنجازات خلال هذه الزيارة إلى الصين؟

 بسم الله الرحمن الرحيم، أحيّيكم وأسلم على حضراتكم وعلى الشعب الصيني العزيز؛ إن تصورنا وانطباعنا عن الصين هو أنها دولة تسير اليوم — بوحدة وتماسك وقيادة حاسمة ومنسجمة — وبخططٍ وبرامجٍ علميةٍ وخبيرةٍ وهادفةٍ في مسارها التنموين كما أن للصين مسارًا سياسيًا إيجابيًا وقيمًا لتجاوز الأحادية والسعي نحو تعددية الأطراف، وهو أمر يستحق الثناء.

قبل نحو عشر سنوات زرتم الصين أيضًا! هذه المرّة حين عدتم، ما التغيّرات التي لفتت انتباهكم؟ وصباح اليوم سافرتم بالقطار فائق السرعة من تيانجين إلى بكين — كيف كانت تجربة هذه الرحلة؟

كانت تلك الزيارة لنا زيارة علمية؛ أتينا إلى الصين للمشاركة في مؤتمر لطب القلب وكنا آنذاك في بكين، حيث أتيح لنا أن نتجول بحرية ونشاهد عن كثب، أما اليوم فالجولة تجري في إطار زيارة دبلوماسية؛ ننتقل من سيارة إلى أخرى، ومن غرفة إلى أخرى، ومن اجتماع إلى اجتماع. لذا فإن الحكم على مدى تقدم الأوضاع يصبح أمراً يصعب بعض الشيء. مع ذلك، مما يشاهد للعيان هناك فارق كبير عن الماضي؛ عندما زرنا الصين كان جو بكين أكثر تلوثًا بكثير، أما اليوم فهي أنظف بكثير. في تلك الأيام كانت المدينة تبدو أكثر ازدحامًا، أما اليوم فقد أصبحت أكثر هدوءًا. آثار التنمية واضحة في أركان هذه المدينة وفي المسار الذي قطعناه.

في عام 2016 زار رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، إيران في زيارة رسمية دولية وأعلن البلدان رسمياً إرساء علاقتهما الشاملة والاستراتيجية. حيث أشار الرئيس شي إلى أنه بالنظر للتطورات العالمية السريعة التي تكاد تعادل تغييرات قرن، تتزايد أهمية العلاقات الاستراتيجية بين الصين وإيران. وفي الوقت نفسه، قبل أيام كتب قائد الثورة في إيران آية الله خامنئي على شبكات التواصل الاجتماعي بالفارسية والصينية، أن إيران والصين تمتلكان قوة قادرة على إحداث تحول يمكنها إعادة تشكيل بنية النظام الإقليمي وحتى العالمي. برأيكم، ما أهمية تطوير العلاقات بين الصين وإيران بالنسبة للتحولات والعلاقات الدولية؟

تعود جذور علاقاتنا في هذه المنطقة إلى عدة آلاف من السنين؛ فالصين وإيران حضارتان عريقتان وذو تاريخ طويل، والشعار الذي طرحه زعيم الصين، رئيس هذه البلاد المحترم، حول الأمن العالمي والتنمية العالمية والنهوض والنمو، هو منظور خاص وقيم للغاية. هذه القضايا — أي الحضارة والأمن والتنمية العالمية — كانت موجودة سابقًا كشعارات، لكن من الضروري أن نتمكن من تطبيقها عمليًا.

واليوم هذه العلاقات مكتوبة في إطار برنامج استراتيجي طويل الأمد، ومن المتوقع أن يتم تنفيذ ما اتُفق عليه على أرض الواقع؛ يجب أن نتمكن من إجراء تبادلات حقيقية، وإنجاز استثمارات مشتركة، والسير معًا في مسارات النمو والتنمية، والشرط لذلك هو التنفيذ الفعلي للاتفاقات.

الآن تتوفر فرصة، لا سيما مع التقرير الذي قدمه رئيس الصين المحترم وزعيم هذا البلد حول الحوكمة العالمية؛ ولتحقيق هذه الحوكمة، هناك حاجة إلى تفاعل بين الدول، واحترام سيادة جميع البلدان وقيمها؛ كما يجب ألا يكون هناك تمييز بين الدول، لا بين الغنية والفقيرة ولا بين الكبيرة والصغيرة.

كانت هذه آراء قيّمة وجميلة للغاية التي أُدلي بها زعيم الصين في هذا المؤتمر؛ توقعنا هو أن تُترجم هذه الأمور إلى واقع عملي، لكي نستطيع إقامة تواصل فعّال بيننا، وننقل تجاربنا لبعضنا البعض، ونُعين بعضنا البعض، ونبني عالمًا يسوده السلام والأمن والطمأنينة والعدالة والإنصاف.

أشرتم إلى المبادرة العالمية التي طرحها الرئيس شي خلال القمة الاستثنائية لأول مرة، وقد كنتم مستمعين مباشرة لشرحه العميق حول هذه المبادرة؛ أي جزء من هذه المبادرة الجديدة كان الأكثر تأثيرًا عليكم؟ وفي الوقت نفسه، يعيش النظام القائم على إدارة العالم وضعًا حساسًا، كالسير عكس تيار الماء، فبدون تقدم يتحقق التراجع، برأيكم، ما هي الأهمية العالمية لهذه المبادرة التي طرحها الرئيس شي؟

ما طُرح عبارة عن حزمة متكاملة وليست مجرد موضوع منفرد. فإذا نُفِّذت جميع مكونات هذه الحزمة بصورة كاملة، عندها يمكن بلوغ الأهداف التي أشار إليها فخامة الرئيس، أما إذا نُفِّذ بعضها وأُهمل بعضها الآخر، فلن يكون الوصول إلى تلك الأهداف ممكنًا من الناحية العلمية.

هذه المجموعة تشمل الحوكمة، وسيادة القانون، والتنمية، والعملية، وتبادل الخبرات؛ فإذا لم تُنفذ بصورة متكاملة فلن تتجسد فكرة الحوكمة العالمية، والاحترام للقانون والالتزام بالضوابط الدولية هو الأساس.

اليوم يشهد العالم تعاملات انتقائية مع الدول، وهو ما أنتج معيارًا مزدوجًا؛ حيث ان الكيان الصهيوني ينتهك كل القوانين ويمارس كل الأفعال، ولا أحد يوقفه، وفي المقابل، إذا أرادت دولة ما القيام بخطوة معينة، تهبّ كل المنظمات الدولية والدول الأوروبية لتوجيه الاتهامات بأنها تتجاهل القوانين وحقوق الإنسان.

الكيان الصهيوني، أمام أنظار العالم، يحاصر شعبًا بأكمله ليجوعه حتى الموت، يقطع عنهم الماء والغذاء والخبز، ومع ذلك فإن الدول التي تدّعي في الأمم المتحدة لعب دور عالمي والدفاع عن حقوق الإنسان، بدلاً من أن تمنعه، تقد له الدعم؛ ان هذا المعيار المزدوج أمر غير مقبول إطلاقًا.

وعليه، فإن أحد المبادئ الأساسية في الإطار الذي أشار إليه الرئيس الصيني بشأن الحوكمة يتمثل في سيادة القانون والالتزام به، وهذا القانون لا ينبغي أن يكون ذا وجهين، بل يجب أن يُطبّقه الجميع على حد سواء، بمن فيهم الفقراء والأغنياء، من دول الشمال أو الجنوب، كبارًا أو صغارًا، مالكين أو معدمين؛ لكن مع الأسف، هذا لا يحدث في الوقت الراهن.

ومن وجهة نظري، إذا كان من المقرر أن تتحقق تلك الحوكمة العالمية، فلا بد أن يُنفّذ الإطار المقترح كاملاً وبصورة صحيحة، أما إذا نُفِّذ جزء منه فقط، بينما يُعرَّف معيار مزدوج في الأجزاء الأخرى، فلن تتحقق الأهداف المرجوّة بطبيعة الحال.

 في أكتوبر من العام الماضي، التقيتم بالرئيس الصيني خلال قمة "بريكس" في قازان، وتباحثتم حول العلاقات الثنائية وجملة من القضايا الدولية المهمة، واليوم ستلتقون مجددًا بالرئيس شي، ما القضايا التي تتوقعون مناقشتها وتبادل الآراء بشأنها؟

إن توقعنا من الزعيم المحترم للصين، فخامة رئيس جمهوركم العزيز، لا يتجاوز الالتزام بما طُرح اليوم تحت عنوان الحوكمة أو بما سبق طرحه من مبادرات، مثل الأمن العالمي، والسلام العالمي، والتنمية العالمية، والحضارة العالمية، وأن نعمل على تنفيذها عمليًا.

في فكرة الحوكمة العالمية، كان من البنود التي جرى التأكيد عليها "العملية"، أي أن نكون عمليين، فنترجم ما نقوله إلى فعل ملموس، ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من تصميم آليات وإجراءات تضمن أن ما يُوقَّع عليه من التزامات وأطر عمل يُنفذ فعليًا؛ ففي العادة تُكتب الاتفاقات على الورق في المجال الدبلوماسي، لكنها لا تصل إلى حيّز التنفيذ، وإذا أردنا بلوغ الأهداف التي حدّدها زعيم الصين، فلا ينبغي أن نضيع الوقت، بل يجب أن نسير بسرعة ضمن الفرص المتاحة نحو تلك الغايات.

ومن أبرز توقعاتنا من اللقاءات السابقة وهذا اللقاء الحالي، أن يُنفذ الاتفاق الاستراتيجي الممتد لـ25 عامًا تنفيذاً كاملاً، وأن نتمكن من إظهاره في الميدان العملي؛ فهذا الاتفاق يقوم على العدالة والإنصاف واحترام حقوق جميع البشر، ويجب أن نسير قدمًا في هذا الطريق.

فيما يخص التعاون بين ايران والصين، أعتقد أنكم لاحظتم أيضًا بأنّ التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي قد شهد خلال هذه السنوات تقدمًا ملحوظًا؛ فالصين كانت الشريك التجاري الأول لإيران على مدى 12 عامًا متتاليًا، كما أنّ المنتجات الإيرانية مثل الفستق والسجاد اليدوي تحظى بشعبية واسعة بين المستهلكين الصينيين؛ إضافة إلى ذلك، منذ يوليو من العام الماضي دخل خط السكك الحديدية بين الصين وإيران حيّز التشغيل المتبادل، برأيكم، في المستقبل، في أي مجالات جديدة يمكن أن يتوسع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين؟ وما أوجه التعاون الجديدة التي يمكن البدء بها؟

إذا أردنا الابتعاد عن الأحادية، فعلينا أن نلتزم تمامًا بالأطر التي وُضعت وجرى توقيعها في قمة منظمة شنغهاي للتعاون؛ هذه البنود يجب أن تُنفّذ بصورة كاملة، أما إذا اكتفينا بطرحها كلامًا دون تطبيق، واستُبعدت بعض الدول، ولا سيما تلك التي تقف في الصف الأول بمواجهة الأحادية الأميركية والقوى الساعية لفرض سياساتها على المنطقة، فلن نحقق نتيجة تُذكر.

إن رعاة ومروّجي الأحادية في العالم يحاولون عبر القوة والعقوبات وبمختلف الوسائل أن يحصروا الدول ضمن الإطار الذي رسموه انفسهم، فإذا أردنا الخروج من هذا الإطار، علينا أن نجعل ما كُتب في الاجتماعات السابقة وما سيُكتب لاحقًا في مواجهة الأحادية واقعًا عمليًا. ومعنى ذلك أن نتعامل معًا، وأن نُقيم تجارة متبادلة، وألا نكترث للعقوبات التي يفرضها الآخرون، وأن نُقيم علاقاتنا على أساس العدالة والإنصاف والقانون؛ كذلك علينا أن نسعى إلى مشاركة التنمية والتقدم على مستوى العالم، وهذا ما ينبغي الالتزام به.

وبناءً عليه، فإن المتوقع من الصين التي تتبنى اليوم قيادة مثل هذا الفكر وهذه السياسة، أن تُهيئ الأرضية لتحقيق الأهداف الكبرى التي وضعتها، وإلا فإنّ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني سيواصلان العمل في المنطقة باستخدام القوة وبعيدًا عن المنطق؛ فيقصفان كل معارض، ويغتالان القادة السياسيين والعلماء وحتى الناس العاديين، وإذا لم تتحد الدول التي تسعى للعمل خارج إطار الأحادية ولم تلتزم باتفاقاتها، فإن هذا النهج السلطوي سيمتد تدريجيًا نحو الصين أيضًا.

ان الولايات المتحدة، في سياساتها واستراتيجياتها المرسومة، تعتبر الصين أكبر منافس لها، أما بشأن بقية الدول، فهي ترى أنها قادرة على إخضاعها بالقوة والسلاح والتهديد والعقوبات؛ وإذا تمكنت واشنطن من تفكيك الدول المتعاونة في مواجهة الأحادية وعزلها تدريجيًا عن بعضها البعض، فإن الصين في نهاية المطاف ستُترك وحيدة، وعندها ستتمكن أميركا من ممارسة القوة التي تريد فرضها على الصين بسهولة، لأنه عندما تبقى دولة وحيدة، فلن يكون بمقدورها الاستمرار في هذا الطريق الصعب.

قلتم إنكم تأملون أن تؤدي الصين دورًا أكبر في حفظ استقرار المنطقة والسلام العالمي، برأيكم، ما هو الدور الذي يمكن أن تنهض به الصين في هذا المجال؟

 انظروا، إن القضايا التي طُرحت اليوم في هذا المؤتمر هي ذاتها التي جرى التأكيد عليها مرارًا في السابق، مثل مبادرة "الحزام والطريق"، والتجارة، والتعاون العلمي، والتواصل الثقافي، فإذا فُتحت هذه المسارات بين الدول، وإذا قُبلت جميع البلدان باحترام حدود بعضها البعض، وسارت التفاعلات ضمن إطار واضح، فبإمكاننا أن نصل إلى نتائج ثمينة؛ هذه القضايا طرح في هذا المؤتمر، كما نوقشت  بجدية خلال اجتماع قمة "بريكس".

فلو نُفِّذت الأطر التي كُتبت حتى الآن بصورة عملية وواقعية، عندها سنتمكن بسهولة من متابعة التبادل التجاري عبر مسار "الحزام والطريق"، الذي هو مبادرة استراتيجية لقيادة الصين؛ وعلى هذا الطريق يمكننا تبادل الخبرات، وصوغ تنمية عالمية، وتجسيد الشعارات التي أعلنها قادة الصين في الماضي، وهي : التنمية والسلام والأمن على مستوى العالم.

ومعنى هذا الكلام أنه من أجل إقامة أمن حقيقي، يجب ألا تُمنح الفرصة للدول التي تعمل خارج إطار القوانين العالمية؛ وعلى مجموعة الدول الساعية إلى السلام والأمن أن تقف بوجه هذه الممارسات غير القانونية وغير الإنسانية وغير العادلة. فإذا تحقق هذا الصمود، يمكن بلوغ الأهداف التي طرحها قادة الصين ويستكملونها اليوم؛ لقد كانت السياسات المعلنة سابقًا تركز على السلام والأمن والحضارة العالمية، أما اليوم فقد أُضيف إليها موضوع الحوكمة العالمية.

ولتنفيذ هذه الأهداف، ينبغي وضع آليات عملية وتفعيلها، وألا نسمح لمن يريدون تقويض السلام العالمي بأن يفعلوا ما يشاؤون؛ وفي ظل هذه الشروط، يصبح تحقيق الأهداف المرجوة أمرًا ممكنًا.

لطالما أدت الصين دورًا نشطًا ومهمًا في تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، في مارس 2023 قررت السعودية وإيران، بوساطة الصين، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية؛ وقد مضى الآن أكثر من عامين على هذا القرار، برأيكم، ما معنى استئناف هذه العلاقات بالنسبة لإيران والسعودية، وأيضًا بالنسبة لمسار التحولات في الشرق الأوسط؟

ما حدث كان خطوة في اتجاه الأهداف ذاتها التي طرحها قادة الصين. وهذه العملية لا تقتصر على العلاقة بيننا وبين السعودية، بل تشمل كل الدول التي تعيش معًا في هذه المنطقة ولها تاريخ طويل من الحضارة والثقافة المشتركة.

وانطلاقًا من المسار الذي تسلكه الصين اليوم والمكانة التي تمتلكها، يمكنها أن تؤدي دورًا مؤثرًا في المنطقة؛ هذا الدور قادر على أن يصبح أوضح وأقوى، وأن يُترجم عمليًا لتحقيق الأهداف التي أُقرت في المنظمات الدولية والمقرر تنفيذها.

ولكي تتحقق هذه الأهداف عمليًا، من الضروري تعزيز تواصلنا الإقليمي، كما ينبغي أن تُفعّل مبادرة "الحزام والطريق" في كامل هذه المنطقة، بصرف النظر عن وضع كل دولة أو حجم قوتها؛ عندها فقط يمكننا أن نصل إلى سلام وأمن حقيقيين.

 الصين وإيران بلدان عريقان بتاريخ طويل وحضارة زاهرة، وقد أشرتم قبل قليل إلى الصداقة القديمة بين البلدين، التي تعود بجذورها إلى عهد أسرة "هان الغربية"، مرورًا بعصرَي "تانغ" و"سونغ"، حيث قصد كثير من الإيرانيين الصين لطلب العلم والتجارة وغيرها، واليوم نجد أن شعبي البلدين يبدون اهتمامًا متزايدًا بتاريخ وثقافة بعضهما البعض، بل وحتى في مجال السينما، برأيكم ما نوع التعاون والتفاعل الجديد الذي يمكن أن ينشأ بين الصين وإيران على صعيد التبادلات الشعبية؟

 إن التبادلات الثقافية يمكن أن تتخذ أشكالًا متعددة، منها تعزيز التواصل بين الجامعات، وتطوير السياحة، وتوسيع التعاون الرياضي، وما شابه ذلك، بل يمكن حتى ضمن منظمة التعاون الحالية التوصل إلى تفاهمات في هذا المجال وتبادل الخبرات.

ومن بين الأهداف التي ركزت عليها هذه المنظمة وأكدتها القيادة الصينية، مسألة تعليم أعداد كبيرة من طلاب الدول الأخرى في الصين، وتوفير برامج تدريبية لهم. ومن الطبيعي أيضًا أن يذهب الطلاب الصينيون إلى بلدان أخرى ليتعلموا هناك، فيُبنى بذلك لسان مشترك ورؤية مشتركة للتفكير معًا ومواصلة المسار المشترك.

أما النقطة الأهم، فهي الفهم المتبادل للثقافات التي يملكها كلا الشعبين؛ الحضارتان الإيرانية والصينية تضربان في عمق التاريخ منذ آلاف السنين، وفي منطقة الشرق الأوسط أيضًا هناك حضارات أقدم بكثير من حضارات أوروبا وأمريكا اليوم، هذه الحضارات يجب أن تُبعث من جديد، وأن تتمكّن الشعوب من توسيع تفاعلاتها برؤية جديدة وبمنطق التنمية والتقدم في عصرنا الراهن.

ولكي يتحقق هذا المسار، ينبغي أن تُبذل جهود متبادلة من جانبنا ومن جانب الطرف المقابل على حد سواء؛ علينا أن نتعلم لغات وأساليب بعضنا، وأن نتبادل الخبرات، وأن ندفع قدمًا بمشاريع مشتركة في ميادين الثقافة والسياحة؛ بهذا فقط يمكن أن تقترب الرؤى وتتقارب وجهات النظر.

فخامة الرئيس، أود أن أسألكم عن الملف النووي الإيراني، فقد أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مؤخرًا لمجلس الأمن أنها تنوي تفعيل "آلية العودة السريعة للعقوبات"، وهذا يعني أن المجلس سيتخذ قرارًا خلال ثلاثين يومًا، ما رأيكم في ذلك، وكيف يمكن التعامل معه؟

هذا بالضبط هو السلوك المزدوج، نحن قبلنا إطار الاتفاق، أي صيغة الاتفاق النووي في إطار "خمسة زائد واحد"، والجمهورية الإسلامية الإيرانية التزمت بكل تعهداتها، لكن رئيس الولايات المتحدة قام بتمزيق الاتفاق الذي استغرق التوصل إليه عامًا أو أكثر.

 لكن الأوروبيين أيضًا لم يلتزموا بعد انسحاب واشنطن.

صحيح، فالجمهورية الإسلامية التزمت، لكن بعد خروج أمريكا لم يلتزم الأوروبيون ايضا بتعهداتهم، واليوم نفس الدول التي لم تفِ بوعودها اجتمعت لتتهم إيران بأنها لم تلتزم! كيف يمكن لمن نقض الاتفاق أن يتهم الآخرين بعدم الوفاء؟

لقد حاولنا حتى النهاية أن نبقى ضمن هذا المسار رغم الضغوط، لكن الأوروبيين لم يلتزموا حتى بأبسط البنود التي كان ينبغي عليهم الالتزام بها، والنتيجة هي ما نراه الآن.

بالأمس بعث وزراء خارجية إيران وروسيا والصين رسالة إلى الأمم المتحدة، شرحوا فيها بوضوح الطابع غير القانوني وغير المنطقي لشكوى الأوروبيين؛ هذه الرسالة وُقّعت وسُلّمت رسميًا.

نعلم أنه منذ أبريل الماضي، عقدت إيران والولايات المتحدة خمس جولات متتالية من المفاوضات، وكان من المقرر عقد الجولة السادسة في 15 يونيو، لكنها ألغيت بسبب الهجوم المفاجئ من قبل "إسرائيل"ن ثم في نهاية يوليو فرضت أمريكا أكبر حزمة عقوبات على إيران منذ عام 2018؛ بعد كل هذه التطورات، كيف تقيمون الآن آفاق استئناف المفاوضات بين إيران وأمريكا؟ وما رأيكم في تأثير سياسة "الضغط الأقصى" التي تمارسها واشنطن على عجز الموازنة الحالي في إيران؟

الأمم المتحدة أعلنت العام الماضي "عام السلام العالمي". والرئيس الصيني كان قد طرح قبل ذلك شعارًا يقوم على ثلاثة أركان : أولًا السلام العالمي، ثم الأمن العالمي، وأخيرًا الحضارة العالمية؛ في وقتٍ يُرفع فيه شعار السلام، جلسنا نحن أيضًا إلى طاولة الحوار أكثر من مرة، وكررنا مرارًا أننا لا نسعى إلى الحرب ولا إلى الفوضى ولا إلى السلاح النووي.

ان هذا الموقف ليس مجرد خطاب سياسي مني، بل هو التزام عقائدي، حيث ان القيادة العليا في إيران، ممثلة بسماحة قائد الثورة، أوضحت بشكل قاطع أن الجمهورية الإسلامية لن تسعى مطلقًا إلى إنتاج السلاح النووي. وهذه ليست سياسة ظرفية يمكن أن يغيّرها أي مسؤول سياسي، بل هي جزء من عقيدتنا الدينية. ومع ذلك، يواصلون يوميًا الترويج عبر الإعلام والقدرات التي يملكونها لاتهام إيران بأنها تسعى إلى السلاح النووي.

نحن مستعدون للحوار، لكن في إطار القانون الدولي والحقوق المشروعة التي يملكها كل بلد، غير أن المشكلة هي أن على طاولة المفاوضات طرفًا مؤثرًا، وهو الكيان الذي يزعم أنه مهدد، بينما هو في الحقيقة يمارس الإرهاب، يقصف أي مكان يشاء، ويقتل الأبرياء من دون أدنى احترام للقوانين الدولية، ثم يدّعي أنه الضحية.

في المقابل، إيران منذ انتصار الثورة كانت الضحية الأكبر للإرهاب، وتعرضت لأكثر من 18 ألف عملية اغتيال في السنوات الأولى من الثورة، راح ضحيتها شخصيات بارزة من علماء وقادة وسياسيين وأئمة جمعة. واليوم، أولئك الذين تقف أيديهم خلف هذه الجرائم يريدون اتهام إيران بأنها مصدر عدم الاستقرار!

الحقيقة أن الضحية الكبرى لهذه الاغتيالات وهذه الممارسات اللاإنسانية هي إيران، أما المنفذ الرئيسي فهو الكيان الصهيوني وحلفاؤه؛ وللأسف، في عالمنا الراهن يهيمن منطق القوة، ويحاولون فرض رؤيتهم على من يرفض الخضوع. لكن إيران لن تخضع للقوة أبدًا.

لقد ظن الكيان الصهيوني، وهو مدعوم من أمريكا وأوروبا، أنه قادر على مهاجمة إيران من دون رد؛ لم يتصوروا أن صواريخ إيرانية ستصل إلى عمق أراضيهم. لكن إيران ردّت، ودافعت عن نفسها، نعم، خسرنا في هذا الطريق بعض قادتنا وعلمائنا وخبرائنا في القصف، وبرغم كل هذه الاعتداءات غير المشروعة، صمتت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، وحدها محكمة لاهاي أصدرت حكمًا ضد نتنياهو وأحد معاونيه، مطالبة باعتقالهما. ومع ذلك، ماذا فعلت أمريكا؟ عاقبت المحكمة التي أصدرت الحكم! وهذا يبين أن أي قضاء لا يوافق هوى القوى المتغطرسة يُعاقَب صاحبه، حتى لو كان قاضيًا دوليًا.

نحن في إيران نؤمن بالسلام والعدل والوحدة والإنصاف، هذه ليست مجرد شعارات سياسية نرفعها للتفاوض، بل جزء من عقيدتنا الإسلامية. العدل أصلٌ من أصولنا الدينية، ونعتبر أنه ينبغي تطبيقه في الأسرة والمجتمع والحكم، لكن المؤسف أنه بينما كنا جالسين للتفاوض، جرت هجمات مدعومة من أمريكا؛ هذا يكشف أن هناك من يريد فرض إرادته بالقوة لا بالمنطق. ومع ذلك، إيران ومن يؤمنون بالحق والعدالة لن ينحنوا أمام القوة.

فيما يخص التوترات بين إيران و"إسرائيل"، نعلم أنّ الطرفين لم يتوصّلا حتى الآن إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وقد صرّحتم الأسبوع الماضي أنّ إيران لا تسعى للحرب، لكنها لا تخافها، هل يعني ذلك أنّ وضع وقف إطلاق النار الحالي ما يزال هشًا نسبياً؟ كيف تُقيّمون خطر استئناف الحرب؟

نحن لم نكن ولن نكن مبادرين بالحرب، لكن إذا تعرّضنا لهجوم فسنقف بصلابة في مواجهته، هذا إيماننا وقناعتنا؛ نحن لن نستسلم للظلم، وانما نحترم فقط الحق والعدالة، ولا نقبل الاستسلام أمام القوة، هذا هو أسلوب حياتنا.

نحن نريد الطمأنة والسلام والأمن للمنطقة وللعالم، ومن يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان والالتزام بالقانون يجب أن يعلموا أننا نحن أيضاً ملتزمون بهذه القواعد ونريد أن نعيش بموجبها ونتمتع بحقوق متساوية؛ البشر متساوون، ولا يحق لأحد أن يعتبر نفسه أسمى من الآخرين.

إذا امتلك أحد مهارة أو قدرة تفوق الآخرين فذلك جزء من مواهبه الإنسانية؛ احدهم خيّاط ماهر، والآخر جرّاح متميّز، والثالث فنان، هذه القدرات موزّعة بين الناس وتشكّل المجتمع معًا، ولا يحق لأحد انتهاك حقوق غيره، كما لا يحق لمجتمع أن يتجاهل حقوق مجتمعات أخرى.

لهذا السبب أنا أتبنّى ما ذكره زعيم الصين عن الحوكمة العالمية، لأنّه يؤكد العدالة، وهو ما أكّده أيضاً المشاركون في القمة؛ هذه قيمة اعتقادية ومسار يجب اعتناقه: كل مجتمع له حقوق متساوية.

لا يمكن لمجتمع غني أن يدوس على الفقراء؛ هذا سلوك من عالم الهمجية لا من عالم الحضارة، في العالم المتحضّر، تُساعد الدول المتخلّفة وتُهيّأ لها سبل النهوض. ومبادرة الحزام والطريق يمكن أن تُؤخذ في هذا السياق وتُخطّط .

في عام 2018 خرجت الولايات المتحدة أحاديًا من الاتفاق النووي الذي استُحصل بعد عام ونصف من الجهود، كيف تقيمون هذا الانسحاب الأحادي، وإذا ما استؤنفت المفاوضات بين الطرفين ما هو محور التفاهم الأساسي؟

ما نراه من عنف ودمار في المنطقة اليوم ناتج عن عدم الالتزام بالعهود، إذا لم نلتزم كأفراد ودول بما اتفقنا عليه، فلن يوجد استقرار ولا أمن، الاستقرار ينبني على الوفاء بالالتزامات. لا يجوز أن نوقع ثم نخرق الاتفاق بسهولة.

للأسف، المبادئ التي اعتُمدت عبر الحضارات — ومنها الوفاء بالعقود — باتت محط تجاهل اليوم؛ بالأمس كان القادة يضحّون بحياتهم لكن لا يغيّرون عهودهم، نحن التزمنا بعقودنا، بينما دولة تدّعي الحضارة مزّقت بسهولة ما كانت قد وقّعت عليه.

لهذا السبب قادة وشعب إيران لا يثقون بالولايات المتحدة؛ فهي خرجت أحاديًا مرارًا من الاتفاقات التي وقّعت عليها، ونحن من جانبنا ظللنا ملتزمين ونؤمن بضرورة العمل وفق القانون الدولي وأطر الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولن نتخلى عن حقوقنا في أرضنا ومياهنا بسهولة خارج هذه الأطر.

 ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ مفتشيها وصلوا إلى إيران، هل تؤكدون صحة هذا الخبر؟ وهل لدى الحكومة خطة لاستئناف التعاون مع الوكالة قريبًا؟

هم قالوا إنهم حضروا، ولا يستطيعون إنكار ذلك، لكننا شهدنا مرات عديدة أنّ تقاريرهم وأقوالهم لا تتوافق مع الواقع عندما يغادرون؛ نحن لم تكن لدينا مشكلة مع معاهدة حظر الانتشار أو مع عمليات التفتيش نفسها، بل المشكلة بدأت عندما نشرت، تحت ضغوط أوروبية ولوبّيات، تقارير ومعلومات غير صحيحة حول إيران، فأعقبتها قرارات أو تقارير ليست مبنية على الواقع وصوَّرت وضعًا غير حقيقي لإيران.

في المقابل، الخضوع للمراقبة كان واسعًا جدًا — المستوى الأعلى من الرقابة على الأنشطة النووية التي خضعت لها أي دولة. أُتيح لهم كل المواقع اللازمة وجرى التفتيش مرارًا، لذلك لا مبرّر لأي هجوم على مواقع تعمل تحت إشراف الوكالة؛ هذا يخلّ بمعايير القانون الدولي، والوكالات الدولية لم تدن هذه التجاوزات كما ينبغي.

لو حدث إشعاع في تلك المواقع فمن المسؤول؟! كيف يسيطرون على ذلك؟ هذا أمر مرفوض تمامًا ولا يجوز أن تبقى المؤسسات الدولية صامتة، لهذا السبب اتخذ البرلمان موقفًا ضد تلك المؤسسة بسبب ازدواجية المعايير، وسمح بأن تستمر العلاقات في إطار جديد يحدده  المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني، وأي تعاون لاحق سيكون بموافقة الإطار الجديد الذي نناقشه.

بالنظر الى صِلة الصراع بين إيران و"إسرائيل" وقضية فلسطين، هل ستُواصل إيران تطوير التكنولوجيا النووية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم؟ ما مستقبل المسار النووي الإيراني؟

ليس لدينا نية للعمل خارج أُطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنشطتنا النووية سلمية وستستمر في هذا الإطار فقط، ولا نعتزم أي عمل خارجه.

يمكن الاتفاق ضمن الحوار كما اتفقنا سابقًا؛ نحن التزمنا بكل ما تفاهمّا عليه، واليوم مستعدون للحوار ضمن الأطر الدولية نفسها، وإذا كانت هناك مشاكل فبإمكانها أن تُحلّ؛ اننا لن نقوم بأي نشاط خارج هذه الأطر، والرقابة الدولية كانت مطبقة بالكامل، نريد فقط أن لا يُطبَق علينا معيار مزدوج.

 كيف تتوقّعون مسار تطورات الشرق الأوسط؟ وما خطة إيران لإدارة وتقليل المخاطر الناجمة عن التغييرات الإقليمية؟

 سمعتُم ما قال نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى» وخريطة تشمل كثيرًا من دول المنطقة، هذا الطرح لن يتخلى عنه الكيان ما لم يقف العالم بوجهه، وكما قال الرئيس الصيني عن الحوكمة العالمية، القاعدة هي مساواة الدول أمام القانون؛ لا يمكن قبول أن تتجاوز دولة أخرى وتبقى الدنيا صامتة.

لا يحق للكيان الصهيوني الاعتداء على الآخرين، فهو يعتدي على سوريا، ويجوع الناس في غزة، ويسعى لاقتلاعهم من أرضهم، وكل ذلك بتغطية ودعم أميركي؛ لا يمكن للعالم أن يقبل هذا، وإذا سمح العالم بذلك فلن يهدأ هذا الكيان أبدًا، ولن تتراجع قوى الغطرسة التي تسعى للهيمنة.

الدول التي تقف ضد الأحادية يجب أن تتصدى لهذا الظلم واللانصاف، إذا وقفنا بثبات ولم نتعاون مع دولة معتدية، فلن تجِرؤ على الاستمرار؛ لهذا دور إيران في مؤسسات مثل بريكس، شنغهاي، الاتحاد الأوراسي وغيرها له أهمية خاصة؛ يجب أن يلتزم الأعضاء باحترام وحدة وسلامة أراضي بعضهم الاخر.

ما العامل الأهم لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط؟

 الأهم هو الوحدة والانسجام بين الدول، واحترام الحدود، وتبادل الخبرات — كما نوقش في هذه الاجتماعات، يجب أن نعترف بأن لكل دولة ثقافتها وخصوصياتها، لكن على الآخرين أن يتواصلوا معها بمنطق سليم في المجالات الصناعية والتجارية والرقمية والذكاء الاصطناعي؛ الانسجام يحلّ كثيرًا من المشاكل، والحوكمة العالمية قادرة على معالجة هذه القضايا إذا التزمنا بالقانون.

علينا أن ننمو بما يكفي حتى نجلس معًا ونضع إطارًا يحفظ الحقوق المتبادلة، ونساعد بعضنا البعض، ونبني طرقًا لزيادة التبادل؛ هذا هو منطق التنمية العالمية، بأن تسود قوة المنطق لا قوة السلاح، فالقاضي الذي يصدر حكمًا ضد فاسد لا يجب أن يُعاقَب، وانما ينبغي تكريمه؛ لكن اليوم كثيرًا ما يسير العالم في اتجاه معاكس، أتمنى أن نُعمّق علاقاتنا ضمن التفاهمات المتاحة في بريكس وشنغهاي وأن نحترم سيادة الثقافات والمعتقدات.

الجانب الأميركي طالَب سابقًا إيران بالتوقف التام عن جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، كيف ردّتم عندما سمعتم هذا الطلب، وما موقفكم؟

كما قلت لكم، منطقهم هو منطق القوة، يريدون فرض إرادتهم بالقوة، لقد هاجموا منشآتنا ظنًا أن ذلك يكسِر قدراتنا، لكن العقل والمهارة موجودان في أذهان الإيرانيين لا في المباني؛ نحن نبني بلادنا بقوّة وإرادة.

لا يحق لأحد أن يحرم دولة حقوقها المنصوصة في القانون الدولي في استخدام العلم والتقنية لأغراض سلمية؛ بعض القوى تريد دولًا تابعة لها، تستغل مواردها وتبقيها تحت الإذعان، ثم تفعل ما تشاء؛ تقصف وتقتل وتمنع الغذاء والدواء عنها، بينما تتشدّق بالإنسانية في محافلها الإعلامية، انها أكاذيب.

الدول التي تؤمن بالعدالة لا يجب أن تخضع للظلم، نحن مستعدون للموت لكن لا نركع لاستبدادٍ يروّجه بعضهم، ولدينا الحق في مواصلة البحث العلمي لا سيما لإنتاج النظائر المشعّة الضرورية لتشخيص وعلاج الأمراض؛ ان حرماننا من ذلك ظلم سافر.

في خاتمة الحوار نود أن نسألكم سؤالًا شخصيًا؛ كنتم قد ذكرتم أن أحد أسباب ترشّحكم للرئاسة كان رصد مشكلات في إيران والدول المجاورة، وأنكم أملتم أن تساهموا في حلّها، وبما أن فخامتكم طبيب اخصائي في القلب، ما أكبر مشكلة ترى أنها تواجه إيران اليوم وما الوصفة التي تقترحها؟

 في الطب تعلمنا أن نُعالج دون أن نُفرّق بين الأشخاص بناء على أفكارهم أو جنسهم أو وضعهم الاجتماعي، وقد أقسمنا أن نخفّف من آلام المرضى؛ وبنفس المنطق، عندما ننظر إلى المجتمع فلا فرق لنا بين غني وفقير أو بين معتقدات وأحزاب، واجب الحكم أن يقدّم خدمات عادلة للجميع ويهيّئ فضاء للنمو والتعالی.

في الطب لا مكان للتمييز، إذا خيطنا جرح غني بعشرة غرز، ذات الخدمة سنقدمها للفقير ايضا؛ المجتمع كذلك، حقوق الناس متساوية، يجب أن يُبنى عملنا على العدالة والرحمة والإنصاف حتى تُثمر تلك الشعارات التي يتحدّث عنها قادة الصين والحوكمة العالمية.

هذه قناعتنا العقائدية، أنا كطبيب أؤمن بها، وأيضًا ديننا وتعاليمنا تعلّمناها؛ لذلك نسعى لرفع المعاناة عن الناس ومعالجة المرض وتخفيف الألم، وهذا نهج معتاد في طبنا واليوم أعتبره واجبًا تجاه شعبي.

بعض وسائل الإعلام تُعرّفكم أحيانًا على أنّكم من «تيار الإصلاح»؛ هل توافقون هذا الوصف؟

كل إنسان في حالة تغيير دائم، حتى أنت تغيّرتَ في طريقك، هذا هو مفهوم الإصلاح أو أي وصف سياسي قد يُستخدم، لكن إن أردنا أن ننظر إنسانيًا فالمهم أن الإنسان قادر على التغيير نحو الأفضل، الإيمان يدعونا بأن نكون أكثر علمًا ورحمة وإبداعًا.

من يرفض التغيير يصبح كالماء الراكد الذي يفسد، طالما الإنسان حي فهو في حركة وتغيير، ولو توقّف يصبح في طريق الموت؛ التغيير والاصلاح ضرورة مستدامة، الصين اليوم تتقدّم لأن شعبها يُفجّر قدراته، وهذا متاح لكل البشر إن تهيأت الظروف.

نقلتم مرة مقولة لـ "أينشتاين" عن تعريف الغباء بأنه لو تفعل الشيء ذاته مرارًا وتتوقع نتيجة مختلفة، هل هذا يعني أنكم تسعون لتغيير إيران كرئيس؟ وما أكبر تغيير تريدون تحقيقه؟

لا تقتصر التغييرات التي نريدها على مجال واحد، يمكننا تحسين الزراعة، والنهوض بالصناعة، وإحراز تقدم في الطب، وفي كل المجالات؛ ما تعلّمناه هو مقدمة للارتقاء، وإن تبنّى الناس أن يكونوا أفضل يومًا بعد يوم سنطرأ تحولات في كل ميادين المجتمع، من التشريعات إلى الحياة اليومية.

التغيير يعني أن نخفّف من معاناة الناس، نداوي المرضى، نؤمّن لقمة العيش، ونتيح المجال لتنمو المواهب، الفرق بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان يُضيّع جزءًا من ذاته في خدمة إنسان آخر، وكلما ارتقى الإنسان كلما أراد الخير للآخرين.

الحياة مسار لا يتوقف؛ علينا أن نتحرّك نحو الرقي، وفي هذا المسار نعمل بلا توقّف.

رایکم