۲۵۲مشاهدات

نزع سلاح حزب‌الله ومشروع تجريد لبنان من قوته الدفاعية؛ الانتحار الإستراتيجي

ليس أمراً عابراً أن تبادر الحكومة إلى تبني الأهداف التي عجزت إسرائيل عن تحقيقها خلال الحرب، كما ليس أمراً عادياً أن تبلور الحكومة ذاتها اتفاق استسلام يقضي بنزع سلاح المقاومة. والتوجه الذي تتبناه الحكومة بطلب مباشر من الإدارة الأميركية، يندرج بوضوح في إطار الاستجابة لأولويات الأمن الإسرائيلي، عبر تجريد لبنان من عناصر قوته الدفاعية، وفي مقدمتها سلاح المقاومة.
رمز الخبر: ۷۱۷۴۵
تأريخ النشر: 09 August 2025

ليس أمراً عابراً أن تبادر الحكومة إلى تبني الأهداف التي عجزت إسرائيل عن تحقيقها خلال الحرب، كما ليس أمراً عادياً أن تبلور الحكومة ذاتها اتفاق استسلام يقضي بنزع سلاح المقاومة. والتوجه الذي تتبناه الحكومة بطلب مباشر من الإدارة الأميركية، يندرج بوضوح في إطار الاستجابة لأولويات الأمن الإسرائيلي، عبر تجريد لبنان من عناصر قوته الدفاعية، وفي مقدمتها سلاح المقاومة.

والمنطق الأميركي، ينطلق من أولوية إحكام الهيمنة الإسرائيلية على حساب أمن شعوب المنطقة، ولكن تتفاقم مخاطر هذه الإستراتيجية على لبنان أكثر من أي بلد عربي آخر. بسبب محدوديته الجغرافية والسكانية وخصوصياته المجتمعية. وفي هذا السياق، تسعى الإدارة الأميركية، بغطاء ديبلوماسي وتلويح بعقوبات أو وعود بالمساعدات، إلى إعادة تشكيل البيئة اللبنانية السياسية والأمنية بما يخدم الترتيبات الإقليمية الجديدة. وتُعد خطوة نزع سلاح المقاومة من صلب هذه الترتيبات التي تخدم مساعي «تصفية بؤر القوة» في المنطقة، وجعل الدول المحيطة بإسرائيل كيانات ضعيفة منزوعة القرار والسيادة.

أمن لبنان ومناعته الداخلية

نزع سلاح المقاومة في ظل غياب بديل سيادي حقيقي وفاعل، لا يُمكن النظر إليه إلا كفتحٍ لباب الفوضى الأمنية والسياسية. فسلاح المقاومة هو العامل الوحيد الذي أنتج توازناً ما في مواجهة العدو. واستطاع أن يحرر الأرض ويؤسس لردع استمر نحو 17 عاماً، كما أثبت فعاليته وجدواه - في الحرب الأخيرة - لجهة منع العدو من إعادة احتلاله للأراضي اللبنانية. علماً أن السلاح نفسه لعب دوراً كبيراً في الوصول إلى معادلة حددت نهاية الحرب وفق مسار تصاعدي، خصوصاً أنه سبق تصدي المقاومة، تلقي قيادة حزب الله ضربات قاسية. وبالتالي إن إضعاف هذا السلاح أو محاولة إزالته بالقوة، يُعادل دفع البلاد نحو المجهول. لماذا؟

ـ يدفع القرار إلى تفكيك التوازن القائم في المعادلة الوطنية، ويعيد البلاد إلى مناخات الانقسام الحاد الذي سبق حروبًا أهلية كارثية.
- يفتح الباب أمام تدخلات إسرائيلية مباشرة، قد تتذرع بـ«انعدام الردع» لشن اعتداءات جديدة، على غرار ما حدث في حروب سابقة. وتدخل مباشرةً وبقوة في المعادلة الداخلية كما كانت الحال في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
- يضعف موقف الدولة التفاوضي في أي تسويات إقليمية مقبلة، ويجردها من أي عنصر قوة يمكن البناء عليه.

خطورة التوظيف الخارجي

ما يجري في لبنان لا يُمكن فصله عن الحسابات الإقليمية والدولية، التي ترى في إضعاف المقاومة مدخلاً لإعادة تموضع النفوذ الغربي في المنطقة. فإسرائيل ترى في هذه الخطوات فرصة تاريخية لتحقيق ما عجزت عنه عسكريًا في حرب 2006 وحرب 2024. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى إلى تثبيت مناخ «السلام بالقوة (الاستسلام)»، عبر فرض وقائع أمنية تنسف فكرة المقاومة أصلًا، وتحوّلها إلى عبء داخلي بدل أن تبقى درعًا سياديًا. بينما يرى النظام السعودي في ذلك مدخلًا لتطويع لبنان وإلحاقه بالمحور المطبّع إقليميًا، وتحجيم أي دور سياسي أو شعبي مقاوم في المنطقة.

كيف سيتعامل حزب الله مع هذا المنحى؟

دائماً ما تمسّك حزب الله بثلاثية الردع (الجيش، الشعب، المقاومة)، ويرى أن أي محاولة لسحب سلاحه تعني نزع آخر خط دفاعي عن لبنان. وقد عبّر بوضوح عن رفضه المطلق لأي خطة تؤدي إلى ذلك، محذرًا من العواقب الوجودية. ويتحرك حزب الله حتى الآن، بالتكامل والتعاون الإستراتيجي مع حركة أمل، تحت سقف رفض نزع سلاح المقاومة، وعدم التصادم مع الجيش، ورفض الانجرار إلى حرب أهلية. بالإضافة إلى قرار أهم، وهو عدم الاستقالة من الحكومة.

موقف الجيش اللبناني بدوره سيكون حاسمًا، فالخطر سيكون قائمًا عليه وعلى مستقبل لبنان في حال أصرت الحكومة على زجه في معركة داخلية لا طائل منها، أو أن تضعه في مواجهة مكوّن وازن من الشعب اللبناني. وهذا ما يوجب الإشارة إلى أن القرار السياسي اللبناني، في حال استمراره في هذا الاتجاه، يُعرّض البلد لأخطر التحديات الوجودية منذ الحرب الأهلية. لأن الاستجابة العمياء للمطالب الأميركية، لا تعني فقط المسّ بسلاح المقاومة، بل ببنية الكيان اللبناني نفسه. فالبلد الذي يُجرد من عناصر قوته، ويتحول إلى ساحة تنفيذ لرغبات الغير، لن يكون قابلًا للحياة في بيئة إقليمية متفجرة.

رایکم