۴۴مشاهدات
تقرير؛

تقرير غروسي المسيس وقرار مجلس الحكام/كيف لعبت الوكالة الدولية دورا خبيثا في إثارة الحرب ضد إيران؟!

صدر التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مستوى تعاون إيران قبل ثلاثة أيام فقط من الهجمات العدوانية الصهيوأمريكية على المنشآت النووية؛ وهو نمط مألوف من إثارة الحروب يسلّط الضوء على الدور المتحيز لهذه المؤسسة أكثر من ذي قبل.
رمز الخبر: ۷۱۶۲۷
تأريخ النشر: 09 July 2025

في السنوات الأخيرة، أصبحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدلاً من أن تلعب دوراً محايداً وتقنياً، أداة سياسية للضغط على إيران بشكل متزايد. لم تكن التقارير التي تحمل لغةً تحذيرية وغامضة وغير دقيقة علمياً غير فعالة في تخفيف التوترات فحسب، بل تمهدت أيضاً مراراً وتكراراً الأساس لاعتماد قرارات أحادية الجانب، وتحريض الرأي العام العالمي، وحتى تبرير الأعمال العسكرية المباشرة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية.

في أحدث مثال على هذا التوجه الخطير، أعقب تقرير الوكالة الصادر في يونيو/حزيران حول تراجع مستوى تعاون إيران هجماتٌ شنّها النظام الصهيوني والولايات المتحدة على منشآت نطنز وفوردو وأصفهان النووية وكذلك البنى التحتية والمدنية الاخرى.

وتعليقا على هذه التطورات، وصف وزير الخارجية الإيراني، سيد عباس عراقجي، يوم الجمعة الماضي، على موقع التواصل الاجتماعي "X" (تويتر سابقًا)، قرار مجلس الشورى الإسلامي بتعليق التعاون مع الوكالة بأنه "نتيجة مباشرة للدور المؤسف لرافائيل غروسي"، وقال: "إن تصرف السيد غروسي المتحيز مهد الطريق مباشرةً لاعتماد قرار ذي دوافع سياسية ضد إيران في مجلس الحكام، كما سهّل العدوان الصهيوامريكي غير الشرعي على المواقع النووية الإيرانية".

الوكالة، جهة تحقق أم شريكة في حربٍ نووية؟

وفقًا لنظامها الأساسي، تُعدّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤسسةً فنيةً محايدةً، تُراقب الأنشطة النووية للدول الأعضاء وتُبلغ عن نتائجها في إطار التحقق العلمي فقط. إلا أن أداء المؤسسة، لا سيما فيما يتعلق بإيران، تجاوز في السنوات الأخيرة مرحلة المراقبة المُجرّدة، وأصبح أداةً للضغط السياسي وتهيئة بيئة أمنية. ولم يُقوّض هذا التغيير في الدور ثقة الحكومات بنزاهة الوكالة فحسب، بل حوّلها أيضًا إلى حلقةٍ رئيسيةٍ في سلسلة هندسة الأزمات ضد إيران.

ومن دلائل هذا التغيير في النهج هي التقارير الغامضة والتحذيرية، والتي تفتقر إلى توثيقٍ فنيٍّ دقيق، وتُنشر في أوقاتٍ حساسةٍ سياسيًا. على سبيل المثال، غالبًا ما تُنشر التقارير حول "جسيمات اليورانيوم غير المُعلنة" أو "مستويات التخصيب المُتزايدة" دون معلوماتٍ كاملةٍ أو في جوٍّ مُختلطٍ بتصوراتٍ ذاتية. تقارير، وإن كانت غير ملزمة قانونًيا، إلا أنها تؤثر تأثيرًا قويًا على الرأي العام ووسائل الإعلام ومجلس الحكام. هذه التقارير هي التي تُمهّد الطريق لاحقًا لاعتماد قرارات سياسية وعقوبات جديدة، بل تُعتبر، علاوة على ذلك، غطاءً لإضفاء الشرعية على العمل العسكري.

في بعض الحالات، وحتى قبل النشر الرسمي لتقارير الوكالة، نشرت وسائل الإعلام الصهيونية أو الغربية محتواها؛ وهي مشكلة لا تُشكك فقط في سرية معلومات الوكالة واستقلاليتها، بل تُشير أيضًا إلى وجود صلة مباشرة ومنسقة بين الكشف عن التقارير والعمليات النفسية ضد إيران. وبينما لم يتطلب العديد من النتائج سوى مراجعة فنية مشتركة، فإن تفضيل الوكالة للكشف العلني بدلًا من استشارة الخبراء يُعزز فرضية أن الغرض من التقارير هو التسييس أكثر منه التحقق العلمي.

من ناحية أخرى، يُعدّ تجاهل الوكالة لأعمال التخريب والإرهاب والأعمال العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية من أحلك النقاط في سجل الوكالة. لم يكن هناك ردٌّ جادٌّ على الهجمات العدوانية، أو اغتيالات العلماء، أو العمليات السيبرانية مثل ستوكسنت فحسب، بل لم تُذكر هذه التهديدات حتى في التقارير. وقد فُسِّر هذا الصمت من قِبَل المؤسسات العامة والمستقلة على أنه نوع من التواطؤ غير المباشر مع مرتكبي هذه الجرائم.

في نهاية المطاف، ما نراه من الوكالة اليوم بعيدٌ كل البعد عن مهمتها العلمية الأصلية. هذه المؤسسة، التي كان من المفترض أن تُسهم في الحفاظ على السلام بالوسائل التقنية، أصبحت الآن في بعض الحالات مُثيرة لعملية الحرب والتوتر. إذا لم يُصحَّح هذا الاتجاه ولم يُراجع الهيكل المُسيَّس للوكالة بجدية، فلن تُضعَف ثقة الدول في التعاون التقني فحسب، بل سيُصبح مستقبل أنظمة منع الانتشار النووي موضع شكٍّ أيضًا.

تقارير تقنية ام كتابة السيناريو للحرب

من أكثر الاتجاهات إثارةً للقلق التي تكررت بانتظام في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بإيران هي دورة تبدأ بتقرير مُتحيز وتنتهي بهجوم عسكري. في هذا النمط، تُنشئ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أولاً جواً غامضاً حول البرنامج النووي الإيراني بنشرها تقريراً مسيسا يفتقر إلى الدقة التقنية أو التوثيق الكافي. هذه التقارير، التي غالباً ما تُكتب بلغة مُوجهة نحو التهديد وقابلة للتفسير، تُتاح بسرعة لوسائل الإعلام الغربية السائدة.

في المرحلة التالية، تُحرض وسائل الإعلام، مُستشهدةً بهذه التقارير، الرأي العام العالمي ضد إيران. تؤدي التحليلات التي تعتمد على التكهنات الأمنية أكثر من التحليل القانوني أو الفني إلى خلق جو نفسي متوتر يضغط على صانعي القرار السياسي لإصدار ردود صارمة. غالباً ما تتخذ هذه الردود شكل قرارات سياسية صادرة عن مجلس محافظي الوكالة أو عقوبات دولية جديدة؛ قرارات سرعان ما تُصبح أساساً لتدابير أكثر صرامة، مثل التهديدات العسكرية أو الهجمات المُستهدفة.

لوحظت الدورة المذكورة آنفًا تحديدًا خلال اندلاع الحرب العدوانية التي استمرت 12 يومًا . حيث أعلنت الوكالة قبل اسابيع في تقرير لها أن "إيران خفضت تعاونها في مجال التفتيش إلى أدنى حد"؛ وهو ادعاءٌ قُدِّم دون دراسة متأنية للأسباب التقنية والقانونية لقرار إيران، وبتجاهل السياق السابق، صوَّرت إيران على أنها المسؤولة الوحيدة عن هذا الجمود".

وبعد ثلاثة أيام من صدور هذا التقرير، بدأت هجمات منسقة شنّها النظام الصهيوني والولايات المتحدة على منشآت نووية إيرانية حساسة في نطنز وفوردو وأصفهان وكذلك البنى التحتية العسكرية والمدنية والمباني السكنية والاغتيالات وقد استند مسؤولو هذين النظامين صراحةً إلى تقرير الوكالة نفسه كأساس لتبرير هجماتهم.

ومن النقاط المهمة والمثيرة للتفكير في هذا الصدد قصر الفترة الزمنية بين نشر التقرير وبدء العمليات النفسية والعدوان العسكري. تُظهر سرعة رد الفعل هذه أن تقارير الوكالة في كثير من الحالات لا تُعدّ أداة تحذير لتخفيف التوتر، بل حافزًا أمنيًا مُخططًا له مسبقًا. بعبارة أخرى، أصبحت التقارير التي يُفترض أن تكون محايدة، دافعًا لسلسلة من العقوبات والتهديدات والعدوان.

هذا النمط المتكرر لا يُشكك في الشرعية الفنية للوكالة الدولية للطاقة الذرية فحسب، بل يُشوّه أيضًا دور المؤسسات الدولية في ضمان السلام. عندما تُصبح التقارير ذات الصبغة السياسية، بدلًا من تخفيف التوترات، بوابات فعلية للحرب، لا بد من التساؤل: هل الدور الحقيقي لهذه المؤسسات هو التحقق أم تسهيل الحرب؟ لقد كانت تجربة الحرب الاخيرة إجابة مريرة على هذا السؤال؛ إجابة تمت بالصواريخ، لا بالدبلوماسية.

ضحايا التقارير المتحيزة للوكالة الدولية

مع أن إيران كانت الضحية الأبرز والأحدث لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتحيزة وأحادية الجانب، إلا أنها ليست الوحيدة. هناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تُظهر أن التقارير المتحيزة أو الاستخدام النفعي للمعلومات الصادرة عن الوكالة أو المؤسسات المماثلة قد لعب دورًا مباشرًا أو غير مباشر في خلق الأزمات والحروب والغزوات:

1. العراق (2003): الاستغلال السياسي للمعلومات الناقصة

من أشهر الأمثلة وأكثرها كارثية قضية أسلحة الدمار الشامل للعراق. فرغم أن الوكالة لم تزعم بشكل مباشر وجود برنامج نووي عسكري في العراق، إلا أن التفسير الناقص والمختصر، والمتحيز أحيانًا، لتقارير الوكالة من قِبل الولايات المتحدة وبريطانيا مهد الطريق لهجوم عسكري على العراق.

في الواقع، في عامي 2002 و2003، حذّر المدير العام للوكالة آنذاك، محمد البرادعي، مرارًا وتكرارًا من أن الوكالة "لا تملك أدلة موثوقة على جهود العراق لإحياء برنامجه النووي". إلا أن إدارة بوش ووسائل الإعلام المتحالفة معها تجاهلت هذا الموقف الرسمي ونشرت تقارير مختصرة ومبالغ فيها حول "الاحتمال الخطير" لوجود برامج أسلحة سرية عراقية. قضيةٌ أدّت إلى عدوانٍ واحتلال، وآلاف القتلى، وأكثر من عقدين من عدم الاستقرار الإقليمي.

2. ليبيا (2011): الثقة في التعاون تتحول الى نقطة ضعفٍ استراتيجية

بعد عام 2003، تخلّت ليبيا طواعيةً عن برنامجها النووي العسكري ومنحت الوكالة حقّ الوصول الكامل، ولكن في عام 2011، خلال الاضطرابات الداخلية، تذرّع الغرب بهذا التعاون السابق لتحليل ضعف البنية الدفاعية الليبية. ورغم تعاون ليبيا الكامل مع الوكالة وتدمير مخزوناتها وبرامجها، شنّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) غارةً جويةً مباشرة على ليبيا دون عقباتٍ سياسيةٍ تُذكر. ويرى العديد من المحللين أن تجربة ليبيا المريرة في تعزيز الثقة والتعاون أصبحت بمثابة جرس إنذارٍ للعديد من الدول الأخرى في العالم.

3. كوريا الشمالية: التجربة السلبية للتعاون مع الوكالة

في تسعينيات القرن الماضي، انضمّت كوريا الشمالية إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة (Agreed Framework)، ودخل مفتشو الوكالة البلاد. ومع ذلك، بعد تصاعد تقارير الوكالة والخلافات السياسية مع الولايات المتحدة، وتفسير وسائل الإعلام لعملية التعاون على أنها "تستر كوري شمالي"، انسحبت بيونغ يانغ من معاهدة حظر الانتشار النووي عام ٢٠٠٢ وطردت المفتشين.

تشير التقارير إلى أن جزءًا من قرار كوريا الشمالية بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي يعود إلى الاستخدام السياسي لتقارير الوكالة، وما أثارته من تحليلات أحادية الجانب وغير بناءة على الساحة الدولية. في النهاية، صنعت كوريا الشمالية قنبلة نووية؛ وهو مسار ربما كان من الممكن تفاديه بالحفاظ على حياد المؤسسات الدولية، وخاصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

رایکم