
عندما نقول ان ايران انتصرت في الحرب لا نقول ذلك من باب التعصب لمحور المقاومة، الذي ندعمه، وكراهيتنا للمحور الأمريكي الغربي الصهيوني، الذي نبغضه، بل هو انعكاس لحقيقة واقعة اشارت إليها كل تطورات الميدان، والتي وقف عليها اغلب المراقبين السياسيين من مختلف المشارب السياسية والعقائدية.
من اهم بديهيات الحروب هي أن من يحدد المنتصر والمهزوم فيها ليس الخسائر البشرية والمادية، بل بعد وقرب المتحاربين من الأهداف التي وضعوها قبل بدء الحرب، فاذا تحققت أهداف طرف ما من المتحاربين، فهذا الطرف سيكون هو المنتصر حتى لو قدم في سبيل ذلك تضحيات جسام، فهذه التضحيات هي من طبيعة الحروب، ولكن في المقابل لو كبد طرف في الحرب الطرف الاخر خسائر بشرية ومادية من دون أن يحقق الأهداف التي وضعها لحربه، فإنه سيكون المنهزم .
الثنائي الارهابي الأمريكي الاسرائيلي وضع لعدوانه الغادر على ايران أربعة أهداف، الأول تدمير البرنامج النووي الايراني، والثاني تدمير البرنامج الصاروخي، والثالث فرض الاستسلام على ايران بالقوة، والرابع والاخير تغيير النظام الإسلامي في ايران.
هذا الثناني لم يعجز عن تحقيق أي هدف من هذه الأهداف خلال المنازلة التي استمرت 12 يوما فحسب، بل أن ايران مرّغت انف أمريكا بالوحل وداست على كبريائها عندما دكت بالصواريخ أكبر قاعدة جوية والعصب الرئيس للقوات الأمريكية في غرب اسيا، قاعدة العديد الجوية في قطر، من دون أن تتجرا أمريكا على الرد. اما "اسرائيل" فشهدت مدنها وخاصة المنشات والمراكز الاستراتيجية والعسكرية والامنية والاقتصاديه فيها تدميرا لم تشهده على مدى 80 عاما من عمرها المشؤوم.
اللافت أن الهدف الذي وضعه ترامب لاستسلام ايران ورفعها الراية البيضاء لم يحققه بل على العكس حققته ايران، حيث رفع ترامب الراية البيضاء ووضعها أيضا بيد ذيله القذر نتنياهو، بعد دك قاعدة العديد، حيث اتصل ترامب بالمسؤولين القطريين مستجديا وقفا لإطلاق النار مع ايران، وهو ما اعترف به ترامب، الذي اعترف ايضا أن "اسرائيل" تكبدت خسائر فادحة خلال الحرب.
اما كلام ترامب حول تدميره المنشات النووية الايرانية، يكفي الوقوف على كذبه أن نلقي نظرة سريعة على تقارير وكالات الاستخبارات الأمريكية حول حقيقة ما جرى، وكذلك التقارير الصحفية والإعلامية لأهم الشبكات التلفزيونية والصحف الأمريكية، والتي فضحت جميعها كذبة ترامب التي لم يرددها الا رفيق دربه بالارهاب والمطارد من قبل العدالة الدولية كمجرم حرب، نتنياهو. وهو ما دفع ترامب وفريقه إلى شن هجمات لم تتوقف حتى الآن على تلك التقارير ، لاخفاء الحقيقة.
المضحك ان ترامب يقول ويكرر بمناسبة أو بغيرها، انه دمر البرنامج النووي الايراني، وان ايران لم تعد تمتلك برنامجا نوويا، وفي نفس الوقت يقول ويكرر انه سيتفاوض مع ايران ويحرمها من حق تخصيب اليورانيوم، ولا ندرى لماذا يريد حرمان ايران من حق التخصيب في الوقت الذي يقول انه دمر البرنامج النووي، فاذا كان قد دمره فلماذا يتفاوض مع ايران لتوقف التخصيب رغم أنه لا يوجد هناك يورانيوم اصلا لتخصيبه ولا اجهزة طرد مركزية؟!.
إن الانتصار الايراني تحقق فقط بمجرد تحدي ايران لاعتى قوة متوحشة في العالم، دون أدنى تردد، وهي قوة تخشاها دول عظمى مثل روسيا والصين، ولم تكتف بالتحدي فحسب بل دكت قواعدها العسكرية بالصواريخ، وهو فعل لم تقدم عليه أي دولة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، سوى ايران.
استسلام الثنائي الامريكي، حدث مباشرة بعد دك قاعدة أمريكية واحدة، وهناك عشرات القواعد الأمريكية وحاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة، ولم تستخدم ايران كل اوراقها، ولم تستخدم سوى جانب بسيط من قوتها العسكرية.