۱۲۲مشاهدات
تقریر؛

في ذكرى رحيله؛ الإمام الخميني (رض)، شخصية استثنائية تجاوزت حدود الجغرافيا والدين

يصادف اليوم الاربعاء مع ذكرى رحيل الامام الخميني(قدس سره الشريف) الذكرى السادس وثلاثين لرحيل مفجرة الثورة الاسلامية الامام روح الله الموسوي الخميني الذي كان شخصية استثنائية تجاوزت حدود الجغرافيا والدين، لتصبح رمزًا عالميًا للتحرر والكرامة.
رمز الخبر: ۷۱۴۷۳
تأريخ النشر: 04 June 2025

الإمام الخميني طاب ثراه، شخصية استثنائية تجاوزت حدود الجغرافيا والدين، لتصبح رمزًا عالميًا للتحرر والكرامة. لم يكن رجل دين فحسب، بل قائد نهضة، وفيلسوف تحوّل إلى فاعل تاريخي، واجه إمبراطوريات لا برصاصة، بل بعقيدة، لا بصراخ، بل بصبر وثبات. جمع بين الروحانية والسياسة، وبين الفكر الثوري والتقوى، فصنع من نفسه مدرسة لا تزال آثارها تتسع حتى يومنا هذا.

 

لم تكن الثورة الإسلامية حدثًا مفاجئًا في انتصارها عام 1979، بل بدأت جذورها العميقة منذ انتفاضة عام 1963، حين وقف الإمام الخميني بصلابة ضد نظام الشاه وداعميه، في لحظة بدت فيها المعارضة ضربًا من الخيال. في ذلك العام، ألقى كلمته الشهيرة التي هزت عرش الطاغية، وبدأت بها مرحلة المواجهة التي ستستمر ستة عشر عامًا من السجون، والنفي، والتضييق، إلى أن انتصرت الثورة وغيّرت وجه إيران والمنطقة.

 

المشروع الذي حمله الإمام الخميني كان أكبر من إسقاط نظام حكم؛ كان مشروعًا لتحرير الإنسان من التبعية والمهانة، وإحياء روح العزة في أمة فقدت الثقة بذاتها. لم يكن حالمًا يعيش في الماضي، بل قائدًا قرأ اللحظة وكتب فيها تاريخًا مختلفًا. في زمن كانت فيه أنظمة المنطقة مرتهنة للغرب، ظهر هذا الفقيه ليعلن أن الاستقلال ممكن، وأن السيادة ليست ترفًا بل حق، وأن الدين لا يتناقض مع العصر، بل يهدي الطريق إليه.

 

الأمر اللافت في شخصية الإمام أنه لم يكن زعيمًا ثورويًا تقليديًا، بل كان نسيجًا فريدًا من العرفان والسياسة، من التواضع الشخصي والحسم القيادي. لا عجب أن أعداءه قبل محبيه اضطروا للاعتراف بعبقريته؛ فقد وصفه كثير من مفكري الغرب بأنه من الشخصيات النادرة التي قلبت المعادلات بدون أن تمتلك جيشًا أو ثروة أو دعمًا خارجيًا. كان يمتلك ما هو أقوى: الإيمان بالفكرة، والصدق في خدمتها، والقدرة على إشعال شرارة لا تنطفئ.

 

الإمام الخميني لم يبدّل موقفه أمام الإغراءات ولا أمام التهديدات. رفض التنازلات، وعاش في بساطة الزاهد، وترك الدنيا ولم يترك مبادئه. لم يورث القصور بل ورّث نهجًا، لم يورث المناصب بل غرس في الناس شجاعة أن يقولوا لا للظلم، نعم للكرامة. حتى في لحظة الانتصار، لم ينشغل بمدح ذاته، بل أعاد الفضل للشعب، لهذا البحر الزاخر من المؤمنين الذين خرجوا معه من ليل القهر إلى فجر الحرية.

 

كل من يرفع اليوم راية المقاومة، من فلسطين إلى اليمن، ومن لبنان إلى العراق، إنما يستضيء بشيء من نور تلك المدرسة. لم يكن الإمام زعيمًا إيرانيًا فحسب، بل مفكرًا إنسانيًا أحدث انعطافًا في فهم العلاقة بين الدين والسياسة، بين الإيمان والفعل، بين الفقيه والتاريخ.

الإمام الخميني لم يمت، لأن المبادئ لا تموت. بقي صوته في ضمير الشعوب، وصورته في وجه كل مظلوم قرر أن يقف، لا يركع. هو رسالة متجددة أن الحرية تُنتزع، لا تُمنح، وأن الكرامة لا تُشترى، بل تُصان. ولذلك، سيبقى ملهم الأحرار، ودعوة مفتوحة لكل من أراد أن يعيش بعزة، وأن يموت واقفًا.

رایکم