
رفض نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، بشكل صريح الادعاء الذي ورد في صحيفة الغارديان، وذلك عقب تقارير إعلامية تفيد بأن بعض الوسطاء الإقليميين يضغطون على إيران لتقليص أو وقف أنشطة التخصيب.
وبخصوص ما إذا كان ادعاء وقف تخصيب اليورانيوم في ايران بشكل كامل لمدة أقصاها ثلاث سنوات قد أثير لأغراض بناء الثقة وما إذا كانت إيران قد قبلت مثل هذه الخطة، قال تخت روانجي خلال مقابلة صحفية: "لا، هذا غير صحيح ولم يتم طرح مثل هذا الشيء".
وكانت صحيفة الغارديان قد ذكرت في وقت سابق أن بعض الجهات الوسيطة، بما في ذلك قطر وسلطنة عمان، اقترحت أن تخفض إيران مستوى التخصيب إلى الصفر لمدة ثلاث سنوات لتمهيد الطريق لبناء الثقة الأولية والعودة خطوة بخطوة إلى مسار الاتفاق النووي. ويأتي هذا الزعم في ظل تزايد المشاورات غير الرسمية والمفاوضات خلف الكواليس بين طهران والغرب، واعتبره البعض إشارة إلى محاولة خلق اتفاق مؤقت أو جسر دبلوماسي بين الجانبين.
لكن من خلال رفضه الصريح لهذا التقرير، أكد تخت روانجي فعليا على الخطوط الحمراء النووية الإيرانية. وهو موقف يظهر أن طهران لا تزال تعمل على أساس المبادئ التي أعلنها قائد الثورة الاسلامية والمجلس الأعلى للأمن القومي، وليست مستعدة لتعليق حقوقها الراسخة في مجال التخصيب، حتى مؤقتا.
لماذا يعد "التخصيب الصفري" أمراً غير مقبول من وجهة نظر إيران؟
وفي الأدبيات الدبلوماسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يُعتبر تخصيب اليورانيوم ليس فقط قدرة تكنولوجية، بل أيضاً رمزاً للاستقلال الاستراتيجي وتحقيقاً للمقاومة ضد الضغوط الغربية. إن أي اتفاق يسعى إلى تعليق هذا المكون، حتى ولو بشكل محدود ومؤقت، من شأنه أن يشكل، في نظر صناع القرار الإيرانيين، عودة إلى سياسة الابتزاز النووي.
ومن وجهة نظر القانون الدولي، فإن إيران لديها الحق في دورة وقود نووي كاملة للأغراض السلمية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي والاتفاق النووي. ولم يسبق أن أثير شرط "التخصيب الصفري" إلا في اتفاقيات على غرار تلك التي وقعت في ليبيا أو في ظروف محددة تتعلق ببلدان مثل الإمارات العربية المتحدة، وهو ما لا يمكن تعميمه على موقف إيران.
وفي الأسابيع الأخيرة، تحدثت وسائل الإعلام الغربية عن مقترحات غير رسمية قدمتها بعض الدول، بما في ذلك عُمان وقطر وحتى فرنسا. والهدف من هذه المقترحات ليس بالضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي، بل اختبار المناخ السياسي في طهران وتقييم مدى استعدادها لاتخاذ خطوات أولية لبناء الثقة.
ويعتقد المحللون أن بعض هذه الروايات تهدف إلى ممارسة الضغط النفسي وإدارة الرأي العام داخل إيران وتمهيد الطريق لإحياء نسخة ضعيفة من الاتفاق النووي - وهي النسخة التي قد ترفع بعض العقوبات ولكنها تبقي الحقوق النووية الإيرانية محدودة.
استقرار موقف إيران وتأكيدها على الحقوق الثابتة
إن تصريحات تخت روانجي الرافضة لتقرير الغارديان ينبغي أن تعتبر إشارة واضحة إلى إصرار إيران على خطوطها الحمراء الاستراتيجية في المفاوضات النووية. ومع تزايد الضغوط الخارجية في شكل دبلوماسية إعلامية، تحاول طهران إبقاء أبواب الدبلوماسية مفتوحة مع تجنب تكرار تجارب الماضي المكلفة، مثل الاتفاقيات غير المكتملة أو الاتفاقيات التي تفتقر إلى ضمانات التنفيذ.
وبناء على التجارب السابقة، يبدو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تقبل المفاوضات إلا في إطار الكرامة والحكمة والمصلحة، وأن مقترحات مثل "التخصيب الصفري" لن يكون لها مكان في معادلات طهران ــ حتى لو تم تقديمها من خلال جهات وسيطة.