
لم نتوقّع أيّ نجاحٍ لجولة المُفاوضات الأخيرة التي انعقدت في الدوحة برعايةِ الولايات المتحدة ورئيس مُخابراتها وليام بيرنز من أجل وقف الحرب في غزة، وانتهت بالفشل الذّريع يوم أمس الجمعة، لأنّ الهدف الأمريكيّ الحقيقيّ من انعِقادها لم يكن وقف المجازر في القطاع، وإنّما تأجيل، أو منْع الرّد الجماعي لمحور المُقاومة على الاغتيالات الإسرائيليّة المُستمرّة لرُموزه وآخِرهم الشّهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، والحيلولة دُونَ إشعال فتيل حربٍ إقليميّة، وربّما عالميّة، تكون “إسرائيل” الخاسِر الأكبر فيها، هذا إذا بقيت على قيد الحياة أساسًا.
فعندما ترفض حركة “حماس” المُشاركة فيها، بتعليماتٍ صارمةٍ من قائدها المُجاهد يحيى السنوار، فإنّ الكتابة واضحة على الحائط، ولا تحتاج إلى تحليل، وإنّ هذا الرّفض يأتي من وجودِ قناعةٍ راسخةٍ بأنّ فصائل المُقاومة في القطاع لا تثق مُطلقًا بالرّاعي الأمريكي ونواياه، مثلما لا تثق أيضًا بالوُسطاء العرب المُتواطئين الذين يُوفّرون له الحجج والذّرائع لمُواصلة دعمه وشراكته في حرب الإبادة في القطاعِ الصّامد.
هُناك عدّة مُؤشّرات تُؤكّد أن رد محور المُقاومة على الاغتيالات الإسرائيليّة قد نضج وباتَ وشيكًا جدًّا:
الأوّل: إعلان كُل من “حزب الله” وإيران عن وجود مدن أنفاق كاملة مُجهّزة بمنصّات إطلاق للصّواريخ الباليستيّة والمُسيّرات وبِما يُؤدّي إلى الرّد الكاسِح على أيّ هجماتٍ استباقيّة إسرائيليّة لأهدافٍ عسكريّةٍ لا مدنيّةٍ فوق الأرض.
الثاني: تأكيد السيّد عبد الملك الحوثي زعيم حركة أنصار الله اليمنيّة يوم أمس الأوّل (الخميس) بأنّ الرّد آتٍ حتمًا، وأنّ التّأجيل جاء بهدفِ الإعداد الجيّد لهُ لتحقيق أهدافه، وإيقاع خسائر كبيرة بالعدو، والرّجل يقول ويفعل.
الثالث: كشف جون كيربي المتحدّث باسم البيت الأبيض اليوم بأنّ واشنطن لديها معلومات بأنّ إيران زعيمة محور المُقاومة لم تتخلّ عن الرّد بشنّ هُجومٍ ثأريٍّ مُباشرٍ على “إسرائيل” وأنّ استِعداد كُل من “أنصار الله” في اليمن و”حزب الله” في لبنان للرّد أوشكَ على الانتهاء وفي حالةِ جُهوزيّةٍ عالية.
الرابع: اعتراف السيّد أمير الموسوي المُفكّر الإيراني القريب من صُنّاع القرار في طهران في مُقابلةٍ مع “الميادين” بأنّ قيادة بلاده تلقّت تحذيرات أمريكيّة من هُجومٍ نوويٍّ إسرائيليٍّ في حالِ إقدامها على الرّد، حملت التّحذيرات دولة عربية إليها، وجاء الرّد عليها بأنّ الرّد سيكون “مُماثلًا” وساحقًا.
الخامس: السيّد علي خامنئي المُرشد الإيراني والقائد الأعلى للقوّات المُسلّحة الإيرانية، الذي أكّد مُنذ اليوم الأوّل لاغتيال الشّهيد إسماعيل هنية في قلب طِهران، أنّ الرّد الإيراني سيكون مُباشرًا وليس عبر الوُكلاء، أي أذرع محور المُقاومة العسكريّة، وأصدر تعليماته بتركيب الرّؤوس الحربيّة لآلاف الصّواريخ الباليستيّة وفرط صوت، والمُجنّحة، إلى جانب آلاف المُسيّرات الانغماسيّة (الانتحاريّة) وتجهيز المواد اللّازمة من اليورانيوم المُخصّب بدرجاتٍ عالية، وأجهزة التّفجير اللّازمة للرّد فور سُقوط أوّل صاروخ إسرائيلي على المُنشآت النوويّة الإيرانيّة وهذا يعني عمليًّا إصدار فتوى جديدة تُلغي سابقتها.
نَحمَدُ الله أنّ المُجاهد السنوار يختلف عن غيره من القادة الفِلسطينيين والعرب من حيثُ شجاعته، وصلابة موقفه، ومعرفته الدّقيقة للعدو الإسرائيلي وعقليّته المُخادعة، وفُقدانه للرّدع، ولهذا قاطع مُصيبًا الجولة الأخيرة من المُفاوضات في الدوحة، وسيُقاطع حتمًا، أو هكذا نعتقد أي جولة مُماثلة قادمة في القاهرة بعد بضعة أيّام، ويتمسّك بمطالبه بانسحاب إسرائيل الكامل ووقفٍ دائمٍ لإطلاق النّار، وبدء إعادة الإعمار فورًاز
فعندما يرتكب نتنياهو وجيشه مجزرة حي الدرج في غزة التي راحَ ضحيّتها 120 شهيدًا جميعهم من المدنيين وأطفالهم استقبالًا لجولة الدوحة، ويقتحم بن غفير المسجد الأقصى على رأس ثلاثة آلاف مُستوطن، وتدعم الولايات المتحدة هذه الانتهاكات بإرسال فوري لها قيمته 20 مِليار دولار من الأسلحة والقنابل والطّائرات الحديثة، فهذا يعني أنّها الحرب الأخيرة في الشّرق الأوسط، وتهافُت المسؤولين الأمريكيين إلى عواصم المِنطقة للاستِعداد وليس للتّهدئة، يُؤكّد هذه الفرضيّة ولا ينفيها.
نتنياهو يُريد توريط أمريكا في حربٍ ضدّ إيران التي تُشكّل وبرنامجها النووي الخطر الوجودي الأكبر على كيانه الهش المُرتعش رُعبًا وليكن، فهُناك 40 ألف جندي أمريكي في أكثر من 30 قاعدة أمريكيّة عسكريّة في المِنطقة هؤلاء سيكونون أوّل الأهداف علاوةً على أكثر من 10 ترليون دولار كخسائر ماديّة، إن لم يكن أكثر، ولعلّ قصف قاعدة عين الأسد (العِراق) وكينكو (سورية) والتنف على حُدود الأردن وسورية والعِراق قبل بعشرات الصّواريخ يوم أمس الأوّل هو الإنذار وبداية الغيْث الصّاروخي العربي، والرّسالة الأكثر وضوحًا لبايدن ورهطه.. والأيّام بيننا.