استكمالاً للمقالة السابقة وللإجابة على الأسئلة المطروحة في العدد السابق، من الجيد أن نبدأ بهذا السؤال،لماذا يتورط مواطن سويدي في مهمة لإسرائيل ومشاريع تخريبية سرية ضد إيران ويدفع تكاليفها وعواقبها؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة للسويد، وهي دولة مستقلة ذات هوية استقلالية اوروبية؟
ووفقا للتاريخ، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار فرضيتين أساسيتين في هذا الصدد:
- أولا، كان لدى السويديين مكتب أمني نشط في السفارة السويدية في طهران منذ الحرب العالمية الثانية.
- ثانيا، السويد ليست دولة مستقلة، وخاصة في القرن العشرين، فهي تدار اقتصاديا من قبل عائلات يهودية، ومن الناحية الأمنية فهي تقع بالكامل تحت نفوذ وسيطرة أمريكا.
و انطلاقا من هاتين الفرضيتين لا بد لنا ايضا من دراسة تاريخية مختصرة لحالة النفوذ اليهودي في السويد.
الأسماء اليهودية المسجلة في الوثائق المتبقية في القرن السابع عشر في السويد
کانت تسجل الأسماء اليهودية المسجلة في الوثائق المتبقية في القرن السابع عشر في السويد.ففي عام 1680، قدّم يهود ستوكهولم التماسا الى الملك للسماح لهم بالإقامة و بالاستقرار هناك دون التخلي عن عقيدتهم، لكن الطلب رُفض لأن المجلس التشريعي المحلي رفض الموافقة عليه. في 3 كانون الاول/ ديسمبر 1685، أمر تشارلز الحادي عشر الحاكم العام للعاصمة بعدم السماح لأي يهودي بالاستقرار في ستوكهولم أو في أي جزء آخر من السويد نظرا للخطر المتمثل بالتأثير المحتمل للدين اليهودي على الإيمان الإنجيلي النقي، و في حال وُجد يهود في أي مجتمع سويدي، فإنه يجري إنذارهم بالرحيل خلال أربعة عشر يوما.
كما يمكن تتبع تاريخ اليهود في السويد من القرن السابع عشر، حين تأكد وجودهم في سجلات التعميد الخاصة بكاتدرائية ستوكهولم. فقد عُمدت عدة عائلات يهودية وفقا للكنيسة اللوثرية، وهو شرط للسماح لهم بالاستقرار في السويد. مثلا، في عام 1681، عُمد 28 فرد من عائلتي إسرائيل ماندل وموسى جايكوب في الكنيسة الألمانية في ستوكهولم بحضور ملك السويد كارل الحادي عشر، والملكة الأرملة هيدويغ إليونورا من هولشتاين-غوتورب، وعدة مسؤولين آخرين رفيعي المستوى من الدولة.
أمضى الملك كارل الثاني عشر (1697 – 1718) خمس سنوات مع معسكرٍ للجيش في البلدة التركية بيندر وراكم هناك كمَا كبيرا من الديون من أجل حاشيته. تبعه الدائنون اليهود الى السويد وبالتالي كان عليه تقديم التسهيلات للجالية اليهودية لأنه مدين لهم فعُدّل القانون السويدي حتى يتمكنوا من إقامة شعائرهم الدينية وتسوية امورهم هناك.
وتحت رعاية البلاط الملكي، كان التجار اليهود يُعيَّنون في بعض الأحيان مُموّنين ملكيين. عادةً، كان يُرافق الملك تشارلز الثاني عشر يهوديّ ثري واحد أو أكثر في الميدان كصراف رواتب لجيشه في الخارج. في عام 1718، حصل اليهود على الإذن بالاستقرار في المملكة دون الحاجة الى الارتداد عن دينهم.
اقامة اليهود في ثلاث مدن سويدية فقط
في عام 1782 وتحديدا بفضل جهود الليبرالي البارز "أندرس كيدنيوس " ، أُصدر قانون (judereglementet) قُيّد اليهود من خلاله بالإقامة في إحدى المدن الثلاث: ستوكهولم، غوتنبرغ، نورشوبينغ. لاحقا أُضيف إليهم بلدة كارلسكرونا، لأن احد اليهود اسس هناك معملا لتصنيع الأزياء البحرية المدنية والعسكرية. لم يُسمح لهم بالتجارة أو حيازة الممتلكات في أسواق المدن الاخرى ، ولم يحق لهم العمل في المناصب الحكومية والترشيح الى البرلمان، كان محظورا عليهم تحويل اللوثريين الى الدين اليهودي.
كانت الحكومة راغبة بجذب اليهود الأثرياء إلى البلاد، لكنها كانت حريصة أيضا على منع دخول بائعي الحلي المتجولين من منزل الى منزل لبيعها،وقد دخل بعض منهم في السنوات السابقة الى السويد من ألمانيا. لذا، كان مطلوبا من أي يهودي أجنبي يستقر في السويد أن يُبلغ عن وجوده الى السلطات المحلية خلال ثمانية أيام من وصوله، وأن يُقدم جواز سفره وهويته الشخصية إضافة الى تصريح عن سبب مجيئه إلى البلاد.
وقد أُصدرت هذه الوثائق (جواز السفر، الهوية الشخصية) من قِبل شيوخ الجماعة التي انتمى إليها المهاجرون في بلدهم الأصل، وكان يجب التحقق منها من قِبل السلطات المحلية الخاصة بالمكان الذي استقر فيه المهاجر آخر مرة. إن لم تُقبل الوثائق، فإن للسلطات الحرية بطرد حاملها. لكن في حال قبولها، كان المهاجر يُوجَّه الى ستوكهولم أو غوتنبرغ أو نورشوبينغ للاقامة هناك.
المهن المسموح لليهود العمل بها
وكان يُطلب من اليهود المقيمين في البلاد قبل إصدار هذا القانون إحضار هوياتهم الشخصية إلى السلطات المختصة، مع تصريح يُبين المدينة التي يرغبون بالاستقرار والعمل فيها. ذكر القانون المهن المختلفة التي سُمح لليهود بالعمل فيها،، ونص أيضا على أنهم يجب أن يضعوا أبناءهم كمتدربين تحت يد التجار السويديين في واحدة من المدن الثلاث المذكورة أعلاه. كما نص أنه لا يُسمح لأي يهودي أجنبي المولد البدء بعمل تجاري ما إلا إذا امتلك على الأقل 2,000 ريكسدالر سويدي نقدا أو سندات قابلة للتداول، وكان على اليهودي الذي يولد في السويد أن يمتلك 1,000 ريكسدالر فقط وتم استثناء الحاخامات من هذه القاعدة، ووفقا للقوانين السابقة، كان يتم ترحيل اليهود الفقراء من البلاد.
اما بالنسبة لتجارة التجزئة، مُنع على اليهود بيع المواد الغذائية والمشروبات الكحولية والعقاقير، وسُمح لهم ببيع موادهم الخاصة من الطعام والنبيذ ولحم الكوشر(أي اللحم الحلال) والفطير اليهودي (ماتْساه) وما الى ذلك وفيما بينهم فقط. وأكثر من ذلك، لم يكن يُسمح لبائع التجزئة اليهودي بعرض بضائعه في الأسواق خارج المدينة التي يستقر فيها (أُعطي الإذن فقط للإقامة في ستوكهولم وغوتنبرغ وكارلسكرونا ونورشوبينغ) وكان مُجبرا على القيام بعمله في محلات مفتوحة وكان ممنوعا عليه البيع مُتنقلا من منزل الى منزل أو في الشوارع.
المعابد اليهودية في السويد
سُمح لليهود بتأسيس معابد يهودية في المدن الثلاث المذكورة أعلاه، وبالإبقاء على الحاخامات وعلى شخصيات كنسية أخرى .و كان التزاوج بين اليهود والمسيحيين ممنوعا ومقابل كل عقد زواج يهودي كان يجب دفع ضريبة بقيمة ستة ريكسدالار سويدي الى دار أيتام الحرس الملكي، وهو شرط يعتبر بمثابة الضريبة تعويضا للجيش على إعفاء اليهود من الخدمة العسكرية.
وفي سبيل حماية مصالح نسل اليهود المهاجرين، أمرت الدولة في حال وفاة يهودي أن يقوم شيوخ الجماعة بجرد أملاكه وتقديم بيان عنها، إما إلى محاكم شؤون الأيتام أو إلى السلطات المحلية. ومع ذلك، كان لليهود الحق بتعيين أوصياء على القاصرين، وتملك المحكمة الحاخامية الصلاحية في حالات التوريث. اما في الدعاوي بين اليهود والمسيحيين وحين لا يمكن إثبات الحقائق إلا عن طريق القسَم، كان يُطلب من اليهود إجراء القسم اليهودي التقليدي في الكنيس في حضور القاضي.وكان اليهودي الذي يدان بشهادة زورعرضة للترحيل من البلاد.
وفي عام 1774، انتقل آرون إسحاق من بوتزو إلى ستوكهولم وبدأ العمل كنقاش أختام، ثم عمل لاحقًا كصاحب متجر. في عام 1779، أصدر البرلمان السويدي الإذن بإنشاء كنيس يهودي في ستوكهولم، والذي بدأه إسحاق وأصبح فيما بعد موردا للجيش السويدي، خاصة خلال الحرب الروسية السويدية 1788-1790.