طالت أيام الحرب وإزدادت وحشية الصهاينة وباتت اكثر وحدة وانعزالا من ذي قبل، تشوهت معالم الحياة وتيتم من تيتم وغردت في السماء اراوح من استشهد وتجددت معاناة من نجا...عن غزّة أحدثكم.
يتوقف العقل عن الاستيعاب وتنحبس الانفاس وتتسمر الاعين في حيرة مما ترى وتختنق القلوب بغصتها وحزنها عما قد جرى ...عن غزة احدثكم.
نسابق الزمن ونتصفح الاخبار علّنا نكون في قلب الحدث ونعيش الحقائق والوقائع الأليمة التي تمر بها تلك البقعة الهادئة الصاخبة من الارض. ففي كل مشهد تراه ،ولوعن بعد، تشتم رائحة الدم والدمار والغبار وتسمع انين الجرحى من تحت الانقاض وتنهش عظامك صرخات اطفال ذنبهم الوحيد انهم اطفال غزة... عن آهات غزة احدثكم.
هي التي سُجنت في اروقة الموت، عادت اليوم وانتفضت لتسجل للتاريخ ان المقاومة تولد من رحم الاشجان وان اهلها مهما جارعليهم الصهاينة من قتل ودمار وتشريد وابادة جماعية صامدون وباقون في ارضهم وان قوانين حقوق الانسان والحرب الدولية تُنتهك على مرأى ومسمع العالم كله وكأن شيئا لم يحدث...عن عزّة غزة احدثكم.
اصبح الموت في الطرقات كإشارات السير يعلن قوانينه بالثواني،وبالمعنى الحرفي قد يعجن لحمك ودمك بالركام والخبز وانت في انتظارك لرغيف بطوابير المخابز.واما الماء يجب ان تجتاز ماراتونا بين 2 الى 3 كلم مشيا لتحصل على قارورة ماء صغيرة تكفيك فقط للشرب، والطعام إن تَوَفَر تقاسمه مع العشرات...عن لقمة عيش غزة احدثكم.
يكتبون اسماءهم على اياديهم واجسامهم حتى اذا قصفوا لا يكونوا من المجهولين، فالكل ينتظر دوره واحد تلو الاخر ويتشهد في اليوم مئات المرات لأنه لا يعرف اين سيكون حين سيموت ...عن امن غزة احدثكم.
ينتشلون البعض منهم اشلاء، ويسجلون البعض الاخر في عداد المفقودين،واذا نجوا ، اما تراهم يبحثون عن العابهم بين الركام واما تراهم يتفقدون من بقي حيا من اهاليهم، وقد تراهم وبكل براءتهم يشكرون المسعفين على انقاذهم ، او يسألون انحن ذاهبين الى المقبرة ظنّاَ منهم انهم قد استشهدوا ...عن اطفال غزة احدثكم.
يبحثون بأيديهم عن الناجين في وسط دمار هائل كأنهم يبحثون عن إبرة في كومة قش، يواسون الاطفال وينهارون امام ضحكاتهم، يسعفون الجرحى وينقلون الشهداء ويُقصفون فيصبح الطبيب والمسعف والجريح شهداء...عن منظومة غزة الصحية احدثكم.
لا يعترضون على حكم الله، يخرجون من تحت الركام ويهتفون كلنا فداء للاقصى وللمقاومة ولفلسطين ، يستقبلون شهادة عائلاتهم بعبارة يارب خذ حتى ترضى، يقرؤون القرآن رغم الالم وهم محستبون صابرون ..عن ايمان غزة احدثكم.
ترفض غسل يديها اللتين تلونتا بدم ابنائها الذين استشهدوا في حضنها وتقل يارب تقبل منا، تهرع باحثة عن فلذات اكبادها وتصفهم علها تجد بصيص امل يخبرها بأنهم مازالوا احياء، تنصدم وتنهار في مكان عملها حين ترى اولادها مابين جريح وشهيد...عن امهات غزة احدثكم.
بادل اثنين من ابنائه مع اثنين من ابناء اخيه ربما ينجو منهم احدا، يبحث عن ابنائه الاربعة تحت الركام ويناديهم بأسمائهم الواحد تلو الاخر عله يسمع اجابة من احدهم، يبحث في اروقة المستشفى عن ابنه المفقود فيجده مضرجا بدمائه...عن اباء غزة احدثكم.
ذهبوا ليوثقوا الخبر ويوصلوه الى العالم فعادوا شهداء ليكونوا هم الخبر وليسوا المخبرين، يشاهدون الموت في كل تغطية يلاحقون الخطر وهم في قلب الخطر، تارة ينهارون وتارة يشمخون وتارة اخرى يشعرون بالعجز حتى لو بكلمة لتهدئة من روع الاشخاص...عن صحافيي غزة احدثكم.
عن ماذا احدثكم بعد...فالاحاديث كثيرة لا يتسع لها المكان ولا الزمان ، والروح قد انهكت من هول ما سمعت ورأت والضمير الحي لبس سواده واعلن حداده عن صمت البعض المتخاذل مع ادنى شعور للانسانية.فكل ما اعرفه ان اطفال غزة يستحقون الحياة مثل كل اطفال العالم وأن شعبا يحمل همومه واهاته بمفرده ويستمر بالحياة كيف له ان يهزم.
وفي الختام ، حال اهل غزة نقلا عن شاب غزاوي:" غزة تسلم عليكم يا حكام العرب، وتقول لكم عندما تنتهي الحرب لا ترسلوا لنا الثياب لأننا نرتدي ثياب الكرامة ، لاترسلوا لنا الطعام لأننا شبعانين عزة، لا ترسلوا لنا الاموال لان نفوسنا عزيزة ، كلمة واحدة فقط اطفال غزة هم الذين سيسألونكم ويقفون امامكم عند الله لأن خطيئتهم برقابكم...والسلام".
*مراسلة وكالة إرنا