لم تعد العلاقات الأمريكيّة ـ السعوديّة كما كانت عليه خلال الألفيّة الماضيّة، إذ أدّى تراجع حاجة الولايات المتّحدة للنفط السعودي إلى تمخّض واقع سياسي جديد، هندست واشنطن علاقاتها على أساسه مع دول المنطقة عامةً والسعودية على وجه الخصوص. الهول السعودي أطلّ برأسه من هنا، فراحت الرياض تقاتل بشراسة لاستعادة مكانتها أمريكيّاً. لاحقاً، بات النفط السعودي حاجة آسيويّة، فعملت الرياض على تجسير العلاقات مع موسكو وبكين. علاقات يتفهّمها الأميركي إلى حدٍّ معين، لكنه يمنع الجميع من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها لحماية سوقه السعودي، وإلا باغتتهُ الإدارة الأمريكيّة بسيلٍ من العقوبات الاقتصاديّة، والتي إن حصلت ستوجّه ضربة قاضية للاقتصاد السعودي الذي يُنازع في ظل إخفاقات رؤية 2030. وللحديث عن العلاقات السعودية ـ الأمريكية، والسعودية ـ الآسيوية حاور "مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير" الدكتور فؤاد إبراهيم، عضو الهيئة القياديّة في "لقاء" المعارضة في الجزيرة العربيّة.
المحور الأول: العلاقات السعودية ـ الأمريكية
استهلّ الكاتب والباحث السياسي د. إبراهيم كلامه بالحديث عن تراجع حجم استيراد الولايات المتحدة للنفط السعودي بسبب ارتفاع حجم الإنتاج الأميركي، وخصوصاً النفط الصخري الذي سرّعت الولايات المتّحدة وتيرة إنتاجه، لتصبح اليوم أكبر منتج للنفط في العالم، تليها روسيا والسعودية. ثم عاد إبراهيم ليقول إن ذلك لا يكفي بالنسبة للولايات المتّحدة التي تنتجُ تقريباً 12 مليون ونصف برميل يوميّاً، لأن استهلاكها اليومي يصل تقريباً إلى 20 مليون برميل، وبالتالي هي بحاجة للاستيراد. هنا عوّضت واشنطن هذا النقص من دول غير السعودية، مثل كندا والمكسيك وغيرها لذا تراجع حجم الاستيراد الأميركي من السعودية.
لكن رغم ذلك، لا تزال السعودية لاعب فاعل في السوق النفطيّة، ويُطلب منها أن تُغطّي النقص، فضلاً عن أن الرياض كانت دائماً تلعب هذا الدور وتحديداً في أثناء الحرب الباردة، عندما كانت السعودية تُعلن أنها على استعداد تعويض أي نقص في السوق النفطيّة، فضلاً عن أنها تمثّل اللاعب الرئيس في منظّمة "أوبك" كونها تنتج ثلث إنتاج "أوبك"، أي 10 مليون مقابل 30 مليون، ولذلك هي الصوت الأعلى، وذات دور رئيس في الحفاظ على مستوى مستقر من الإنتاج، وفق معادلة العرض والطلب بهدف ضغط الأسعار، فالرياض هنا أشبه بالناظم للسوق النفطيّة العالميّة.
عضو لقاء المعارضة يوضح ما حصل خلال العامين الأخيرين، وتحديداً في أثناء الإرباك الحاصل في العلاقات السعوديّة الأمريكيّة، مؤكداً أن الرياض لا تمتلك خيار إعادة تجربة عام 1973 بحظر النفط العالمي التي صبّت في مصلحة شركات النفط العالميّة، لأنه مع ارتفاع أسعار النفط، ليست السعودية وحدها من استفادت إنما أيضاً تلك الشركات. خاصّة وأنه في عام 1973 كانت الشراكة لا تزال أمريكيّة سعوديّة، إذ إن "أرامكو" هي في الأصل شركة الزيت العربيّة الأمريكيّة، وحتى عام 1973 كانت هذه الشركة لا تزال أمريكيّة سعوديّة، ثم جرى التأميم في بداية الثمانينيّات.
إذاً الاستفادة كانت مشتركة، صحيح تضرّر المواطن الأميركي والأوروبي، لكن الشركات النفطيّة الأميركيّة كانت مستفيدة بشكلٍ كبير، ومنذ ذلك الحين بدأت سياسة البترودولار، إذ لم تعد الرياض تتحكّم بمداخيل النفط، نظراً لأنها باتت تنتقل إلى البنوك الأمريكيّة. ثم دخلت هذه الأموال في الدورة الرأسماليّة الأمريكيّة اليوميّة، لأن أموال السعودية أساساً موجودة في داخل البنوك الأمريكيّة، ولذا نلاحظ في عام 2008 حينما حصلت أزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة، وُظِّفت أموال دول الخليج المودعة والتي وصلت تقريباً إلى 6 تريليون دولار، منها 3 تريليون للسعودية في معالجة الأزمة، فالسعودية لديها أموال طائلة في البنوك الأمريكيّة، فضلاً عن شراء سندات الخزينة، إذ تأتي السعودية الدولة الثانية بعد الصين مباشرةً في شراء هذه السندات.
السعودية تأمل باستعادة الحظوة الأمريكية
يجد الباحث السياسي أن الأزمة الحاليّة بين واشنطن والرياض بشأن أسعار النفط، هي ذات طابع سياسي أكثر منه اقتصادي، لأن السعودية تأمل باستعادة الحظوة التي حصلت عليها في عهد ترامب. وعليه، إن مكالمة هاتفيّة واحدة من الرئيس الأميركي جو بايدن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان يمكن أن تغيّر الموقف تماماً، لأن السعودية تستجيب في المسائل السياسيّة. على سبيل المثال، حالياً هدنة اليمن، هي قرار أميركي وليس سعودي، وكل المفاوضات التي كانت تجري بين اليمن والسعودية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كان الأميركي هو المايسترو لها.
على الرغم من الرفض السعودي لرفع إنتاج النفظ للتخفيف من الأزمة النفطية العالمية بسبب الحرب الأوكرانية، إلا أنها تصنّف ضمن الرسائل السياسية التي تحاول السعودية توجيهها للإدارة الأمريكية الجديدة كما يقول الباحث، ويرى أنه قرار غير جدي. يشرح إبراهيم أن السعودية ترغب في إعادة إنتاج الحماية الأمريكيّة، فبعد انهيار الإتحاد السوفياتي، لم تعد السعودية الدولة الوظيفيّة المطلوبة بالنسبة للأميركي، وقد أوصل الأخير رسائل أكثر من مرّة للرياض أكّد فيها أنه لدى واشنطن تحدّيات جديدة في أوراسيا، يعني أن واشنطن في مواجهة مع التّنين الصيني، لذلك يجب أن يتخلّى السعوديون ولو بشكل جزئي عن الاعتماد على الحماية الأمريكيّة. ولذلك، يقول الباحث، إن أوباما وفي مقابلته مع مجلة The Atlantic، في الحوار الصحفي مع Geffrey Goldberg في عام 2016، دعا السعوديين إلى حل مشاكلهم الداخليّة مع الشعب، محذّراً من أن تنفجر ثورة ضدهم. كذلك في موضوع العلاقة مع إيران، نصحهم أوباما بالشراكة، ونبّههم إلى أن واشنطن لا يمكن أن تخوض حروباً بالنيابة، ومكلفة من دون جدوى. وبالتالي يجب أن يتقاسموا النفوذ مع الجيران وتحديداً إيران.
في المقابل، كانت السعوديّة مصرّة على إبقاء أميركا في المنطقة، ولذلك في عهد ترامب قدّمت لها عرضاً سخيّاً غير مسبوق في تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية بحسب تعبير إبراهيم الذي أكّد أن الـ 460 مليار دولار التي حصل عليها ترامب حين زار السعودية في حزيران/ يونيو عام 2017، كانت صفقة كبرى جداً لم يسبق أن حصلت عليها الولايات المتحدة في عقود سابقة. والغرض منها إبقاء واشنطن كراعي للنظام السعودي في المنطقة.
الوراثة الاقتصاديّة الجديدة للشركات الأمريكيّة
ينقلنا المعارض السياسي للحديث عن الوراثة الاقتصاديّة الجديدة للشركات الأمريكيّة، ويذكر أن محمد بن سلمان دمّر مؤسّسة العائلة المالكة، وفكّك المؤسّسة الدينيّة، كما غيّر وجهة الاقتصاد في بيع جزء من حصّة أرامكو، وتوظيف الأموال السعودية للاستثمارات في الشركات الأجنبيّة والأمريكيّة على وجه التحديد. ولذلك حين زار محمد بن سلمان الولايات المتّحدة في عام 2017، التقى مع كبار رؤساء الشركات الأمريكيّة الحديثة أمثال "فيسبوك" و"أمازون" و"غوغل" وغيرها. الغرض من هذه الشركات كما يوضح إبراهيم هي أنها ستكون الوارث الاقتصادي للشركات النفطيّة العالميّة الأميريكيّة. بمعنى آخر، كان ابن سلمان يريد دخول الولايات المتّحدة بكل ثقلها لحمايته وأن تكون رافعة لوصوله الآمن إلى العرش السعودي، لكن ما حصل أنه بعد فشل ترامب ومجيء بايدن، شعر ولي العهد بالخطورة، خاصّة بعد تدميره الممنهج للداخل وللعائلة. والواضح أن بايدن متردّد في هذا الأمر، ليس أخلاقاً منه، إنما لأنه ألزم نفسه أمام الرأي العام بمحاسبة الذين ارتكبوا جريمة الصحفي السعودي جمال خاشفجي. إلا أنه رغم ذلك كلّه، لا يزال محمد بن سلمان يراهن على الأميركي، وفق إبراهيم.
معادلة "النفط مقابل الحماية" لم تعد قائمة
لكن مع مرور الوقت، تبدّلت العلاقات السعودية الأميركيّة لأن مكوّنات معادلة "النفط مقابل الحماية" لم تعد قائمة اليوم. السبب الرئيس وفق إبراهيم، هو أن الولايات المتّحدة لم تعد بحاجة ماسّة للنفط السعودي، بل على العكس، بات هذا النفط حاجة الصين واليابان ودول أخرى. لكن بالنسبة لواشنطن فالأمر مختلف لأنها يمكن أن تحصل على النفط من دول أخرى كفنزويلا وإيران وغيرها. أيضاً النفط اليوم لم يعد حكراً على دولة أو منطقة، فضلاً عن أن واشنطن تسرّع وتيرة إنتاج النفط الصخري، وستصل في مرحلة ما إلى الاكتفاء الذاتي، وبالتالي العنصر الرئيس في هذه المعادلة بات مفقوداً، ويجب أن تتوفّر عناصر أخرى من أجل الحفاظ على العلاقات السعوديّة الأمريكيّة. ويشير الباحث في هذا الإطار إلى أن السعودية بالنسبة للولايات المتّحدة لم تزل سوق مطلوبة، إذ إنها بلد استهلاكي، وكما يُعبّر عنها أحد السفراء الأمريكيين أن الولايات المتّحدة تغطّي حاجة السعودية من الإبرة إلى الدبّابة. وطالما أنه هناك قدرة شرائيّة مرتفعة سوف تبقى السعودية زبوناً دائماً لواشنطن.
وعند سؤال إبراهيم عمّا إذا كانت الولايات المتّحدة ستواصل حماية السعودية إذا ما حقّقت الاكتفاء الذاتي في مجال النفط، رأى أنها ستؤمّن الحماية للسعودية كسوق وزبون، وليس كحليف استراتيجي. يعلّل إبراهيم ذلك بأن هناك عامل استراتيجي يجمع الطرفين، إذ إن السعودية تقع على ثلاثة مضائق استراتيجيّة، وهي باب المندب وهرمز والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية استراتيجية بالنسبة لواشنطن، لكن يمكن إذا تبدّل الوضع الجيوسياسيّ للمنطقة، مثلاً إذا حقّق اليمن مكانته الجديدة بأن يكون مستقلّاً تماماً عن النفوذ السعودي والإماراتي والأجنبي، ستلعب صنعاء دوراً مهمّاً في المرحلة المقبلة، حينها سيبقى لدى السعودية أيضاً موقعاً مهمّاً، وبالنتيجة حتى لو وقع تجاذب بين السعودية والولايات المتّحدة أو بينها وبين الصين، ستبقى هذه المنطقة حيويّة على المستوى الاقتصادي. لكن لن تكون بنفس المستوى الذي كانت عليه في المخطّط الأميركي الاستراتيجي السابق، خاصّة وأنه بات للإدارة الأميركيّة تحدّيات أخرى يتحدّث الأميركيون عنها دائماً في تقاريرهم، وهي خشية صعود الصين التي أصبحت اليوم القوّة الاقتصاديّة الثانية بعد الولايات المتّحدة. وبالتالي، يكمن الخوف الأميركي في وصول الصين إلى مرحلة تكون فيها هي المتسيّدة لاقتصاد العالم.
المحور الثاني: العلاقات السعودية ـ الآسيوية
العلاقة مع روسيا
وصف الباحث السياسي العلاقات السعوديّة الروسيّة بأنها مُلتبسة إلى حدٍّ كبير، والعامل الأساسي الذي يجعلها مستمرة حتى الآن هو النفط. برأيه، هناك تباينات بين الرياض وموسكو في ملفّات عديدة، ولكن في الموضوع النفطي، الأمر يختلف لأنه ثمّة مصلحة مشتركة. رغم أنه في مرحلة سابقة، كانت العلاقات متوتّرة بين الطرفين ولكنها استمرت بفضل ملف النفط.
منذ عام 2003 تسعى الدول النفطيَة للحفاظ على مستوى معين من الإنتاج، مع العلم أن موسكو ليست عضواً في "أوبك" ولكنها تتقاسم مع الرياض هذا الهدف، كون البلدان يعتمدان بشكل أساسي على النفط ومشتقّاته، فبالتالي هناك حاجة مشتركة، علماً أنه ثمّة صدام بين البلدين في ملفات أخرى. ويوضح الباحث السياسي أن الأميركي يفهم أن الرياض وموسكو يتقاربان في ملف النفط ولكن بحدود، فسبق وأن سعى الطرفان لتشكيل ما يشبه اللوبي، وكان التفاهم ينبغي أن يحدث في قطر، ثم انتهى الأمر بقرار من الولايات المتّحدة. لكن يبقى أن الطرفين يحاولان دائماً الحفاظ على هذه العلاقة لأنها تؤمّن لهما مداخيل ثابتة، وأيضاً تنجيهما من مخاطر غير منظورة.
لا يفوّت الباحث السياسي هنا الإشارة إلى أن العقدة الإيرانيّة كانت في وقت ما عامل مساهم في التقارب السعودي الروسي، لكن السعودية وصلت إلى قناعة بعد محاولات دامت لسنوات بإقناع الروس التخلّي عن التحالف مع إيران، بأن الروسي ليس بوارد تخفيض مستوى هذه العلاقة، ولذلك في زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا في عام 2019، كان الروسي واضحاً بأن موضوع العلاقة مع إيران خارج النقاش. كما سبق أن حاول كل من بندر بن سلطان، أمين مجلس الأمن الوطني السعودي السابق، ومحمد بن سلمان بتعويض الروس عن أيّة مصالح محتملة مع إيران، لكن موقف الإيرانيين كان التمسّك بهذه العلاقة كونها أبعد من المصالح المباشرة، لأنه ثمّة أبعاد استراتيجيّة للبلدين.
ليس من مصلحة الروسي التفريط بعلاقته مع إيران، خصوصاً بعد أن جرّب هذا الشريك في مواطن كان يمكن أن يتخلّى الإيراني عنه لكن الأخير لم يفعل ذلك. اكتشف الروس ذلك في سوريا، وفي ملف النفط، إذ كان بإمكان إيران استغلال الفراغ الحاصل في ظل الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، نظراً لأنها تحتاج لمداخيل إضافيّة حالياً، بالإضافة إلى قضيّة الحرب على الإرهاب، قدّمت طهران الكثير من المساعدات لموسكو المتضرّرة من الإرهابيين، سيما في سوريا أو في الشيشان والجمهوريات السوفيتيية السابقة، بحسب الباحث.
العلاقة مع الصين
أما فيما يخصّ العلاقات السعودية مع الصين، فيرى إبراهيم أنه لا يوجد حالياً بنية تحتيّة لعلاقة عميقة بين السعودية والصين، فلأجل أن ترقى هذه العلاقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجيّة تحتاج إلى بنية تحتيّة في السعودية، والواقع أن الأخيرة هي مؤسّسة أمريكيّة ليس فيها عناصر تخدم شراكة استراتيجيّة مع الصين. والقصد بالبنية التحتيّة وفق الباحث، الشركات والمؤسّسات في السعودية، التي بُنيت وفق مواصفات ومقاييس أمريكيّة، مثلاً المدن العسكرية مصمّمة وفق التوجيهات الأمريكيّة، كذلك الأمر بالنسبة للشركات النفطيّة والتجاريّة. أيضاً القطاعات الحيويّة التي هي بمثابة مصدر وجود بالنسبة للسعودية، والقصد ليس الحديث عن ملابس، وكهربائيّات تستوردها السعودية من الصين، فذلك لا يجعل بكين شريك استراتيجي للرياض.
يعود المعارض السياسي إلى أيام العاهل السابق عبد الله بن عبد العزيز، ويذكر أن سلمان بن عبد العزيز ذهب لزيارة موسكو وبكين، حينها كان تعليق الأمريكيين بمعنى أنه مهما ذهب السعوديون سيعودون للولايات المتحدة، لأنهم يعرفون أن السعودية بلد مؤسّس أمريكياً. ولذلك حتى أن الصفقات العسكريّة التي عقدتها الرياض مع موسكو، أُلغيت بقرار أميركي، كي تبقى الولايات المتّحدة مسيطرة على السوق السعودي، في الوقت الذي لا تجرؤ فيه الرياض على أن تُقدم على أي فعل يمكن أن يُهدّد المصالح الأمريكيّة. ومردّ ذلك بحسب الباحث إلى أنه لو فرضت واشنطن على السعودية ذات العقوبات الاقتصاديّة التي تفرضها على إيران وروسيا، لمدّة أسبوعين فقط، وحجزت أموال السعوديين كما فعلت بأموال الروس، سنرى جميعاً إلى أي مستوى سينهار الريال السعودي، لأن وجوده مرتبط بالدولار.
وفي خلاصة هذا المحور، يجد الباحث أن هذه المنطقة بالنسبة للولايات المتّحدة هي بمثابة أمن قومي، والصين تعرف حدودها جيداً، إذ إنّها تنسحب مباشرةً في الوقت الذي يمكن أن تتضرّر مصالح واشنطن أو أوروبا. وفي لبنان مثلاً، أخبرت الصين وفداً من ممثلين لرئاسة الجمهوريّة بأنها على استعداد لاستثمار ما يقرب من 12 إلى 13 مليار دولار بشرط الحصول على موافقة أمريكيّة. أما في سوريا، فلا تزال الولايات المتحدة تمنع إعادة الإعمار، في الوقت الذي نرى أن الصيني والروسي والإيراني على استعداد.
المحور الثالث: الاقتصاد السعودي
الباحث المتخصّص في الشأن السعودي، يؤكّد أن السعودية لا تزال تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر دخل، إذ لا يزال يمثّل قرابة 80 بالمئة. صحيح أنه تراجع نتيجة إيجاد مصدر جديد للدخل وهو الضرائب التي فُرضت على الناس، ليصل مدخول الدولة منها إلى أكثر من 200 ريال سعودي سنوياً. ويشير الباحث إلى أنه ثمّة مصادر دخل أخرى ولكنها قليلة، مثلاً مداخيل الحج والعمرة التي تبلغ قرابة 30 مليار ريال سنوياً، ولكن مصدر الدخل الأساسي هو النفط.
تراجع الخدمات وارتفاع الضرائب
ما حصل هو بالفعل تراجعت الخدمات والتقديمات الاجتماعية، في المقابل ارتفعت الضرائب على الأهالي، إذ أصبحت الفجوة بين الفقراء والأغنياء تتّسع بشكل مهول، اليوم الطبقة الوسطى تآكلت بدرجة كبيرة في السعودية، وأصبح الناس يكافحون لتأمين الحدّ الأدنى من الحاجات الأساسيّة، خاصة وأننا نلاحظ شكاوى الأهالي من ارتفاع أسعار السلع والخدمات. إذاً، بحسب إبراهيم لم نرَ أي تقدّم يذكر بشأن الوضع المعيشي للأهالي قد تغيّر منذ نيسان/ أبريل 2016 حين أُعلنت رؤية 2030 حتى اليوم. ولفت إلى أننا نسمع عن مهرجانات واحتفالات ومشاريع إنتاجيّة لا وجود لها جميعها، وتحديداً تلك المشاريع المرتبطة بمعالجة الفقر والبطالة والخدمات وبكثير مما يتعلّق بحياة الناس اليوميّة، وهذا الذي يعنينا حين يتحدّثون عن تغيير في الواقع الاقتصادي، وليس مشاريع ترفيهيّة كبناء مشروع "نيوم" ومدن سياحيّة.
رؤية 2030: مشاريع لا وجود لها
المواطن في السعودية اليوم يسأل نفسه عمّا حقّقه محمد بن سلمان من هذه المشاريع، يقول الباحث ويضيف، إذ يدفع ضرائب عالية، ولا يزال عاجزاً عن تأمين الحدّ المطلوب من العيش الكريم لعائلته، أيضاً يُموّل مشاريع وهميّة، ومسؤول عن دفع فواتير لا علاقة له بها، لا سيما مشاريع رؤية 2030 أو فيما يرتبط بخدمات غير منظورة، فضلاً عن الفساد الذي يُعلن عن محاربته ولكن لا أثر لذلك.
يختصر إبراهيم رؤية 2030 في العبارة التالية: "أسمع جعجعة لكن لا أرى طحيناً"، إذ نسمع كثيراً بمشاريع لا وجود لها على أرض الواقع. مثلاً أعلنت السلطات السعودية أن نسبة "السعودة" ستزيد، ذلك أنه هناك 13 مليون عامل في السعودية، بينهم 10 ملايين أجنبي، مليونين من الذكور ومليون واحد من الإناث. لكن في الواقع بقيت نسبة العاملين السعوديين كما هي. مع العلم أنه سبق وقال محمد بن سلمان إنه سيرفع نسبة التوظيف وتخفيض البطالة إلى 7 بالمئة، مع الإشارة إلى أن الأرقام في الإعلام غير واقعيّة إطلاقاً، حتى أن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية تكذّب الكثير من الأرقام المُعلنة. علاوةً على ذلك، هناك ملايين تحت خطّ الفقر لم تقدّم السلطات السعودية شيئاً لهم.
أزمة السكن
الأمر نفسه بالنسبة لأزمة السكن التي روّج النظام السعودي لمعالجتها، لكنها لا تزال كما هي، إذ إن معظم الناس يعيشون في منازل مستأجرة، ذلك أن نسبة التملّك منخفضة جداً، وقد بلغت في وقتٍ سابق 28 بالمئة فقط. أكثر من ذلك، شرّد محمد بن سلمان مئات الآلاف من العوائل بعد هدم الأحياء في جدّة ومكّة وغيرها من دون تعويض الأهالي. أضف إلى أن الملفّات الأساسيّة التي تعني حياة الفرد اليوميّة لم تُعالج وكأنها مصّممة لأهداف أخرى مثل بناء مشاريع سياحيّة.
القطاع الخاص
وعن دور القطاع الخاص، يلفت المعارض السياسي إلى أنه كان يلعب سابقاً دوراً موازياً إلى حدٍ ما للقطاع العام، جاء محمد بن سلمان ودمّر هذا القطاع، كما لو أنه أراد أن يفرض نفسه كبديل عنه. جرى ذلك على مراحل، أولاً حينما صادر أموال الكثير من التجّار، وعندما استحوذ على معظم ممتلكات الشركات والعوائد التجاريّة، وشرع في إقامة مشاريع تضعف أخرى، فأصبح ولي العهد يهيمن على القطاعين العام والخاص. ثم يخلص الباحث للقول في ختام حديثه: "رؤية 2030 حوّلت الدولة إلى عقار شخصي بعد أن كانت عقار عائلي".
إذاً، لا تزال العلاقات الأمريكيّة السعودية رهن الاكتفاء الذاتي للولايات المتّحدة في مجال النفط، فإذا ما حقّقت واشنطن ذلك، لن تكون حماية النظام السعودي ضمن أولوياتها، حينها ستكون الرياض بحجمها الطبيعي تواجه منفردة دول الجوار وتضطر للتعايش معها، ستكون أيضاً مرغمةً على التفاهم مع معارضة الداخل والاستجابة لمطالبها.
حوار مع الدكتور فؤاد إبراهيم/ زينب فرحات ـ مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير