دخلت فرنسا مرحلة الصمت الانتخابي، التي تسبق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، المقررة غدًا الأحد، والتي يتنافس فيها اثنا عشر مرشحا ً، بينما تجري السبت الجولة الأولى للانتخابات في مقاطعات ومناطق ما وراء البحار، أي غوادلوب وغويانا ومارتينيك وسان بارتيليمي وسان مارتان وسان بيار وميكلون وبولينيزيا الفرنسية، والتي دخلت مرحلة الصمت الانتخابي منتصف ليل الخميس الجمعة.
ملفات ضاغطة، تجري على وقعها الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث يحاول كلّ مرشح استغلالها للتصويب على منافسيه من التيارات السياسية المنقسمة على نفسها، او من خصوم هذه التيارات، والتي تبدأ بمواقف المرشحين بالأزمة الوكرانية، مروراً بالأوضاع الاجتماعية الداخلية والهجرة والأمن، وصولا الى ملف التهرب الضريبي، حيث فتح القضاء الفرنسي تحقيقاً أولياً في 31 آذار/أوليا بعد تقرير لمجلس الشيوخ، تبيّن فيه أنّ العقود التي أبرمتها الدولة مع شركات استشارية لاسيما شركة ماكنزي الأميركية، "ازدادت بأكثر من الضعفين" بين 2018 و2021 لتصل مبلغا قياسيا يفوق المليار يورو في 2021. واتهم التقرير بشكل خاص الكيانات الفرنسية التابعة لشركة ماكنزي بـ"خفض العبء الضريبي" بحيث أنها لم تكن ستدفع أي ضرائب على الشركات بين عامي 2011 و 2020.
المنافسة الحقيقية بين الرئيس المنتهية ولايته "ايمانويل ماكرون"، المنتمي الى حزب" الجمهورية الى الأمام"، المحسوب على تيار الوسط، وبين مرشحة اليمين المتطرف "مارين لوبان"، اللذان يعدّان الأوفر حظّا ً للترشح للجولة من الانتخابات المقررة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، لاسيما مع عدم امكانية حصول أي من المرشحين على الأكثرية المطلقة ( أكثر من50 %) من عدد أصوات المقترعين، التي تؤهله للفوز بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وفق ما تشير آخر استطلاعات الرأي.
وتُظهر الاستطلاعات تقلّص الفارق في الأصوات بين المرشحين الرئيسيين، رغم استمرار تقدّم ماكرون على لوبان، مستفيداً من مواقفه من الأزمة الاوكرانية، في حين يحاول منافسوه التصويب على ملف التهرب الضريبي للتأثير على ارادة الناخبين المؤيدين له، او لاقناع نسبة كبيرة من الناخبين غير المهتمين بهذه الانتخابات بالمشاركة، حيث تشير الاستطلاعات الى أنّ الجولة الأولى من الانتخابات قد تسجّل نسبة امتناع قياسية عن التصويت على الاقتراع تصل الى حوالي حوالي 30%، من عدد الناخبين. وركّز ماكرون خلال جولته الانتخابية على طرح نفسه بمثابة حصن أمام "متطرفي" اليمين واليسار، وعلى توجهاته الأوروبية خلافا لمرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان، التي تتقدّم رغم وجود مرشحين آخرين يمثلون اليمين.
فـ"إريك زيمور" الذي يُعدّ المرشح اليمني الاكثر تطرفاً، على الرغم من أنه استفاد من زيادة التأييد له بعد دخوله السباق رسميًا، إلا أنه، لا يبدو أنه كان قادرًا على إعطاء النفس اللازم لحملته للتطلع نحو الجولة الثانية، وذلك بسبب مواقفه "المناهضة للهجرة والمناهضة للإسلام"، والتي تصطدم بتطلعات الفرنسيين من أصول أجنبية، أمّا المرشحة التي تمثّل اليمين التقليدي، "فاليري بيكريس"، فإنّ حزب " الجمهوريين" يُحاول من خلالها استعادة دوره في الحياة السياسية ، بعد تسع سنوات من خروجه من السلطة، وتعرّض شعبيته للقضم من قبل ماكرون من جهة، ومارين لوبان، من جانب آخر. وكانت بيكيرس قد دخلت معترك السياسة كجزء من فريق الرئيس السابق جاك شيراك، وتولت منصب وزيرة التعليم العالي خلال رئاسة نيكولا ساركوزي.
ورغم الانقسام بين أحزاب اليسار، واصل مرشح حزب " فرنسا المتمردة" اليساري المتطرف "جان لوك ميلينشون" التقدم في نوايا التصويت منذ بداية الحملة، حيث تشير استطلاعات الرأي الى امكانية انّ يحل في المرتبة بحصوله على حوالى 16% من أصوات المقترعين، وهو يركز في حملته الانتخابية، على تحسين القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي، وإحداث قطيعة مع الليبرالية الاقتصادية، وذلك عبر صياغة دستور جديد وجمهورية سادسة، تكون أكثر برلمانية وتشاركية.
وفي مقابل"جان لوك ميلينشون"، تشارك عمدة باريس "آن هيدالغو"، عن الحزب الاشتراكي للمرة الأولى في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وتعاني من منافسة شرسة من قبل مرشحين آخرين من اليسار ، وتمزج آن هيدالغو في برنامجها بين الضرورات الاجتماعية والبيئية والديمقراطية، وتعد بزيادة الرواتب وتحسين القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي، ولكن تراجع شعبيتها شكل خيبة أمل للاشتراكيين الذين تمثلهم، والذين كان فرانسوا هولاند المسؤول في هذا الحزب، رئيسا للجمهورية قبل 5 سنوات، اي قبل توّلي الرئيس ايمانويل ماكرون للرئاسة.
أمّا عن باقي المرشحين، الذين يفتقدون الى حدّ كبير القدرة على المنافسة، فيبرز مرشح الحزب الشيوعي، "فابيان روسل" ، وهو عضو منتخب في الجمعية الوطنية ويمثل منطقة الشمال الفرنسي، ويأتي ترشيحه بعد عزوف الحزب الشيوعي عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الجولتين السابقتين، كما يحاول مرشح حزب الخضر "يانيك جادوت"، ذات التوجه الأوروبي واليساري، إقناع ناخبي اليسار بالتصويت لصالحه، ويركز في برنامجه الانتخابي على البيئة والاقتصاد النظيف. أمّا المرشح "نيكولا دوبون إينيان" فيسعى الى اقناع الناخبين بقيام فرنسا مستقلة، خارج الاتحاد الاوروبي.
ومن بين المرشحين ، ذات التوجه الشيوعي، يشارك في سباق الانتخابات الرئاسية للمرّة الثالثة، كل من زعيمة حزب النضال العمالي "ناتالي آرتو"، التي تتبنى الدفاع عن مصالح العمال وتناضل ضد السياسات الليبرالية التي يريد أرباب العمل فرضها، و"فيليب بوتو" الذي يرفع شعار الوقوف بوجه الرأسمالية، بينما يسعى المرشح السابق لانتخابات الرئاسة والنائب في الجمعية الوطنية "جون لاسال"، لأن أن يكون الناطق باسم الأرياف الفرنسية، تحت شعار "فرنسا الأصيلة".
ومن المواضيع التي تثير اهتمامات الناخب الفرنسي ، الواقع الصحي في البلاد لاسيما بعد انتشار أزمة كوفيد 19، اضافة الى تبعات هذه الازمة على الواقع الاقتصادي، والواقع الأمني في البلاد. ولكن تبقى أزمة الهجرة تحتل المكانة الأهم بين الناخبين والمرشحين، اذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنه في عام 2020 كان هناك حوالي 6.8 مليون مهاجر يعيشون في فرنسا، ونحو ثلث المهاجرين هم من الأوروبيين، وبشكل عام، يشكل الجزائريون أكبر جالية أجنبية.
وقد احتلت الهجرة مكانة بارزة في حملات المرشحين اليمينيين. فقد تعهد السيد زمور بتنفيذ سياسة "وقف الهجرة بشكل كامل" إذا تم انتخابه، وإعادة 100 ألف مهاجر سنويا إلى الجزائر وتونس والمغرب. واقترحت المرشحة ماري لوبان إجراء استفتاء على تخفيضات كبيرة في الهجرة إذا أصبحت رئيسة. أما فيما يتعلق بالأمن، تعهد إيمانويل ماكرون بنشر آلاف آخرين من رجال الشرطة في الشوارع، بعد انتقادات حادة من بيكريس وزمور ولوبان. يقول ماكرون إن الجريمة انخفضت في ظل رئاسته. علما بأن فرنسا قد تعرضت لسلسلة من الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، مما عزز أهمية الأمن لدى العديد من الناخبين الفرنسيين.
وتجري الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية الأحد، على أن يليها اعلان النتائج الرسمية من قبل المجلس الدستوري في 14 نيسان الجاري، حيث يتوقع أنّ ينتقل المرشحان اللذان يحصلان على أكبر عدد من الأصوات الى الجولة الثانية، في ظل عدم القدرة على الحسم من قبل أي من المرشحين في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية، وفق ما تشير معظم استطلاعات الرأي.
واذا صحّت الاستطلاعات، فإن المنافسة على الرئاسة بين المرشحين المتوقعين ايمانويل ماكرون وماري لوبان، تبدأ في الخامس عشر من الشهر الجاري، على أن تجري الانتخابات في الرابع والعشرين منه، وتعلن النتائج في موعد أقصاه الثامن والعشرين من شهر نيسان الجاري من قبل رئيس الجمهورية، بعد مصادقة المجلس الدستوري على النتيجة النهائية، ويتولى المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية منصبه في موعد لا يتجاوز آخر يوم من عهد الرئيس المنتهية ولايته، أي في 13 / أيار مايو المقبل، حيث تنتهي ولاية الرئيس ماكرون في 14 منه.
المصدر:يونيوز