۴۰۷مشاهدات
الصحف

هل نحن في الطريق من حرب باردة إلى حرب عالمية؟

رمز الخبر: ۶۳۶۰۳
تأريخ النشر: 26 February 2022

في الأسابيع الأخيرة أشار الكثيرون إلى عودة “الحرب الباردة” إلى النظام الدولي، لكن بوتين خرج الليلة إلى حرب حقيقية – حرب ساخنة.

لا تزال التحركات العسكرية الروسية في أوكرانيا يكتنفها غموض المعركة، كما أن وسائل الاحتيال والمعلومات المضللة التي يستخدمها الجانبان تجعلها أكثر غموضا.
في ظل هذه الظروف لا يزال الهدف الاستراتيجي السياسي الذي من المفترض أن يخدمه التحرك العسكري غير واضح: هل ينوي بوتين اقتطاع أجزاء من أوكرانيا أم ابتلاع البلاد كلها؟ هذا على الرغم من أنه يبدو أن الإطاحة بالحكومة الحالية وتعيين حكومة بديلة لها تكون دمية في يد روسيا هو الهدف الروسي في كل سيناريو.
ولكن من خلال عدم الوضوح هذا يمكن أن نرى بالفعل أننا في خضم حدث ذي أبعاد تاريخية على نطاق لم تشهده أوروبا منذ الحرب الباردة. له أوجه تشابه يصعب تجاهلها أيضا بالأحداث التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
في ظل هذه الظروف لن يكون من المبالغة التقدير بأن نتائج الأزمة في أوكرانيا ستشكل ميزان القوى العالمي والمعايير الدولية وطابع العالم الذي سنعيش فيه في العقود القادمة. بعبارة أخرى إن مستقبل النظام العالمي وصورته على المحك.
لحظة الحقيقة لحلف الناتو والغرب
بعد وقت قصير من دخوله البيت الأبيض ألقى الرئيس بايدن خطابًا مؤسسا حول السياسة الخارجية، وأعلن أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقف متفرجة، ويجب أن تقود العالم في مواجهة التحديات المستقبلية، وشدد على أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيقودون الدفاع عن القيم الأمريكية – وسيادة القانون، والعيش بكرامة للجميع، والديمقراطية – ضد القوى التي تتحداها. بالنظر إلى الماضي تبدو الأمور وكأنها نبوءة تحقق ذاتها في وقت أبكر مما هو مخطط له وبالذات أمام الخصم الروسي الذي يُنظر إليه على أنه ثانوي مقارنة بالتهديد الرئيسي من قبل القوة الصاعدة الصين.
ليس هناك شك في أن هذه هي لحظة الحقيقة بالنسبة للغرب ولحلف الناتو وخاصة بالنسبة للرئيس بايدن والولايات المتحدة ككل كزعيمة للعالم الحر.
هذا على غرار النضال الذي أعلنه ريغان ضد إمبراطورية الشر السوفيتية، أو احداث 11 سبتمبر التي فاجأت الرئيس بوش بينما كان يخطط لأشياء أخرى. لقد أدى الاستقطاب الشديد في السياسة الأمريكية إلى جعل العديد من كبار الشخصيات في الجانب الجمهوري حتى الليلة الماضية إبداء بعض التعاطف مع الحجج الروسية.
أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام هو هل بوتين بالذات – الذي شبه الكثيرون خطواته وخطاباته بخطوات وخطابات هتلر – سيكون قادرًا على رأب الصدع العميق في الرأي العام الأمريكي المنقسم، وتوحيد الشعب الأمريكي حول قيمه التقليدية؟
التحدي العاجل الذي يواجه الرئيس بايدن هو كبح جماح بوتين ونواياه في التوسع، فمن خلال غزو أوكرانيا فعليًا أظهر بوتين أنه على استعداد للمقامرة، وأنه مصمم على دعم خطاباته بالعمل العسكري العدواني واسع النطاق. لقد أشرنا في السابق إلى أن بوتين يهدف إلى أبعد من أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى الناتو، فهو يريد العودة إلى الوضع الأمني في أوروبا قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، وإعادة إنشاء دائرة نفوذ روسيا في أوروبا الشرقية، وإجبار الولايات المتحدة على إبعاد قواتها عن حدودها الاستراتيجية وإبعاد أنظمة الأسلحة الدفاعية والهجومية التي نشرتها في شرقي القارة.
مطالب بوتين ترسل إنذارات بالخطر في شرق وشمال أوروبا، مما يعيد الناتو إلى مركز الصدارة بعد أن فقد أهميته وبدأ في البحث عن مبرر لوجوده في نهاية حقبة الحرب الباردة.
والسؤال الكبير هو ما إذا كان الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة والرئيس بايدن سيكون قادرًا على التحدي والنجاح في ردع بوتين؟
إن الطريقة التي سينتهي بها الصراع في أوكرانيا والأثمان التي سيدفعها بوتين أو لا يدفعها مقابل عدوانه قد تحدد ما إذا كان يجرؤ على تجاوز الخط الأحمر للتهديد وغزو بلدان الناتو، وهي خطوة يمكن أن تشعل فتيل حرب عالمية.
العقوبات الشديدة لن تكون كافية
سوف تتجاوز الآثار الواسعة للأزمة الحدود الأوروبية، ويصل صداها إلى ساحات بعيدة، على سبيل المثال إلى الصين التي يبدو أنها انضمت إلى روسيا في المحور الذي يسعى إلى تقويض النظام العالمي الليبرالي الذي شكلته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي قد ترى في الأحداث فرصة للاستيلاء على تايوان وهو الشيء الذي كانت تخطط له منذ عقود.
على أي حال يبدو أن التوازن الاستراتيجي الدقيق في شرق آسيا والذي يعتمد على الضمانات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة التي يقدر جميع اللاعبين من جديد مصداقيتها قد يتم تقويضها أو زعزعتها.
لقد فشل الردع الغربي الذي كان من المفترض أن يمنع تحركًا عسكريًا، والاستناد إلى التهديد بفرض عقوبات قاسية قد فشل أيضا، ويتصاعد الآن إلى التهديد بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة.
لا شك أن التحركات الاقتصادية والمالية القاسية – حتى تلك التي لم نشهدها في العقود الأخيرة – لن تكون كافية لتقويض استراتيجية بوتين. وفي ضوء ما نشهده يجب أن تكون العقوبات أكثر إيلامًا من تلك التي يبدو أن الغرب ينوي فرضها. والتي يجب أن يكون من بينها المقاطعة الكاملة للبنوك الروسية الكبرى، وفصل الاقتصاد الروسي عن النظام المالي في الولايات المتحدة وآلية المقاصة الدولية (سويفت)، وعقوبات تستهدف عائدات النفط والغاز الروسية بشكل مباشر وأكثر من ذلك..
من المتوقع أن يكون لمثل هذه الإجراءات عواقب وخيمة على الأسواق الدولية والاقتصاد الأمريكي الذي يعاني بالفعل من ارتفاع في التضخم في ظل أزمة كورونا. كما سيظهر التأثير على ارتفاع أسعار النفط وعلى سلاسل التوريد العالمية وعلى إمدادات الحبوب في عصر أزمة الغذاء المحتملة في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك مناطقنا. ولكن بعيدًا عن التحركات الاقتصادية والعقوبات غير المسبوقة والإدانات والخطابات القوية، من المهم أن يناقش الغرب الاحتمال الكبير ألا يتوقف بوتين في أوكرانيا – وكيفية الاستعداد لدمج عناصر إضافية من القوة في معادلة الردع الاستراتيجي..
لنكن على الجانب الصحيح من التاريخ
الصدمات في النظام الدولي والضوضاء الجانبية لا يتوقع أن تتخطى الشرق الأوسط و”إسرائيل” داخله.
قد تؤثر الأزمة في أوروبا على التحدي الاستراتيجي الأكثر اشتعالاً من وجهة النظر الإسرائيلية: البرنامج النووي الإيراني. وربما تؤخر الأزمة المحادثات في فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي الذي يمر بمراحل نهائية نحو اتفاق بين طهران والقوى العظمى.
ليس واضحا ما إذا كانت القوى ستعرف كيف “تفصل بين المتغيرات” وتصل بالمفاوضات إلى نتيجة، أو ما إذا كانت روسيا ستختار دعم المواقف الإيرانية المتشددة أكثر، وذلك لتحدي الولايات المتحدة وإيجاد جبهة أخرى لها. على أي حال على المدى الطويل قد يستخلص النظام في طهران درسًا إشكاليًا من الأحداث في أوكرانيا وهو أن أوكرانيا دولة كانت قد تخلت عن قدراتها النووية وها هي الآن تقف في مواجهة قوى كبيرة تهدد حكومتها وسيادتها وهي بدون هذه القدرات التي تخلت عنها.
ويمكن “لإسرائيل” أيضًا استخلاص دروس استراتيجية من الأزمة في أوكرانيا بخصوص الحالة الإيرانية. يذكرنا قرار بايدن بالإعلان مقدمًا أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريًا في الأزمة بالاستراتيجية الأمريكية بما في ذلك في أيام ترامب، بالاعتماد فقط على العقوبات ضد طهران دون تشكيل تهديد عسكري ذي مصداقية يدعم هذه العقوبات.
لذلك مع كل الاحترام الواجب للقوة الناعمة ولمعارك الوعي والإنترنت والسايبر؛ توضح الأحداث في أوروبا أنه لا يمكن التخلي عن القدرات العسكرية التقليدية والتي لا تزال في كثير من الحالات هي التي تحدد مصير المعركة، درس آخر “لإسرائيل” هو تفعيل المفهوم “الإسرائيلي” للأمن والذي بموجبه من واجبنا في نهاية المطاف أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا بمفردنا.
أما بالنسبة لسياسة “إسرائيل” في مواجهة ما يحدث في شرق أوروبا؟ نحن نتحدث هنا عن وجودنا في وسط المعضلة بين القيد الروسي في سوريا وموقع “إسرائيل” الطبيعي في العالم الحر والديمقراطي. إن ضخامة الأحداث ونتائجها من سنوات الواقع العالمي تستدعي موقفا “إسرائيليا” واضحا قيميا وأخلاقيا. في عصر الصراع التاريخي حول صورة النظام العالمي وعندما يتحدث بوتين بنزعات نازية عن دولة يترأسها يهوديًا، لا تستطيع “إسرائيل” اتباع سياسة السير بحذر، ويجب عليها أن تقف بحزم ودون تلعثم أو تردد في الجانب الصحيح من التاريخ.

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي : الجنرال عاموس يادلين

رایکم