۳۱۸مشاهدات

أفق الصراع الروسي الأمريكي في الأزمة الأوكرانية

رمز الخبر: ۶۲۴۶۱
تأريخ النشر: 04 February 2022

يظهر التاريخ أنه مع انتهاء صراع أو حرب بين قوى عالمية إذا لم يتم دمج قوة عظمى مهزومة في نظام ما بعد الحرب، أو إذا لم يتم توفير مكان لها فيه تجده مقبولًا، فعندئذ بمرور الوقت، ستبدأ هذه القوّة في اتخاذ إجراءات تهدف إلى اسقاط هذا النظام أو، على الأقل، تغييره بشكل كبير. مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، أنشأت الولايات المتحدة وحلفاؤها نظامًا أوروبيًا قائمًا على الدور المهيمن لأميركا والموقع المركزي للناتو كأداة للتنظيم العسكري والسياسي ولضمان الأمن الغربي والنظام الذي خلقوه. وجدت روسيا نفسها خارج هذا النظام واضطرت لقبول الوضع الجديد. كانت الولايات المتحدة تدرك أن روسيا غير راضية عن الوضع، لكنها فضلت تجاهل انزعاجها، لأنها كانت تعتبرها قوة متضائلة. بدافع الانزعاج من الوضع على المسرح العالمي، بدأت روسيا، التي تمتلك الإمكانات الكافية، والإرادة السياسية والدعم الشعبي، في محاربة الوضع القائم في عام 2008 من خلال تدخّلها في جورجيا. واليوم، تحاول روسيا إستعادة اوكرانيا وضمها الى مناطقها، البلد الذي تعتبره صلب الأمن القومي الروسي.

توضح الورقة التالية الرؤية المستقبلية لمصير الأزمة الأوكرانية، مع السناريوهات المتوقعة لمصير الإجراءات الفاشلة التي اتخذها الأمريكي في التعامل مع هذه الازمة، مقارنة بالإجراءات الروسية.

 

1.سيناريو الغزو الروسي لأوكرانيا

على الرغم من كلِّ التصريحات والتهديدات الغربية، وخصوصًا الأميركية، من أن الروس سيجتاحون أوكرانيا خلال يناير وفبراير 2022، وأنَّ بوتين ينتظر تجمّد البحيرات للغزو، فقد أعلن الروس مراراً عدم وجود نية لديهم باجتياحها، وأبدوا تخوّفهم من أن يدفع الغرب أوكرانيا إلى هجوم على الإقليمين الانفصاليين في الدونباس، ما يحتّم الرد الروسي الذي يمكن أن يسوّقه الغرب على أنه هجوم روسي على أوكرانيا لتبرير العقوبات أو التوتر العسكري مع روسيا، علماً أنّه، وباستثناء السيناريو أعلاه الذي يدرجه الروس، والذي يحتّم عليهم الدفاع عن النفس (بحسب قولهم)، لا يحتاج بوتين إلى اجتياح عسكري مكلف جداً (عسكرياً واقتصادياً وبشرياً) في أوكرانيا لتحقيق تغيير سياسي في كييف يحقّق له مصالحه، فهناك العديد من أدوات الحروب الهجينة وحرب المعلومات وتدبير "ثورة ملونة" في الداخل وغيرها من الأدوات التي يتقنها الروس جيداً.

ولكن في حال اتجه الروسي الى الحرب العسكرية بسبب سياسات حلف الناتو تجاه اوكرانيا او أي سبب آخر، فمن المهم الإشارة الى السناريوهات المتوقعة:

السيناريو غير الحركي: تستخدم روسيا الحشد العسكري لمحاولة انتزاع التنازلات من الغرب بشأن توسع الناتو. يتمثل الهدف الاستراتيجي لروسيا هنا في إبقاء أوكرانيا بعيدة عن منظمات مثل الناتو والاتحاد الأوروبي. ستستفيد روسيا أيضًا من اندماج أوكرانيا على المدى الطويل في المجموعات المدعومة من موسكو مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي أو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. والطريقة الأكثر فاعلية بالنسبة لروسيا لتحقيق هذا الهدف هي إبقاء النزاع في شرق أوكرانيا "مجمدا" - مما يعني أن القتال الرئيسي يتوقف، لكن القتال المحلي يظل دون نهاية. وهذا يعني استخدام القوات على الحدود كوسيلة ضغط سياسية، وليس كغزاة فعليين.

هجوم محدود لتثبيت وجود القوات المدعومة من روسيا: السيناريو المعقول، بافتراض الافتقار إلى التصميم الأميركي والأوروبي، هو أن تساعد موسكو القوات المدعومة منها في الدونباس والقرم على تعزيز المكاسب في منطقتي دونيتسك ولوهانسك لإنشاء كيان سياسي يعمل إلى حد كبير ككيان مستقل. سيشمل ذلك السيطرة على نقاط الاتصال والعبور الرئيسية (مثل مدينة وميناء ماريوبول) ومحطة الطاقة في لوهانسك (كلها تحت سيطرة الحكومة الأوكرانية الآن). في حين أن هذا يمكن أن يتم بطريقة مجرأة فإن مثل هذه الخطوة ستتطلب أيضا التخلي الكامل عن أي فكرة الوقف إطلاق النار.

 

دفع أكثر عدوانية لبناء جسر بريّ الى شبه جزيرة القرم: حاليًا، لا يرتبط الاتحاد الروسي بشبه جزيرة القرم إلا من خلال جسر تم بناؤه حديًثا عبر مضيق كيرتش. كما قطعت أوكرانيا المصدر الرئيسي للمياه العذبة في شبه جزيرة القرم. إن ربط روسيا بشبه جزيرة القرم على طول الساحل من شأنه أن يخفف من بعض التحديات اللوجستية لروسيا، خاصة فيما يتعلق بالمياه العذبة، بينما يتحول بحر آزوف إلى بحيرة روسية. ومع ذلك فإن هذا سيتطلب قوة عسكرية كبيرة لاختراق المواقع المحصنة بقوة على طول الخطوط الأمامية في دونباس والسيطرة على ماريوبول عاشر أكبر مدينة في أوكرانيا.

هجوم كبير للاستيلاء على المدن الكبرى: قد ينطوي السيناريو الأكثر عدوانية على محاولة موسكو إعادة بسط سيطرتها على منطقة نوفوروسيا في العصر الإمبراطوري في جنوب أوكرانيا. سيؤدي هذا إلى إنشاء جسر بري بين روسيا وشبه جزيرة القرم، وربطه في النهاية بمنطقة ترانسنيستريا التي تحتلها روسيا في مولدوفا. سيتطلب هذا تعبئة واسعة النطاق للقوات الروسية بما يكفي للسيطرة على أوديسا (ثالث أكبر مدينة في أوكرانيا) وكذلك ماريوبول. إذا نجح ذلك فسيؤدي إلى تغيير جذري في المشهد الجيوسياسي والأمني في أوروبا الشرقية بطريقة لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية.

تثير روسيا مشاكل سياسية في منطقة بودجاك الأوكرانية في أوديسا أوبلاست: الهدف الرئيسي هنا هو اختلاق أزمة سياسية محلية تسبب مشاكل للحكومة المركزية في كييف. إن بودجاك متصل فقط ببقية أوكرانيا من خلال طريق إقليمي واحد. وتقع منطقة غاغوزيا ذات الحكم الذاتي على حدود بود جاك في مولدوفا. هذه المنطقة لها صلات وثيقة بموسكو وهي موالية لروسيا. إن الهيمنة على بود جاك، بالإضافة إلى الوجود العسكري الروسي في ترانسنيستريا، من شأنها أن تعطي موسكو سيطرة على جزء كبير من الحدود الغربية لأوكرانيا وهذا من شأنه أيضا أن يهدد استقرار أوديسا.

في كلِّ الأحوال، منذ إعلان الغرب أنَّ الروس يتحضرون لاجتياح أوكرانيا، يبدو أنَّ الأخيرين يربحون من مسار تطور الأمور قبل أن تحصل الحرب، وذلك على الشكل التالي:

▪︎إضعاف الموقف الأوكرانيّ

إنَّ تراجع مؤشرات الاقتصاد الأوكراني بسبب التخويف من حرب محتملة، جعل أوكرانيا أقل رغبة في تحدّي الروس، وهو ما أعلنه الرئيس الأوكراني، الذي اعتبر أنَّ الاقتصاد الأوكراني يحتاج إلى حوالى 10 مليارات دولار للتعافي، وأن الحلول الدبلوماسية تبقى الأساس، وهو مستعد لمقابلة الرئيس بوتين لحلّ الأزمة.  وقال مسؤول أوكراني كبير لشبكة CNN إنَّ المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "لم تسر على ما يرام"، وسط خلافات على "مستويات مخاطر" هجوم روسي. واعتبر زيلينسكي أنه يعرف ما في بلاده أكثر من الرئيس بايدن.

 

▪︎بثّ الخلاف بين أعضاء حلف الناتو

 بدفع من الأميركيين، بدأ أعضاء في حلف الناتو بنشر سفن وطائرات مقاتلة في أوروبا الشرقية، وهي خطوة يقول مسؤولو الناتو إنها تهدف إلى "تعزيز ردع الحلفاء"، لكن، كما بات واضحاً، هناك خلافات جوهرية بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بشأن الرد على العدوان الروسي (المفترض) على أوكرانيا، إذ تتباين مصالح دول الناتو ونظرتهم إلى الصراع في منطقة أوروبا الشرقية وعلاقاتهم مع الروس.

-  يدفع الأميركيون والبريطانيون، ومعهم بولندا، على سبيل المثال، إلى مزيد من الاشتباك مع الروس، وتشديد العقوبات عليهم، ومساعدة أوكرانيا عسكرياً. من جهة الأميركيين والبريطانيين، هي معركة رابحة في جميع المقاييس، إذ إنَّ الموقع الجغرافي لكل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية يجعلهما بمنأى عن أي تداعيات للحرب.

-أما الموقف البولندي، فهو يعكس توجهات البولنديين القومية وعودة الروايات التاريخية التي تتحدَّث عن أن الغرب الأوكراني كان جزءًا من بولندا تاريخياً. وبالنسبة إلى بايدن، إنَّ إشغال العالم بالحديث عن اقتراب حرب عالمية كبرى، قد يلهي مواطني الولايات المتحدة الأميركية عن التفكير في سياساته الاقتصادية الفاشلة، ويظهره رئيساً قوياً استطاع أن يتصدّى لبوتين ويهدّده.

-  أما ألمانيا وفرنسا، ومعهما العديد من دول أوروبا التي ترتبط بمصالح اقتصادية مع موسكو، فهي تعتقد أنَّ التفاهم مع الروس وإعطاءهم أحقية في حماية أمنهم القومي، يقيان أوروبا مآسي ونزاعات وتوترات هي بغنى عنها. ويعتبر هؤلاء أنَّ الولايات المتحدة الأميركية تدفع الأمور إلى تصعيد بعيد عنها، ولا يحتاج إلى انخراط جنودها فيها، ما يعني ربحاً كاملاً للأميركيين، على أن يتكبَد الأوروبيون الخسائر.

 

▪︎انقسامات في الاتحاد الأوروبي

أعلن العديد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي خيبتهم لتهميشهم في اتخاذ قرارات مهمة بشأن أوكرانيا، إذ قال رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، إنّ "أيّ نقاش حول الأمن الأوروبي يجب أن يشمل الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا".

 

▪︎انقسامات حول طبيعة الردّ العسكري

اعتبر الرئيس الفرنسي الذين لطالما دعا إلى استقلالية القرار الأوروبي عن الولايات المتحدة الأميركية، أنَّ التفاوض هو السبيل الأنسب للحل. وقال ماكرون، في حديثه إلى أعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إنَّ خطّة الأمن والاستقرار "يجب أن تُبنى أولاً بين الأوروبيين، ومن ثم يتمّ تقاسمها مع الحلفاء في الناتو". وتتباين دول الاتحاد في نظرتها إلى روسيا، فدول أوروبا الشرقية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفياتي السابق، تدعو إلى سياسات أكثر تشدداً مع الروس، وتفضل اللجوء إلى الحلول العسكرية، معتبرةً أن لا شيء يردع الروس سوى القوة، بينما تعتبر دول أخرى أن أوروبا لديها مصالح مشتركة اقتصادية وطاقوية وتجارية معهم يجب الحفاظ عليها، وأنَّ من غير المفيد للغرب دفع روسيا إلى التقارب أكثر مع الصين.

 

▪︎انقسامات بالنسبة إلى خيار العقوبات

تتباين رؤية دول الاتحاد حول طبيعة العقوبات التي يمكن فرضها على الروس وشدتها، ما سيعقّد القدرة على فرضها، فالعقوبات تحتاج إلى إجماع 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، ويجب مناقشتها مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين.

إن فرض العقوبات على الشركات الروسية، وإخراج روسيا من نظام سويفت، كما هدد بايدن، يعني أن العديد من دول الاتحاد وشركاته سيتضرر نتيجة هذه العقوبات، وسيتعذر على الأوروبيين شراء الطاقة من الروس، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها وارتفاع أسعار السلع والنقل وسواها.

يقلق العديد من الدول الأوروبية، كما الحكومات - وخصوصاً بعد سنتين من الإغلاق نتيجة جائحة كورونا - من تأثير العقوبات على الروس في الاقتصاد الأوروبي، علماً أن العديد من دول الاتحاد يتجه إلى انتخابات مفصلية في العام 2022، وستتأثر طبعاً الحظوظ الانتخابية في ظلّ التضخّم الاقتصادي وارتفاع أسعار الطاقة.

2.سيناريو العقوبات الأمريكية على روسيا

تهدد الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، إذا ما قامت بغزو أوكرانيا. ويرفض الدبلوماسيون الغربيون أن يكونوا صريحين بشأن عقوبات محددة، لإبقاء روسيا في حالة تخمين وتعظيم التأثير الرادع للإجراءات المحتملة. قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور بوب مينينديز، إن أعضاء المجلس على وشك التوصل الى اتفاق حول مشروع قانون بشأن فرض عقوبات على روسيا قد يتضمن بعض العقوبات حتى لو لم يرسل بوتين قواته الى أوكرانيا.

ولكن في الوقت ذاته صرّح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مقابلة مع برنامج "حالة الاتحاد" التابع للشبكة الأميركية: "عندما يتعلق الأمر بالعقوبات، فإن الهدف من هذه العقوبات هو ردع الاعتداء الروسي، لذا، فإن تم إعلانها الآن، فإنك ستفقد عامل الردع". لذا يمكننا أن نقول أن الغرب مشتت في طريقة التعامل مع روسيا لردعها من غزو اوكرانيا.

وسبق لروسيا أن نجت من موجات العقوبات الغربية في أعقاب ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، الأمر الذي تسبب بتدهور الروبل وتضاؤل الاستثمار الأجنبي. ورداً على ذلك، وضعت موسكو ما يُشار إليه باسم "روسيا الحصينة"، وهي إجراءات مصممة لضمان عدم انهيار الاقتصاد أو النظام المالي الروسي جراء فرض عقوبات جديدة.

اعتبارًا من 1 كانون الثاني/يناير 2015، كان لدى صندوق الثروة الوطني، وهو صندوق الثروة السيادية الروسي، أصول بقيمة 182 مليار دولار، أو ما يقرب من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لوزارة المالية.

كما أن لدى البلاد ديونًا خارجية ضئيلة مقارنة بالقوى العالمية الأخرى واحتياطيًا كبيرًا من العملات الأجنبية المتراكمة لدى البنك المركزي. فضلًا عن أن موسكو  اتبعت سياسة "إزالة الدولرة" لعدة سنوات، ودعت شركاءها، مثل الصين والهند، إلى تسديد مدفوعاتها بعملات أخرى. في العام الماضي، قالت روسيا إنها ستسقط الدولار من صندوق الثروة الوطني.

ولتقليل مخاطر الانقطاع عن المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الغرب، أطلقت موسكو نظام الدفع الخاص بها "مير" الذي يستخدم على نطاق واسع في روسيا وفي بلدان الاتحاد السوفياتي السابق.

بينما لم تشعر النخب السياسية الروسية سوى بضغوط قليلة أو معدومة جراء العقوبات الغربية، فإن السكان الروس هم من يشعرون بقسوة هذه الإجراءات منذ سنوات، إذ انخفضت مستويات المعيشة بشكل مستمر مع انخفاض مطرد في القدرة الشرائية مقرونًا بالتضخم المرتفع حاليًا وبضعف الروبل. لكن على الرغم من شعور سكان البلاد بالضيق لم يغير الكرملين موقفه وتظهر استطلاعات الرأي أن بوتين ما زال يتمتع بالدعم الشعبي.

لكن على الجانب الآخر ما زالت أوروبا  تعتمد على النفط والغاز الروسيين، خاصة الآن مع ارتفاع أسعار الغاز في جميع أنحاء القارة، ومع ما يُقال من أن موسكو تقيِّد إمداداتها. ويمثّل الغاز الروسي أكثر من 40% من واردات الغاز الأوروبية وقد يؤدي نضوب الغاز جراء عقوبات غربية أو إجراءات مضادة روسية، إلى زيادة أكبر في تعرفة الطاقة لملايين الأسر. كما سيؤدي قطع موسكو عن أنظمة الدفع الدولية إلى تعقيد مدفوعات أوروبا مقابل وارداتها من الغاز التي يأتي أكثر من ثلثها من روسيا. وهناك أيضًا مخاوف من أن تستخدم روسيا هيمنتها في مجال الطاقة كوسيلة ضغط وتلجأ إلى وقف الإمدادات. ففي عام 2014 وردا على العقوبات حينها فرضت موسكو حظراً على واردات معظم المواد الغذائية من الغرب ونفذت استراتيجية "استبدال الواردات". وتدعو المبادرة الشركات الروسية إلى الاستعاضة عن السلع المستوردة المحظورة مثل الجبن الفرنسي والإيطالي بمنتجات محلية، وهو إجراء وصفه بوتين بأنه "فرصة" لبلاده.

ويرى محللون أن معاقبة خصم في الجهة الأخرى من العالم أسهل دائمًا من معاقبة جار، مشيرين إلى أن ما يمكن أن تخسره أوروبا عبر فرض عقوبات على روسيا في الملف الأوكراني، أكبر من خسارة حليفها الأمريكي.

ويقول مدير معهد بروغل غونترام وولف لوكالة فرانس برس "من الواضح أن أوروبا تعرّض نفسها (لخسائر) أكثر من الولايات المتحدة، لأن القرب الجغرافي يقترن بروابط اقتصادية وأمنية وثيقة".

رغم فرض العقوبات الأوروبية لا تزال موسكو خامس أكبر سوق تصديرية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، مع صادرات بقيمة 81,5 مليار يورو من كانون الثاني/يناير حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وهي أيضًا ثالث أكبّر مورّد للقارة العجوز بعد الصين والولايات المتحدة، بحسب هيئة "يوروستات" الأوروبية للإحصاءات، وقد بلغت قيمة الواردات الروسية 142 مليار يورو في الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي.

وأقرّت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر خلال منتدى الاقتصاد العالمي في 20 كانون الثاني/يناير 2022 بأن "هذه العلاقة التجارية مهمّة بالنسبة إلينا". بيد أنها شددت في المقابل على أن هذه العلاقة "مهمة أكثر بالنسبة لروسيا". فالاتحاد الأوروبي هو أول شريك وأول مستثمر لديها.

واحتلت روسيا المرتبة الخامسة عالميًا من حيث الاحتياطيات الدولية بعد الصين واليابان وسويسرا والهند. أفاد البنك المركزي الروسي أن حجم الاحتياطيات الدولية لروسيا بحلول 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 وصل إلى مستوى قياسي تاريخي بلغ 626.2 مليار دولار.

كما أن الصين أعلنت وقوفها الى جانب روسيا في ظل ازمتها في أوكرانيا، بينما روسيا تقوم بعدّة تحالفات استراتيجية واتفاقات مع دول معادية لأميركا، والتي يمكن أن تدعمه في سبيل تحقيق أمنها الإقليمي.

 

3.سيناريو التفاوض

ملامح السيناريو التفاوضي -وهو المفضل لدى روسيا- بدأت في الظهور عمليا في اجتماع الرئيسين في جنيف، رغم اقتصار نتائج الاجتماع على بدء المشاورات الروسية الأميركية حول الاستقرار الإستراتيجي والأمن السيبراني، وعدم تطرقها للأزمة بشكل مباشر. في الوقت نفسه، وصل مسار مينسك الهادف إلى إنهاء الصراع بأوكرانيا إلى طريق مسدود، بل كانت نتائجه عكسية مع قيام الناتو بزيادة حجم ووتيرة تدريباته العسكرية في منطقة البحر الأسود، في مقابل الحشود الروسية على الحدود مع أوكرانيا.

في هذا الصدد، نجح تكتيك روسيا المتمثل في إجبار الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. لذلك، بناء على هذا النجاح الأولي، قدمت موسكو للأميركيين وحلفائهم مسودة معاهدة واتفاقية تحدد مطالب روسيا من الغرب بشأن مسألة الأمن الأوروبي.

وفي نقاش إمكانية تطبيق المطالب الروسية، يعد مطلب موسكو الرئيسي بوقف توسع الناتو في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق حيز التنفيذ بحكم الواقع، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا مستعدين لتحمل مسؤولية الدفاع العسكري عن حلفائهم، أوكرانيا وجورجيا، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك.

وبالنسبة للغرب، لا تكمن المشكلة في النزاعات التي لم يتم حلها في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ودونباس، بقدر ما تكمن في احتمال مواجهة مباشرة مع روسيا في الأماكن التي تمتلك فيها موسكو مصالح أمنية حقيقية، ومستعدة لاستخدام القوة لحمايتها إذا لزم الأمر. في غضون ذلك، ليس لدى الولايات المتحدة مثل هذه المصالح أو الاستعداد لاستخدام القوة في سبيلها.

وانطلاقاً من ذلك، من المرجح عدم قبول انضمام أوكرانيا أو جورجيا في الناتو ما دام أن روسيا قادرة على منع ذلك. وعليه، فإن التهديد المتمثل في وجود أوكرانيا في الناتو هو في الواقع تهديد وهمي تفاوضي في وجه المطالب الروسية.

وتبقى فرصة حضور الناتو في أوكرانيا في شكل أسلحة هجومية، وقواعد عسكرية، ومستشارين عسكريين، وإمدادات أسلحة، وما إلى ذلك أكثر صعوبة، كما أن للولايات المتحدة قدرات عسكرية في إطار الدرع الصاروخي حول روسيا، وحاملات الطائرات كفيلة باستغنائها عن وجود مباشر في أوكرانيا.

وعليه، قد لا يمثل إنشاء قواعد الصواريخ أولوية عسكرية بالنسبة لواشنطن، كما يمكن لروسيا مواجهة ذلك من خلال تزويد الغواصات الروسية التي تبحر بالقرب من البر الرئيسي للولايات المتحدة بصواريخ "تزيركون" الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهو ما يعد محددا مهما لدى الولايات المتحدة في حاجتها إلى مزيد من الوجود في الجوار الروسي.

في المقابل، سيكون من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- الاتفاق على إنهاء التعاون العسكري والتكنولوجي العسكري بين أوكرانيا والولايات المتحدة والناتو. كما تسعى موسكو إلى الاتفاق على القيود المفروضة على طبيعة الأسلحة التي يمد الغرب بها كييف، وهو سقف قد يكون مقبولا لروسيا.

ولكي يحدث ذلك، من المرجح أن تطالب الولايات المتحدة روسيا بوقف تصعيد الاستعدادات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا. ومع ذلك، ستصر روسيا أن يكون أي خفض للتصعيد مصحوبا بقيود على مناورات الناتو بالقرب من حدود روسيا في أوروبا.

إن مطالبة موسكو بسحب جميع البنية التحتية العسكرية المنتشرة في الدول الأعضاء في أوروبا الشرقية في الناتو مستحيلة، بقدر ما هي غير ضرورية إلى حد كبير، في ما يتعلق بأمن روسيا في ظل التطور العسكري الذي أعلنت عنه موسكو بقدرتها على تحريك صواريخ تزيركون على السواحل الأميركية، كما أن عدة آلاف من الجنود الأميركيين الموجودين في المنطقة لا يشكلون تهديدا خطيرا على روسيا، رغم تحفظها على وجودها إلا أن الأمر قابل للتفاوض.

ويبقى مطلب العودة لوضع ما قبل عام 1997 -بانسحاب دول شرق أوروبا التي انضمت للناتو- المطلب الوحيد عالي السقف، الذي قد يكون وضعه على الطاولة كورقة للتفاوض، بحيث يمكن التراجع عنه لاحقًا، مما يدل على استعداد موسكو لتقديم تنازلات.

وقد تكمن احتمالية أكبر للتوصل إلى اتفاقات في الدخول في نقاش حول مجموعة المقترحات والمطالب الروسية، والاستعداد لمتابعة مسارات متوازية بين الجانبين. ولكن يبقى عامل الثقة بإمكانية التوصل إلى اتفاقيات ترضي المصالح الأمنية لروسيا محوريا في ذلك.

فرص تنفيذ الولايات المتحدة لمطالب روسيا بالشكل والإطار الزمني اللذين حددتهما موسكو معدومة تقريبا. وتبقى احتمالية الاتفاق ممكنة من الناحية النظرية حيال اثنتين من القضايا الرئيسية الثلاث، وهما عدم التوسع وعدم الانتشار. لكن أي اتفاقيات من هذا القبيل ستكون ذات طبيعة سياسية، وليست ملزمة قانونا، نظرا لتعقيدات المشهد الداخلي الأميركي، ورغبة الولايات المتحدة في تجنب خلاف داخل المعسكر الغربي.

 

4.سيناريو تدخل حلف الناتو عسكريًّا ضد الروس في اوكرانيا

يرتبط حلف الناتو مع روسيا ارتباطًا وثيقًا حيث تغذي روسيا حلف الناتو بالغاز الطبيعي والنفط، وتسدّ 40% من حاجاته النفطية، بالرغم من كثرة انقسامات حلف الناتو الا أن مصالحه مع روسيا كبيرة، وبالتالي فإن أي تدخل عسكري ضد روسيا يمكن أن يؤدي الى قطع الامدادات النفطية لها وهذا ما يخشاه حلف الناتو، لذلك فإن هذا السيناريو مستبعد.

 

5.سيناريو استخدام السلاح النووي ضد الروس في اوكرانيا

تشهد المنطقة الكثير من الاستفزازات العسكرية والتهديد باستخدام السلاح النووي، مشهد عاشته هذه المنطقة عام 1962 خلال أزمة كوبا، والتي كانت إحدى أبرز المواجهات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال سنوات الحرب الباردة، والتي كادت أن تجرّ العالم بأسره إلى حرب نووية. فاليوم تهدد روسيا بنشر أسلحتها النووية في فنزويلا وكوبا، والأمريكي نشر أسلحته النويية في أوكرانيا واوروبا الشرقية. والجدير بالذكر هنا، أن روسيا تعتبر اوكرانيا هي من صلب العمق الروسي وليس دولة المجاورة مستقلة  لذلك لن يتعاطى الروسي مع أي تواجد غربي عسكري مع حدوده بطريقة سهلة، ولكن يظلّ هذا السيناريو مستبعد وينحصر ضمن قائمة الإجراءات الأمريكية التهديدية لردع روسيا.

 

6.سيناريو الإجراءات الغربية أحادية الجانب

يمكن لحلف الناتو، بمبادرة من الولايات المتحدة، الإعلان عن وقف طويل الأمد لعملية ضم للأعضاء الجدد، على سبيل المثال. الأمر الذي أشار إليه بايدن مرارًا إنه من غير المرجح أن تتم الموافقة على عضوية أوكرانيا في الناتو في العقد المقبل. يضاف إلى ذلك التوقف عن نشر صواريخ متوسطة المدى وأسلحة هجومية أخرى، ليس كجزء من اتفاق مع روسيا، ولكن كاتفاقية حكومية دولية بين روسيا والولايات المتحدة فقط، والتي لا تحتاج إلى التصديق عليها في الكونغرس.

 

 

 

رایکم