۹۷۹مشاهدات

الهيمنة الامريكية على الاقتصاد اللبناني - مفاهيم أساسية

رمز الخبر: ۶۱۴۲۶
تأريخ النشر: 13 December 2021

منذ أن بدأت الحرب العالمية الأولى كانت الولايات المتحدة الأميركية تعتمد سياسات تختلف عن غيرها من الدول، ففي حين أن دمرت نصف الكرة الأرضية بعد هذه الحرب، كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي خرجت من الحرب فائزة دون أن تصيبها رصاصة واحدة، وذلك بعد اعتمادها حيادا سياسيا، ولكنها بالمقابل كانت تدعم الدول "الحلفاء" اقتصاديا وعسكريا، فكانت بذلك تدين الدولة الفرنسية والبريطانية بالمال من جهة وتأخذه منهم بعد أن تمدهم بالعتاد والأسلحة من جهة أخرى.

 كونت هذه الدولة اقتصادها على هذا الأساس ومع تطور الوقت زادت من ثروتها عبر هذه السياسة الدائنة، حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث أنشأت كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبهذا أصبح لديها مؤسسات خاصة لتطبيق هذه السياسات، ولم تنتهي هذه السياسة حتى يومنا هذا، إلا أن هذه الدولة باتت أثرى دولة في العالم ولم تعد تتخذ موقفا حياديا، على العكس، بل أصبحت تسيطر ليس فقط على اقتصاد العالم انما على سياسات وتحركات الدول ككل، فكيف تهيمن هذه الدولة على العالم باسره؟ وما هي المفاهيم التي اعتمدتها الولايات المتحدة لتصل الى هذا الموقع؟ وما هدف هذه الدولة من السيطرة على كل الدول بما فيها الدول الصغيرة مثل لبنان؟

سوف نربط هنا كل من المفاهيم الأميركية مع الوقائع التي تظهر هذه المفاهيم في العلاقات الأميركية اللبنانية.

المفاهيم الأميركية:

  • الليبرالية: إن أول المفاهيم التي تعتمدها الولايات المتحدة هو النظام الليبرالي، وهو يعتمد على خصخصة المؤسسات الحكومية، والحد من تدخل الدولة في الشعب، إضافة الى انفتاح السوق وهذا ما يسهل العمليات التجارية نسبة لهم، هذا النظام بنظر الولايات المتحدة يجب أن يطبق على كافة الدول دون استثناء، لذلك تسعى الولايات المتحدة أن تجعل النظام الليبرالي نظاما عالميا من خلال حث الدول على اعتماده سواء بالإقناع أو بالإكراه.

ما الهدف من هذه السياسة؟

تهدف هذه السياسة الى فتح السوق و جعل العمليات التجارية حرة دون رسوم جمركية و هذا ما يمكن الدول الكبيرة مثل امريكا ان تغزو السوق بمنتجاتها التجارية قاضية على المنتجات المحلية للدول الصغيرة أو النامية، فبعد ان يتم فتح السوق تصبح القدرة التنافسية للسلع المحلية شبه معدومة، فان الرسوم الجمركية تساعد على زيادة القدرة التنافسية للسلع المحلية لان أسعارها على الأقل تكون منافسة للسوق الخارجي، إضافة الى أن خصخصة الشركات و المنشآت سيفسح المجال امام هذه الدولة للاستثمار في كل الدول عبر شراء المنشآت الحكومية (كهربا، مصارف، شركات اتصالات...)، كما تتبع هذه السياسة مبدأ تحرير العملات أي أنها ضد مبدأ تثبيت العملة، و ذلك لكي تصبح العملة قادرة على تحديد قيمتها الذاتية بحسب قدرتها في السوق.

في عام 2019 أبرز نائب وزير الخارجية الأميركي جو هود في كلمة له في جلسة للجنة العلاقات الخارجية مع لبنان والعراق، دعوته للحكومة اللبنانية على خصخصة بعض المرافق العامة والقيام بإصلاحات إدارية، كما دعت مجموعة الدعم الدولية لبنان في أواخر سنة 2019 (نقلا عن جريدة الأخبار) لتحرير العملة الوطنية "الليرة اللبنانية"، واعتماد الخصخصة في مختلف قطاعات الدولة، إضافة لوقف الدعم عن كل القطاعات الرئيسية.

  • المساعدات المشروطة: بطبيعة الحال فان معنى المساعدة يكمن في تقديم ما يحتاجه الطرف الآخر دون التشرط، لكن في العلاقات الدولية من الطبيعي أن تطلب الدول التي تمد بالمساعدات المادية أو الغير مادية مقابلا لمساعدتها، اما من غير الطبيعي ان تكون هذه الطلبات مرتبطة بقرارات البلد أو بسياساته ، فعلى المدى الطويل كانت امريكا تساعد الدول النامية ماديا منذ الحرب العالمية الأولى ، ولكن لم تكن هذه المساعدات سوى خدمة لمصالحها السياسية الخاصة، ولم تطلب امريكا يوما من الدول النامية أن ترد ديونها بالمال فقط انما ربطت سد الديون بقرارات تفرضها على النظم المتبعة في المنطقة.

لا تنفك امريكا عن التصريحات الداعمة للشعب اللبناني و الدولة، و تعلن تعاطفها معهم و تقدم الحلول للأزمات التي يشهدها و لكن يختلف سلوكها و يتناقض مع هذه التصريحات، على سبيل المثال تدخل السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد في العام 2017 في السياسات التي يتبعها لبنان تجاه ايران و العراق، بالإضافة الى تحذير الجنرال جوزيف فوتيل في خطابه أمام الكونغرس في شباط العام 2018 من أن أي تعاون للدولة اللبنانية مع حزب الله يهدد المساعدات الأميركية المستمرة، أي أن المساعدات الأميركية مرهونة في الحرب ضد حزب الله و بهذا يتم التحكم في الاتجاه السياسي للدولة اللبنانية مقابل المساعدات الأميركية، كما أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر مجموعة الدعم الدولية للبنان أن مساعدة لبنان مرتبطة في اخراج حزب الله من الحكومة.

  • التهويل: تعتمد الولايات المتحدة على سياسة التهويل فهي تزع الخوف لدى البلدان التي تعاني من مشاكل في بنيتها الاقتصادية، و ذلك بالإضاءة على الأزمات التي تمر بها البلاد و زرع الخوف لدى الشعوب من تطور هذه الازمات و جعلها في اعين الشعب كارثية و بذلك يصبح الشعب مشتتا و غير واع، يبحث عن أي وسيلة للنجاة و لحل الازمات التي يعانيها بلده دون النظر الى ما قد تولده هذه الحلول في المستقبل، و يجب التنبيه أن هذا التهويل ليس عبثيا فهو يمكن اعتباره تحذير أو تهديد غير مباشر، و هو وسيلة للدولة الأميركية بأن توصل متطلباتها للدول الأخرى بطرق مبطنة.

كانت لغة التهويل وتضخيم الأزمات واضحة في حديث وكالة بلومبرغ في العام 2019 حيث حذرت من أن لبنان في دائرة الخطر في 2020، وأن استقراره سيكون مزعزعا في حال تخلفه عن دفع سندات اليوروبوندز في التاسع من آذار، إضافة للتحذير الدائم للبنان من حزب الله الذي يتعارض مع مصالحها، واخافة اللبنانيون من شعبهم نفسه، وهذا ما ساق جزء كبير من الشعب اللبناني الى المظاهرات في 17 تشرين، كما اشار السفير السابق فيلتمان في العام2019 أن أزمة مالية تلوح في الأفق في لبنان، وأسماها بالكارثة أي ليست أزمة عابرة.

  • صندوق النقد الدولي: ان المؤسسة الفعلية التي تربط البلدان بنظام الرأسمال الأمريكي هي صندوق النقد الدولي، و يتلخص الأمر في أن صندوق النقد الدولي أنشأ أصلا لضمان استقرار عملات الدول الأعضاء في هذا الصندوق ذاته و بعد أن حلت اتفاقية "جمايكا" المالية محل نظام بريتون وودز العالمي و تم فك ارتباط الدولار بالذهب كف صندوق النقد الدولي عن لعب دوره السابق، ولم يعد معروفا الغرض منه، فإنه منذ حينها بدأ الصندوق يرتب عمله لا لمساعدة البلدان المقترضة في ضمان استقرار سعر عملتها بل لتنفيذ برامج الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادية، و هذا يعني التزام الدول المقترضة بحزمة من المبادئ التي فعلا تربط بشدة اقتصاد البلد المقترض بالطرف المقرض، في هذه الحالة التي نحن فيها فإن المقرضين هم الولايات المتحدة الأميركية، و يقتسر طلب الدائن بتحرير أو لبرلة العلاقات الاقتصادية الخارجية وإلغاء كل تحكم بسعر صرف العملة و أسعار السوق الداخلي، ما يعني إلغاء مكافحة الاحتكار و التخلي عن ضبط الأسعار، و قد صورت امريكا هذا الصندوق على أنه الخلاص الوحيد للدول التي تعاني من مشاكل مالية أو اقتصادية أو نقدية.

و قد تبلور ذلك في لبنان بعد وقوعه في الأزمة المالية التي بدأت في أواخر العام 2019، و قد ورد في صحيفة الأخبار للعام 2019 عن مؤتمر مجموعة الدعم  الدولية للبنان  التي فرضت المزيد من الشروط على شروط سيدر لكي تدفع لبنان للتوجه لصندوق النقد الدولي، و لم يكن الهدف من ذلك تحصيل الديون و الفوائد من لبنان انما كان الهدف تطبيق شروط صندوق النقد الدولي التي ستفرض على لبنان من خصخصة و تحرير للعملة و تقليص من العاملين في القطاعات العامة، إضافة لرفع الدعم عن قطاعات أساسية كالمحروقات و الكهرباء، كما اكدت وكالة بلومبرغ الأميركية أن الحل في لبنان هو صندوق النقد الدولي ، وقال جايسون توفي و هو من اهم خبراء الاقتصاد في "كابيتال" أنه يعتقد أن الصندوق سيطلب تخفيض قيمة العملة اللبنانية 50 % لإعادة هيكلة الديون.

  • التدخل المصرفي: على طبيعة الحال يشكل القطاع المصرفي الدعامة الأساسية في أي بلد كان وهو المحرك الأساسي لاقتصاده من حيث الاستثمارات الخارجية والداخلية، إضافة لكونه المحرك الأول لسعر صرف العملة وقيمتها، لذلك فيعتبر القطاع المصرفي من أولى اهميات الدولة الأميركية، حيث يهدف تشجيعها على الخصخصة في اغلب المواقف للقدرة على الاستحواذ على المصرف المركزي في أي بلد مما يخولها للتحكم في اقتصاده.

ولا يمكن أن نغض النظر عن أن لبنان دولة تعتمد في اقتصادها على قطاعها المصرفي دون غيره من القطاعات و هذا ما جعل منه ضحية اسهل بالنسبة للدولة الأميركية ، و قد تم في الفترة الماضية توظيف التدخل في المصرف اللبناني عبر رياض سلامة حاكم مصرف لبنان الذي يتم تحميله الجزء الأكبر من فقدان الليرة قيمتها، يستوجب الحديث عن رجل أمريكا في لبنان، رياض سلامة، الذي قالت عنه السفيرة الامريكية في لبنان دوروثي شيا في تصريح لـ OTV انه "على لبنان تحويل أفكاره الإصلاحية إلى حقيقة، واتخاذ خطوات ملموسة لكسب التأييد الدولي، وأنه كان من الخطأ اتهام أي شخص أو مؤسسة بالانهيار الاقتصادي في لبنان" رداً على سؤال حول دور حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وأشارت أنّه "يتمتع بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي"، وحول دور سلامة، قال شيا إن الولايات المتحدة عملت معه عن كثب على مر السنين، وأضافت أن تعيينات البنك المركزي كانت مسألة سيادية، وقالت "إذا لم يكن لدى المجتمع المالي الدولي ثقة في قيادة المؤسسات المالية الكبرى في حكومتك فأعتقد أنك لن ترى تدفقات الاستثمارات يحتاجها الاقتصاد بشدة".

  • توظيف الأزمات: هذا الشق يرتبط بالتهويل حيث أن الولايات المتحدة تعتمد التهويل لتستطيع توظيف الأزمات، أي أن السياسة الأميركية تعتمد على الأزمات الحاصلة في الدول الأخرى سواء المفتعلة أو الغير مفتعلة، فتنكر هذه الأزمات بما يخدم مصالحها الخاصة، وتستفيد منها لتحريض الشعب وتجنيده لصالحها حتى وان كان تجاه دولته، فتأتي هذه الدولة على شاكلة منقذ ومحب لا يهتم لمصالحه الشخصية ما يؤمل الشعب به.

هذا ما حصل في لبنان حيث أن كل ما تقوم به امريكا من سياسات تعتمد على توظيفها لكل ما مر به لبنان من أزمات وتفلت سياسي واقتصادي، إضافة للانقسامات الطائفية فيه، وبعيدا عن المشاكل المفتعلة التي قامت بها فان امريكا استغلت هذه المشاكل لتأجيج الشعب وحثه للثورة الممنهجة وبدأت بدعم الثورة ضد الفساد وأوصلت أبواق هذه الثورة لما يخدم مصالحها عبر تأجيجها ضد حرب الله، كما نصحت الشعب بالحد من التدخلات الخارجية معارضة ما تنصحه بتدخلها في قرارات الشعب في التصدي لحزب الله.

  • التحجيم: ان أهم ما يخدم الدولة الأميركية هو شعور الدول الأخرى أنها أقل حجما منها، و أنها لا تستطيع أن تتقدم مهما كانت تملك من سياسات ناجحة، أو موارد طبيعية أو ثروات نفطية، بل و تسعى هذه الدولة للحد من قدرات الدول الأخرى في الإنتاج و التصدير و تركيز اهتمامها في القطاعات المحدودة كقطاع السياحة أو المصرف، لكي لا يكون لديها القدرة على تطوير اقتصادها و الاعتماد التام على نفسها، و بهذا تفتح الولايات المتحدة المجال لنفسها لان تجد بابا للتحكم في هذه الدول، ففي لبنان طالبت أمريكا الدولة اللبنانية بعدم استكشاف النفط، و ذلك مراعاة لحليفتها إسرائيل، كما و أن استغلال لبنان للنفط سيشكل خطرا على القدرة التحكمية لأمريكا فيه.

خاتمة:

لا تنفك أمريكا عن تصريحاتها الداعمة للشعب اللبناني و الحكومة اللبنانية و تعلن تعاطفها مع اللبنانيين عند كل أزمة و تسارع لتقديم الحلول و لكنها في حقيقة الأمر لا تعمل الا ضمن اجندة تخدم مصالحها و مصالح الكيان الإسرائيلي، ففي الثامن من حزيران عام 2010 قال جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركية حينها و على نحو علني أمام الكونغرس أن واشنطن أنفقت بعد حرب تموز 2006، خمسمئة مليون دولار أمريكي على حرب إعلامية تسعى الى تشويه صورة حزب الله، فقط لتشويه صورة أكبر حزب لبناني يمثل شريحة واسعة من المجتمع اللبناني فيما كانت أمريكا تقدم الدعم العسكري و المادي و السياسي للعدو الإسرائيلي طيلة فترة حرب تموز و ما بعدها، و اقتصرت مساعداتها للبنان على بضع هبات عسكرية يقال انها من الأسلحة التالفة أو آليات منتهية الصلاحية قدمت للجيش اللبناني ضمن شروط مقيدة، و بعيدا عن حرب تموز و في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ العام 2019 فان واشنطن تمارس اقصى أنواع الضغوطات لمنع أي مساعدة ان تصل الى لبنان، و هددت مرارا باستخدام العقوبات الاقتصادية و المالية فيما لو حاول لبنان التوجه شرقا، و تحت عنوان سياسة الضغوطات القصوى على محور الممانعة تمارس واشنطن ابشع أنواع العقوبات على شعوب تلك الدول، و من المعلوم للجميع أن الولايات المتحدة وضعت حزب الله على قائمة الإرهاب منذ سنوات طويلة ، ومارست عقوبات مصرفية على أشخاص وكيانات ومؤسسات تدعي أن لهم علاقة بحزب الله،  ومؤخرًا خرج بومبيو ليطالب دول العالم لتصنيف حزب الله إرهابيًا، وأكد أن الأزمة في لبنان يتحمل مسؤوليتها حزب الله.

إن أمريكا تبيح لنفسها سياسة فرض العقوبات وتجويع الشعوب، وتلقي المسؤولية على حزب الله، على الرغم من أن الحزب جزء من الطيف اللبناني، وبالفعل مارست الولايات المتحدة ضده أبشع العقوبات، لكن لماذا يدفع الشعب اللبناني الثمن؟ وأين ما تدعيه أمريكا من دعم للاقتصاد اللبناني؟ وماذا لو قدمت تلك الأموال المستعملة في تشويه صورة حزب الله ووظفت في مسار آخر يخدم بالفعل مصلحة الاقتصاد الوطني؟

رایکم