۳۱۴مشاهدات
رمز الخبر: ۶۰۰۷۲
تأريخ النشر: 12 November 2021

مدخل

الشرعية معقودة برقبة هادي الذي كان منذ ١٩٩٤، اي بعد حرب الانفصال ضد علي سالم البيض، انضم هادي حينها لقوات علي عبدالله صالح، الذي كافأه حينها بتعيينه نائبا للرئيس، واستمر في منصبه الى العام ٢٠١١، حتى قيام ثورات  الربيع العربي، وثورة الشباب اليمنية في ١١ فبراير من نفس العام، والتي ادت لانقسام عامودي في النظام بين سلطة ومعارضة، السلطة ممثلة بعلي عبدالله صالح كرئيس للحزب الحاكم ومهيمن على الجيش والامن بواسطة اولاده واخوانه، والمعارضة بأحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسها الإصلاح - أخوان اليمن، بدعم من علي محسن الاحمر قائد الفرقة المدرعة، وشريك صالح طوال عهده السياسي والعسكري، والذي اعلن انضمامه للثورة الشعبية، المطالبة بإسقاط النظام.

عهد الثورة

جاءت المبادرة الخليجية في ٣ ابريل، وتضمنت تشكيل الحكومة بالمناصفة بين السلطة والمعارضة، وانتخابات صورية بمرشح وحيد هو عبدربه هادي، الذي ارتضاه جميع أطراف المبادرة، ظنّا من كل طرف ربما بأنه سيكون طيّعا بيده، نتيجة لضعف شخصيته، سواء صالح أو محسن، أو حتى الخارج ممثلا بسفارتي واشنطن والرياض.

انتخب المرشح الوحيد عبدربه هادي في ٢١ فبراير ٢٠١٢، في انتخابات هزلية اثارت الكثير من السخرية، لانعدام المنافسة، ولو صورية، الامر الذي رفض في ساحات الثورة من قبل أطياف واسعة من الشباب، والقوى الثورية، وعلى رأسها أنصار الله والحراك الجنوبي، الذين لم يشاركوا فيها، حتى أن أغلب الصناديق عادت فارغة من المحافظات الجنوبية، ومحافظة صعدة. وصل هادي الى موقعه كرئيس توافقي، لمدة عامين، لإدارة فترة انتقالية، واستكمال نقل السلطة، حسب المبادرة الخليجية المحددة زمنيا، وآليتها التنفيذية، التي نصت أيضا على عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل برعاية الامم المتحدة والدول العشر - دول الخليج واعضاء مجلس الامن الدائمين.

انعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء (18 مارس 2013 إلى 25 يناير) بمشاركة الاحزاب السياسية العتيقة، في السلطة والمعارضة، والقوى الصاعدة، أنصار الله والحراك الجنوبي، وتمثيل للمرأة والشباب والمجتمع المدني. كان هناك رهان على عدم مشاركة أنصار الله، لا سيما ان الحوار جاء بناء على المبادرة الخليجية، التي لم يعترف بها أنصار الله ولا الحراك الجنوبي.

انتهت ولاية هادي في ٢١ فبراير ٢٠١٤، إلا ان مؤتمر الحوار، اقر تمديد الولاية عاما اضافيا، من أجل إنجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني. تم التوافق على اغلب مخرجات الحوار الوطني الشامل، باستثناء موضوع شكل الدولة وأقاليمها، حيث أصر هادي والقوى الخارجية على التقسيم لستة أقاليم، أربعة في الشمال واثنان في الجنوب، بصيغة غير علمية ولا عملية انطوت على فرز يفضي الى الصراع  ويعزل بعض القوى الرئيسية في اقليم واحد، بكتلة سكانية كبيرة، وبلا موارد، ولا منفذ بحري، نظر إليها كفكرة تأزيم، وبذرة فتن لا تنتهي إلا بتمزيق اليمن وتشظيه، كانت هذه فكرة مرفوضة من أغلب القوى المشاركة في مؤتمر الحوار، وقد انتهى الحوار وأحيلت قضية شكل الدول للجنة منبثقة عن المؤتمر، لم تنعقد إلا لبضعة ايام، وفي ساعات معدودة، وبعد ضغوط خفية قبِل الجميع بها على مضض، ليفاجأ ممثل أنصار الله، في آخر جلسة، (حضرها هادي) بمشروع قرار التقسيم، والطلب من ممثلي القوى السياسية التوقيع، على مشروع جاهز، معد سلفا، وقعوا جميعا، باستثناء ممثلي انصار الله، الذين تمسكوا برفض الفكرة وطالبوا بأن يتم دراستها من لجان متخصصة، تراعي كل الأسس العلمية.

استغل هادي الدعم الخارجي، وبدأ بقصقصة واضعاف كل الاطراف الداخلية بما فيها، صالح ومحسن، وأباح الاجواء للولايات المتحدة تقصف كيف تشاء وأنى تشاء، تحت عنوان محاربة القاعدة، نفذت خلالها العديد من الغارات بالدرون، وسقط خلالها عشرات المدنيين، في البيضاء وذمار وأبين وغيرها.

في هذه الاجواء كانت عناصر الاصلاح والقاعدة والسلفية المتشددة تعمل على حصار صعدة، من كل الاتجاهات، من حجة وعمران والجوف، بغرض تحجيم أنصار الله، في ظل انكفاء الدولة ودعم سعودي، بالتوازي مع ذلك قررت حكومة المبادرة رفع الدعم عن الوقود، بذريعة إفلاس الخزينة، وظل هادي يماطل في تنفيذ مخرجات الحوار، لا سيما تشكيل حكومة من أطراف الحوار الوطني، وتضم أنصار الله والحراك الجنوبي بإملاءات سعودية أمريكية.

بعد تمكن أنصار الله من كسر أسوار الحصار في صعدة، ووصولهم الى عمران، بدأت تحركات شعبية ثورية تطالب بإقالة حكومة المبادرة، والغاء الجرعة (إلغاء فكرة رفع الدعم) لتتطور الاحداث نتيجة تعنت السلطة وعدم استماعها لصوت الجماهير، بل واعتدائها على المتظاهرين السلميين، وسقوط شهداء وجرحى في مجازر شارع المطار، وأمام مجلس الوزراء، فتصاعدت التحركات الثورية بإقامة اعتصامات ضخمة على المداخل الرئيسية للعاصمة، الامر الذي دفع أنصار الله لاتخاذ قرار بحماية المظاهرات الشعبية والاعتصامات السلمية.

توترت الامور ووصلت اقصاها مع بدء محاولة اقتحام ساحة الاعتصام في شارع المطار، وبعدها مجزرة رئاسة الوزراء، ثم الاعتداء على المواطنين المؤيدين للثورة غرب العاصمة صنعاء، حينها كانت الثورة جاهزة للدفاع عن نفسها، في وجه تعنت واجرام السلطات. تصاعدت الاشتباكات بالقرب من فرقة علي محسن، واعلنت عدة وحدات عسكرية دعمها للثوار، (نتيجة لتواصل مسبق بين الثوار وقيادات هذه الوحدات). وصلت الثورة اوجها معلنة انتصارها ٢١ سبتمبر، مع سقوط علي محسن الاحمر، والفرقة المدرعة، ويدخل أنصار الله صنعاء.

أثناء التصعيد الثوري، كان جمال بن عمر يواصل زيارته لصعدة، لوضع اللمسات الاخيرة لاتفاق جديد يستجيب لمطالب الثورة، ويتم التوقيع عليه تحت عنوان اتفاق السلم والشراكة، برعاية مبعوث الامم المتحدة جمال بن عمر، ويرحب العالم بالاتفاق، بما في ذلك مجلس الامن ومجلس التعاون الخليجي، وكان يقضي بتشكيل حكومة شراكة وطنية حسب مخرجات الحوار الوطني، والغاء الجرعة السعرية، وتشكيل هيئة لمراقبة تنفيذ مخرجات الحوار.

ماطل هادي مرة أخرى في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة وتشكيل الحكومة، ومحاولا الانقلاب على الاتفاق كلّف احمد بن مبارك مدير مكتبه بتشكيل الحكومة، بدون التزام بمعايير اتفاق السلم والشراكة، فرفض انصار الله القرار، رفضا قاطعا، تراجع هادي، واعتذر بن مبارك، وتم التوافق على شخصية خالد بحاح لرئاسة الحكومة ، لتتحفظ ثورة ٢١ سبتمبر على تشكيل حكومة لم تلتزم بالمعايير المتفق عليها، وبدون مشاركة أنصار الله، وتقبل بتمريرها من اجل انهاء الفراغ، الذي لا تتحمله البلاد، وفي كل مرة تقدم الثورة تنازلا، كان يُفهم أنه ضعف أو غباء وعدم نضج سياسي.

بعد ذلك، وما ترافق معه من إشكالات، كانت الطامة الكبرى استعداد هادي لإعلان مسودة الدستور، ١٧ يناير ٢٠١٥ المتضمنة للأقاليم الستة، وفقا لإرادة الخارج، والتجهيز لطرحها للتصويت والاستفتاء الشعبي، الامر الذي لم يكن مقبولا من الثورة، وتم اجهاضه باعتقال مدير مكتب هادي، أحمد بن مبارك، (اليوم هو وزير خارجية هادي)، لتتدحرج الامور الى مزيد من التدهور والاحداث الامنية في صنعاء، واعتداءات قوات هادي على نقاط اللجان الشعبية في العاصمة.

 

 وعلى إثر الفشل في تقويض الثورة تقدم حكومة بحاح استقالتها، وكذلك الرئيس، ٢٢ يناير ٢٠١٥، ليلة إعلان وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز. هنا اعتبرت شرعية هادي منتهية ثلاث مرات، مرة بانتهاء المدة الزمنية في المبادرة الخليجية، وثانية بانتهاء عام التمديد من مؤتمر الحوار، والثالثة باستقالته، وعدم قبوله بالتراجع عنها رغم محاولات كثيرة.

تحملت الثورة المسؤولية بالإعلان الدستوري، ووضعت هادي وحكومته تحت الاقامة الجبرية، وبدأت بمفاوضات مع القوى والاحزاب السياسية برعاية الامم المتحدة، للتوصل الى ارضية مشتركة للخروج من الازمة الناتجة عن استقالة الرئيس والحكومة. تمكن هادي من الفرار الى عدن ٢١ فبراير، وأعلن تراجعه عن الاستقالة، واستمرت مفاوضات القوى السياسية في صنعاء، وبينما كانت الامور تبشر بقرب الحلول، جاءت طائرات العدوان لتدمر طاولة المفاوضات وتبدأ مرحلة العدوان. بدأت القوات المسلحة في عدن مدعومة باللجان الشعبية، بمحاصرة هادي في قصر معاشيق، وفرّ منها ليلة السادس والعشرين مارس ٢٠١٥، ولم يعلم بالتدخل السعودي الا في طريقه الى سلطنة عمان.

خاتمة

هادي بلا اصدقاء ولا حلفاء، وشرعيته من الخارج، ولا علاقة لها بالداخل، ومن حوله كلهم خصوم تقريبا. باستثناء حزب الاصلاح، المستفيد الوحيد من وجود هادي، فالجنوبيون يتهمونه بالانحياز لنظام علي عبد الله صالح في حرب ٩٤، وحزب المؤتمر المحسوب على علي صالح، يرى فيه خصما نتيجة استهداف القيادات الموالية لصالح، في المؤسسات الامنية والعسكرية والمدنية بالإقصاء والتهميش (هادي كان نائب لرئيس الحزب، واليوم يضع نفسه رئيسا للحزب) بينما ينقسم حزب المؤتمر اليوم، طرف في صنعاء بقيادة صادق ابو راس ولا يعترف بهادي، والأطراف الأخرى تتوزع قياداتها الحزبية بين القاهرة وعمان، ولكل تكتل رأي خاص.

لا توجد لدى هادي قوات محسوبة عليه، الا مليشيا حزب الاصلاح، المسماة جيش وطني، بينما بقية المرتزقة في المجلس الانتقالي، والنخب الجنوبية محسوبة على الامارات، ولديها نزعات انفصالية، وقوات طارق صالح (عفاش) في الساحل الغربي، ايضا موالية للإمارات، ولم تعترف بالشرعية الا مؤخرا، وبقدر محدود ربما من اجل الرياض.، وهذا يفسر جزءا من أسباب بقاء هادي وحكومته في فنادق الرياض وعدم تمكن من البقاء حتى في عدن او اي محافظة اخرى تحت احتلال العدوان، لا سيما بعد تشكل ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي.

الكاتب:علي الدرواني

رایکم