۴۲۱مشاهدات
رمز الخبر: ۵۸
تأريخ النشر: 23 July 2010
كل رئيس أمريكي يحمل في رقبته ذنبا تجاه القضية الفلسطينية، وكل واحد منهم له "مصائب" تجاه الفلسطينيين والعرب .. فعلي سبيل المثال ، اشتهر بوش الابن بأنه صاحب "مصيبة" ما أطلقت عليه (وعد بوشفور) – مثل وعد بلفور - عندما اعترف علنا في الرسائل الرئاسية المتبادلة بينه وبين شارون بشأن التعهدات لضمان أمن الدولة الصهيونية – بما سمي "حق إسرائيل في ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الصهيونية في الضفة الغربية"، وقال بوضوح إن التسوية النهائية لن تتضمن انسحابا إسرائيليا إلى خطوط الهدنة للعام 1949، وستأخذ بالحسبان الوضع القائم على الأرض مثل التغييرات الديمغرافية والاحتياجات الأمنية لإسرائيل "!!.

أما الرئيس باراك حسين أوباما الذي أنشد بعض العرب فيه شعرا واعتبروه "محرر فلسطين" بعد فوزه ، فلم يكتف بالإبقاء على السياسة الأمريكية الخاصة بالصمت على البرنامج النووي الصهيوني مقابل أن تتعهد إسرائيل بعدم الإعلان عنه (الغموض النووي) ، وإنما اعترف بحق إسرائيل في الاحتفاظ بالسلاح النووي ، ما يشكل تطورا خطيرا لم يلق رد الفعل اللازم عربيا ودوليا ، وها هي وزارة الخارجية الأمريكية تعلن نية إدارة الرئيس أوباما تزويد "إسرائيل" برزمة مساعدات أمنية وصفت بأنها الأكبر في التاريخ !.

أوباما تعهد في المؤتمر الصحافي مع نتنياهو عقب لقاؤهما في البيت الأبيض بداية الشهر الجاري بأن "سياسة الولايات المتحدة تجاه الموضوع النووي الإسرائيلي لن تتغير"، ("هآرتس" 7/7/2010)، وقال: "لا تغيير في سياسية الولايات المتحدة تجاه هذا الموضوع" .. ولكنه أضاف : "نحن نعتقد أنه نظرًا إلى حجم إسرائيل وتاريخها والتهديدات ضدها، فإن لديها مطالب أمنية خاصة، وهي بحاجة إلى أن تملك القدرة (أي السلاح النووي) على الرد على هذه التهديدات ، والولايات المتحدة لن تطلب من إسرائيل إطلاقًا القيام بخطوات تمس مصالحها الأمنية" !!.

ولم يكتف أوباما بهذا وإنما حذر من أن أي محاولة اتهام لإسرائيل بسبب برنامجها النووي الذي لم تعترف بوجوده يوما، يمكن أن يعرقل تنظيم مؤتمر دولي حول شرق أوسط خال من السلاح النووي مقرر عام 2012 ، ما يعتبر محاولة أمريكية لإجهاض محاولة عربية تقودها مصر لوضع إسرائيل في قفص الاتهام وإجبارها علي إخضاع برنامجها النووي للتفتيش .

شراكة نووية!
تصريحات أوباما الغريبة - التي أعطت لإسرائيل "الحق في تملك القدرة على حماية نفسها" -  فسرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية عندما كشفت في اليوم التالي 7 يوليه 2010 عن (وثيقة سرية) تؤكد وجود شراكة نووية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، وقالت "أن الولايات المتحدة تعهدت لإسرائيل ببيع تكنولوجيا نووية ومواد تستخدم لإنتاج الكهرباء وإمدادات أخرى ذات صلة.

ونشر الموقع الإليكتروني لصحيفة "هآرتس" أن الولايات المتحدة أرسلت وثيقة سرية إلى إسرائيل تلتزم بالتعاون النووي بين الدولتين مثل التكنولوجيا النووية وإمدادات أخرى بالرغم من أن إسرائيل ليست إحدى الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي وهو الوضع الذي حال دون تعاون دول أخرى مع إسرائيل في الشئون النووية في تحد أمريكي لتنامي الضغوط الدولية التي تطالب بمزيد من الشفافية من جانب إسرائيل بشأن ترسانتها النووية.

وبحسب اعتقاد المعلق الدبلوماسي لراديو إسرائيل فإن العرض الأمريكي المشار إليه يمكن أن يضع إسرائيل في وضع متكافئ مع الهند المعروف عنها أنها تمتلك أسلحة نووية والتي توصلت إلى اتفاق مع الولايات المتحدة عام 2008 يقضى بمنحها واردات نووية مدنية.

حصانة ذرية لإسرائيل!
وهذه الخطوة الأمريكية من قبل إدارة أوباما لفرض النووي الصهيوني على العرب – برغم أنه يسعى لفرض عقوبات مشددة علي إيران بدعاوي الخوف من امتلاكها مستقبلا أسلحة نووية – لم تكن مفاجئة، لأن أوباما سبق أن تعهد في أكتوبر الماضي 2009 بالحفاظ على "الحصانة الذرية" لإسرائيل ضد التفتيش ، وكشفت صحيفة «واشنطن تايمز» يومها أن أوباما تعهد بالحفاظ على سرية الترسانة النووية الإسرائيلية، وتمتعها بالحصانة ضد أعمال التفتيش الدولية، تنفيذاً لاتفاق سرى بين بلاده وإسرائيل منذ نحو 4 عقود.

وقالت الصحيفة حينئذ إن مسئولين أمريكيين أكدوا أن أوباما تعهد بالحفاظ على الاتفاق عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الأولى في البيت الأبيض في مايو 2009، ونقلت الصحيفة عن الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية «أفنير كوهين»، مؤلف كتاب «إسرائيل والقنبلة»، قوله إن إعادة التأكيد على الاتفاق، تؤكد وجهة النظر القائلة إن أمريكا شريك في سياسة الغموض النووي التى تطبقها إسرائيل.

وبرغم أن الصحيفة الأمريكية حذرت وقتها من أن يقوض الاتفاق هدف إدارة أوباما نحو عالم خال من الأسلحة النووية، وأن يضر بالجهود الأمريكية لتفعيل معاهدة حظر التجارب النووية، ومعاهدة الحد من المواد الانشطارية، اللتين قالت واشنطن إنه يمكن تطبيقهما على إسرائيل ، فلم يكف الرئيس أوباما بهذا الغموض النووي وإنما ألمح في تصريحاته الأخيرة بوضوح لحق إسرائيل في امتلاك سلاح نووي وحمايته لها.

هذا الموقف البراجماتي انتقدته الجمعية الإسلامية الأمريكية " ماس " -  و سمته "النفاق السياسي الواضح" من جانب إدارة أوباما، كما انتقدت التناقض بين موقفه مع إسرائيل، ونقيضه ضد إيران !؟.

فعندما اقترحت الدول الـ189 الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووي في مايو الماضي 2010 خطوات جديدة للحد من الانتشار النووي وإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة الذرية ، ووافق الدبلوماسيون في مؤتمر مراجعة المعاهدة على وثيقة ختامية تقع في 28 صفحة وتتحدث للمرة الأولى عن تحركات للحد من التسلح ومنع الانتشار النووي وتشجيع الطاقة النووية المدنية ، ودعت لعقد مؤتمر في عام 2012 "تحضره كل دول الشرق الأوسط" لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي ، رفضت إسرائيل حضوره أولا ثم لجأت لأوباما لحمايتها فلم يتأخر وبادر بالدفاع عنها وعن حقها في أن تكون حالة استثنائية في المنطقة !.

أمريكا تعلم وتتواطأ
والحقيقة – كما يقول خبراء ذرة مصريون - أن الأمريكان يعلمون تفاصيل البرنامج النووي الصهيوني منذ بدايته ولكنهم يتواطئون مع إسرائيل لحد أن الفني في المفاعل الإسرائيلي (مردخاي فعنونو) نفسه الذي فضح امتلاك إسرائيل قنابل نووية ، كشف أن من استدرجه كي يعتقله عملاء الموساد في روما ويعيدوه للسجن في الدولة الصهيونية كانت عميلة أمريكية تابعة لجهاز المباحث (FBI) والمخابرات الأمريكية CIA.

فقد كشفت مقالة مبكرة نشرت على صفحات موقع الإنترنت التابع لمعهد منع انتشار السلاح النووي الذي يديره سلاح الجو الأمريكي أول يوليه 2002 أن إسرائيل تملك ما يزيد على 400 رأس نووي وقنابل هيدروجينية ، وكشف المقال الذي كتبه الكولونيل المتقاعد ورنر فارر، وهو طبيب شغل عدة مناصب قيادية في الجيش الأمريكي عن تفاصيل غاية في الأهمية بشأن البرنامج النووي الصهيوني يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- أن الدولة العبرية أنجزت كل ما تريده من مشروعها النووي عام 1995 عندما أنجزت إنتاج قنابل نيوترونية وألغام نووية وقنابل الحقيبة وصواريخ تطلق من الغواصات، فضلا عن امتلاكها للقنابل الهيدروجينية المعقدة التطوير والباهظة التكلفة التي لا تملكها سوى كل من الولايات المتحدة روسيا بريطانيا وفرنسا والصين (قوة كل قنبلة هيدروجينية تزيد مائة إلى ألف مرة عن القنبلة النووية الاعتيادية) .

2-  أن إسرائيل طورت قنابل نيوترونية تكتيكية قادرة على تدمير القوات المعادية بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار في الممتلكات، كما توجهت نحو القنابل النووية الصغيرة التي تعتبر مفيدة لصد هجوم موضعي أو لاستخدامها كألغام.

3- أشار التقرير الأمريكي لأن وصول غواصات دولفين الألمانية الصنع لإسرائيل تمكنها من امتلاك القدرة على توجيه الضربة النووية الثانية ( في حالة تعرضت لضربة نووية من دولة أخري) .

4-  أن إسرائيل أصبح لديها أكثر من أربعمائة قنبلة نووية بينها قنابل هيدروجينية، وهو رقم يبلغ ضعف حجم التقديرات الاستخبارية الشائعة التي كانت تتحدث عن مائتي قنبلة نووية إسرائيلية.

5-  قال الكاتب أن هذا التقرير جزء من نشاطات المركز التابع لسلاح الجو الأمريكي، وأنه أعد لتقديم المعلومات والتحليلات لصناع القرار ذوي الصلة بالأمن القومي الأمريكي ولقادة سلاح الجو الأمريكي لمساعدتهم في مواجهة أخطار تسلح الآخرين بأسلحة الدمار الشامل.

6-  يؤكد التقرير أنه كان لدى إسرائيل عام 1967 خمس عشرة قنبلة نووية ارتفعت إلى 200 عام 1980، ثم إلى 400 قنبلة نووية حتى عام 1997.

7- سعى كاتب المقال إلى تحليل أسباب سعي إسرائيل لإنتاج كميات كبيرة من السلاح النووي مركزا على أن "هذه القدرة تعد أحد الأسباب التي تعزز استمرار الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل" أي كنوع من الضغط على الولايات المتحدة! .

8-  كشف التقرير (الأمريكي المعد للقوات الجوية الأمريكية) عن أن القدرات النووية الصهيونية تطورات لأشكال أخرى حيث امتلكت عام 1973 عشرين صاروخا نوويا وطورت ما يسمى بالقنبلة الحقيبة، بينما أقامت في عام 1974 ثلاث وحدات مدفعية نووية تحوي كل منها اثنتي عشرة فوهة من عيار 175 ملم و230 ملم ، كما أوضح التقرير أنه في عام 1984 امتلكت إسرائيل 31 قنبلة بلوتونيوم وأنتجت عشر قنابل يورانيوم أخرى ، وفي عام 1986 كان لدى إسرائيل ما بين مائة إلى مائتي قنبلة منشطرة وعدد من القنابل المنصهرة. وفي عام 1994 صنعت ما بين 64 إلى 112 قنبلة برأس حربي صغير وكان لديها خمسون صاروخا نوويا من طراز (أريحا) .

وليست هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها أنباء تشير لتستر الأمريكان على البرنامج النووي الصهيوني والسعي لابتزاز العرب به باعتباره " فزاعة" تخيف الدول العربية وتدفعها للركوع .. فقد سبق الحديث عن ذلك عشرات المرات، ولكن كان تقرير سلاح الطيران الأمريكي هو الأهم لأنه من جهة رسمية .

فقد سبق النشر عدة مرات عن القدرات النووية الإسرائيلية ومن جانب الإسرائيليين أنفسهم (قالوا عام 2003 بأنهم حملوا غواصاتهم بصواريخ كروز القادرة على حمل رأس نووي، وأنهم قادرون علي الوصول بصواريخهم إلى أي بقعة في العالم) ، وقالوا أن الفارق في التطور التكنولوجي في هذا المجال بين مصر وإسرائيل لا يقل عن 10 إلى 15 عاما؟!

بل أن الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعترف ضمنا بامتلاك إسرائيل سلاحا نوويا ولكن العالم لم يتحدث عن هذا الأمر مطلقا رغم الصراخ على محاولات بعض الدول كإيران لبناء مفاعلات نووية سلمية تفتشها الأمم المتحدة ، حيث قال في مقابلة مايو 2004 مع تلفزيون "العربية" إن حجم برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلية "غامض" بالنسبة للوكالة التابعة للأمم المتحدة ، وقال - ردا على سؤال عن حجم برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلية-  "للأسف لا أستطيع أن أعطي رأيا دقيقا عنه لأننا لا نقوم بعمليات تفتيش في إسرائيل " .

ولكنه أضاف : "أعرف انه برنامج متطور وان إسرائيل لا تنفي إن لديها القدرة النووية إنما حجم هذا البرنامج ومدى تطوره حقيقة لا أستطيع أن أعرف .. يكفي أن اعرف أن لديها قدرة نووية.. هناك قناعة أن لديها سلاحا نوويا " !!.

والمثير هو كيفية تعامل الولايات المتحدة الأمريكية من البداية مع الملف النووي الإسرائيلي ، فحين لا تخلو تقارير الأجهزة الأمنية الأمريكية السنوية من بند يتحدث عن سعي مصر والدول العربية للتعاون مع الصين وكوريا الشمالية لتطوير صواريخها أو إنتاج سلاح كيماوي، لا يرد أي ذكر للحديث عن القدرات الإسرائيلية.  وقد ذكرت نشرة اتحاد علماء الذرة الأمريكيين أواخر العام 2001 أن الولايات المتحدة تصرفت مع القدرات النووية الإسرائيلية طوال السبعينيات والستينيات بإهمال وبتحليل خاطئ في ظل نجاح إسرائيل في التضليل فعجزت عن إدراك أبعاد المشروع النووي.

وأشارت النشرة إلى أن الولايات المتحدة لم توافق ولم تشجع إسرائيل على مواصلة مشروعها النووي ولكنها بالمقابل لم تفعل شيئا لإيقافه ! بل إنها في الفترة ما بين عامي 1961 و1973 سعت إلى تجاهل الأمر ، ولم تفد سبع زيارات لمراقبين أمريكيين لمفاعل ديمونة في تكوين أي صورة، بل إن السفير الأمريكي في تل أبيب في تلك الفترة أوضح لاحقا أن "الرئيس لم يرسلني إلى هناك لجلب المشاكل له.. أنه لم يكن يرغب في سماع أخبار سيئة أو مزعجة "!

والجديد فقط هو أن كشف موردخاي فعنونو في عام 1986 تفاصيل عن البرنامج النووي الإسرائيلي جاء تأكيدا على الشكوك بأن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، كما أظهر هذا الكشف أن البرنامج النووي الإسرائيلي أكبر وأكثر تقدما مما كان معتقدا فيما سبق.!

وغني عن البيان أن اختيار أوباما هذا التوقيت للحديث عن النووي الصهيوني ودعم أمريكا لإسرائيل نوويا والكشف عن وثيقة تعاون نووي بينهما ، هو توقيت مقصود ليس فقط بسبب حالة التشرذم والضعف العربي ، وإنما لفرض حالة من اليأس على الجانب العربي ودفعه للقبول بما يقدمه نتنياهو وإسرائيل عموما فيما يسمي مفاوضات التسوية ، ويبدو أن هذه الخطة تعمل بدليل الإصرار الرسمي العربي على مبادرة السلام العربية وإضعاف المقاومة خشية حرب "غير متكافئة" مع عدو نووي !
*محلل سياسي مصري
رایکم