۱۳۵۱مشاهدات
رمز الخبر: ۵۷۲۵۵
تأريخ النشر: 19 September 2021

التمهيد
 تعد زيارة الإمام الحسين في العشرين من صفر في كربلاء، أو الزيارة الأربعينية، أكبر مشروع إصلاحي لواقع الأمة بهدف بنائها على المستوى التوعوي والفكري والعملي، وتقويم وتحسين مسارها السياسي والفكري. إن زيارة الأربعين تجمّع إنساني وعالمي يتجاوز الطابع الديني، ويشكّل حدثًا اجتماعيًّا غير مسبوقٍ في العالم لما تجمعه الزيارة من دلالات على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي. تختزن الزيارة أكبر عملية تفاعلية على عدة مستويات، فهناك الارتباط بين عالمي الغيب والشهود؛ وامتداد الماضي والحاضر والمستقبل؛ ومفاهيم بناء النفس الإنسانية؛ وديناميكيات الثورة الإصلاحية، وعناصر الهوية العاشورائية، وغيرها.
 تؤمن الزيارة الأربعينية أبعاد استراتيجية الثورة بمعناها التقدمي التحرري الأوسع دلالة من الزمان والمكان بما ينتفي معه إمكانية تصنيفها من المنظور العلمي بالظاهرة الخاضعة للعوامل الزمكانية. ويظهر البعد التقدمي الشمولي في ما ترسخه الزيارة من نهج صراع الحق ضد الباطل، فكريًّا وسياسيًّا، عبر إدامة حالة الصراع مع الطواغيت والعمل على تفكيك أجندة الخصم وإبطال أدواته، وترشيد القواعد الشعبية وربطها بالفكرة والمنظور والمشروع عبر منظومة من المفاهيم؛ وتحديث حالة التفاعل الفكري والإرادي بكسر الأنماط الفكرية البالية وتحرر المنظومة والخروج على جمود الوعي وتفعيل حالة المواجهة واستعادة الدور المطلوب والمسار الصحيح. فالزيارة، وإن تتسم بالطابع المذهبي الشيعي إلا أنها تعبّر عن تجذر القضية الحسينية في الوجدان الإيماني للمسلمين عمومًا والضمير الإنساني للعالم أجمع، فهي عمليًّا نبض حياة متجدد للفكر الثوري الجهادي الباحث عن الحرية من سلطة الظالمين وانعتاق الروح من قيود مفاهيم الخضوع والذل والانكسار.
 
▪︎في التعريف والفضل
 يحيي المسلمون، وخاصة أتباع مذهب أهل البيت في العشرين من شهر صفر من كل عام ذكرى مرور أربعين يومًا على حادثة الطف أو واقعة كربلاء التي استشهد فيها الإمام الحسين بن علي (ع) مع عدد من أهل بيته من أبنائه وإخوته وأولاد إخوته وأبناء عمومته وأصحابه، وذلك في العام 61 للهجرة النبوية، أي قبل أكثر من 1383عامًا. والزيارة تختصّ بالإمام الحسين عليه ‌السلام، دون سواه، حيث لم يرد استحباب زيارة أحد من الأنبياء والأوصياء والأولياء في يوم الأربعين بعد وفاته أو شهادته. وتعود هذه السنّة الشريفة إلى الإمام السجاد علي بن الحسين (ع) مع عمته، السيدة زينب بن علي (ع)، عندما استرد الإمام رؤوس شهداء واقعة الطف من يزيد بن معاوية، وألحقها بالأبدان الطاهرة في كربلاء. وكان ركب الإمام السجاد يومها التقى مع ركب الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري الذي جاء ليزور سبط النبي محمد (ص).
 يفد الزوار من مختلف أنحاء العالم، ومختلف محافظات العراق لزيارة المراقد والعتبات المقدسة في العراق في هذه المناسبة، وخصوصًا مدينتي النجف وكربلاء. وقد أعيد الاعتبار الى احتفالات أربعينية الامام الحسين بعد سقوط صدام حسين ونظامه ومنعها أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وتعدّ الزيارة الأربعينية شعيرة من شعائر الله التي أكّدت الشريعة على تعظيمها لسموها ورفعة أهدافها، وجعلت تقوى القلوب ناتجًا طبيعيًّا ملازمًا لها، لما لها من الأثر في اجتماع القلوب حولها في احياء دين الله ونصرة أهداف رسالة الأنبياء في رفض الظلم على مدى تاريخ البشرية، وانسجام طرح القضية موضع الاحياء مع الفطرة البشرية في التحرر من قيود الجور بأنواعها.
 
▪︎المظاهر الحسينية في الأربعينية
 تعكس الزيارة السمة الحضارية على صعيد الفردي والمجتمعي في الأمة ولدى أحرار العالم أجمع. ويجسد الزحف المليوني من مختلف أنحاء العالم نحو كربلاء تلك السمة في مظاهر متعددة ومختلفة ومراسم مميزة وشاقة. ترسم الزيارة لوحة رائدة في التحرر، تبدأ مع "المشاية" عبر السير على الأقدام باتجاه كربلاء من جهات ثلاث: طريق بغداد أو طريق النجف أو طريق مدينة بابل.
 تشارك في المراسم مختلف الفئات العمرية من الطفل الرضيع إلى الشيخ الكبير، كما يلتحق بالركب سقيم البدن وأعمى البصر. تعلو الرايات السود وتصدح المكبرات بالمجالس واللطميات، وتنتشر على جانب الطريق الأيمن مضايف واستراحات، فضلاً عن مستوصفات ومراكز طبية يشرف عليها أطباء وممرضون ومسعفون من دول العالم لتقديم الاسعافات الأولية والعلاجات الطبية وبعض المساجات. وتنتشر قوات الشرطة والحرس الوطني للقيام بالواجب الأمني. يستقبل الكرم الحسيني الزوار مع توسل أصحاب المواكب الزوار واللحاق بهم للاستضافة والإطعام والشراب وغسل الملابس ورش العطر وما يتفرع الى ما يتعلق بالنوم والاستحمام والنقل، وذلك كرمى للإمام الحسين وخدمة للمولى. وترافق الزوار على طول طريق المشاية "سفرة ابو علي" بمختلف الصنوف والألوان، وتلحق بهم هتافات "هلا بك يا زاير"، و"شاي ابو السجاد"، و"تدليك ومساج مجاني وتصليح احذية الزائرين ومسحها"؛ كل ذلك تباهيًّا وتفاخرًا بنيل رفعة وسمو أن يكونوا خدمة للإمام الحسين (ع) وزوار الإمام على حبه.
 
 
▪︎دلالات الزيارة
 تتنوع دلالات زيارة الأربعين بضخامة التراث الإنساني في الثورة الحسينية التي تحييها الزيارة الأربعينية من جهة، وبدرجة التفاعل مع القيم الإنسانية والمفاهيم الربانية فيها، من جهة أخرى. تبرز الدلالات في أبعاد الزيارة المعنوية الروحية والأخلاقية والثقافية والاقتصادية والإعلامية الاجتماعية والسياسية التي تستمدها من أبعاد القضية التي تتبناها روحيًّا وفكريًّا وثوريًّا. وهذه الدلالات تعمّ الزوار جميعًا، بيد أن هناك دلالات خاصة بالشعب العراقي لا بد من الإشارة إليها لأنها تشكّل بحد ذاتها معلمًا واضحًا في طريق الحسين إلى الله تعالى.
 تكشف المناسبة الأربعينية ميزة وفرادة لدى الشعب العراقي على المستوى الروحي والمعنوي تتجلى في مشاهد التعاون ومستوياتها السامية ما بين الهيئات الشعبية والرسمية لتقديم كافة الخدمات للزائرين، بل وأفضلها. كما يظهر العراقيون، أصحاب الأرض، بهذا الاستنفار الجماهيري والشعبي الكامل لكل الطاقات وبأعلى درجات العمل الطوعي، العمل المنظم بشكل دقيق ومتكامل والرغبة اللا محدودة والقدرة على رعاية هذه الحشود المليونية، وتكريس الجهود والتفرغ لخدمة ضيوف الإمام الحسين وزواره.
إن الشعب العراقي يؤكد عبر إحياء زيارة الأربعين والعمل على إنجاحها والمساهمة في تشكيل كل لوحاتها، بل والتصدي واستلام المبادرة بمعزل عن الدور الرسمي، على أنه شعب عصي على التحديات بما فيها من ظروف قهر ومعاناة وإرهاب. يعزز الشعب العراقي خلال الزيارة عمق المشتركات بين أفراد المجتمع العراقي على تعدد مكوناته وإثنياته، ويقوي النسيج المجتمعي المتماسك في مواجهة مخططات التفرقة والفتنة التي عمل الاحتلال الأمريكي على تغذيتها وتنمية التطرف لنشر الإرهاب وتفتيت المجتمع العراقي. ويظهر الشعب العراقي أنه قادر على النهوض المرة تلو الأخرى رغم كل المعاناة الإنسانية والاقتصادية، وأنه يمتلك من القابليات في عمق وجدانه الحضاري ما يؤهله لتوظيف الزيارة كمرتكز أساس من مرتكزات النهوض الحضاري إذا ما توفرت الاستراتيجية المناسبة لوضع البلاد على مسار النهوض الحقيقي. وفي الدلالات العامة لزيارة الأربعين التي يعكسها الشعب العراقي إلى جانب الزوار في إحياء المناسبة، فيمكن إيجازها بما يلي:
 
▪︎البعد الروحي
 إن الزيارة الأربعينية (ع) بما تعبر معه عن ارتباط بالإمام الحسين (ع)كفيلة بتعزيز الارتباط بالله تعالى عبر تحويل ألفاظ الحب والأحاسيس والولاء للإمام الحسين (ع) من أتباعه ومحبيه، أو مشاعر الإعجاب بالقضية التي جسدها من قبل غير أتباعه، إلى ولاء حقيقي قوامه الموالاة للحق والعدل والإنصاف والثبات، والبراءة والكفر بالطواغيت والمستكبرين والظالمين. بهذا المعنى، يصبح الحب هو المحرك العملي الذي يستمد منه الإنسان قوة الارتباط بالمعاني النبيلة والقيم الرفيعة. ويؤهل هذا الشق العملي الإنسان للتحرك في بيئته ومجتمعه وفق المفاهيم الإيجابية سواء الإيمانية أو العملية في ضرورة العمل الجاد والإعداد وعدم الخمول واليأس والركون للظلم والظالمين.  هذا، وتؤثر الأجواء والمظاهر التفاعلية في الزيارة وأثناء رحلة المشي في ترك انعكاسات نفسية؛ هي في الجملة من الممارسات الديناميكية ما بين العناصر العقلية والقلبية بما يؤمن نوعًا من التحرر الروحي خارج الممارسات التقليدية الحياتية والروتين الأدائي والفكري.
 
▪︎البعد الأخلاقي
 توفّر زيارة الأربعين عددًا من الدروس الأخلاقية العملية إذ تستخرج الملكات الأخلاقية والصفات النفسية الكامنة، وتكشف عمليًّا عن المستوى الأخلاقي ودرجته، سواء في السفر أو في درب المشاية والتعامل مع الآخرين وتدارك المواقف. ومن هذه المعطيات الأخلاقية: الصبر والتواضع والإيثار والتضحية بالمال والوقت وبذل الجهد وخدمة الآخرين وتقديم المساعدة، والتعاون، والعفة، والعفو، والحلم، والأدب واحترام حرمات الطريق وغيرها من المعاني الفاضلة، والوفاء بالعهود سواء مع الله تعالى وأهل بيته الأطهار أو مع النفس والآخرين. وتعد هذه الكمالات من أفضل العبادات التي تكشف عن رقيِّ نفس الإنسان وتؤهلها للتضحية الأعظم لأجل المبادئ والقيم السامية وتساهم في تربية النفس وترويضها لتكون لائقة بحمل أبعاد القضية الحسينية، والاقتداء بها، كما تولّد حالة من التفاعل الروحيّ والنفسيّ بما يؤدّي إلى إيقاظ أسمى معاني الخُلُق الرفيع.
▪︎البعد الثقافي
 إن زيارة الأربعين مؤتمر عالمي عنوانه أسمى معاني الحرية والعزة والكرامة، ويحمل من المفاهيم الأخلاقية والدينية والمعنوية والاجتماعية الكثير بما يغني طريق الإنسانية بالعديد من الرايات والبيارق الحسينية في طريق بناء المجتمع القوي المتماسك. تستعرض الزيارة دروسًا ثقافية متنوعة، من أهمها ثقافة العمل الطوعي بما يخدم تطور المجتمعات؛ وثقافة التعايش السلمي والانفتاح على الآخرين؛ وثقافة التعامل وفق مبدأ الإنسانية؛ وثقافة البذل والصرف في سبيل الله، والإنفاق على حبه. وهذه المفاهيم تشترك مع الأبعاد الأخرى الاجتماعية والاقتصادية، بيد أن من المفاهيم الثقافية التي تعطي الثقل للبعد الثقافي في الزيارة الأربعينية فهي ثقافة انتصار النهج والتحلي بالبصيرة.
 إن الزيارة ليست طقسًا جامدًا من مراسم العزاء والحزن والبكاء، وإنما هي عملية تأمل في كيفية مواجهة الظلم ولو ببذل الأرواح والأموال. هي عملية تفاعلية تكسر الجمود والسلبية في تأطير القضية بتجلياتها المادية الحسية بعيدًا عن عناصرها المتفاعلة في تسطير خلود الدم على السيف. وتشكل البصيرة المصداق الأتم في الرؤية الثاقبة لبواطن الأمور وحقائقها بما يحركها باتجاه الهدف بعد تحديد الغاية. وتدفع البصيرة بمسار الالتزام بالقيادة قدمًا، والإيمان بها بما يجعلها تمتثل لأوامرها وتجدد معها البيعة في ساحات الجهاد. وهذه البصيرة هي التي صنعت محور المقاومة. 
 إن ثقافة انتصار الدم على السيف أو انتصار النهج هو جوهر القضية الحسينية التي تجسد الزيارة الأربعينية أبرز مصاديق الالتزام بأهدافها وتطلعاتها ونشر رسالتها. إن من معالم هذه الثقافة أن النصر السياسي الاستراتيجي أهم من النصر المادي الآني. إن أداء التكليف هو الواجب بعد تأمين العوامل ورفع الموانع، وبمعزل عن النتيجة، كما إن الثمن لا بد وأن يتناسب مع الهدف والغاية، وأن لا خوف في صرخة حق ضد جائر. تشكل الزيارة فرصة لا غنى عنها لنشر مبادئ النهضة الحسينية، وإيصال تعاليمها وزيادة الوعي حول مبانيها ورفع الشبهات حولها. وإن من التكليف الواجب هو استثمار هذا الحدث في العمل التثقيفي بالاستفادة من الجموع الغفيرة باختلاف ألوانها ولغاتها سواء عبر تقديم الصورة الأمثل للزيارة على الصعيد الفردي والجماعي أو على صعيد المؤسسات المختلفة في المجال الثقافي لتنظيم الفعاليات والنشاطات المناسبة. 
 
▪︎البعد الاقتصادي
 تشكل القوَّة الاقتصادية وتأمين الوضع المالي رافعة أساسية في نجاح الأُمم والحركات بعد الموارد البشـرية، فضلًا عن معرفة كيفية إدارة المال وعدم الإسراف به والتبذير وحسن الاقتصاد بالصـرف. إن أموال الزيارة الأربعينية قوة مالية توظف في إحياء هذه المناسبة من خلال الصـرف المالي على المواكب وإطعام الطعام الذي تمارسه المواكب لملايين الزائرين. ويعد هذا التوظيف من جوهر الممارسات العبادية، وهي لا تقتصر على تمويل ميزانية الأربعين، وإنما تصبح ثقافة الصرف والبذل في سبيل الدين، في الحضر كما في السفر، وبذلك تتجلى أسمى درجات التعاون والتكافل الاجتماعي بين مختلف أبناء المجتمع والأمة. 
 
▪︎البعد الإعلامي
 تؤمن الزيارة الأربعينية المنصة الإعلامية الأكبر التي لا يمكن لأضخم محطات الإعلام الإتيان بمثلها. ويبعث الزوار العرب والأجانب الرسالة الأعظم في تاريخ البشرية؛ رسالة الالتحام حول العدل والتمسك بالحق والكفر بالباطل وأتباعه. هي منصة صوت الأمة الأقوى لنقل همومها وتطلعاتها والتشبيك بين أهدافها في الوحدة والإصلاح والتكافل والتنظيم والإيمان والقوة والبأس. من هنا، يصبح من باب التكليف على وسائل الإعلام النهل من بركات هذه المنصة الإلهية لإيصال صرخة الحق ورفض الباطل والمساهمة في تعليم كيفية كسر الهياكل الفكرية البالية والأنظمة السياسية الجائرة، والأخذ بيد الامة في قول كلمة "لا" ضد سلطان جائر.
 إن الزيارة مؤتمر إعلامي مهامه إعادة إحياء المؤتمر السياسي الذي عقده الإمام في مكة قبل خروجه في جمع الحجاج من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم لشجب سياسة الظلم، وكشف الانحراف السياسي والفكري لماكنات الجور الحاكمة، وتصحيح انحرافها وتقويم ارتدادها عمليًّا عبر "ثورة الطف" التي وضعت شرعية تغيير السلطة الحاكمة موضع التطبيق، وتحريك واقع الأمة والدفع بها نحو مسار أكثر ارتقاء للانعتاق والحرية. إن الزيارة فرصة لتفاعل الإعلام العالمي والدولي مع واقع الأمة وتطلعاتها؛ قد يكون من المناسب تشجيع الكتابات الأجنبية حول موضوع الزيارة وأبعادها وأهدافها، إذ يندر وجود مقالات ودراسات حول الزيارة على أهميتها وفرادتها كتجمع بشري أقله ومظاهرها التي لا مثيل لها في أي مكان في العالم.
 
▪︎البعد الاجتماعي
 تنعكس قدسية الزيارة الأربعينية في رمزيتها التي تجمع أصحاب الفكر التقدمي والإرادة الحرة من كافة الطوائف الاسلامية، ومن غير المسلمين في إحياء هذه الشعيرة. تترجم الزيارة قوة ترابط المجتمع الواعي بحقوقه وطاقاته واجتماعه حول القضية الحسينية بما ينجح أداء المراسم والطقوس. وتظهر هذه القوة بين الزوار عبر الممارسة العملية لمختلف المفاهيم الثقافية والصفات الأخلاقية الواردة أعلاه بما يعكس وجود نقطة تحول في مسار بناء الإنسان وفق النموذج الحسيني في التضحية والإيثار والشجاعة والغيرة والعلاقة مع الله تعالى. وتكشف الزيارة حالة من التعافي الايجابي الكبير في السلوك الاجتماعي للزوار، خاصة وأنها تمتحن الزائر بسلوكياته وأخلاقه ومواقفه وكلماته.
 وتعد الفئة الشبابية محور القوة الاجتماعية لما يختزن هؤلاء من طاقات وأفكار قيد الاستقطاب في صناعة المجتمع الحسيني المهدوي. من هنا، يصبح التعاون بين مختلف الفعاليات الثقافية والدينية والتربوية لتوجيه هذه الفئة وتهذيب مشاعرها ومظاهرها وصقل طاقاتها في طريق خدمة المشروع الحسيني وحفظ أهدافه، بالتوازي مع العمل على تحصينها أمام المشاريع التغريبية الاجتماعية والثقافية التي تعمل على استلاب الشباب من البيئة المؤمنة تحت عناوين التحديث ومجاراة العلوم العصرية، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إن الزيارة الأربعينية عملية صقل للروابط الاجتماعية والأسرية وللمشاعر الإنسانية فضلًا عن بلورة القيم الحضارية بين الشعوب المختلفة، بما يزيل الحواجز الاجتماعية والنفسية والثقافية بينها في الطبقية والعرقية والقومية والقطرية، ويُعزّز معه خلق نسيج اجتماعي تجمعه مبادئ الحق وثوابت الطريق.
 
▪︎البعد السياسي  
 إن القضية الحسينية هي قضية حتمية الصراع والمواجهة ضد الحكم الجائر، وليس لأجل السلطة والهيمنة والغلبة. وهي صراع الحق ضد الباطل على مر الأزمان، بما تتجاوز معه الهوية المذهبية الضيقة لتكون مشروع أمة الأمة والعالم الأوسع. وتحيي الزيارة أهداف ثورة الطف في تفجير طاقة الثورة وروح الرفض، وتحريك الضمائر وإثارة الوجدان، والحفاظ على وجود الرسالة الإسلامية والدين المحمدي الأصيل الشرعية والثبات والبصيرة في المسار. تؤكد الزيارة على المشروع المقاوم الذي يستلهم من ثورة الطف قضيته في رفض الانكسار ومحاربة الاستكبار وعدم المهادنة أو الخضوع والخنوع أو سلب الكرامة. الزيارة فرصة لإظهار قوة انعكاسات القضية الحسينية في مواجهة الظالمين وقدرتها على تحويل مجرى الأمور وإحداث التحولات، مذ قيام الثورة الاسلامية في إيران وسقوط نظام صدام في العراق ونجاح "حزب الله" في لبنان في مقارعة العدو الاسرائيلي، ونمو محور المقاومة من العراق إلى اليمن، إضافة إلى كل حركات التحرر في العالم التي استلهمت من ثورة الطف مقارعة الظالمين.  
 تستحضر الزيارة القيم والمبادئ من شعارات الثورة ورمزية إيحاءاتها وهتافاتها لتبلور إرادة التغيير وإثارة روح التحدي وكسر حواجز الخوف، والجرأة في إدانة الباطل. إن كلمات الإمام القصار وفي خطبه كلها رسائل سياسية تاريخية تتجاوز الزمان والمكان في وجوب القيام ضد الظالم والحكم الجائر.
 تجسّد أربعينية الإمام الحسين (ع) لوحة ديمقراطية متقدمة بالمفهوم الحديث في مسيرات التأييد والتضامن مع أهداف المسيرة الحسينية الخالدة في إصلاح المجتمع واستنهاض الأمّة، وإنهاء الاستبداد، وتحرير إرادة الاُمّة من حكم القهر والتسلّط والهيمنة الفكرية، وإقامة الحقّ وتقوية أهله، وتوفير القسط والعدالة الاجتماعيّة وتطبيق حكم الشريعة، وإزالة البدع والانحرافات، وإيقاظ روح المقاومة، وهدم مشاعر الخوف والهلع من النهوض ومقارعة الظلم، وإلهام الثورات والانتفاضات.
 
 
 
الخلاصة
 تترجم زيارة الأربعين قيمًا إنسانية وحضارية خلودها خلود الدهر عبر تجديد الأجيال المتعاقبة العهد والبيعة على القدرة على الصمود وحمل راية المظلومية ومقارعة الظالم، وانتصار القيم والمبادئ والأهداف التي خطتها النهضة الحسينية. وتوفر الزيارة فرصة للتفاعل مع القضية وأهدافها وتحويلها إلى واقع عملي مُعاش في جميع مجالات الحياة، وعدم اختزال القضية الحسينية بأمور جزئية أو طقوس شكلية؛ فالمطلوب الحفاظ على جوهر النهضة الحسينية، والامتداد المنهجي للفكر الحسيني بجانب البشرية والشعوب المستضعفة التواقة لنيل الحرية، وتجسيد مبدأ مقاومة الظلم والطغيان ومواجهة الطاغوت في أي زمان ومكان، ليصبح شعار الأمة والعالم أجمع "هيهات منا الذلة"...
 

رایکم
آخرالاخبار