۵۵۶مشاهدات

ملف معلومات:الموقف الكويتي من التطبيع

رمز الخبر: ۵۵۰۸۱
تأريخ النشر: 03 August 2021

تابناك_ كانت الكويت ولا تزال في مقدمة الدول العاملة على عزل دولة الاحتلال، بمقاطعتها وكشف ممارساتها العدوانية والعنصرية، وفضحها في المحافل الدولية، والمطالبة بانسحابها من الاراضي العربية المحتلة. ولم تغير الكويت نهجها المبدئي، رغم أن دولًا عربية عديدة تستقبل مسؤولين اسرائيليين، ووفودًا رياضية، وتفتح مكاتب لدولة الاحتلال بمسميات مختلفة، ناهيك عن العلاقات السرية.
 
فلماذا لا تزال الكويت تتخذ موقفاً حازماً من التطبيع؟

*أولًا: موقف البرلمان الكويتي الثابت ضد التطبيع
لم يتغير موقف الكويت الرسمي تجاه القضية الفلسطينية على مدى عقود من الزمن: "فلسطين قضية مركزية في السياسة الكويتية" (الجملة تلخص الموقف الرسمي والشعبي في الكويت، وترد كثيراً في الخطابات الرسمية وغير الرسمية). لا تعترف الكويت بوجود دولة إسرائيل، وتطلق عليها وصف الكيان الصهيوني أو فلسطين المحتلة، وتعتبر أي دعوة للتطبيع خيانة وجريمة بحكم القانون. فوفقاً لدستور الكويت 1962، وللمرسوم الأميري الصادر في 25 يونيو/حزيران 1967 "بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة"، ووفقاً للقانون التشريعي رقم 31 لسنة 1971، تُعتبر إسرائيل بالنسبة للكويت "دولة أجنبية ومعادية"، والتعامل معها تترتب عليه عقوبة بالسجن المؤبد أو السجن المؤقت (5–10سنوات) والأشغال الشاقة والغرامة المالية". المرسوم الأميري والقانون التشريعي لا يزالان ساريين ونافذين حتى الآن. كما أن المادة الثالثة من الدستور الكويتي تمنع "المواطن أو الوافد المقيم بصورة دائمة أو مؤقتة، وكل شخص طبيعي أو اعتباري في دولة الكويت، من أن يتعاطف أو يشارك أو يطالب بالتعامل أو التطبيع مع إسرائيل ومنظماتها". بينما تحظر المادة الرابعة على كل مواطن كويتي أو وافد مقيم إقامة مؤقتة أو دائمة السفر إلى إسرائيل، سواء بجواز السفر أم دونه.

ومنذ ظهور التطبيع في التسعينيات، عقب افتتاح البعثات الإسرائيلية في قطر وعمان في 1996، عبّر البرلمان الكويتي مرارا وتكرارا عن معارضة واسعة النطاق لأي خطوة تطبيعية،  وكان البرلمان الكويتي أول من سارع لانتقاد الإمارات والبحرين ولإعلان موقف قوي وداعم للقضية الفلسطينية التي اعتبرها "قضية العرب والمسلمين الأولى"، وذلك من خلال بيان أصدره في 18 أغسطس الماضي 41 نائباً من أصل 50 يشكلون مجلس الأمة الكويتي، بينهم رئيس المجلس مرزوق الغانم، داعين في الوقت ذاته الحكومة الكويتية إلى تأكيد موقف البلاد الثابت، وهو ما فعلته الأخيرة في 21 سبتمبر 2019.

*ثانيًا: إقرار تشريعات تمنع أي شكل من أشكال التطبيع

مقاومة الكويت للتطبيع مع إسرائيل لها تاريخ طويل منذ عام 1948. ففي عام 1957 تأسس مكتب مقاطعة إسرائيل. كما أن مواد المرسوم بقانون الذي أصدره أمير البلاد آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح (1964) تحظر حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها. وتحظر على "كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا".

وفي عهد الأمير الراحل الشيخ صباح تأكدت مقاومة الكويت للتطبيع من خلال إنشاء العديد من لجان مقاطعة الصهاينة، وإقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع، ومُنع الإسرائيليون من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية، وقاطع اللاعبون الكويتيون أي مباريات مع اللاعبين الصهاينة. وكذلك تُمنع البضائع الإسرائيلية من دخول الكويت، ويمنع المواطنون الكويتيون من زيارة دولة الاحتلال. ولا تزال الكويت تسمي في القنوات التلفزيونية الرسمية الخاصة إسرائيل بـ"الاحتلال الإسرائيلي" أو "الصهيوني"، وتسمي من يُقتل من الفلسطينيين بـ"الشهداء" والدفاع الفلسطيني بـ"المقاومة الفلسطينية"، وكل تحرك إسرائيلي ضد الفلسطينيين بـ"الاعتداءات الصهيونية". كما تم إنشاء "المؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع إسرائيل" ومقره الكويت، وهي مبادرات ترتبت عليها هبة وحركة شعبية واسعة لمقاومة التطبيع والتحذير من مخاطره.

وعلى الرغم من هذه التشريعات، تقدّم خمسة من أعضاء مجلس الأمة الكويتي في 18 أغسطس 2020 باقتراح بقانون "لحظر كل أنواع وأشكال العلاقات مع إسرائيل، ومنع أي تطبيع أو توقيع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني مهما كانت الأسباب". وهو اقتراح ليس بجديد، ففي 18 إبريل 2018، تقدم أربعة نواب بمقترح قانون مماثل (كان ذلك عقب استقبال سلطنة عُمان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومشاركة فرق رياضية إسرائيلية في بطولتين في الإمارات وقطر).

معظم مواد هذا المقترح تتضمن وضعاً قانونياً متحققاً بالفعل في مواد القانون رقم 31 لسنة 1971، لكنه يضيف تعديلات ركزت على الشق التجاري (العادي والإلكتروني) والمستجدات الخاصة بالعصر بالنسبة لوسائل الاتصالات والتواصل الإلكترونية، إذ أنه "يحظر على الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين من مستخدمي شبكة الإنترنت ووسائط الاتصال الإلكترونية التعامل والتعاقد الإلكتروني مع المواقع والخدمات الإلكترونية المنشأة في إسرائيل أو التابعة لها، أو الشركات المتواطئة والداعمة للاحتلال. وتحجب الجهة المختصة في الكويت المواقع والخدمات الإلكترونية الإسرائيلية كافة".

يقول النائب أسامة الشاهين، وهو واحد من النواب الخمسة الذين تقدموا بمقترح القانون الجديد، لموقع أوريان 21: "لدينا هدفان: هدف معنوي ويتمثل في إرسال رسالة تضامن من شعب الكويت وممثليه المنتخبين وحكومته تقول إننا نقف مع الحقوق الفلسطينية، ونرفض الخضوع لأي ضغوط تدعو لمتغيرات غير شرعية وغير منصفة، وهدف مادي لسد أي ثغرات قد تكون موجودة في القوانين الجزائية وقد يتسلل منها أتباع المؤيدين للتطبيع وأعوان الاحتلال، فبوجود هذا القانون لن تستطيع الحكومة الموافقة على التطبيع حتى لو أرادت ذلك لسبب أو لآخر". ويضيف الشاهين: "وأيضاً بما يتناسب مع مستجدات اقتراب الاحتلال منا باعتباره قد دخل عقر دارنا"، في إشارة غير مباشرة إلى الإمارات والبحرين.

*ثالثًا: رفض شعبي كبير للتطبيع وأي قبول للتطبيع سيؤدي الى تشقق داخلي
عبّر الكويتيون عن موقفهم تجاه الكيان الصهيوني وقضية فلسطين بصراحة ووضوح، فأعلن أكثر من 93 % منهم رافضين للتطبيع. جاء ذلك في دراسة «اتجاهات الرأي العام الكويتي تجاه قضية التطبيع مع إسرائيل» التي أجراها مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور فيصل أبوصليب. تلك الدراسة الميدانية، التي أتت لتؤكد المُؤكد وتسلط الضوء على الموقف الكويتي المشرف من القضية الفلسطينية، أظهرت أن الغالبية الساحقة من الكويتيين رافضة للتطبيع مع اسرائيل وزيارتها، والاعتراف بها، والتعاون الأكاديمي والبحثي معها، والاستفادة من خبراتها التكنولوجية، وتكوين صداقات مع اليهود في إسرائيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبيّنت الدراسة أيضاً أن"89.03 % من أفراد العينة الإجمالية يعتقدون بأن إسرائيل ليست نموذجاً للدولة الديموقراطية في المنطقة".

أوضحت الدراسة أن 86.07 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على تطبيع الكويت علاقاتها مع إسرائيل، في حين أن 7.06 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 93.13 % من أفراد العينة الإجمالية لا يوافقون على تطبيع الكويت علاقاتها مع إسرائيل.

وأظهرت أن 2.66 % من العينة محايد حيال هذه القضية، وقال 83.36 % من أفراد العينة الإجمالية إنهم (غير موافقين بشدة) على زيارة إسرائيل، في حين أن 9.18 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 92.54 % من أفراد العينة الإجمالية لا يوافقون على زيارة إسرائيل. وعبّر 3.16 % عن موقف محايد، و2.74 % وافقوا على الزيارة، و1.57 % وافقوا بشدة. كشفت الدراسة أن 87.92 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على الاعتراف بإسرائيل، في حين أن 6.04 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 93.96 % من أفراد العينة الإجمالية لا يوافقون على الاعتراف بإسرائيل. وأظهرت أن 2.64 % محايدون، و2.24 % موافقون في حين أن 1.17 % موافقون بشدة. بحسب الدراسة، فإن 63.38 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على أن «إسرائيل لا تشكّل تهديداً للكويت»، في حين أن 14.59 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 77.96 % من أفراد العينة الإجمالية يعتقدون بأن إسرائيل تشكل تهديداً للكويت. وعبّر 7.34 % من العينة عن موقف محايد، و7.45% عن موقف موافق، و7.24 % عن موافقة شديدة. أوضحت الدراسة أن 78.45 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على «التعاون الأكاديمي والبحثي مع إسرائيل»، في حين أن 10.69 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 89.14 % من أفراد العينة الإجمالية يعارضون فكرة التعاون الأكاديمي والبحثي مع إسرائيل. وجاءت نسبة 4.56% من العينة محايدة، و3.97 % موافقة، و2.34 % موافقة بشدة. بيّنت الدراسة أن 77.39 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على أن «إسرائيل هي نموذج للدولة الديموقراطية في المنطقة»، في حين أن 11.64 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 89.03 % من أفراد العينة الإجمالية يعتقدون بأن إسرائيل ليست نموذجاً للدولة الديموقراطية في المنطقة. وأوضحت أن  4.86 % جاءت محايدة و4.31 % موافقة و1.79 % موافقة بشدة. كشفت الدراسة أن 74.23 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على «استفادة الكويت من الخبرة التكنولوجية والعلمية لإسرائيل»، في حين أن 10.95 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 85.18 % من أفراد العينة الإجمالية يعارضون فكرة استفادة الكويت من الخبرة التكنولوجية والعلمية لإسرائيل. وبيّنت أن نسبة 6.46 % محايدة، و5.03% موافقة، و3.34 % موافقة بشدة. أوضحت الدراسة أن 78.46 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على «تكوين صداقات مع اليهود في إسرائيل في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها»، في حين أن 10.67 %  (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 89.13 % من أفراد العينة الإجمالية يعارضون تكوين صداقات مع اليهود في إسرائيل. وبيّنت أن نسبة 5.89 % محايدة، و3.56 % موافقة، و1.41 % موافقة بشدة.
وفقاً لأرقام الدراسة، فإن 75.63 % من أفراد العينة الإجمالية (غير موافقين بشدة) على أن «اليهود في إسرائيل لديهم حقوق تاريخية في أرض فلسطين»، في حين أن 11.10 % (غير موافقين) على ذلك، بمعنى أن 86.73 % من أفراد العينة الإجمالية يعارضون عبارة: أن اليهود في إسرائيل لديهم حقوق في أرض فلسطين.
وبيّنت أن نسبة 11.10 % غير موافقة، و7.82 % محايدة، و4.24 % موافقة، و1.22 % موافقة بشدة.

_الشباب أكثر حدة
كشفت الدراسة أن «أفراد العينة (30 سنة وأقل) كان لديهم توجهاً سلبياً بدرجة أكبر من أفراد العينة (31 سنة وأكثر) تجاه الاعتراف بإسرائيل، والنظرة إلى إسرائيل. وهي نتيجة يمكن تبريرها على اعتبار بأن الشريحة العمرية الأصغر عمراً (30 سنة وأقل) هي الأكثر حماساً وجرأة على التعبير عن رأيها.
وفي الغالب فإن الأفراد في هذه الشريحة العمرية يكونون في مرحلة التنشئة السياسية وتشكيل الأفكار والقيم والمعتقدات والمفاهيم. ويكون لديهم آراء أكثر حدية من الشريحة العمرية الأكبر عمراً والأكثر نضجاً».
الإسلاميون أكثر رفضاً
وفق أرقام الدراسة، فإن "أفراد العينة من المنتمين سياسياً للتوجه الإسلامي المحافظ كان لديهم توجه سلبي (أكثر رفضاً) بدرجة أكبر من (المستقلين) و (الليبراليين) تجاه الاعتراف بإسرائيل، والنظرة إليها والتعاون معها، والنظرة إلى الشعب اليهودي في إسرائيل".
إذًا، هناك شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي ترفض أي نوع من التطبيع مع إسرائيل من منطلق ديني وأيديولوجي، وتعلن موقفها هذا صراحة وعلانية ومن موقع حضور قوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وبالتالي فإن أي قبول بأي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيؤدي إلى تشقق داخلي. كما أن البرلمان يمتلك سلطة مراقبة الحكومة والتحكّم في سياساتها ومواقفها عبر آلية الاستجواب وسحب الثقّة من أعضائها، ما يجعل الموقف الكويتي غير مرتبط جوهرياً بالأمير الراحل.

*رابعًا: نضال تاريخي بخدمة القضية الفلسطينية
تاريخياً، يذكر أحمد الديين، الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية وأحد مؤسسيها، أن الجيش الكويتي كان موجوداً على ساحات القتال ضد الكيان الصهيوني: "سقط لنا شهداء على الجبهة المصرية في الحرب التي اندلعت بين مصر وإسرائيل على ضفتي قناة السويس في يونيو/حزيران 1967. كذلك على الجبهة السورية، خلال الحرب التي اندلعت في هضبة الجولان بين سورية وإسرائيل في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973. وعلى مستوى الشعب الكويتي هناك من شارك في القتال الى جانب الشعب الفلسطيني في كثير من المعارك داخل فلسطين وعلى حدودها". كما ساهمت دولة الكويت في تأسيس بعض المنظمات الفلسطينية ومنها حركة فتح.
 
*خامسًا: إجماع التيارات الرئيسية في الكويت على دعم القضية الفلسطينية حتى آخر نفس
ساهمت الديمقراطية الموجودة في الكويت أن تتواجد مساحة للعمل في الحيز العام عبر الأحزاب السياسية، جمعيات النفع العام، الصحف وجماعات ضغط ..، كما أن دور المثقفين لا يزال بارزاً في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا حيزٌ استطاعت من خلاله التيارات الرئيسية في الساحة السياسية الكويتية (الليبراليون والإسلاميون) تعبئة الشارع باتجاه القضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية هي المسألة الوحيدة والأهم التي يمكن أن يتفق فيها اليمين مع اليسار. ولذلك تعي السلطة السياسية جيداً أن التطبيع مع دولة الاحتلال عبء سياسي لا يريد أحد أن يدفع تكلفته الشعبية، وهذا المبرّر كافٍ لكي يتم رفضه، حتى لو كانت هناك ضغوط خارجية من دول في المنطقة أو من الولايات المتحدة.

*سادسًا: لا تطمح الكويت في بناء صراعات إقليمية
رسّخت دولة الكويت، على مدى عقود طويلة، سياسة خارجية تقوم على أساس مبدأ الحياد والاتزان، كما على مبدأ الحوار والمحافظة على أواصر الروابط والتعاون مع مختلف الأطراف خصوصاً دول الجوار. وقد ساهم الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في تدعيم هذه الثوابت، والتي تأخذ بالاعتبار حجم الدولة واقتصادها، وبنيتها القبلية والاجتماعية وموقعها كدولة صغيرة، محصورة بين ثلاث دول كبيرة، هي العراق والسعودية وإيران.
فالكويت لا تحاول أن تدخل في صراعات إقليمية بغرض بناء نفوذ سياسي، بل دورها، وهي دولة صغيرة، يحتم عليها التعامل مع الصراعات بطريقةٍ غير ملفتة للنظر، خصوصاً أن هذا النوع من الصراعات يقحمها في نزاعاتٍ قد تمتد داخلياً، مثلما حصل في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وتدرك السلطة السياسية خطورة هذا الأمر. بل يبدو دور الكويت، منذ سنوات، توافقياً. فطبيعة النظام السياسي القائم على توازناتٍ بين قوى مختلفة، وصغر حجم البلد في إقليم ملتهب بالضرورة، هي عوامل تنشئ بعداً استراتيجياً قائماً على المهادنة.
 
*سابعًا: الكويت تستقبل جالية فلسطينية كبيرة
ضمت الكويت جالية فلسطينية كبيرة بلغت ذروتها 400 ألف في الثمانينيات، وهي الجالية الأجنبية الأكبر في الكويت. والآن تستقبل الكويت حوالي 50-60 ألف فلسطيني.
 
*ثامنًا: ثبات موقف جيرانها من القضية الفلسطينة
يجب الأخذ بالاعتبار أن الوضع الجغرافي السياسي للكويت يشكل عنصراً مساعداً لثبات موقف الكويت الرافض للتطبيع، لناحية الجوار مع العراق وإيران والسعودية. فإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى اليوم تمثل محور الممانعة المعادي لإسرائيل. والعراق عملياً قبل وبعد عام 2003 ضد إسرائيل. كما أن السعودية لم تعلن، حتى الآن، بأنها ذاهبة في 
اتجاه التطبيع بشكل رسمي بغض النظر أشكال التطبيع التي تقوم بها من تطبيع ثقافي وغيره. هذا الامتداد للمحيط الرافض للتطبيع مع إسرائيل لا شك يدعم الموقف الكويتي في الداخل.
 
*تاسعًا: تعتبر الكويت أنها عانت الاحتلال ومن واجبها الوقوف مع القضية الفلسطينية
يقول الدكتور جوهر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت: "لا يمكن لدولة أن تتفهم وجوب تأييد الحقوق الفلسطينية أكثر من الكويت. نحن بلد جربنا ماذا يعني الاحتلال. جربنا الغزو. جربنا ماذا يعني أن نكون تحت سلطة دولة معتدية ومنتهكة للقانون الدولي ولكل مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990 سقط شهداء وضحايا، وصار عدد كبير من الكويتيين لاجئين في الخارج، وآخرون أسرى أو مفقودين، فكيف لنا مع كل ذلك أن نتخذ مواقف مناقضة للقضايا التي تشبه قضيتنا (على الرغم من وجود أبعاد إقليمية ودولية ووجدانية للقضية الفلسطينية)؟ لولا تضافر جهود المجتمع الدولي واستخدام القوة لما تحررت الكويت. ومن دون هذين الشرطين لن تحل القضية الفلسطينية، بشكل عادل".
 
الخاتمة
بالرغم من كل الضغوط الأمريكية والاسرائيلية التي تمارس بحق الكويت إلا أنها سوف تبقى القضية الفلسطينية موضوعاً مركزياً في النقاش العام في الكويت، على الأقل بين النخب السياسية المؤثرة. وهذا ما يجعل دخول الكويت في نادي التطبيع بعيداً جدًّا، خصوصاً أن الأمير الراحل، الشيخ صباح الأحمد الصباح، رحمه الله، كان أحد المدافعين عن القضية الفلسطينية، بل يمكن القول إنه ظل أحد العناصر المهمة في تشكيل رأي إقليمي داعم للقضية الفلسطينية في المنطقة. وذلك التوافق العام في الكويت بين السلطة والشعب حول قضية فلسطين يجعل حالة التطبيع بعيدة جداً، ولو طبّعت كل الدول العربية، فإن الكويت ستكون آخر دولة تطبع، أو تكون الدولة الوحيدة غير المطبعة مع إسرائيل.

رایکم