۳۲۸مشاهدات
منذ آلاف السنين، بنى البشر مدنهم على السواحل وعند مصبات الأنهار، ما حوّل كثيرا منها إلى مراكز قوة تجارية ومواقع انصهار ثقافي... لكنّ تغير المناخ بات يجعل من هذه القوة عبئاً إذ يعيد رسم الخريطة ويعرّض مئات ملايين الأشخاص للخطر.
رمز الخبر: ۵۳۳۴۳
تأريخ النشر: 24 June 2021

وكالة تبناك الإخبارية_ يردُ هذا التحذير ضمن مسودة تقرير غير منشور أعدته اللجنة الاستشارية لعلوم المناخ التابعة للأمم المتحدة، وتتضمن التهديدات المناخية الهائلة والعاجلة التي تواجه الكوكب، وهي مشكلة ظاهرة للعيان من الجو.

ففي مدينة تلو الأخرى، تتكدس أبراج المكاتب والمستودعات والمنازل على حافة المياه كما لو كانت تتدافع للغطس، فيما تعانق الطرق الرئيسية الشواطئ وتجاور مدارج هبوط الطائرات الأمواج.

يقول تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن هذه المدن تقع على "خط المواجهة".

ويوضح أنه "سيتعين اللجوء إلى خيارات صعبة مع استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر، وازدياد وتيرة الفيضانات وشدتها وعرام العواصف، فيما يزيد الاحترار من حموضة المحيطات وحدة موجات الحر".

ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحار إلى موجات هجرة جماعية ما سيترك مدنا بأكملها في نهاية المطاف لمصيرها بمواجهة الفيضانات.

لكن العواقب الوخيمة على المدن الكبرى والجزر الصغيرة ومجتمعات القطب الشمالي ومناطق الدلتا لن تتأخر في الظهور، إذ ستظهر على أيام معظم الأحياء اليوم.

وقد عاشت الأسر حياة مزدهرة نسبيا في منطقة جزيرة بولا في جنوب بنغلادش، وهي عبارة عن قطعة أرض مكشوفة على الحدود الخارجية لواحدة من أكثر مناطق الدلتا اكتظاظاً بالسكان في العالم. لكن في إحدى الليالي قبل 12 عاما، التهم نهر ميغنا الهائج كل ما لديهم.

يوجد ما يقرب من عُشر سكان العالم وأصوله على ارتفاع أقل من 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر.

ويقول الرئيس التنفيذي وكبير العلماء في "كلايمت سنترال" بن شتراوس "من الناحية الهيكلية، أنشئت مدن كثيرة في المكان الخطأ لناحية مخاطر ارتفاع مياه البحار في العالم".

وقد بُنيت الموانئ والمطارات على أكثر قطع الأرض انخفاضا وتسطحا.

ويوضح شتراوس أن "مستوى سطح البحر كان مستقرا. لكن الوضع لم يعد كذلك". وتشير بحوثه إلى أن مناطق من الأرض يقطنها 300 مليون شخص حاليا ستكون عرضة للفيضانات السنوية بحلول عام 2050.

ومن المرجح أن يكون الأشخاص الأقل قدرة على حماية أنفسهم هم الأكثر تضرراً.

وتختنق كل المناطق الحضرية بشكل متزايد بسبب تلوث الهواء والحرارة الشديدة، لكنّ تلك الموجودة على السواحل تغمرها أيضا الفيضانات التي تشتد بسبب ارتفاع منسوب المياه وتضربها العواصف التي تلحق ضررا أكبر بسبب ارتفاع درجة حرارة البحار.

كذلك تغرق مدن مثل البندقية وجاكرتا، بينما تتعرض الدول الجزرية المنخفضة، لا سيما في المحيط الهادئ، لخطر الاختفاء تحت الأمواج.

لكنّ التقرير يؤكد أن خفض الانبعاثات الآن يمكن أن يقلل من المخاطر، "غير أن ارتفاع مستوى سطح البحر يتسارع وسيستمر لآلاف السنين".

وبحلول عام 2100، توقعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تكون مستويات المياه أعلى بمقدار 60 سنتيمترا، حتى في حال حصر الاحترار العالمي بأقل من درجتين مئويتين، وهو الهدف الأساسي لاتفاق باريس الموقع عام 2015.

وتحذر الهيئة من احتمالات "قاتمة" متاحة أمام مدن ساحلية كثيرة على المدى الطويل في حال عدم خفض الانبعاثات بدرجة كبيرة.

يقول شتراوس إنه في غضون بضعة عقود فقط، قد تسجل كميات من الانبعاثات بما يكفي لإغراق بعض من أكبر مدن العالم في نهاية المطاف. ويضيف "معظم مدننا الساحلية مميتة. سينتهي الكثير منها بالغرق تحت الفيضانات على المدى الطويل".

وقد باتت الكلفة الباهظة المترتبة عن هذا الوضع أمرا ملموسا.

ففي تشرين الأول/أكتوبر 2012، ضرب الإعصار ساندي السواحل في محيط نيويورك ونيوجيرسي، ما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص وتسبب في خسائر بمليارات الدولارات.

وتقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن العاصفة تسببت في تأثيرات "متتالية"، مما أدى إلى انقطاعات هائلة في التيار الكهربائي وتعطيل شبكات المياه والاتصالات لمئات الآلاف من الأشخاص.

يقول التقرير إن مثل هذه الكوارث في المدن الساحلية المعولمة تشكل "مخاطر على المجتمعات والاقتصاد العالمي بشكل عام".

وبحسب التوقعات الأكثر تشاؤما لأكبر 136 مدينة ساحلية في العالم، ستراوح قيمة الأضرار المتوقعة بحلول منتصف القرن الحالي بين 1,6 و3,2 تريليون دولار جراء ارتفاع مستوى سطح البحر من دون تكيف.

وقد احتلت مدينة غوانغجو الصينية المرتبة الأولى في القائمة، حيث قُدّرت الأضرار بنحو 330 مليار دولار بحلول عام 2050، في ظل سيناريو متشائم للانبعاثات من دون تعديل، وحوالى 1,4 تريليون دولار في عام 2100.

في المرتبة الثانية حلّت بومباي الهندية التي يصفها تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأنها "غير قابلة للتكيف"، في ظل الجهود الضعيفة التي تبذلها لإعداد الناس والممتلكات للكوارث، على رغم التوقعات بأن تكون مساحات شاسعة من المناطق المبنية عرضة للفيضانات بحلول عام 2100.

وتستمر المدن في التوسع، مما يعرض ملايين آخرين للخطر، لا سيما في آسيا وإفريقيا.

شمل الخيارات الحماية الهندسية مثل السدود والجدران البحرية، والتي يمكن أن تقلل من مخاطر الفيضانات لما يصل إلى بضعة أمتار من ارتفاع البحر، لكنها قد تلحق ضررا بالنظم البيئية.

كما أن إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية الساحلية توفر فوائد واسعة.

وتفتك العواصف بعدد أقل من الناس وتسبب أضراراً بدرجة أدنى عندما تكون مدينة ساحلية محمية خلف منطقة عازلة واسعة من أشجار المانغروف أو المستنقعات.

وتقول مسودة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "ليس هناك حل سحري"، لكن الخيارات ستصبح أكثر حزما مع تفاقم التأثيرات.

ويوضح يوهان فيرليند، وهو مدير برنامج خطة التكيف مع المناخ في روتردام "علينا أن نتحرك الآن، لأن الأوان قد فاتنا بالفعل".

وتواجه أكثر من نصف مساحة هولندا خطر الفيضانات عند السواحل والأنهار على نطاق واسع وأكثر من ربعها تحت مستوى سطح البحر. وبعد الفيضانات القاتلة في عام 1953، شرعت البلاد في بناء شبكة من الدفاعات عالية التقنية.

وتخصص هولندا حاليا مليار يورو سنويا لخطة التكيف بشأن "العيش مع الماء" ومع 85 في المئة تحت مستوى سطح البحر، يقول فيرليند إن روتردام "حوض استحمام حقاً".

ويوضح "نحتاج إلى ضخ كل قطرة ماء تسقط على مدينتنا. نحتاج حقًا إلى أن التحلي بحس الابتكار لحماية أنفسنا من الغرق".

ويجول المهندسون الهولنديون حول العالم لمشاركة خبراتهم في مقاومة الفيضانات، على الرغم من أن الكثير من البلدان والمجتمعات الفقيرة لا تستطيع تحمل تكاليف دفاعات البنية التحتية الكبيرة الأكثر فعالية.

كذلك وصفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مدينة كيب تاون الجنوب إفريقية بأنها "شديدة التكيف"، مع بنية تحتية للحماية من الفيضانات، فضلاً عن أنظمة الإنذار المبكر المعمول بها.

لكنّ ما يقرب من مئة ألف أسرة تتعرض للفيضانات في مدينة يمزقها الفقر المدقع وإرث الفصل العنصري.

تصف منظمة اليونسكو البندقية بأنها "تحفة معمارية غير عادية" إذ تحتوي حتى أصغر مبانيها على أعمال لبعض كبار الفنانين في العالم، مثل تيتسيانو (تيتيان) وتينتوريتو.

وتأسست المدينة في القرن الخامس، على الرغم من أن "ملكة البحار" لم تصبح قوة بحرية رئيسية حتى القرن العاشر.

أما اليوم، فقد باتت البندقية أكثر مواقع التراث العالمي المهددة في البحر الأبيض المتوسط، إذ إن أكثر من 90 في المئة من المدينة معرض للفيضانات.

وقد ركّبت المدينة الإيطالية حواجز متنقلة لإغلاق مداخل البحيرة أثناء هبوب العواصف.

ولكن إذا ارتفع منسوب مياه البحر بمقدار 30 سنتيمترا، فقد تتدفق مياه الفيضانات حول المباني في المدينة لأسابيع عدة. أما إذا بلغ الارتفاع 75 سنتيمترا، يمكن أن تستمر الفيضانات ستة أشهر.

والبندقية ليست وحدها في هذا الوضع، إذ ثمة ما يصل إلى 140 موقعا مدرجا على قائمة التراث العالمي معرضة لخطر الفيضانات الساحلية حتى في حال حصر احترار المناخ بدرجتين مئويتين، ومعظمها في البحر الأبيض المتوسط.

روى البشر قصصا عن مدن وحضارات ابتلعها البحر لقرون.

ويقول شتراوس "تهدف جهودنا على صعيد وقف تغير المناخ إلى حماية أرواح الأشخاص الأحياء اليوم، لكنها أيضا ستشكل القصص التي يرويها أحفادنا عنا".

ويضيف "أظن أنه سيكون هناك الكثير من القصص حول ما فقدناه، حول الأشياء التي فشلنا في حمايتها".

رایکم
آخرالاخبار