۳۰۵مشاهدات
رمز الخبر: ۵۱۲۰۳
تأريخ النشر: 30 April 2021

وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في يوم الثلاثاء في 27 ابريل انسيان 2021 ، في مقابلة بثها التلفزيون السعودي عدة رسائل استهدف من خلالها علاقة بلده بالولايات المتحدة ، مستقبل العلاقة مع إيران ، مستقبل السعودية ، ازمة اليمن ومبادرة التفاوض مع حركة أنصار الله .

يبدو أن هناك اختلاف جذري بين نبرة هذا الخطاب وبين خطابات سابقة كان يظهر فيها محمد بن سلمان واثقا ، يتحدث بنبرة التهديد والوعيد لمن يطلق عليهم اسم أعداء المملكة . اللافت في هذا الخطاب الأخير أن محمد بن سلمان وصل إلى قناعة - بعد فشل سياساته - انه لا يمكنه تحقيق مشاريعه وأهدافه في المنطقة سواء فيما يخص العلاقة مع إيران او في حل الأزمة اليمنية إذا ما استمر في السياسات الحالية التي اثبتت فشلها على كل المستويات .

العلاقة مع الإدارة الأمريكية

أشار محمد بن سلمان لأهمية العلاقة مع واشنطن مؤكدا على استمراريتها بنفس الوتيرة في عهد الإدارة الامريكية الجديدة . على الرغم من کشف بعض الأوساط السياسية الغربية سابقا وابان تولي بایدن الإدارة الأمريكية الجديدة ، احتمالية توتر العلاقات بين الطرفين ارتباطا بالتأكيدات التي قدمها تقرير الاستخبارات الامريكية في وقت سابق حول تورط محمد بن سلمان شخصيا في عملية اختفاء جمال خاشقجي وقتله في السفارة السعودية في إسطنبول . لكن ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مؤخرا يؤكد على أن استمرار العلاقات الثنائية بين البلدين والمصالح المشتركة بينهما اهم من ان تنسف بسبب ازمة اختفاء شخص منفرد فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي بان إدارة بلده تعمل على إعادة تقويم العلاقات الأمريكية السعودية . يدرك بایدن ، مثله كمثل أي رئيس أميركي سابق أن المملكة العربية السعودية تشكل أهمية بالغة للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأميركية في كل من الشرق الأوسط وبقية العالم ، وقد اختار عدم المخاطرة بتمزيق العلاقة من خلال استعداء عاهل المملكة القادم . يشير محمد بن سلمان إلى السياق التاريخي في العلاقات بين البلدين ويؤكد على استمراريته بسبب تكيف المصالح المشتركة خاصة في مجال استقرار اسواق الطاقة والأسواق المالية العالمية .

يبدو التركيز على استمرارية العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة ، إشارة إلى ترابط المصالح بين البلدين خاصة في بعض الملفات السياسية والاستراتيجية في المنطقة ، وعليه بدا خطاب بن سلمان في العديد من الملفات وعلى راسها العلاقة مع إيران ، والحرب في اليمن أكثر انفتاحا على الحلول والمبادرات لحل الأزمات والمشاكل ووقف الصراعات .

قد يكون التغيير في التوجهات والسياسات محاولة من الإدارة الأمريكية الجديدة لخلق نوع من التوازن بين مواقف بعض الديمقراطيين الذين لا يزالون يرفضون التعامل مع بن سلمان ويطالبون بإبعاده عن خط الخلافة الملكية في السعودية ، وبين واقع التسوية والحلول الوسط في إدارة مصالح السياسة الخارجية الأميركية والتي ترى في بن سلمان شريكا أساسيا في هذه المرحلة ، ربما هذا ما يفسر ۔ اعلان بن سلمان فتح المجال للتفاوض مع حركة أنصار الله اليمنية من جهة ومع إيران من جهة أخرى .

العلاقة مع إيران

تعكس رسائل محمد بن سلمان المأزق السياسي والاستراتيجي الذي تعيشه السعودية وخاصة نظام ال سعود في ظل الفشل المتكرر في اليمن وفي العديد من الملفات في المنطقة .

ان توجيه رسائل تحتوي على مبادرات للتفاوض مع أطراف كانت السعودية وتحديدا بن سلمان يعتبرهم من الأعداء الذي يجب کسرهم ومحاصرتهم ، دليل على حجم المأزق الذي تعيشه السعودية .

اعتبر بن سلمان إيران ، دولة جارة وانه يطمح بان يكون لديه علاقات جيدة معها ، يأتي هذا الإعلان قبل نهاية المائة يوم الأولى في الرئاسة الأمريكية الجديدة بأيام ، لكنه يضيف دلالة جديدة وهو السعي السعودي لإنشاء مبادرة امن مستقبلي على طول خط الخليج الرابط بين باب المندب ومضيق هرمز ، لحفظ المصالح السعودية في المنطقة وخاصة في الخليج ، وللانفتاح على شراكات مع إيران قد تستفيد منها السعودية في تخفيف المخاطر المستقبلية .

أعلن محمد بن سلمان بطريقة غير مباشرة . وفي إطار حديثه عن ضرورة التقارب مع إيران وفتح المجال للتفاوض ولعلاقات جيدة- ، وباسم التحالف الثلاثي القائم وغير المعلن ، والمتمثل في السعودية - الامارات - إسرائيل ، الالتزام بقواعد السلوك الجديدة التي فرضتها إدارة بايدن على هذه الأطراف الثلاثة بعدم التشويش على مساعي العودة الى الاتفاق النووي الذي تعمل إدارة بايدن اليوم على إعادة تفعيله وإلزام إيران بالعودة اليه من جديد وتجاوز العقبات التي انشأها انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة من هذا الملف . فمع التحولات التي يشهدها المسار التفاوضي في فيينا حول عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران ، إضافة إلى التكتلات التي بدأت تظهر كالتكتل الإيراني - الروسي - الصيني الذي يطالب برفع العقوبات عن إيران كمقدمة أساسية للعودة للاتفاق النووي من جهة والجانب الأمريكي والأوروبي الذي لا يزال يبحث عن خيارات للحل تحفظ له مصالحه والتي يبدو أنها محدودة . يبحث السعودي عن موطئ قدم يضمن له الاستفادة من هذا المسار التفاوضي وان لم يكن شریکا مباشرا في مفاوضات فيينا ، انما كفاعل إقليمي غير معلن يحاول اختراق الهوة بينه وبين الإيراني التحقيق بعض المكاسب السياسية والاستراتيجية ، يبدو أن هذا الاعلان السعودي غير المباشر يعفي بشكل او باخر الطرف الإسرائيلي من استمرارية التصدي لأي محاولات أمريكية لإعادة احياء الاتفاق النووي من جديد ، فها هو السعودي يطلق العنان لمبادرات تفاوضية ومطالبات بفتح صفحة جديدة مع إيران . من المرجح أن هذا الإعلان السعودي هو أيضا اعلان إسرائيلي عن التهدئة والتوقف عن مهاجمة إيران فيما بات يعرف " بحرب البحار " . لكنه يبقى مرتبط بما سيتحقق من مكاسب أمريكية في مفاوضات فيينا الجارية حاليا . من ناحية أخرى لا يبدو التموضع السعودي الجديد بعيد عن الاشتغال الأمريكي على ملف الانتخابات الرئاسية المقبلة في ايران ، وما تشهده الساحة السياسية الداخلية في ايران من تغيرات تنبئ بالعديد من المفاجآت التي تحاول الإدارة الأمريكية الاستفادة منها وربما احتواءها لرسم خطط مستقبلية لعلاقة ستكون بالتأكيد مختلفة مع أي قيادة سياسية جديدة ستتولى السلطة في المرحلة المقبلة .

ازمة اليمن ومبادرة التفاوض

يبدو تبدل الموقف السعودي تجاه حركة أنصار الله وإعلان بن سلمان عن مبادرة تفاوضية مع الحركة ، دليل على حجم المأزق السياسي والعسكري الذي تعيشه السعودية بعد ست سنوات من الحرب العدوانية على اليمن . تعيش السعودية اليوم ازمة اقتصادية خانقة بسبب الحرب الدائرة في اليمن ، فهي تشكل استنزافا ماليا الدول الخليج وعلى راسها السعودية لاسيما مع تكاليفها الباهظة التي من الصعب تحملها في ظل ازمة أسعار النفط المتراجعة ، لم تظهر بوادر لإنهاء الحرب ، ويبدو أن إشارة بن سلمان كانت محاولة لاختراق الازمة من خلال طرح مبادرة تفاوضية مع حركة أنصار الله ، وهي اعتراف ضمني بفشل الحرب العسكرية وبأن الحل الوحيد هو وقف إطلاق النار والذهاب إلى التفاوض وفق شروط كمحاولة لاحتواء اليمن وتحقيق بعض ما عجزت عنه العمليات العسكرية ، فما يمثله اليمن من امتداد لتجارة دول الخليج التي تعتمد اقتصاداتها بشكل أساسي على مبيعات مصادر الطاقة ، وذلك عبر مضيق باب المندب ، الذي يعتبر أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانا للسفن ، والآلاف من ناقلات نفط الخليج ، وناقلات البضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا وحوض المتوسط وشمال أميركا ، يجعل السعودية اليوم مجبرة على إعادة حساباتها السياسية والاستراتيجية والذهاب نحو حل تفاوضي يقلل من الخسائر نظرا لتحملها الضرر الأكبر من هذه الحرب مقارنة بدول الخليج الأخرى .

يعترف بن سلمان بشكل غير مباشر بأن استمرار الحرب في اليمن يزيد من الضغوط الاقتصادية على بلده وعلى دول الخليج الاخرى ، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة الحملة العسكرية وطول المدة ، بالتزامن مع استمرار أسعار النفط المنخفضة ، والذي أدى إلى تفاقم عجز الموازنة ، وربما في اشارته إلى مستقبل السعودية وتأكيده على ما أسماها بالثوابت إشارة جديدة إلى ضرورة تغيير السياسات والتوجه الى حلول جديدة ومبادرات تكفل المصالح السعودية كدولة فاعلة في الإقليم من خلال الذهاب إلى شراكات استراتيجية جديدة وتعزيز التحالفات مع دول أخرى ، ربما إشارة هنا إلى العلاقة المستقبلية مع إسرائيل وتناغم الخيارات بين الطرفين خاصة في بعض الملفات الحساسة في المنطقة .

استطاع بن سلمان تخريج هذا التراجع بلغة رمادية دون أن يبدو في صورة المهزوم ولا المنتصر تراجع أضفى عليه بعض الصبغة الإيجابية مستخدما لغة احتواء الاخرين واستيعابهم باتجاه بناء الشراكة معهم .

المصدر:وكالة تبناك الإخبارية

رایکم