شبكة تابناک الإخبارية _ عندما تم التوافق الروسي الأمريكي عام 2016 على ترتيبات لخفض التصعيد في الشمال السوري ، كان الشرط الوحيد هو التزام الولايات المتحدة الأمريكية بفصل المعارضة المسلحة التي تعاونت مع واشنطن والجيش الأمريكي عن الإرهابيين . ووفقا لتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية ( 2012 ) وتصنيف مجلس الأمن الدولي ( 2013 ) ، يعد تنظيم جبهة النصرة تنظيما إرهابيا ، ولم تنتف سمة الإرهاب مع تغيير زعيم الجبهة ، أي محمد الجولاني " ، اسمها إلى هيئة تحرير الشام ( 2016 ) . ورغم أن التنظيمين إرهابيان ، بقيت واشنطن تراهن في مقاربة الوضع في إدلب ، معقلهما ، على إمكانية الحوار مع هيئة تحرير الشام . وقد طرح المسؤولون الأمريكيون ، أكثر من مرة ، تلميحات حول هذا الموضوع ، ما كان آخرها ما صدر عن المبعوث الأمريكي السابق إلى الشأن السوري ، جيمس جيفري ( 2020 ) . وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد حذر سنة 2019 من وجود مخطط أمريكي لإخراج هيئة تحرير الشام من قائمة الجماعات الإرهابية ، وجعلها طرقا في المحادثات حول الأزمة السورية واصفا ذلك ب " القنبلة الموقوتة .
اليوم ، ما زالت الولايات المتحدة تراهن على ذات الفصيل بما يعني استمرارية نهج الإدارة الأمريكية القديمة مع عدم وضوح الرؤية أو تميزها لدى الإدارة الجديدة في التعامل مع الملف السوري ، على الأقل حتى الآن . تسعى واشنطن لتحقيق مکاسب جيوسياسية ؛ تحافظ من خلالها على دور مؤثر لها في المعادلات الميدانية السورية ، وأوراق لعب سياسية وازنة في أي تسوية مقبلة . ومع روتينية عمل الإدارة الأمريكية في تحديث الأدوات ، عمدت إلى تطوير العدة في عملية توظيف الوكيل الجديد الطامحة إليه . وانهالت التقارير عن ضرورة حل دبلوماسي أمريكي في إدلب بذريعة تجنب العنف ومراعاة الأوضاع الإنسانية فيها ، وشكلت المقابلة التي أجراها الصحفي الأمريكي ، مارتن سميث ، مع أبي محمد الجولاني ، الحدث الأبرز على مستوى الإعلام الأجنبي والعربي ، علما أنها تمت في مطلع شهر شباط الماضي ، لكنها شهدت ترويجا مكثفا خلال شهر آذار وهذا الشهر . إن الترويج لصورة الزعيم " الإرهابي " في زي البدلة " الإفرنجية " ، ولنفية صفة الإرهاب عن أفعال التنظيم مؤشر على نمطية التفكير الأمريكي تجاه المنطقة وشعوبها ، فهل تفكر الإدارة الأمريكية ، فعلا ، في أنها ستنجح في تحسين صورة الإرهاب والعنف التي ارتبطت بالتنظيم طوال عشر سنوات من الحرب ؟
إنها عملية " قصف العقول " عبر الدعاية كما كتب فيليب تايلور ، في كتابه الموسوم بذات الاسم ونشرته سلسلة عالم المعرفة سنة 2000. وتهدفي العملية إلى التأثير في مجريات الأحداث ، وإقناع الطرف الآخر ، الصديق والمعادي ، بتوجهات محددة ومن ثم الاتحاد خلف أهداف موحدة . من هنا ، كان استخدام سلاح الصورة والكلمة منذ العالم القديم وحتى العصر النووي ، مع مواكبة التطور الحضاري والتكنولوجي ، الاستراتيجية الأساس لقصف العقول المستهدفة بالمعلومات التي تريد الجهة المستهدفة من الجماهير معرفتها والإيمان بها تمهيدا لكسر إرادتها بأقل كلفة أو كلفة صفرية . إن من تحاول الإدارة الأمريكية محو سجله الإرهابي من العقول هو نفسه من أعلنت الوزارة الخارجية عام 2017 عن جائزة بقيمة عشرة ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد الهوية أو الموقع ، وذلك لما اقترف التنظيم بقيادة الجولاني من هجمات عدة في سوريا ، العديد منها ضد المدنيين منذ 2013 ، وفق تعبير الوزارة .
إن ما تسعى إليه إدارة بايدن هو إعادة رسم استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة وصفها المسؤولون الأمريكيون يوما بأنها " أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 2011 " ، مع ما يعنيه ذلك من أنها بؤرة تجمع للإرهابيين وانطلاق الأعمال الإرهابية ومعقل الممارسات الإرهابية ، وبكلمة أخرى ، تريد واشنطن توظيف هيئة تحرير الشام في الشمال السوري ، كما هو حال قوات سوريا الديمقراطية ، قسد ، في الشمال الشرقي ، وداعش في البادية السورية مع نقل قادتها من السجون التابعة لقسد . ويقوم الإعلام الغربي ، والبعض العربي ، بمهام الترويج لانفصال الهيئة عن القاعدة والتخلي عن عمل الشبكات الجهادية العابرة للحدود بما يخدم الهدف الأمريكي من محاولة إدخال الهيئة إلى مجال المشاركة السياسية في مستقبل سوريا . ومع استمرار تصنيف الهيئة كمنظمة " إرهابية " . تتعرقل هذه المساعي ، الأمر الذي استدعى التدخل الأمريكي بحملة تضليل إعلامية لمحاولة كي الوعي المجتمعي وتخدير إدراك العقل الجمعي للمجتمع الدولي لحقيقة واقع إرهاب التنظيم . بيد أن ذلك الرهان الأمريكي قد ينجح مع عقلية التبعية والتنازل عن سيادة العقول لكنه رهان فاشل مع شعوب المنطقة التي أفشلت المخططات الأمريكية فيها ، واستنزفت الفكر الاستراتيجي الأمريكي فيها كما الوجود العسكري . فهل من يعتبر أو يتّعظ؟