
دخل الملف الايراني مرحلة جديدة بعد دخول الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن للبيت الابيض وسط تباين واضح في وجهات النظر بين أطراف إقليمية ودولية متعددة بشأن العودة الى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه المجموعة السداسية الغربية مع إيران ، أو الذهاب باتجاه تعديل هذا الاتفاق بما يناسب التطورات الدولية .
نتذكر ؛ أن إيران رفضت شروط الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب لرفع العقوبات مقابل إلغاء أو تعديل الاتفاق النووي ؛ ودفعت في ذلك ضريبة 700 حظر فُرض عليها في المجالات الاقتصادية والسياسية . ومن المستبعد تصور قبولها بعد أربع سنوات عجاف مرّت بها وهي تعيش في ظل ضغوط بمستواها الأقصى .
الآن ؛ طهران تشعر بارتياح أكثر ، وتتكلم بصوت مرتفع ، بعد سقوط ترامب لتُوصل رسائلها الى الادارة الامريكية الجديدة بأنها غير مستعجلة لعودة الجانب الامريكي الى طاولة 5+1 ، ولا تقبل المساس بهذا الاتفاق ، كما لا تقبل تعديل شروطه ، وتدعو كافة الاطراف ، بما في ذلك الجانب الامريكي ، للعودة إليه ، مع الالتزام بقرار مجلس الامن الدولي 2231 ورفع جميع انواع الحظر الذي فرض في عهد الادارة الامريكية السابقة .
للوهلة الاولى يبدو أن كل طرف يطالب الآخر بتنفيذ إلتزاماته أولاً . الامريكي يُطالب إيران بالعودة عن خطوات التصعيد في برنامجها النووي ، فيما يطالب الايراني واشنطن برفع الحظر وإزالة العقوبات أولاً ؛ لكن في حقيقة الأمر ان المشكلة أكثر تعقيدا من ذلك ؛ والجانبان يعنيان ما يقولان . إنهما يتحدثان عن مرحلة ما بعد ذلك . فواشنطن لا تريد العودة للطاولة ما لم تطمئن الى موقف طهران في بحث القضايا الاقليمية ، وفي المقدمة منها « النفوذ في المنطقة » والمنظومة الصاروخية الايرانية ؛ فيما تريد طهران ضمان رفع العقوبات وفق القرار 2231 « بشكل عملي » كما قال المرشد الايراني الاعلى قبل فتح باب المفاوضات مع الدول الغربية بشأن أي من الملفات الاخرى .
هذا التدافع التفاوضي الذي شهدناه خلال الاسابيع الماضية يعكس بشكل واضح حالة عدم الثقة التي تلوح في أجواء المفاوضات بين طهران و واشنطن . لعبة لا تريد طهران أن تخسر أكثر مما خسرته منذ العام 2015 ، فيما تريد واشنطن أن تُحدد آلية العودة لحل المشكلة الايرانية إيماناً منها بأن هذه المشكلة هي مفتاح الحل لبقية الملفات المعقدة والشائكة في منطقة الشرق الاوسط .
وضع معقد ومتشابك للجانبين دعاهما السماح للمساعي الدبلوماسية التي تبذلها اكثر من جهة اقليمية ودولية . قطرية ؛ عمانية ؛ روسية و أوروبية . يبدو لي أن الجانب الاوروبي هو الأكثر حظاً في هذه المساعي باعتباره الطرف العضو في المجموعة السداسية ؛ لكن إيران لم تُغلق الباب أمام أي طرف يرغب في تقريب وجهات النظر اعتقاداً منها انها تملك الدليل « و هم أهل الدليل » الذي يستطيع أن يُشكل ضغطاً دولياً على الجانب الامريكي .
ليس من المعلوم لحد الآن هل تمكنت الادارة الامريكية من وضع تصور واضح لآلية التعاطي مع الملف الايراني بعد ما دعا الرئيس بايدن الى تشكيل لجنة خاصة بهذا الشأن حيث انيطت مهمة رئاسة اللجنة الى مسؤول الملف الايراني في الخارجية الامريكية روبرت مالي ؛ كما ليس من المعلوم نتيجة دراسة هذه اللجنة هل أنها تُريد أن تفتح الموضوع مع الرئاسة الايرانية الحالية ؟ أم أنها تُفضل التعاطي مع الرئاسة الجديدة بعد انتخابات يونيو حزيران القادم ؟ ولكل من هذه الاستحقاقات معطياته الخاصة .
أميل للتفسير الذي يقول أن الأجواء الاقليمية والدولية اختلفت الآن عما كانت قبل العام 2015 ، ولذلك فإن كلا الجانبين الايراني والامريكي مدعوان لتقييم سياساتهما بما ينسجم مع الواقع الراهن .
منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ، يبذل جهوداً خلف الكواليس للتوصل الى تصور يساعد جميع الاطراف لإحياء الاتفاق النووي والعمل على فتح باب المفاوضات ، لكن ذلك يصطدم – كما نقل دبلوماسي اوروبي – بعقبة عدم استكمال الرئيس بايدن لتشكيلته الحكومية ، وهي مرحلة حساسة له في الداخل الامريكي ، لأنها مرتبطة بتعاطيه مع أعضاء الكونغرس حتى وإن كان الديمقراطيون يُشكلون الأغلبية في هذا المجلس . أزيد على ذلك أن الحكومة الايرانية تنتظر من الجانب الامريكي إعطاء امتيازات لطمأنة الداخل الايراني في وجود فعل جديد قد تحقق على الارض ، ولذلك تُصرّ طهران على رؤية أفعال دون الأقوال بعد انسحاب الامريكي من الاتفاق وفرض العقوبات .
يجب أن لا يغيب عن بالنا إصرار طهران على استحقاق 20 فبراير ، وهو إيقاف العمل بالبروتوكول الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي ، اذا لم تلتزم اطراف الاتفاق النووي ببنوده . وهذا يعني تحديد عمل المفتشين في ايران .
في ظل هذه الأجواء ؛ يبدو لي أن التطورات الاقليمية والدولية تضغط بقوة على واشنطن و طهران ، للحوار ، ليس بشأن إحياء الاتفاق النووي ، وإنما لحوارات أكثر شمولية .
U2saleh@gmail.com