
شبکة تابناک الأخبارية: أثار النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله ضجة كبيرة في السعودية فبينما يرى فيه حقوقيون تكريساً لسلطة وزير الداخلية والأسرة المالكة السعودية، واستعمالاً تعسفياً من قبلهم لهذا القانون، يرى آخرون على انه انسجام مع وضعية البلاد وطبيعة حكمها.
ومما يثير الجدل وبعضاً من الاستحسان قدرة بعض المؤسسات الحكومية على الوقوف في وجه مسؤولي الأمن، والتعبير صراحة عن تحفظاتها في الوقت الذي يعتقد فيه كثيرون أن وزارة الداخلية يمكنها أن تمرر ما تريد من الأنظمة دون اعتراض من قبل جهات محسوبة على العدالة وحقوق الإنسان.
وكانت جهات حكومية قد عبرت عن تحفظات لها على النظام بينما تجاوزت جهات حقوقية أهلية كجمعية حسم المعروفة ذلك التحفظ إلى رفض النظام بشكله الحالي.
وبرز التحفظ الرسمي من جهات كوزارة العدل وديوان المظالم وهيئة حقوق الإنسان الرسمية والتابعة للدولة.
وصبت تحفظات تلك الجهات في أن النظام يعرف "الجريمة الإرهابية" بطريقة فضفاضة وان هذا التعريف يجب عليه ألا يحيل إلى نصوص النظام نفسه بل أن يأخذ في عين الاعتبار الكشف عن حقيقة وطبيعة الجريمة الإرهابية.
كما شكل احتجاج الجهات بمخالفة تعريف الجريمة الإرهابية للاتفاقيات الدولية سابقة في السعودية.
واعترضت وزارة العدل وديوان المظالم وحقوق الإنسان الرسمية على المادة الخامسة من النظام والتي أوكلت التحقيق في جرائم الإرهاب وتمويله إلى وزارة الداخلية لكون ذلك من سلطة هيئة التحقيق والإدعاء العام.
ومن النقاط التي أثارت التحفظات تمديد التوقيف الاحتياطي دون إذن من القضاء حسب المادة الثامنة من النظام المقترح.
وترى الجهات أنها يجب ألا تزيد في مجموعها عن ستة أشهر وسجلت هذه الجهات إمام اللجنة المشكلة في مجلس الشورى نفورها من ذلك التمديد المطلق الصلاحية لوزير الداخلية وأصرت على حذف هذه المادة بشكلها المرفوع وعدلتها إلى أن يرفع أمر تمديد الإيقاف إلى المحكمة المتخصصة لا وزير الداخلية أو من ينوبه.
كما طالبت الجهات العدلية والحقوقية الرسمية بتعديل المادة الثالثة عشرة وجعل المتهم يتمتع بحق استعانة بمحامٍ وهو في مراحل التحقيق لا المحاكمة.
كما أكدت على أن تكون مواد العقوبات متضمنة حداً أعلى لا حداً أدنى كما هي عليه في النظام المقترح وان يكون القضاء هو من يقرر مدة ومتى يتم تنفيذ العقوبة لا وزير الداخلية.
وتحفظت الجهات على حذف المادة السادسة والخمسين متضمنة تشكيل لجنة من مستشارين يعملون لدى وزير الداخلية في تقرير النظر في الضرر الذي يلحق بالمتهمين والموقوفين وان يكون ذلك إمام ومن اختصاص القضاء كجهة مستقلة.
ورأت أن نص الفقرة الثانية من المادة سبعين حول القتل تعزيراً وان ذلك ليس من اختصاص وزير الداخلية بل من مسؤولية المحكمة العليا وبالإجماع.
وعلى الرغم من تلك التحفظات إلا أن ضغوطاً سريعة وقوية تحاول الإسراع في إقرار النظام دون الالتفات إلى هذه التحفظات مما يثير فزع الحقوقيين السعوديين والدوليين.
كما تدين جمعية الحقوق المدنية والسياسية "حسم" بشدة مشروع القانون الذي ترى انه يستهدف بالأساس الحريات العامة.
وتعتقد "حسم" وهي جمعية مستقلة أن وزير الداخلية يصر على إصدار القانون على الرغم من الثغرات في القانون وان هذا يعد توريطاً للحكومة وانحسارا لما تبقى من حريات عامة في السعودية.
وفي بيان لها أشارت جمعية "حسم" إلى أن هذا النظام يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات والممارسات التي أصدرتها الحكومة السعودية مؤخراً، والتي تعتدي على حقوق الإنسان الأساسية، كحرية التعبير والتجمع، وتركّز الصلاحيات في فئة قليلة، الذين يستغلونها في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة، ضد المفكرين المستقلين، ناهيك عن خصوم الدولة ومعارضيها.
وتشير"حسم" إلى أن أنظمة مثل نظام "مكافحة الجرائم المعلوماتية"، ونظام "النشر الالكتروني"، ونظام "عقوبات نشر الوثائق السرية" تأتي في مقدمة تلك الإجراءات التي صدرت مؤخراً، والتي يبدو ظاهرها التنظيم والتأكيد على سيادة القانون، إلا أن الهدف الحقيقي هو مصادرة حرية الرأي، والقضاء على الحق في التعبير، لذا طفقت أجهزة الأمن في تلفيق التهم ضد الأشخاص حتى قبل صدور تلك الأنظمة بشكل رسمي من مجلس الوزراء.
وتشير"حسم" في بيان لها إلى أن هناك همساً ونقاشاً خلف الكواليس حول قرب صدور نظامين مهمين، ما لم يتنبه لهما المهتمون بالشأن العام، فسيكون لهما أثر سلبي على الحريات العامة، هما "النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله" و"نظام جرائم أمن الدولة"، واللذين ـ إن أجيزا من مجلس الوزراء ـ يمنحان وزير الداخلية صلاحيات لا متناهية في اعتقال الأشخاص الأبرياء، وتلفيق التهم لهم، ومحاكمتهم في المحاكم التابعة له، وسجنهم في ثقوب وزارة الداخلية السوداء، دون أية ضوابط قانونية، ودون أية إشراف من جهات مستقلة أخرى.
ووفقاً لتلك الأنظمة تصبح وزارة الداخلية ـ بشكل نظامي ـ جاسوساً يعتدي على خصوصيات الأفراد ويفضح أسرارهم، ورقيباً على حرياتهم وأفكارهم وآرائهم، وتصبح الوزارة كذلك جهة اعتقال ومحققاً وقاضياً وسجاناً في آن معاً.
وترى جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية انه من قراءة سريعة لمواد النظام، يتضح أنه يمنح وزير الداخلية صلاحيات واسعة في اعتقال من يشاء، دون أية مخالفة لنظام، ودون تهمة صريحة، وحرمان المتهم وذويه من التظلم لجهات أخرى في الدولة، فمواد هذا النظام واضحة في تهميش السلطة القضائية، ومؤسسات حقوق الإنسان المحلية، وهيئة التحقيق والإدعاء العام.
واشتمل بيان الجمعية إلى ما تراه الأخطاء الإجرائية في إصدار "النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله". واهم تلك الأخطاء أن الجهة التي قامت بصياغة مسودة النظام المقترح هي لجنة مشكلة في وزارة الداخلية منذ عام 1426 هـ (2006م) بعضوية كل من وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ورئاسة الاستخبارات العامة، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ووزارة المالية، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، حيث عملت اللجنة على إعداد مشروع "نظام لمكافحة الإرهاب في الداخل يكون مستمداً من أحكام الشريعة الإسلامية السمحة والاتفاقات الدولية".
وأشارت الجمعية إلى أن وزير الداخلية حريص على الإسراع في إصدار النظام بمرسوم ملكي، وان يتبع في إصداره إجراءات خاصة تختلف عن إجراءات إصدار الأنظمة الأخرى كالمتبع، بحيث لا يوزع على الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى، وان يوضع له برنامج زمني يدرسه مجلس الشورى فيه بصورة عاجلة لا تتجاوز شهر.
وتساءلت الجمعية عن سر حرص وزير الداخلية على الإسراع في إصدار نظام مكافحة الإرهاب على الرغم من أهميته وخطورته؟
وأضافت "حسم" أليس الأجدى منح المواطنين فرصة أكبر في نقاش هذا النظام تحت مظلة "الحوار الوطني"؟ على اعتبار أن أعضاء مجلس الشورى لا يمثلون الشعب السعودي، فلم ينتخبهم المواطنون بشكل مباشر، بل تم تعيينهم من قبل النافذين في النظام السياسي، ونواب الشعب المنتخبون هم من يفترض أن يسن ويناقش ويعدل أية مشروع يمس حريات الناس وحقوقهم.
من جانب آخر استغربت شخصيات حقوقية إدراج الملك وولي عهده في نظام عقوبات للإرهاب؛ إذ تضمن نظام الحكم بحد أدنى عشر سنوات على من يشكك في نزاهة الملك وولي عهده أو يخل بالنظام العام أو يقوم بأعمال لا تغيير النظام أو تعطيل نظام الحكم أو بعض مواده أو المساس بمصالح المملكة الوطنية والاجتماعية.
ويتضمن النظام المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات لكل من وصف الملك وولي العهد بالكفر أو شكك بنزاهته أو قدح في أمانته أو نقض البيعة أو حرض على ذلك.
وترى شخصيات معارضة هذا الجانب من العقوبات استعمالاً تعسفياً لنظام يكافح ويعاقب الإرهاب ومزج بين الإرهاب والمعارضة السلمية لأهداف تصب في صالح إسكات المعارضين وتحجيم قوتهم داخل المملكة.