أكد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، أن اغتيال قادة النصر جاء نتيجة الخسائر التي ألحقها محور المقاومة بالمشروع الأمريكي، مشددا نحن دخلنا في مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع الاستكبار الأمريكي في المنطقة أي مرحلة قلع هذه الهيمنة وإخراج هذا النفوذ من المنطقة ونحن في المقطع الأخير من مقاطع المواجهة التي بدأت منذ أربعين عاماً.
في أجواء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قادة النّصر أجرى موقع الإمام الخامنئي الإعلامي (KHAMENEI.IR) حوارا مع رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين، تطرق فيها الى بشارات الإمام الخامنئي التي نقلها الشهيد الحاج قاسم لقادة حزب الله في حرب تموز والتي أثّرت بشكل كبير على مسار المعركة، موضحا انه التقى الحاج قاسم لأول مرة في العام ١٩٩٨ بعد تعيين الشهيد سليماني قائدا لقوة القدس في الحرس الثوري الإسلامي في أواخر 1997 .
الحاج قاسم سليماني، نموذج متقدّم في حمل المفاهيم الثوريّة والولائيّة والأصيلة
وأوضح السيد صفي الدين: طبعا الحرس الثوري الإسلامي منذ بداية تشكيله ربما كان حاضرا بشكل أو بآخر في لبنان وفي جنوب لبنان حتى قبل تأسيس حزبالله لكن في مرحلة بالتحديد في مرحلة تعيين الحاج قاسم سليماني قائدا لقوة القدس ربما نستطيع أن نقول بأن الملف انتقل من الجهات الرسمي في السلطة إلى الجهات المرتبطة ـ إن صح التعبير ـ بالمقاومة والثورة وبالتحديد قوة القدس. ما هو رأيكم في هذا الانتقال وماهي النتائج التي ترتبت على هذا الانتقال؟
بالنسبة لحزب الله هو في الأساس نشأ في حضن الحرس الثوري وفي إطار الثقافة الثورية للحرس وفي إطار المفاهيم الولائية للحرس وكلنا نعلم أن للحرس خصوصيات في هذا الجانب ونحن تعرفنا على هذه الخصوصيات منذ اليوم الأول من تأسيس المقاومة الإسلامية في لبنان. مجيء الحاج قاسم زاد من جرعة هذه العلاقة الإيجابية والوثيقة بين المفاهيم المشتركة والمفاهيم التي تربينا عليها. رأينا في الحاج قاسم أنه نموذج متقدم لمن يحمل المفاهيم الثورية والولائية والأصيلة مما زادنا التصاقاً بهذا النموذج والتصاقاً بهذه القيم والتصاقا بهذه المفاهيم.
قدوم الحاج قاسم سليماني، نقطة تحوّل في المقاومة الإسلاميّة
وقال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله: التبدل والتغير الذي حصل على المستوى الإيجابي هو في الحقيقة كان نتيجة هذا الفهم المشترك وهذه العلاقة العاطفية والروحية والتي كانت مبنيّة أساساً على الرؤية الموحدة. من المهم أن أشير إلى أنه على مستوى الرؤى العامة كنا دائما نرى أنفسنا متطابقين مع ما يراه الحاج قاسم سليماني في كل ساحات العمل المشتركة وهذا دليل على أن المنبع واحد والفكر واحد والثقافة واحدة والأدوار والوظائف كانت شبه متطابقة. وهذا كان عاملاً مساعداً؛ يعني حينما تتعاطى مع جهة هي تدعم وهي تؤيد وهي تساند، هذه الجهة تفهمك وتلتقي معك في نفس الرؤية روحيّاً وعاطفيّاً وعمليّاً وسياسيّاً، ستشعر لا شك بوجود دعم كبير. سألني البعض في بعض اللقاءات أن بماذا شعرتم حينما استشهد الحاج قاسم؟ أنا أجبت: "شعرت أن جبلاً كنا نستند إليه وقد أُزيح من خلفنا، ما الذي يمكن أن يشعره الإنسان في هذه مثل هذه الظروف"؟
22 عاماً من قيادة الحاج قاسم سليماني لقوّة القدس، إنجازات وانتصارات كبيرة
وأوضح سماحته: 22 عاماً كانت مليئة بالإنجازات والانتصارات الكبيرة. طبعاً نحن دائماً عندما نتحدث عن أشخاص بمستوى الحاج قاسم، لا نقصد المستوى المعرفي والعسكري والخبرة القيادية فقط، بل ونتحدث عن الجانب الإيماني والجانب المعنوي وكما كل قيادات الحرس عموماً يهتمون كثيرا بالجانب المعنوي قبل الاهتمام بالجانب العسكري. هؤلاء الأشخاص نتحدث عنهم بالمستوَيَين، المستوى الأول يتعلق بما قاموا بها من الإنجازات في الميدان وتحديداً في محور المقاومة الممتد من فلسطين إلى اليمن. الجانب الذي نحتاج إلى تسليط الضوء عليه هو الجانب المرتبط بالجانب المعنوي بمفهوم الكرامة وبمفهوم الرحمة الخاصة التي نزلت على هذا القائد والتي كانت سبباً في وصول المقاومة في لبنان والمنطقة إلى كل هذه الإنجازات الكبيرة.
قدوم الحاج قاسم سليماني قلب المنطقة من مكانٍ إلى آخر
وقال السيد صفي الدين: قدوم الحاج قاسم كان مليئاً بالبركات. 22 عاماً كانت كفيلة بأن تقلب المنطقة من مكان إلى آخر. إسرائيل انسحبت من لبنان وحصلت تغييرات كبيرة على مستوى امتلاك القدرة العسكرية كمّاً ونوعاً عند المقاومة الإسلامية في لبنان. المقاومة الإسلامية والمقاومة الوطنية في فلسطين حظيت باهتمام شديد وانتقلت نقلة كبيرة جداً وصولاً إلى حرب تموز في العام 2006 التي تجسدت فيها هذه التغيرات النوعية والكمية في الجبهة وهُزمت إسرائيل هزيمة كبيرة. ربما لم تكن تتخيل إسرائيل في يوم من الأيام أن تُكسر عسكرياً بهذه الطريقة وأن تُدمّر الدبابة التي هي فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية. وما بعد ذلك من فتن جاء بها الأمريكي، أي مع جورج بوش الابن وكونداليزا رايس ومسألة الشرق الأوسط الجديد؛ وهُزمت أمريكا من قبل محور المقاومة في إنتاج الشرق الأوسط الجديد.
منع الأمريكيّ من فرض احتلاله على الثقافة السياسيّة في العراق
واضاف رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله: هذا أيضا يُضاف إلى الانتصارات والإنجازات وصولاً إلى ما حصل في العراق ولم يتمكن الأمريكي أن يفرض احتلاله على النمط السياسي وعلى الثقافة السياسية وعلى كل الوجود السياسي في العراق وأحد أهم الأسباب أيضا هو المقاومة التي قاتلت الاحتلال الأمريكي والتي منعته والتي صدته في البعدين السياسي والشعبي وغير ذلك، وصولاً إلى اليمن الذي استخرج من جباله ومن تاريخه ومن ثقافته ومن أصالته هذه المقاومة الباسلة والقوية التي هزمت المشروع الأمريكي والسعودي، وإلى معركة سوريا الكبيرة حيث كانت سوريا تشهد وما زالت معارك علنية. الحاج قاسم وفريق عمله كانوا حاضرين بقوة في تحقيق الإنجازات الكبيرة في سوريا، إذن 22 عاماً كلها إنجازات وانتصارات طبعاً فيها تضحيات، فيها صبر وتحمل، فيها التخطيط، فيها المعرفة، فيها الحضور الميداني وفيها خلق نموذج جديد ونمط جديد.
الحاج قاسم سليماني صانع نموذج جديد في المقاومة
وتابع سماحته: هذا النموذج اليوم هو ملك محور المقاومة وملك الأمة الإسلامية كلها وهذا النموذج إذا أردنا أن نتحدث عن صانعه وعن المؤثر في ترك هذه البصمة الخاصة في هذا النموذج، لن يكون هناك شك أن أحد أهم صناع النموذج الجديد للمقاومة المنتصر والذي لا يترك مجالاً للأمريكي أن يعيد هيمنته كما كانت في السابق، والذي له دور أساسي في صناعة هذا النموذج هو القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني.
تواضع الحاج قاسم سليماني رغم حجم الانتصارات
وقال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله: كانت المزيد من الخشية من الله سبحانه وتعالى والمزيد من التواضع وهذا مشهود وملموس يعني أنه لا يحب الحديث عن إنجازات تُنسب إليه ودائماً كان يتحدث عن المقاتلين والمجاهدين في أي جبهة كانت؛ يعني أنه لا يستثني جبهة من الجبهات. أذكر مثلاً حين كنا نتحدث عن العراق في بعض اللقاءات معاً كان يقول "نحن لم نفعل شيئاً، الذين فعلوا هذا الأمر هم الشعب العراقي وهم الشباب المجاهدين في العراق" وهكذا في كل الجبهات. هذه الإنجازات كانت تزيد في يقينه وتزيد في إخلاصه وتزيد في توقه وشوقه للشهادة ولقاء الله عزوجل، فهو هكذا كان. كل التصرفات على المستوى الشخصي وعلى المستوى العملي كانت تدل على أن كل هذه الإنجازات ما كانت لتأخذ من أصالته ومن تواضعه ومن تربيته الأصيلة على الإطلاق.
قفزة نوعيّة على المستوى العسكريّ في النّوع والكمّ
وأضاف سماحته، قبل سنة 2000 بدأت المقاومة تتجهز للبنى التحتية الجديدة على مستوى قدراتها العسكرية وعلى مستوى الانتقال للعمل المقاوم النوعي، رغم أن القدرة التي كانت موجودة قبل سنة 2000 ليست قليلة ولكن كانت هناك قفزة نوعية في نوع السلاح وفي كمية السلاح وفي طريقة نقل السلاح والتكتيك إضافة إلى الإستراتيجيات الحاكمة في تحديد المواقف على المستوى العسكري والميداني. الحاج قاسم خلال سنتين قبل سنة 2000 كان مشاركاً بفعالية وقوة بل كان دافعاً باتجاه خلق إستراتيجيات جديدة وما شاهدناه بعد 2000 وصولاً إلى 2006 في الحقيقة هو نتاج تلك الجهود التي بدأت قبل 2000.
إذاً خلال هاتين السنتين كانت هناك نقلة نوعية، نعم هذه النقلة لم تكن مشهودة ولم تكن مرئية لأنها كانت تحتاج إلى زمن وإلى وقت لتثبيت أركانها ولم نكن نحتاج إلى إظهارها بشكل كامل على المستوى العلني. أما في سنة 2000 فحضوره كان كبيراً جداً؛ بالنتيجة هو قائد كان له أثر كبير في حصول تحرير سنة 2000 لكن هو لم يرد أن يأخذ المشهد فترك المشهد للمقاومين ولقيادة المقاومة في كل ساحات الاحتفالات والعمل والأنشطة. هو كان موجوداً في كل هذه الخطط التي وُضعت طبعاً على مستوى الدعم والتأييد كما قلت قبل قليل.
ما نقله الحاج قاسم سليماني في حرب تمّوز عن الإمام الخامنئي دلّ على الإلهام الخاصّ لدى سماحته
وقال السيد صفي الدين: الحاج قاسم (رضوان الله تعالى عليه) تحدث بشكل مسهب عن دوره الفعال وعن دوره القوي فيما يتعلق بحرب تموز في سنة 2006 وهذا لا نستهين به لأنه كان يشكل الأنس الدائم الأساسي بحسب المعطيات التي حصلت في الميدان في الجانب المعنوي والذي عادة ما لا يقل أهمية عن أي جانب عسكري في معاركنا، بل عادة ما يحظى بأهميّة أكبر. الأمور التي كان ينقلها لسماحة السيد عن سماحة القائد فيما يتعلق بالجانب المعنوي سواء كانت رسالة مكتوبة كما وصلت خلال الحرب من سماحة القائد أو كانت بعض الإشارات اللطيفة التي تدل من جهة على الإلهام الخاص الذي كان يعيشه سماحة السيد القائد في استشرافه للمستقبل ويدل من جهة ثانية على الموفقية التي كانت تعيشها المقاومة في ظل البشرى التي كانت تعطيها المزيد من الأمل والعزم للاستمرار.
بشارات الإمام الخامنئي في حرب تمّوز أثّرت بشكلٍ كبير على قوّة المعركة
وتابع سماحته، كانت تنقل لنا حقيقة من سماحة السيد القائد البشارات، يعني أن القائد يقول لكم إنه ستنتصرون وهذه المعركة تشبه معركة الخندق فيها خسائر وفيها صبر وفيها تحمل لكن هذه نهاية الصّبر. هذه هي العبارات التي نقلت عن القائد. الناقل لهذه المعنويات كان الحاج قاسم سليماني. طبعاً كان يتحرك ويذهب ويأتي ويوصل مثل هذه التوصيات وهذه البشارات إلى المقاومين.
وأنا أقول لك من موقع المعرفة التفصيلية والحضور في هذه التفاصيل، كان لكل هذه الأمور تأثيرٌ كبيرٌ جدا على قوة المعركة وعلى قوة معنويات إخواننا المجاهدين. مثلا، الرسالة التي وصلت من سماحة السيد القائد، أذكر بعد قليل من أوصل هذه الرسالة، اتصل بي سماحة الأمين العام وقال وصلتنا بشرى من قبل سماحة السيد القائد وتمت ترجمة هذه الرسالة باللغة العربية ثم نشرناها على كل المجاهدين.
على مستوى ردة الفعل كانت ردة الفعل قوية جداً. نحن قبل هذه الرسالة كنا نعتقد أن الإسرائيلي عاجز عن تحقيق أهدافه وبعد هذه الرسالة أصبحنا على يقين أننا سننتصر في هذه المعركة. في الجانب الاجتماعي الذي يخص الناس وهذا مما كنت أنا أتابعه شخصياً مع الإخوة المجاهدين على الأرض، كان هناك ما يقرب من 950 ألف مُهجَّر من بيته منهم من هُجر من الجنوب ومن الضاحية ومن البقاع والمناطق الأخرى وهؤلاء كانوا يحتاجون إلى الاهتمام الكبير والشديد لأن هؤلاء هم جمهور المقاومة وهم المنتج للمقاومة وهم الذين استهدفوا واستهدفت بيتوهم ومحلاتهم وأرزاقهم. تخيل أن إنسانا يدعم المقاومة خلال دقائق فقد بيته ومحلاته وكل ما يملكه. هؤلاء كانوا مهجرين إلى المناطق الأخرى.
متابعة الحاج قاسم سليماني لأوضاع النّاس المتضرّرين من الحرب
وقال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله: من اللطائف أن الحاج قاسم كان يتصل بي شخصيا بين الحين والآخر ويسأل كيف وضع الناس وكيف أحوالهم وهل تهتمون بهم وكان يقول نحن في الجمهورية الإسلامية نقوم بدعمكم وتأييدكم وكان طبعاً يؤكد: "إدعم الناس، إبق معهم، إدعمهم ولا مشكلة في شيء على مستوى الإمكانات ونحن جاهزون إن شاء الله لتأمين الإمكانات اللازمة". أي لم يكن دوره مرتبطاً فقط بالعمليات العسكرية.
مساهمة الحاج قاسم سليماني الحثيثة في إعادة عمليّة إيواء النّاس وإعادة إعمار البيوت المدمّرة
وأضاف السيد صفي الدين، أنا شخصيا شاركت في عدة جلسات بعد حرب تموز في العام 2006 من أجل التفكير في كيف يمكن أن نعيد إعمار البيوت المهدمة. طبعاً كنت أنا شخصيا أقدم كل هذه النتائج إلى سماحة الأمين العام لاتخاذ القرار المناسب سواء في تأمين المسكن البديل أو المؤقت أو في الترميم أو في إعادة الإعمار وكل هذه التفاصيل التي كانت لها جهات خاصة تديرها. قبل انتهاء الحرب بيومين كان الحاج قاسم شريكاً معنا حتى أنه أجرى اتصالاً، كان يريد أن يعرف ما عدد البيوت التي هدمت، طبعاً كان أمراً صعبا وعسيرا أن نحدد له عدد البيوت ولكن حاولنا أن نحدد الخسائر. كان يريد أن يعرف عدد البيوت التي هدمت وعدد البيوت التي تحتاج إلى الترميم وكذلك الخسائر المادية لأنه في نهاية المطاف هو سيكون الواسطة في تحصيل الدعم الذي يمكن أن يأتي من الجمهورية الإسلامية وبالتالي كل الدعم الذي جاء من الجمهورية الإسلامية سواء من الدولة بشكل رسمي يعني الدولة الإيرانية أو المؤسسات الأخرى كمؤسسة إمداد الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) أو المؤسسات المعنية بالشهداء والجرحى.
كان دائماً الوسيط لتقديم الصورة كما يجب أمام هذه الأجهزة، أي أنّ حزب الله مهما فعل في نقل الصورة لن يكون قادراً على أن ينقل الصورة كما ينقلها الحاج قاسم سليماني إلى الجهات الرسمية في الدولة الإيرانية أو إلى المؤسسات الخيرية والعامة التي كانت تساهم في دعم المقاومة وشعب المقاومة وقد قام بهذا الدور من خلال معرفته وليس من خلال التكهن ووضع أفكار غير ناضجة، بل وكان يستمر بهدوء ويكتب ويفصل ويأخذ منا المعلومات التفصيلية المنقحة على مستوى المعلومات والإحصاء ثم بعد فترة يعطينا أجوبة ومن اللطيف في هذا الموضوع أن الأجوبة كانت سريعة جداً، يعني أنا أشهد أن خلال حرب تموز وما بعد حرب تموز كل ما كنا نحتاج إليه من أجوبة من خلال الدعم الممكن أن يأتي من الجمهورية الإسلامية، كانت الأجوبة أسرع بكثير مما كنا نتوقع وهذا دليل على أنه إما أن الحاج قاسم قام بجهد غير عادي وإما أن الأجهزة في الجمهورية الإسلامية كانت متفاعلة بشكل غير عادي ويبدو أن الأمرين كانا موجودين.
جرأة الحاج قاسم سليماني في موضوع الدخول إلى الساحة السوريّة
وتطرق السيد صفي الدين الى كيفية دخول الشهيد سليماني الى الساحة السورية قائلا: إنّ الحاج قاسم سليماني كان على تنسيق كامل مع الدبلوماسية الإيرانية لكي يقوي كل منهما الآخر وهذا يدل على قدرة خاصة لأن الجنرال الذي يقود المعارك في الميدان ويخطط المعارك في الميدان لا يمكن أن يدير عملية سياسية بلغة دبلوماسية بمقتضيات العمل الدبلوماسي والسياسي سواء كان تفاوضا أو كان إقامة علاقات. كان الحاج قاسم يتقن كل هذه الأمور فإذا أراد أن يفتح علاقات مع بلد هو قادر على ذلك، يخطط ويقدم ويقتحم؛ ولكن نهجه في العمل السياسي أنه يعمل في السياسة على مستوى المبادرة والشجاعة والاقتحام كما يقتحم ميادين القتال، فهو جريء جدا ويقدم الأفكار بجرأة مثل موضوع الدخول الروسي إلى الساحة السورية بشكل عسكري. الحاج قاسم ليس هو الذي أخذ القرار لأن هناك قيادة في الجمهورية الإسلامية، ولكن أن يبادر إلى اقتحام هذه الساحة بهذه الجرأة وبهذه الشجاعة ليحدد موقفاً مطلوباً في معركة مصيرية وتاريخية، فإنّ هذا يحتاج إلى شجاعة وفي الكثير من الأمور كان يطرح مواقف ويتخذ القرارات، طبعاً تحت سقف القرارات المفترضة في الجمهورية الإسلامية.
حضور الحاج قاسم سليماني كان قويّاً مع الجهات السورية وكان حينها هو من يحدثنا عن لقاءاته مع الجهات السورية وماذا قال لهم وماذا اتفق معهم، وهكذا على المستوى العراقي وعلى المستوى التركي أو الجهات الأخرى من الدول المحيطة بالجمهورية الإسلامية. طبعاً هذا النمط هو نمط فريد، حقيقةً هو نمط فريد واحتاج إلى أن ينسج الحاج قاسم مجموعة علاقات كبيرة حتى داخل الجمهورية الإسلامية رغم أنه هو شخص قوي ومعروف في الحرس الثوري لأنه للحرس في إيران مكانة خاصة عند كل المسؤولين في البلد؛ ولكن هو كان فوق ذلك ينسج علاقات خاصة ربما لا تخطر على بال أحد. كل ذلك من أجل أن يزيد في حماية العمل المقاوم، وإلى الآن نحن بين الحين والآخر نلتقي مع بعض القيادات في الجمهورية الإسلامية ويقولون إنهم كانوا يطلبون من الحاج قاسم كذا وكذا من أجل أن يحميكم ومن أجل أن يدافع عنكم ومن أجل أن يؤمن الحماية اللازمة للعمل المقاوم في المنطقة. إذن، نحن أمام شخصية فريدة واستثنائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
في حلب كان له دور كبير جداً نتيجة فهمه لأهمية معركة حلب وكان يصر على حضوره الدائم خاصة في المراحل الصعبة إلى حد كنا نحن نتحدث معه بين الحين والآخر "يا حاج! خفف". في أماكن القتال الأساسية كانت تدور معارك طاحنة في منطقة حلب وهو كان أحياناً في الطائرة، يصعد إلى الطائرة ويطير في الجو ويشرف على المنطقة ليتابع ويراقب ويسجل نقاط ويأخذ معلومات مباشرة من الجبهة ولم يكن فقط يستند إلى التقارير والأمور التي يقدمها الضباط أو المسؤولون في الميدان أو على الأرض.
تحمّل الحاج قاسم سليماني لكلّ المخاطر من أجل صناعة المواقف في الوقت المناسب
وأضاف رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله ، أذكر في يوم من الأيام كنا قادمين معاً من إيران إلى سوريا وكان يوماً ماطراً وعاصفاً وكانت معركة حلب شديدة الحساسية، نزلنا في مطار دمشق وأنا أردت العودة إلى بيروت فإذا بي هو يسأل هل جهزتم الطائرة؟ فسأله الأخ الذي كان معني هل تقصد طائرة حلب؟ فأجاب نعم الآن نريد أن نطير إلى حلب، رغم أنه كان ليلا. الأخ قال له مستحيل فالجو عاصف وماطر وفي مثل هذه الأوقات مستحيل أن تطير الطائرة لأن هناك خطر عليك وعلى الطائرة، فقال جهزوا... جهزوا الطائرة ... لا تهتموا... جهزوا الطائرة... ثم بعد ذلك أنا دخلت على خط النقاش وقلت له يا حاج أنت لست مضطرا أن تذهب الليلة فالوضع خطير جداً فقال لي: "من قال إن الوضع خطير؟ إن هذه الطائرة إذا لم تنتقل في هذه الليلة فلابد أن ننتقل في النهار وهذا صعب على المستوى العسكري فيجب أن تنتقل في الليل كما جرت العادة، وإلى غد لا أعلم الليلة ما الذي سيحصل فيجب أن نكون الليلة في حلب".
هكذا كان يفكر وبهذه الطريقة. فحضوره حضور صناعة الموقف المناسب في اللحظة المناسبة ولم يكن يؤخر ولم يكن يترك الأمور تمشي على عواهنها حيث كان دائما مبادراً بشجاعته وباقتحامه المعهود. من الأمور اللافتة التي يجب أن يعرفها كل الناس، لا يعني ذلك أنّ الحاج قاسم حينما يأخذ قراراً بالاقتحام، بأنّه قد أمّن كل مستلزمات الاقتحام. هو كان يعرف معنى المغامرة وكان يعرف قيمة المغامرة في الوقت المناسب فلا يؤجل، حتى ولوكان مدركاً أنه سيكون ذلك سببا في بعض الخسائر أو بعض التضحيات، كان يتحملها من أجل ألا يفوته الوقت. طبعا هذا يحتاج إلى قرارات قوية من قبل أشخاص أقوياء.
اغتيال الأمريكيّين مؤشّرٌ حقيقيّ على تعب الأمريكيّين وإصابة عقولهم بالخلل
وتابع سماحته: نعم ... نحن في مرحلة جديدة بلا شك، وما فعله الأمريكي باستهداف القائدين الشهيدين الحاج قاسم والحاج أبي مهدي المهندس هو مؤشر في الحقيقة على تعب الأمريكيين وعلى أن العقول الأمريكية في المنطقة أصيبت باختلال كبير؛ والسبب هو أن محور المقاومة قد حقق إنجازات كثيرة وكبيرة جدا أدت إلى إضعاف الأمريكيين في المنطقة. وهذه المرحلة الأمريكي هو الطرف الأساسي فيها مع الإسرائيلي وبعض الدول العربية الداعمة مالياً، ومحور المقاومة هو الطرف الآخر بما فيه الجمهورية الإسلامية وكل المقاومين وفصائل المقاومة في المنطقة.
اغتيال قادة النّصر جاء نتيجة الخسائر التي ألحقها محور النّصر بالمشروع الأمريكيّ
وأضاف: الشيء المهم هو أن الأمريكي حينما أقدم على هذه الخطوة نتيجة الخسائر التي مُني بها على مدى كل الفترات الماضية يتوقع أن محور المقاومة لن يسكت إلا بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة. هل هذا دليل على أننا بدأنا؟ في الحقيقة منذ بداية تأسيس العمل المقاوم نحن في مواجهة مع الاستكبار الأمريكي في هذه المنطقة تارة بشكل مباشر وتارة بشكل غير مباشر. لا يُقال إنه اليوم بدأت المعركة مع الأمريكيين، فالمعركة معهم بدأت منذ اليوم الأول. الأمريكيون كانوا دائماً من الداعمين الأوائل للصهاينة وكانوا من الداعمين الأوائل للحكام وللسلطات التي ظلمت الشعوب والتي تحكمت وهيمنت على الشعوب وعلى مصالح ومنافع هذه الأمة.
مرحلة ما بعد اغتيال الحاج قاسم سليماني، مرحلة قلع الهيمنة الأمريكيّة
وأوضح سماحته: نحن دخلنا في مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع الاستكبار الأمريكي في المنطقة أي مرحلة قلع هذه الهيمنة وإخراج هذا النفوذ من المنطقة. فلنقل نحن في المقطع الأخير من مقاطع المواجهة التي بدأت منذ أربعين عاماً. نحن في المرحلة الأخيرة وهذه المرحلة الأخيرة عادة تكون الأصعب والأشد لأنه كما نعلم، في الوصول إلى القمة كلما اقتربت من القمة يزداد التعب ويزداد العناء لتصل إلى نتائج أفضل وهذا إن شاء الله سيحصل في هذه المنطقة.
وأشار سماحته الى أن الأمريكي كان قد وضع لنفسه ضوابط فيما يرتبط بحياة الشهيد الحاج قاسم سليماني، تجاوز هذه الضوابط نتيجة الخلل غير المسبوق الذي شعره به على المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي في العراق وفي المنطقة، فاتخذ القرار بارتكاب هذه المغامرة، وهي مغامرة؛ لماذا لم يقدم عليها في الماضي؟ لأنه يعرف أن ردة الفعل ستكون قاسية وصعبة. حينما يقبل الأمريكي أن يتحمل ردة الفعل القاسية والصعبة، يكون معنى ذلك أنه في وضع صعب جداً جداً ولهذا هو أقدم على مثل هذه الخطوة والتي وصفناها بأنها خطوة غبية وليست ذكية على الإطلاق، والنتائج ستؤكد إن شاء الله كل هذا الكلام.
واكد سماحته، أن دماء الحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس قلبت المنطقة،كل المنطقة. فشعوب المنطقة استيقظت على حقيقة كانت بأمس الحاجة أن تعرفها وأن تراها وأن تشهدها، وأنا أقول لك أن الأمريكي ساعد على ذلك سواء بطريقة الاغتيال أو بما أعلنه لاحقا من صفقة القرن. الذي يرفض صفقة القرن سيجد نفسه حتما إلى جانب دماء الحاج قاسم سليماني والذي يحب الحاج قاسم سليماني والمقاومة سيجد نفسه حتما بوجه صفقة القرن؛ فاليوم نحن سنشهد وبدأنا نشهد حالة شعبية مقاومة كبيرة، وهذا الذي يعوَّل عليها عادة؛ فالمقاومات الصادقة لا تعول على الدول الاستكبارية والظالمة، بل وتعتمد على شعوبها وتعول على شعوبها. أعتقد أنّ الشعوب في منطقتنا عرفت جيداً من هو الحاج قاسم سليماني، وستكون جاهزة إن شاء الله. أنظر إلى المظاهرات في اليمن، أنظر إلى فلسطين، أنظر إلى لبنان وكذلك مظاهرات العراق الضخمة والتشييعات الضخمة والمظاهرات المليونية. إذن نحن أمام حركة جديدة إن شاء الله تنمو يوما بعد يوم وبفضل هذا العمل المقاوم المستمر ستحقق إن شاء الله المراد والمبتغى المطلوب منها.
المصدر : موقع الامام الخامنئي